عبء عسكرة العلاقات الأمريكية الخليجية
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
عبء عسكرة العلاقات الأمريكية الخليجية
استفادت الصين من الاستقرار الخليجى، الذى تؤمنه واشنطن لها مجانا، فى وقت وسعت وأصبحت الشريك التجارى الأكبر لدول المنطقة.
وفرت واشنطن مظلة أمنية لدول المنطقة، وبدأت تتعامل مع دول الخليج الست كوحدة واحدة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية لها فى المنطقة.
أمريكا المصدر الرئيس لسلاح وعتاد وتدريب جيوش دول الخليج، وتجمعها اتفاقيات عسكرية ومناورات ثنائية متعددة بها، وأخرى جماعية فى الوقت ذاته.
تتمتع الصين بعلاقات قوية بالجانب الإيرانى المقابل فى الخليج، وهو ما أتاح لها ضمان مكانتها كصديق مقرب وشريك موثوق به لأكبر منتجى النفط والغاز فى العالم.
ساهمت بيروقراطية صنع السياسة الأمريكية في عدم الخروج من نمط التفكير التقليدي في الاعتماد على أن العلاقات العسكرية بدول الخليج أهم من باقي مجالات العلاقات.
مبدأ كارتر: «أي محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأى وسيلة ضرورية، بما فى ذلك القوة العسكرية».
* * *
لا ينافس أحد الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج العربى، فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية ونجاحها فى التأسيس لنظام سياسى معاد للمصالح الأمريكية، وفرت واشنطن مظلة أمنية لدول المنطقة، وبدأت تتعامل مع دول الخليج الست كوحدة واحدة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية لها فى المنطقة.
وكان إعلان الرئيس، جيمى كارتر، فى خطاب حالة الاتحاد عام 1980 أن «أى محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربى بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأى وسيلة ضرورية، بما فى ذلك القوة العسكرية» رسالة جادة ومباشرة لمن يفكر فى الاقتراب عسكريا من الخليج.
نفذت واشنطن ما تعهدت به خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية والتى استمرت خلال عقد ثمانينيات القرن الماضى، حيث وفرت الحماية لأساطيل تصدير النفط والغاز الخليجى للعالم، ثم تدخلت ضد غزو العراق للكويت في بداية تسعينيات القرن الماضى، وكذلك أرسلت مئات الآلاف من جنودها لتحرير الكويت.
ينتشر اليوم لواشنطن ما يقرب من 40 ألف جندى بمختلف دول مجلس التعاون الخليجى، ولها كذلك قواعد عسكرية ضخمة فى أغلب دول المنطقة. وتعد واشنطن المصدر الرئيس لسلاح وعتاد وتدريب جيوش دول مجلس التعاون الخليجي، وتجمعها كذلك اتفاقيات عسكرية ومناورات ثنائية متعددة بهذه الدول، واتفاقيات ومناورات جماعية لدول مجلس التعاون الخليجى فى الوقت ذاته.
• • •
خلال نفس الفترة التى ركزت فيها الولايات المتحدة على الجانب العسكرى من العلاقات بدول الخليج، نما وجود الصين فى دول الخليج بشكل كبير فى جميع مجالات الاقتصاد والتجارة ومظاهر القوة الناعمة.
وترى بكين حاليا أن مصالحها بالشرق الأوسط تُخدم بشكل أفضل من خلال التركيز على التجارة والابتعاد عن الشئون الأمنية والعسكرية. ونجحت بكين فى أن تصبح الشريك التجارى الأكبر، وربما الأهم، لكل دول مجلس التعاون الخليجى.
كذلك تتمتع الصين بعلاقات قوية بالجانب الإيرانى المقابل فى الخليج، وهو ما أتاح لها ضمان مكانتها كصديق مقرب وشريك موثوق به لأكبر منتجى النفط والغاز فى العالم.
وبالفعل أصبحت الصين الشريك التجارى الأول مع كل من السعودية وإيران، وكلتاهما دولتان حيويتان لمصالح الصين الاستراتيجية الخاصة، لا سيما حاجتها إلى مصادر موثوقة للنفط فى وقت تستورد فيه الصين النفط بوتيرة تبلغ حوالى 10 ملايين برميل يوميا، وفقا للبيانات الصينية الرسمية، وهو رقم يُتوقع استمراره فى الارتفاع خلال السنوات القادمة. ونجحت الصين فى لعب دور هام سمح بتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران بعد قطعها لسنوات.
رغم بعض التقارير الأمريكية عن سعى الصين وضع موطئ قدم عسكرى لها في الإمارات العربية يكون بمثابة نواة لتواجد عسكرى أوسع بمنطقة الخليج، لا يبدو أن دول الخليج لديها أي استعداد بعد لمد نطاق التعاون الثنائى مع الصين لجانبه العسكرى، ولا يبدو كذلك أن الصين فى عجلة من أمرها فيما يتعلق بالتواجد العسكرى فى الخليج.
* * *
دفع نجاح بكين فى مارس الماضى فى التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتركيز البيت الأبيض على ملفات وقضايا المواجهة الأكبر مع الصين خاصة فى منطقة المحيطين الهندى والهادى، لخروج بعض المعلقين بآراء مفادها أن واشنطن تخسر نفوذها وبسرعة فى الخليج.
كما يضيف استمرار العداء الأمريكى الإيرانى الكثير للدفع وإبراز الجانب العسكرى فى علاقات واشنطن الخليجية، ويؤدى التعثر المتكرر والمستمر لإحياء الاتفاق النووى الإيرانى إلى وجود أسباب لتوتر مياه الخليج والتأكيد على دور واشنطن العسكرى فى حماية تصدير النفط والغاز، وهو ما يخدم المصالح الصينية والخليجية بصور مباشرة وغير مباشرة، إلا أنه لا يخدم مصالح واشنطن خاصة فيما يتعلق بمواجهتها الحتمية للصعود الصينى.
خلال سنوات حكمه الأربع، قال الرئيس السابق دونالد ترامب فى عدة مناسبات إن على الدول الخليجية أن تبدأ فى الدفع مقابل توفير المظلة الأمنية والحماية العسكرية الأمريكية لدولهم. ويؤمن قطاع كبير من الشعب الأمريكى أن بلاده تخسر الكثير من الأموال نتيجة تواجد قواته فى الخليج، وتعد عملية إرسال قوات للمنطقة مكلفة للغاية.
وفى الوقت الذى لم تعد الولايات المتحدة تستورد النفط من الشرق الأوسط، برزت أصوات تطالب بالتقشف فيما يتعلق بحماية الخليج عسكريا. وعقب حادثة هجوم طائرات مسيرة على منشآت شركة أرامكو السعودية فى سبتمبر 2019، لم ترد واشنطن عسكريا على الحوثيين الذين أعلنوا مسئوليتهم، ولا على إيران التى يُعتقد على نطاق واسع قيامها بتلك الهجمات.
وأكدت هذه الحادثة مخاوف السعودية من هشاشة علاقاتها العسكرية بواشنطن خاصة مع مطالبة ترامب الرياض بدفع مليارات الدولارات تكلفة إرسال جنود أمريكيين عقب هذه الهجمات.
* * *
ساهمت بيروقراطية صنع السياسة الأمريكية على عدم الخروج من النمط التقليدى فى التفكير والاعتماد على أن العلاقات العسكرية مع دول الخليج هي أهم من بقية مجالات العلاقات.
وسمح ذلك للصين بالاستفادة من الاستقرار الخليجى، الذى تؤمنه واشنطن لها مجانا، فى وقت وسعت وأصبحت الشريك التجارى الأكبر لدول المنطقة. ولم تعد دول الخليج تكترث بالقلق الأمريكى من زيادة تعاملها واعتمادها التكنولوجى على الصين خاصة فيما يتعلق بشبكات الجيل الخامس، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى.
فى الوقت ذاته، يخشى الكثير من معلقى دول الخليج من إمكانية إقدام واشنطن على بيع المصالح الاستراتيجية فى الخليج من أجل «صفقة كبرى» مع إيران، وهى مخاوف لا مبرر لها إذ تقوم سياسة واشنطن تجاه طهران بمراعاة حسابات ومخاوف وضغوط إسرائيل، وليس الحسابات الخليجية أو العربية.
*محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا الصين إيران الاستقرار الخليج كارتر السعودية المصالح الاستراتيجية صفقة كبرى مجلس التعاون الخليجي دول مجلس التعاون لدول المنطقة النفط والغاز دول المنطقة دول الخلیج فیما یتعلق فى الخلیج فى الوقت
إقرأ أيضاً:
انطلاق المباحثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية
عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا، يفيد بـ انطلاق المباحثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية.
وأبرزت وكالة الأنباء السعودية واس، البيان المشترك الصادر عن السعودية وأوكرانيا، حيث أشادت المملكة العربية السعودية وأوكرانيا بمتانة الروابط الاقتصادية، وأهمية العمل المشترك لتنمية حجم التبادل التجاري، وترحيبهما بإعادة إنشاء مجلس الأعمال السعودي الأوكراني المشترك خلال العام الحالي 2025م.
وبحسب البيان المشترك، أكد الجانبان عزمهما على تعزيز العلاقات الاستثمارية من خلال إنشاء شراكات استثمارية واقتصادية واعدة في القطاعات ذات الأولوية للبلدين.
وجاء في البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة الرسمية لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي للمملكة، أنه في إطار العلاقات المتميزة والتعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وأوكرانيا، قام رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية بتاريخ 10 رمضان 1446هـ الموافق 10 مارس 2025م.
واستقبل الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في قصر السلام بجدة، وعقدا جلسة مباحثات رسمية، استعرضا خلالها أوجه العلاقات المميزة بين البلدين الصديقين، وعبرا عن رغبتهما في تعزيزها في جميع المجالات.
وبحسب البيان قدم رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي التهنئة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة فوز مدينة الرياض باستضافة معرض إكسبو الدولي 2030، وفوز المملكة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034.
وأشاد الجانبان، بمتانة الروابط الاقتصادية بين البلدين الصديقين، ونوها بأهمية العمل المشترك لتنمية حجم التبادل التجاري، الذي بلغ نسبة نمو (9%) في العام 2024م، واتفقا على ضرورة تذليل التحديات التي تواجه تنمية العلاقات التجارية، وأهمية تكثيف الزيارات الرسمية، وزيارات الوفود التجارية والاستثمارية المتبادلة، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة، وبحث الفرص المتاحة في البلدين، بما في ذلك مشاريع رؤية المملكة 2030، وبرامج إعادة إعمار أوكرانيا.
ورحب الجانبان بإعادة إنشاء (مجلس الأعمال السعودي الأوكراني المشترك) خلال العام الحالي 2025م.
وأكد الجانبان عزمهما على تعزيز العلاقات الاستثمارية من خلال إنشاء شراكات استثمارية واقتصادية واعدة في القطاعات ذات الأولوية للبلدين، بما فيها قطاع الطاقة، والصناعات الغذائية، والبنى التحتية، ورحبا بالتواصل المستمر للقطاعين الحكومي والخاص في البلدين من خلال ورش العمل، وتبادل الزيارات، وعقد المنتديات والفعاليات الاستثمارية المشتركة، وتمكين القطاع الخاص، وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار، ومعالجة أي تحديات تواجه المستثمرين.