تصميم السياسة في منطقتنا عبر الرُهابات
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
تصميم السياسة في منطقتنا عبر الرُهابات
كثرت هذه المخاوف بشكل كبير جدا لدرجة أننا أصبحنا نصادف أنواعا جديدة منها في كل يوم.
إدراك المخاوف وفهم كيفية التعامل معها أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأفراد، لكي يعيشوا حياة أكثر سلامة وأكثر توازنا.
تسببت التحديات والتهديدات العالمية، مثل تغير المناخ والإرهاب والأوبئة في إثارة مخاوف واسعة النطاق لدى الشعوب.
الرُهابات، أو المخاوف المحيطة بالإنسان الحديث، احتلت عقله وأصابته بما هو أشبه بالضمور، فلم يعد قادرا على إدراك هويته أو على معرفة نفسه وذاته.
بموازاة تغير سريع في بنية مجتمع العصر الحديث تتطور المخاوف لكن إدراكها وفهم كيفية التعامل معها أمر بالغ الأهمية للأفراد، ليعيشوا حياة أكثر سلامة وأكثر توازنا.
ينبغي أن تكون المهمة والمسؤولية الأكبر على عاتق مثقفينا وسياسينا في تحذير الشعوب من أزمات تثيرها الرُهابات، فضلا عن زيادة مستوى الوعي في هذا الصدد.
تقوم مجموعات معينة بنشر مخاوف من شأنها أن تغير الأجندة المطروحة كل يوم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبر هذا من أساليب الحرب النفسية بالكامل.
تخضع منطقتنا لإعادة تصميم عبر الرُهابات أو المخاوف فهناك من يريد جعل الشعوب تعادي بعضها وينشر العداوة والكراهية بين العرب والأتراك والأكراد.
* * *
أصبحت الرُهابات، أو المخاوف تحيط بالإنسان الحديث من كل جانب، بل إنها احتلت عقله وأصابته بما هو أشبه بالضمور، فلم يعد قادرا على إدراك هويته أو على معرفة نفسه وذاته.
كل هذه الأمور، إلى جانب الحاجة للسرعة وحالة الغموض السائدة في الحياة الحديثة، أدت إلى ظهور العديد من أنواع الرهاب مثل، الرهاب الاجتماعي، أو رهاب الخلاء، أو الخوف من الفشل.
بالإضافة إلى ذلك، يسبب التدفق الكثيف والمتواصل للمعلومات والمقارنة الاجتماعية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي إلى ظهور مخاوف جديدة لدى الأفراد مثل عقدة النقص أو الفومو (الخوف من تفويت الفرصة).
كثرت هذه المخاوف بشكل كبير جدا لدرجة أننا أصبحنا نصادف أنواعا جديدة منها في كل يوم. وفي ما يلي بعض منها: النوموفوبيا (رهاب فقدان الهاتف المحمول)، والأفيوفوبيا (رهاب الطيران)، والباتوفوبيا (رهاب الاقتراب من المباني المرتفعة)، والزينوفوبيا (رهاب الأجانب)، والأغورافوبيا (رهاب الخلاء)، والمونوفوبيا (الخوف من الوحدة)، والأنتوموفوبيا (رهاب الحشرات)، والكيموفوبيا (رهاب الكيماويات)، والبينيافوبيا (رهاب الفقر)، والفاتفوبيا (رهاب السمنة)، والتستوفوبيا (رهاب الامتحانات)، والبانوفوبيا (الرهاب من كل شيء)، والأكروفوبيا (رهاب المباني العالية).
كانت لدى الأجيال السابقة أحلام وآمال في بداية الحداثة.. أمّا الآن، فأصبحت هناك مخاوف وقلق لدى الناس في هذا العصر المعروف بـ»ما بعد الحداثة»، أو «ما بعد الحقيقة».
كما أن تجارب البشر في القرنين العشرين والحادي والعشرين، أبعدت الإنسانية عن كل ما هو إنساني. ونرى اليوم مع الأسف كيف تحولت حالات النرجسية، وانعدام الثقة والتضامن، والفردية المفرطة، والعصاب والهستيريا إلى أعراف اجتماعية، لاسيما مع انهيار الحياة الاجتماعية في عصرنا.
لا شك في أن التطورات التكنولوجية السريعة، والعولمة، والتغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الحديث، أدت إلى حدوث تغيرات في طبيعة مخاوفنا، وحالتنا النفسية. هذه المخاوف تظهر أحيانا على شكل أمور محددة وواضحة مثل الرُهابات، وأحيانا أخرى تظهر على شكل قلق، واضطرابات، ومخاوف عامة.
ومع التطور التكنولوجي وظهور الواقع الافتراضي والتحول الرقمي، يواجه الناس الآن مخاوف جديدة مثل رهاب وسائل التواصل الاجتماعي، والخوف من الواقع الافتراضي، ورهاب الذكاء الاصطناعي.
وفي جذور هذه المخاوف كلها، تكمن صعوبة التكيف مع التغيرات التكنولوجية، والهواجس المتعلقة بالخصوصية، والتأثيرات السلبية المحتملة للتكنولوجيا على الإنسانية.
أدت العولمة أيضا إلى زيادة التفاعل بين الثقافات المختلفة، وحدوث أكبر تدفق للاجئين في التاريخ، جعل هذا التفاعل أكثر شيوعا، ولكن في الوقت نفسه، تسبب هذا الوضع بزيادة إصابة بعض الأفراد بمخاوف من قبيل الزينوفوبيا (رهاب الأجانب).
ومن ناحية أخرى، تسببت التحديات والتهديدات العالمية، مثل تغير المناخ والإرهاب والأوبئة في إثارة مخاوف واسعة النطاق لدى الشعوب.
وعلى سبيل المثال، تقوم مجموعات معينة بنشر مخاوف من شأنها أن تغير الأجندة المطروحة كل يوم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبر هذا من أساليب الحرب النفسية بالكامل.
تخضع منطقتنا اليوم من دون شك لإعادة تصميم عبر الرُهابات أو المخاوف. فهناك من يحاول جعل الشعوب تعادي بعضها بعضا، كما يحاولون أن ينشروا العداوة والكراهية بين العرب والأتراك والأكراد في المنطقة.
وفي بعض الأحيان يتم تقديم أمثلة ونماذج من التاريخ، وأحيانا من الهجمات العنصرية المتزايدة في الوقت الحاضر، وهناك جهد يبذل لتأليب الشعوب المسلمة ضد بعضها بعضا من خلال المخاوف، ولذلك، يجب على شعوبنا وسلطاتنا السياسية أن ترى المؤامرات التي يراد تنفيذها ضد منطقتنا عبر استخدام وإثارة هذه المخاوف.
خلاصة الكلام؛ تتطور المخاوف بالتوازي مع التغير السريع لدى بنية مجتمع العصر الحديث. ومن المؤكد أن إدراك هذه المخاوف وفهم كيفية التعامل معها أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأفراد، لكي يعيشوا حياة أكثر سلامة وأكثر توازنا. وينبغي أن تكون المهمة والمسؤولية الأكبر على عاتق مثقفينا وسياسينا في تحذير الشعوب من الأزمات التي ستثيرها الرُهابات، فضلا عن زيادة مستوى الوعي في هذا الصدد.
*توران قشلاقجي كاتب تركي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: رهاب أزمات مخاوف العولمة الشعوب وسائل التواصل الاجتماعي الحرب النفسية وسائل التواصل الاجتماعی کل یوم
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني في حالة رعب واستنفار بعد انتهاء مهلة “الأربعة أيام”
في مشهد يعكس حالة الهلع التي يعيشها الكيان الصهيوني، أفادت وسائل إعلام عبرية مساء الإثنين بأن سلاح الجو الإسرائيلي قام بتعزيز جاهزيته تحسبًا لهجمات محتملة من اليمن، وذلك بعد انتهاء المهلة التي أعلن عنها السيد القائد والمحددة بـ “الأربعة أيام”. ونقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مصادر أمنية مزعومة قولها إن الكيان الصهيوني يتخوف من استئناف جماعة “أنصار الله” لنشاطها العسكري، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه أراضيه المحتلة. وأشارت الصحيفة إلى أن الكيان يعيش في حالة من الرعب والاستنفار، حيث تم وضع أنظمة دفاعية مثل منظومة “حيتس” في حالة تأهب قصوى. لكن هذه التخوفات المبالغ فيها من قبل الكيان الصهيوني لا تثير سوى السخرية، خاصة في ظل سجلّه الطويل في انتهاك حقوق الشعوب وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين. فبينما يتحدث عن “تهديدات” قادمة من اليمن، يتجاهل الكيان جرائمه اليومية في فلسطين، والتي تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني. من الواضح أن الكيان الصهيوني، الذي يعتمد على سياسة الترهيب والعدوان، يعيش في حالة من الفوبيا من أي رد فعل قد يهدد أمنه الوهمي. فبعد عقود من الاحتلال والقتل والتدمير، أصبح الكيان يرى شبح المقاومة في كل مكان، حتى من دول تبعد عنه آلاف الكيلومترات. وفي الوقت الذي يدعي فيه الكيان “الدفاع عن نفسه”، فإن العالم يشهد يوميًا جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يواجه أبشع أنواع القمع والقتل. فليست الصواريخ اليمنية هي التهديد الحقيقي، بل جرائم الكيان الصهيوني التي تستحق الإدانة العالمية. ختامًا، فإن حالة الرعب التي يعيشها الكيان الصهيوني ليست سوى دليل على فشل سياساته العدوانية، وتعكس خوفه المتزايد من صحوة الشعوب التي لم تعد تقبل بالظلم والاحتلال. فالكيان الذي يعتقد أنه بمقدوره قتل الأبرياء دون حساب، سيكتشف عاجلًا أم آجلًا أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى.