القوة الهندية والتوجُّه عربياً
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
بقلم/ عبد الرحمن الراشد
يوسف الشيراوي ، وزير التنمية والصناعة في البحرين ، كانَ في مجلسِ الوزير والأديبِ وصديقِ الروح غازي القصيبي ، رحمهما الله ، يكرّر القولَ : ستفاجئكم الهند ، الهند هي المستقبل. ولم يكن أحدٌ منَّا في نهاية التسعينات يرى ذلك ، ولا يأخذه على محمل الجد.
لم تكنِ الهندُ فقط بلداً فقيراً ، بل كانت كلَّ عامٍ تزداد فقراً ، إضافة إلى مخاوفِ الصراعاتِ والتفكك لشبه القارة الهندية.
ما دفع الشيراوي للتفاؤل متابعتُه لبرنامج إصلاحي أعلنته في عام 1999. كانت الهندُ مركزَ الإمبراطورية البريطانية خارجَ بلادها، ومنها كانت تديرُ نصفَ العالم العربي.
بعد ربع قرنٍ على نبوءة المرحوم الشيراوي نرى اليوم نهضة الهند معجزة تحققت. هي واحدة من القوى الاقتصادية الثلاث الكبرى، مع الولايات المتحدة والصين. مناسبة الحديث حيث نوجد في دلهي، استضافتها قمة العشرين العالمية.
الهنود لا يشبهون الأميركيين والصينيين، هم أقل ضجيجاً. بوصفها قوة صاعدة ، لديهم طموحات كبيرة مثل الصين ، صاحبة مشروع الطريق والحزام العملاق ، لدى الهند مشروع استراتيجي «شرق غرب» ، سياسي اقتصادي.
ويقال سيطرحه مودي على هامش القمة، ويشمل مشروعَ خطٍ حديدي سيربط الهندَ بالرياض ومدن العالم العربي ثم أوروبا.
العلاقة العربية بالهند وثيقة تاريخياً وحاضراً. هناك أكثر من ثمانية ملايين هندي في دول الخليج العربية ، منهم يأتي نحو نصف تحويلات مواطني الهند المالية في الخارج.
وتستورد ثلث نفطِها من الخليج أيضاً؛ حيث إنَّها سادسُ مستهلك للطاقة في العالم، ومع نمو اقتصادها ستزداد استهلاكاً وشراء للبترول.
هذه هي البداية فقط، فالهند أسرع نمواً من الصين والولايات المتحدة. لهذا ، يشجع الأميركيون الهندَ على لعب دور أكبر اقتصاديا وسياسيا في منطقة الشرق الأوسط والعالم لمزاحمة الصين.
ودلهي لا تحتاج إلى تحفيز ، فبينها وبين بكين ما صنع الحداد ، خلافاتٌ حدودية ، واشتباكات عسكرية ، وتسابقٌ اقتصادي.
الهند السابعة مساحة والأولى سكاناً ، والصين الثالثة مساحة والثانية سكاناً.
عملاقان يطلبان الودَّ وسياسة السعودية ، كما نرى ، الاحتفاظ بعلاقة إيجابية معهما.
الكثير قيل عن رئيس وزرائها ، ناريندرا مودي ، في السلطة منذ 2014. هندوسي قومي متعصبٌ وكارهٌ للمسلمين والعرب.
هذه مبالغاتٌ مصدرُها المتطرفون ، وهذا لا ينفي أنَّه كانت عنده صورة مظلمة حول منطقتنا. مودي انفتح على العالم العربي سريعاً وأصبح قريباً من دول الخليج بحكم حجم الجالية الهندية الكبير والتبادل التجاري المهم للجانبين. لاحقاً، أصبح مودي أقربَ مسؤولٍ هندي للمنطقة في تاريخها. كانت العلاقة قبله أقل من عادية. الذي يُفشل التقارب ، العلاقة القوية بباكستان، العدو التقليدي، وانعكاس التوترات الطائفية بين المسلمين وبقية مكونات الهند، والتطرف والإرهاب المنتسِب للمسلمين ، الآتي من خارج الهند. بعد التقارب تفهَّم الجانبان رأي كل طرف، وسعيا إلى التعاون.
فالعلاقة بباكستان ، مثل علاقة الهند الاستراتيجية بإسرائيل وعلاقتها بإيران ، حق سيادي ما دام أنه لا يستخدم ضد مصالح الطرف الآخر.
ويدرك مودي أنَّ التطرفَ عند فئة من المسلمين موجودٌ مثله عند بقية أتباع الأديان الأخرى في بلاده ، كما يعاني منه المسلمون في العالم. والحلُ في التعاون معاً لمحاربته.
وبإمكان السعودية اليوم المساهمة بشكل أكبر في هذا الجانب. لا ننسى أنَّ الهندَ هي الدولة الثالثة في العالم في عدد المسلمين بعد إندونيسيا وباكستان ، نحو مائتي مليون.
لقد أثبتَ الهنود ، على اختلاف خلفياتهم الثقافية ، أنَّهم شعبٌ تغلَّب على صعاب الاندماج ، وعمَّ بلدهم الاستقرار رغم ضخامة سكانه ، وتنوعهم العرقي والديني.
بدأ الهنود نهضتَهم الهندية مبكراً منذ مطلع الخمسينات. بعد استقلال بلادهم، أنشأ نهرو، أولُ رئيسِ وزراء، المعاهدَ الهندية السبعة الأولى في التكنولوجيا، ولاحقاً أسست المعاهد الهندية الستة في إدارة الأعمال. لكنَّها لم تزهر وتثمر إلا بعد نصف قرن نتيجة سوء الإدارة الحكومية.
اليوم نخبة قياديي شركات التقنية الكبرى في الولايات المتحدة جاءوا من الهند ، والبلاد نفسها تعيش ثورة تقنية كبرى.
نقلاً عن الشرق الاوسط
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
"فورين بوليسي": الهند المستفيد الأكبر من سياسات ترامب وصفقاته مع القوى العالمية الأخرى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن فترة حكم رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" اتسمت بالتحالف مع قوى أجنبية متعددة، والعمل على إخراج بلاده من الطريق المسدود المتمثل في سياسة "عدم الانحياز" التي استمرت على مدى العقد الماضي.
وأوضحت المجلة أنه خلال زيارته واشنطن قبل أيام ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمكن مودي من الاطلاع بوضوح على كيفية تطوير ترامب لتحالفاته الخاصة، معتبرة أن جهوده لتخفيف التزامات الولايات المتحدة تجاه أوروبا، والتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومغازلة الرئيس الصيني شي جين بينج علنا، تمثل قطيعة تاريخية مع فكرة النظام الدولي القائم على القواعد والمدعوم بالقوة الأمريكية والغرب الجماعي.
كما أن رؤية ترامب "أمريكا أولا" تشير إلى أن الرئيس الأمريكي يبحث حاليا عن "صفقات" ثنائية مع قوى أخرى لتأمين المصالح الأمريكية. وإذا نجح ترامب في ذلك، فقد تصبح التحالفات المتعددة هي القاعدة بين القوى الكبرى في النظام الدولي.
ورأت المجلة الأمريكية أن مودي بدفعه الهند إلى الاقتراب من الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، فقد تخلى عن أحد المبادئ المهمة وغير المعلنة لسياسة عدم الانحياز الهندية طويلة الأمد، والمتمثلة في الحفاظ على مسافة سياسية من الولايات المتحدة بشأن القضايا العالمية والإقليمية. وإن كان قد اختار، في الوقت نفسه، الحفاظ على شراكة بلاده القديمة مع روسيا، وعلى حوار صعب مع الصين وسط توترات حدودية مستمرة وعجز تجاري متزايد، وكذلك تكثيف المشاركة مع القوى الرئيسية في القارة الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكذلك الاتحاد الأوروبي.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم ما سبق، لا يمكن إنكار مركزية الولايات المتحدة في تعدد تحالفات الهند. فالواقعيون في نيودلهي يدركون أهمية الشراكة مع واشنطن لتسريع التحديث الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري للهند، مع ضرورة مراعاة حاجة الهند إلى الاحتفاظ بحرية العمل وتجنب فخاخ ربط مصيرها بقوة عظمى من المؤكد أن مصالحها ستتغير بمرور الوقت.
ونوهت إلى أن نيودلهي وبعد أن استشعرت الزلازل السياسية والجيوسياسية في واشنطن، دفعت باتجاه عقد اجتماع مبكر بين مودي وترامب لإضفاء الاستقرار على العلاقات الثنائية.
وإدراكا منها لأهمية الهجرة غير الشرعية والتعريفات الجمركية بالنسبة للمؤسسة الجديدة في واشنطن، تحركت حكومة مودي بسرعة لمعالجة كلتا القضيتين، حيث وافقت على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الهند وتسريع المفاوضات بشأن اتفاقية تجارية.
كما أن الهند، وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت أنها ستخفض بعض التعريفات الجمركية، بما في ذلك على السيارات والدراجات النارية، التي تؤثر على المنتجين الأمريكيين. كما تستكشف الهند إمكانية زيادة واردات الطاقة من الولايات المتحدة، بما في ذلك النفط والغاز والمفاعلات النووية المدنية.
وحيث يريد ترامب أن تشتري الهند المزيد من الأسلحة أمريكية الصنع، وافق مودي على إنهاء بعض الصفقات قيد التفاوض في مقابل موافقة ترامب على مراجعة القيود الحالية على التعاون الدفاعي مع الهند والصادرات إليها.
وبعيدا عن الدفاع، قرر الزعيمان أيضا البناء على التعاون واسع النطاق في مجال التكنولوجيات الحرجة والناشئة التي تم الاتفاق عليها في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فيما يسعى الجانبان بقوة لرؤية نتائج ملموسة لهذا التعاون بحلول الوقت الذي يزور فيه ترامب نيودلهي لحضور قمة الحوار الأمني الرباعي في وقت لاحق من العام الجاري.
وبينت المجلة الأمريكية أنه على النقيض من القلق واسع النطاق في الهند من أن ترامب قد يحرج مودي علنا خلال لقائهما، أبدى الرئيس الأمريكي الكثير من حسن النية تجاهه مقارنة بحلفاء تقليديين للولايات المتحدة. وقد يكون جزء من الفضل في هذه المعاملة يعود –في رأي المجلة- إلى ميل ترامب المفترض إلى معاملة القادة الأقوياء - بما في ذلك الخصوم - باحترام أكبر من الزعماء الحلفاء من الأوروبيين والآسيويين، الذين يبدو أنه ينظر إليهم على أنهم أقل قوة.
وترى "فورين بوليسي" أن الهند تبدو اليوم في وضع أفضل من معظم القوى الكبرى في التعامل مع تعطيل ترامب للنظام العالمي وتوازن القوى بعد عام 1945. فعلى سبيل المثال، سوف تستفيد الهند من حماس ترامب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتحسين العلاقات مع بوتين، حيث ستعلن بلا شك تأييدها لمبادرة ترامب للسلام في أوكرانيا، خاصة وأن العواقب الاقتصادية والجيوسياسية للحرب في أوكرانيا شكلت تحديا كبيرا للهند. لذا، سوف تقدر الهند بشكل خاص التأثير الذي قد تخلفه التسوية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا وتخفيف العقوبات أو إزالتها على أسعار النفط، لاسيما وأن نيودلهي مستهلك رئيسي للهيدروكربونات وتستورد معظمها.
وأوضحت المجلة أن استفادة نيودلهي لن تقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل ستمتد إلى الجوانب السياسية أيضا، خاصة وأن الصراع مع روسيا في أوروبا شجع الغرب على التقرب من الصين. وتأمل نيودلهي أن يساعد التوفيق المستدام بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأمن في أوروبا على تركيز طاقات واشنطن على استقرار آسيا، ومحاولة ترامب إقناع بوتين اتباع سياسة أكثر استقلالية في آسيا بدلا من الدعم الحالي لسياسات الصين في القارة.
وحول العلاقات الأمريكية الآسيوية، ذكرت "فورين بوليسي" أن الظاهر يشير إلى ترحيب الهند باتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا، إلا أن حرص ترامب على "التوافق" مع الرئيس الصيني يرسل إشارات متضاربة بهذا الصدد. ففي حين يشغل الصقور الجمهوريون من المناوئين للصين مناصب رئيسية في فريق الأمن القومي لترامب، نجد الأخير يترك الباب مفتوحا أمام صفقة كبيرة محتملة مع شي.
وتساءلت المجلة عما إذا كان ترامب يفكر في صفقة كبرى مع الصين في آسيا، بنفس الطريقة التي يحاول بها عقد صفقة مع روسيا في أوروبا؟ وأشارت المجلة –في هذا الصدد- إلى أنه رغم أن الهند، ستكون أقل عرضة من اليابان وكوريا الجنوبية، وبشكل أكثر وضوحا تايوان، من أي تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه الصين، إلا أن التحديات الاقتصادية والأمنية التي ستواجه نيودلهي ستصبح حينها أكبر بالتأكيد.
ودللت المجلة الأمريكية على ما ساقته بشأن الصفقة المحتملة بالإشارة إلى أنه عندما سعى أحد المراسلين الهنود إلى إغراء ترامب بالحديث بقوة عن الصين خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع مودي، رفض ترامب ذلك. وأكد بدلا من ذلك رغبته في التفاهم مع شي. وأشار إلى الصراع الحدودي بين الهند والصين، عارضا المساعدة في حلحلته إذا طلب منه ذلك.
وأخيرا، لفتت المجلة الأمريكية إلى أن هناك فصيلا في نيودلهي يعتقد أن التسوية مع بكين على وشك الحدوث، وأن الهند لابد أن تستمر في الضغط من أجل ذلك. وبقدر ما قد تكون هذه التسوية جانبا آخر من استراتيجية التحالفات التعددية (تحالف صيني هندي)، إلا أنها غير واقعية في الوقت الحاضر، نظرا لعدم التكافؤ الهائل في القوة الذي يعطي الصين اليد العليا، ما يفرض على الهند التركيز على بناء علاقات أقوى مع الولايات المتحدة حتى في حالات سعيها لبناء تحالفات تعددية مع قوى أخرى بجانب واشنطن.