وكيل الأزهر يشيد بمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
نقل الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر تحيات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وتمنياته للحضور بالتوفيق والسداد، والخروج من مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتوصيات جادة تعمل على توطين العمل البناء والاجتهاد المثمر في ظل ما تتعرض له أوطاننا من محاولات تستهدف قوتها وقيمها.
وأعرب وكيل الأزهر، عن سعادته بهذا التوفيق الذي حالف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف في طرح قضية في غاية الأهمية، حيث يجمع المؤتمر في عنوانه بين واجبات مجتمعية وضوابط ضرورية، فأما الواجبات المجتمعية فهي تلك المستجدات المتسارعة، ومنها هذا الفضاء الإلكتروني الذي أصبح أداة فاعلة في أيدي الأمم لتعظيم الثروة وتمكين السلطة وتحقيق المجد وترسيخ الهوية.
وأما عن الضوابط الضرورية فهي تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، وهذه التحديات المفروضة علينا إما أن ندير لها ظهورنا، وإما أن نتلقاها بأكف العمل فنكون إيجابيين بحسن الاستثمار والتفاعل المثمر للحياة ونكون أهلًا للخيرية التي وصف الله بها الأمة، ومع إقرارنا بأن الفضاء الإلكتروني يحمل من الإمكانيات ما يساعد المؤسسات والحكومات والمجتمعات على تحقيق أهدافها فإن من تمام الوعي أن ندرك ما يحمله هذا الفضاء من تحديات توجب علينا حماية فكرنا وثقافتنا وقيمنا من محاولات الاختطاف من قبل أفكار مغلوطة ومشروعات منحرفة تبث سمومها عبر هذا الفضاء الإلكتروني، مؤكدًا أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بقيادته الواعية قد وفق في اختيار موضوع المؤتمر لهذا العام، وهذا إنما يؤكد الوعي التام للمؤسسات الدينية بما يحمله الواقع من إمكانيات وما يمكن أن يمثله الفضاء التكنولوجي من تنوع، وإن الواقع ليؤكد أن الواقع يحمل العديد من التحولات العميقة نتيجة النمو المتشعب والتي أدت بدورها إلى ظهور نشاطات مختلفة على المستوى العالمي، ومن أبرز هذه التحولات التكنولوجيا الحديثة التي جعلت العصر الحالي عصر الثورة الرقمية والالكترونية، التي تمارس نشاطها عبر فضاء إلكتروني يجب أن نجعل له قواعد حازمة حتى نتمكن من استثماره.
ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن التعامل مع لوحة مفاتيح الحاسوب بضغطة أزرار هو ضغط على مكانة مجتمعات وهوية أمم ومقدرات شعوب، كما يعد هذا العطاء الحاضر من آثار التكنولوجيا الحديثة في أحد أوجهه نعمة من نعم الله على الخلق، وحق النعمة أن تشكر، وشكرها يكون باستعمالها استعمالًا صحيحًا ويوصل الإنسانية إلى سعادتها دنيا وآخرة، وإحدى آليات شكر هذه النعمة توظيفها في الخطاب الديني بما يؤكد أن التجديد ليس أمرًا مقبولاً فحسب بل هو حق من حقوق العقل المسلم وضرورة حياتية، ومن هنا فإن الداعية بحكم وظيفته والأمانة التي تحملها مطالب بأن ينوع أساليب دعوته وأن يتبنى من الأدوات ما يعينه على أداء رسالته، فالإسلام لم يجعل وسائل الدعوة محدودة ولا جامده بل جاء بالإطار العام للمنهج قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، فالمطلوب في الدعوة الحكمة ومن ضمنها استخدام الوسيلة المناسبة التي تؤدي إلي الغرض المطلوب.
مشيرًا إلى أن الفضاء الإلكتروني قد يتحول إلى نقمه إذا أسيء استخدامه وما الإرهاب الالكتروني منا ببعيد، وهو نوع خطير يصعب تعقب منشئه ومروجه وخاصة حين يعمل على نشر الشائعات وتحريف المفاهيم وبث الأكاذيب والأباطيل والشبهات التي تشوه جمال الإسلام وتأخذ الشباب بعيدًا عن سعته إلى ضيق فهم وأحادية فكر وضلال رأي وما الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في أذهان الغرب عنا ببعيد، والجميع يعلم أن هذا الضلال المبين الذي ألصق بالإسلام زورا وبهتانًا هو نتيجة عملت عليها التكنولوجيا غير المنضبطة والأقلام المسمومة والألسنة الزائفة والعقول المستأجرة وقد جرأ هذا الفضاء غير المؤهلين من الناس أن يتصدروا على غير علم فيأخذوا الناس إما إلى التطرف وإما إلى الانحراف، وهذا الواقع المر يضعنا أمام أمانة عظيمة تحتاج إلى جهد كبير من المؤسسات الدينية كافة لوضع خطط عمل محكمة تخدم قضايا الإسلام.
مختتمًا حديثه بعدد من الرسائل الأولى أن الشعوب الواعية هي التي لا تضع رأسها في الرمال خوفًا بل هي التي تقتحم المستقبل بمنهجية مدروسة، والثانية أن ما تتيحه الرقمنة من إمكانيات لهو فرصة حقيقية لإعادة النظر في كثير من الأنشطة وحسن استثمار الموارد واتخاذ القرارات الصائبة، والثالثة أن تحقيق نهضة الأمة لا يتحقق إلا بالسير في خطين متوازيين خط ينطلق من الهوية المستقرة إلى مكونات واضحة والثاني خط ينفتح على تطورات العصر يمكننا من الاستفادة به، الرابعة علينا أن نعمل على زيادة الوعي بما يواجهنا من تحديات لنعرف ما يراد بأمتنا وأوطاننا وأن نقوى ثقة الناس بمؤسساته.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وكيل الأزهر الأزهر الإمام الأكبر شيخ الازهر
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس جامعة الأزهر: العداوة والبغضاء سبب عدم إقامة العدل والمساواة بين الناس
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء بالجامع الأزهر، ملتقى الأزهر الأسبوعي للقضايا المعاصرة تحت عنوان «العدالة في الإسلام ومفهوم المساواة»، بمشاركة الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس الجامعة للوجه القبلي، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأدار الملتقى الشيخ أحمد سنجق، الباحث بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى. من رواد الجامع الأزهر.
وفي بداية الملتقى قال الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر: إن الحق سبحانه وتعالى يأمرنا بالعدل والإحسان كما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" واقتران العدل والإحسان في هذه الآية الكريمة بمكارم الأخلاق دليل على أن الأخلاق هي أساس كل عمل صالح وأن العدل والإحسان هما في مقدمة مكارم الأخلاق، والعدل هو التوسط بين أمرين دون إفراط أو تفريط، والمراد به التسوية بين الناس في كل شيء، والوسطية في كل شيء هي المنهج الذي جاء به الدين الإسلامي، كما أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه "بالعدل" ليبين لنا أن العدل قيمة عظيمة لا بد لنا أن نتمسك بها، كما ورد أيضا في موضع آخر من القرآن الكريم ما يدل على العدل "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وهو تأكيد على أهمية العدل في ضبط التعامل بين البشر، وعلينا أن نلتزم بمعنى العدل في كل شيء في حياتنا التزامًا.
وحذر نائب رئيس جامعة الأزهر، من أن تكون البغضاء والعداوة بين الناس سببًا في عدم إقامة العدل والمساواة، لأن في هذا مخالفة صريحة لتوجيهات الحق سبحانه وتعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" كما أن العدل بين الناس يكون بميزان الشرع وليس بميزان الأهواء، والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على العدل في كل أمر من أمور الدنيا كما بين في حديثه أنه من السبعة الأبرار الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله "إمام عادل" لأن العدل به تستقر الأمور وتسود الطمأنينة، وفي حديث آخر "إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة" ليبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانة العدل في استقرار المجتمعات.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يغضب لقيمة العدل، وضرب أروع الأمثلة في ذلك بأن حلف أن يطبقه على أقرب الناس له إذا تطلب الأمر، فعندما أراد بعض الناس أن يشفع لامرأة سرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خطب في الناس قائلا: " إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وقال: والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدرس أن يعلمنا أن المجتمعات لا يمكن أن تستقر فيها الحياة بدون العدل، فاختلال المجتمعات إنما يكون بسبب غياب قيمة العدل في كل شيء.
وبين نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الصحابة رضوان الله عليهم عندما تأسوا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربوا أروع الأمثلة في العدل، فعندما رأى عمر رضي الله عنه مرة إبلاً ثمينة , فقال: (لمن هذه الإبل؟ قالوا: إنها لابنك عبد الله، قال: ائتوني به، فلما جاؤوا به, سأله: لمن هذه الإبل؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا فعلت؟ قال عمر لابنه: ويقول الناس: اسقوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، ارعوا هذه الإبل, فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين)، وهو دليل على أن القرابة لا يجب أن تكون سببًا في عدم إقامة العدل.
من جانبه قال الدكتور على مهدي، أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأزهر، إن الإسلام هو دين العدالة، والعدالة ركن هذا الدين العظيم، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية شاهدة بشكل نظري وعملي على أن الدنيا لم تعرف أمة أقوم سبيلا وأهدى إلى تطبيق العدل في كثير من المواقف، من أمة الإسلام، لأنها أمة تعبد ربًا وصف نفسه بالعدل، كما أنها مأمورة بإقامة العدل ولو على نفسها، والقرآن الكريم بين لنا منهج " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" وهو منهج يأمر المسلم في سبيل العدل بالتخلص من علاقات النفس ومن علاقات القرابة، وهو دليل على أن هذه الأمة هي أمة العدل.
وأوضح أستاذ الفقه المقارن، أن العدل يجب ألا يقوم على الهوى والآراء والمجاملة، لأنه لا يمكن للعدل أن يستقيم في وجود هذه الأشياء، وكما أمرنا الإسلام بأن لا نجامل أو ننحاز في إقامة العدل، أمرنا أيضا ألا تحول العداوة والبغضاء بيننا وبين إقامة العدل " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، وكان النبي ﷺ يقيم العدالة في كل شيء في الحياة، لأن إقامة العدل ليست أمرًا ترفًا وإنما هي ضرورة لاستقامة الحياة.
وبين أستاذ الفقه المقارن، أن من أبشع أنواع الظلم أن يزرع الآباء الظلم بين أبنائهم من خلال تفضيل احدهما على الآخر كما في قصة بشير عندما أراد ان يهب لأبنه النعمان هبة وهي "بستان" فعندما ذهب بشير للنبي ﷺ وقال يا رسول الله إني وهبت لأبني النعمان "نحلة" أي عطية، هنا قال النبي ﷺ: له إخوة؟ قال : نعم ، قال : فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ قال بشير: لا ، قال النبي ﷺ : فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق"، وهنا أسس النبي ﷺ التسوية بين الأولاد في العطية، حتى لا تسود العداوة والبغضاء بين ذوي الأرحام، لأن الأقارب ينفس بعضهم على بعض أكثر ما ينفس بين الأعادي، لهذا وضعت المواريث من عند الله لكي لا يكون للإنسان تدخل فيها ضمانًا لإقامة العدل.
كما بين الشيخ أحمدالسنجق، الباحث بالجامع الأزهر، أن التشريع الإسلامي راعى أحوال المكلفين فإذا تماثلت أحولاهم ساوي بينهم وإذا اختلفت أحولاهم نجد أن التشريع يعدل بينهم، وهي مبلغ العدل لأن الحكمة الإلهية تقتضي أن يأخذ كل إنسان حقه، لهذا وصفت دولة الإسلام عبر تاريخها بأنها دولة العدل، لأنها طبقت منهج الإسلام في العدل في كل أمر من أمورها، ولا يمكن أن تضبط العلاقات الاجتماعية بين الناس بدون إعلاء قيم العدل والمساواة كما وضعها الإسلام.
يُذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض القضايا الفكرية التي تمس المجتمع، بهدف بيانها وتوضيح رأي الإسلام منها، للوقوف على الفهم الصحيح لهذه القضايا من وجهة نظر شرعية منضبطة.