المفتي: وسائل التواصل تطوَّرت وتعددت على مدار التاريخ لتعزيز التفاهم والحوار المشترك
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام –مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا إذا نظرنا نظرة عامة إلى تاريخ البشرية لرأينا كيف تعددت وتنوعت وتطورت وسائل التواصل التي تهدف إلى تعزيز التفاهم والحوار المشترك بين أبناء الإنسانية كلها، وظلت الوسائل التقليدية هي البوابة الوحيدة لتواصل أبناء الجنس البشري على المستوى الفكري والثقافي، بل وفي كل أشكال التبادل الحضاري المادية والمعنوية، إلى أن تطورت هذه الوسائل والتقنيات تطورًا مذهلًا، وسوف تظل مسيرة الإبداع والتطوير تواصل تقدمها؛ لأن الله تعالى جبل الإنسان على التطوير والإبداع.
وأضاف فضيلته: لا شك أن هذا التطور والتأثير قد طال المجتمعات الإسلامية على المستوى الاجتماعي والسلوكي والفكري، وغيَّر أنماط الخطاب والتواصل، بما في ذلك أنماط الخطاب الديني؛ لأنه جزء من الخطاب المجتمعي بشكل عام.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها فضيلته في فعاليات المؤتمر العام الرابع والثلاثين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي تعقده وزارة الأوقاف برعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي تحت عنوان: "الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة".
وأكد فضيلة المفتي في كلمته أن المؤسسات المعنية بتجديد الخطاب الديني بجميع مجالاته وحقول العمل فيه على المستوى العلمي والدعوي والإفتائي لا بد أن تسارع إلى فهم واستيعاب مستجدات العصر، ووسائله التي تهدف إلى سرعة التواصل وتبادل المعلومات، وإلا صار الخطاب الديني محصورًا في واقع قد تجاوزه الزمن منذ عقود.
وتابع : "إننا منذ ظهور تلك التطورات المتلاحقة في أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني نعيش حالة من القلق والاختلاف حول طبيعتها وإشكالياتها وما يمكن أن تنتجه من تأثيرات إيجابية أو سلبية، ما بين رافض ومتخوف من كل أشكال التطور التي ينتجها العقل البشري، أو مؤيد لكل أنماط ذلك التطور حتى وإن تجاوزت الخصوصيات الثقافية والمجتمعية وأثرت على مجال السلوك والأخلاق تأثيرًا سلبيًّا".
وأوضح أننا لا بدَّ أن نفرق بين الاستعمال السيئ الذي يؤثر سلبًا على السلوك البشري، وبين الاستعمال الرشيد الذي يسهم في بناء وعي فكري صحيح وسلوك إنساني رشيد، فوسائل التواصل والفضاء الإلكتروني مهما تطورت لا تعدو من حيث ماهيتها أن تكون طريقة من طرق التفاهم وتبادل المعلومات، يمكن استخدامها استخدامًا رشيدًا في تحقيق أهداف ومقاصد شرعية معتبرة كالدعوة إلى الله على هدًى وبصيرة، ونشر الأفكار التي تعزز الأمن والسلام في المجتمع، وتحصين العقول من الأفكار المنحرفة بكل أشكالها ومظاهرها.
وأكد مفتي الجمهورية أن ديننا الحنيف يدعونا إلى العمل من أجل مشاركة المجتمع الإنساني بكل أدواته ووسائله المشروعة، ويضبط لنا أطر التعامل مع المستجدات التي تدخل في ذلك النطاق، عملًا بالقاعدة الشرعية المعتبرة أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، إذا لم تكن الوسيلة ممنوعة لذاتها.
وأشار فضيلته في ختام كلمته إلى أن هذا هو ما يفتح باب التعامل مع كل التطورات التي تتعلق بالتقنيات الحديثة، وأساليب الاتصال الذكية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من الوسائل، في إطار تيسير أمور الحياة، وتعزيز سُبل التواصل المشترك بين الناس أفرادًا ومجتمعات، وإيجاد وعي مجتمعي، خصوصًا فيما يتعلق بالجانب الديني الذي ينبغي أن تتنوع فيه طرق التواصل بما يضمن وصول الخطاب الديني والدعوي إلى جميع أبناء المجتمع، وذلك من أجل المحافظة على أحد أهم المقاصد الشرعية، وهو حفظ الدين، الذي لا يتم إلا بوصوله إلى الناس لا تشوبه شائبة ضلال أو انحراف، حتى لا يسبق إلى ذلك من يجعل من الفكر الديني خطرًا يداهم المجتمع ويساهم في تفكيكه، بدلًا من أن يكون رسالة رحمة وسلام وأمن للعالمين.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الرئيس عبد الفتاح السيسي دار الإفتاء الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية الخطاب الدینی
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كله
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن مما ابتُليت به الأمة في عصورها المتأخرة أن تصدر للقول في دين الله من لم يحط بأصول العلم، ولم يرسخ قدمه في مدارج الفهم، فصار يتكلم في المسائل الكبار، ويخوض فيما لا علم له به، خروجًا عن الجماعة العلمية المعتبرة، وتخليًّا عن الضوابط المرعية التي بها يحفظ الدين وتصان الدنيا.
وأشار عبر منشور عبر صفحته على فيس بوك، إلى أن سيدنا رسول الله ﷺ حذَّر من هذا المسلك الخطير، فقال: «فعليكم بالسواد الأعظم»، وقال: «ومن شذ شذ في النار» (رواه ابن ماجه).
وبين أن الجماعة العلمية ليست مجرد اجتماع أشخاص، بل هي مقام الأمة في علمها، وضميرها في فهم نصوصها، وميزانها في ضبط استنباط الأحكام وتنزيلها على الوقائع. والخروج عنها شذوذ، والشذوذ مهلكة في الدين والدنيا معًا.
متى يظهر الشذوذ عن الجماعة
الشذوذ عن الجماعة العلمية يظهر عندما يتكلم من لم تكتمل فيه شروط الإفتاء والاجتهاد:
- فلا يحسن فهم النصوص الشرعية ولا يفرق بين قطعيها وظنيها.
- ولا يدرك الواقع المعيش بكل تعقيداته وتغيراته.
- ولا يراعي المصالح الشرعية، ولا المقاصد الكلية، ولا المآلات المستقبلية للأقوال والأفعال.
- ولا يزن الفتوى بميزان اللغة العربية وأعرافها المرعية.
فإذا اجتمع هذا الجهل المركب، خرج المفتون عن سواء السبيل، وصار تجديدهم تبديدًا، وتقريبهم تبعيدًا، وإصلاحهم إفسادًا.
وهؤلاء إذا رأوا مشكلة، هربوا منها بآراء غريبة، وكلمات تهدم أصول الدين من حيث لا يشعرون، فيتناقض أول كلامهم مع آخره، وتضطرب أقوالهم اضطراب السقيم في خطواته. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد نبه علماء الأصول إلى هذا الصنف من الناس، وسموه "المفتي الماجن"، وهو الذي خرج عن الجماعة العلمية، وخالف القواعد المرعية، ولم يبالِ بإجماع ولا مصالح ولا مقاصد.
قالوا: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح؛ لأنه يلبس على الناس أمر دينهم، ويدعو إلى فتنة لا تقتصر على الدين وحده، بل تفسد المجتمع كله، وتهدد الأمن المجتمعي الذي يقوم على سقف الشريعة الإسلامية.
والفرق بين الفقه والإفتاء واضح عند العلماء:
- الفقه هو تحصيل المسائل العلمية من نصوص الكتاب والسنة.
- أما الإفتاء فهو تنزيل الأحكام على وقائع الناس وأحوالهم، بعد فهم النصوص وفهم الواقع معًا، وضبطهما بالضوابط الشرعية الدقيقة.
أركان الإفتاء
ولذا، فإن الإفتاء يحتاج إلى ثلاثة أركان:
1. إدراك النص (بأقسامه: نص مقدس، ونص اجتهادي).
2. إدراك الواقع (بأبعاده الأربعة: الأشياء، الأشخاص، الأحداث، الأفكار).
3. الربط بين النص والواقع وفق قواعد الاجتهاد وضوابط الفتوى.
ينقسم النص في الشريعة إلى:
- نص مقدس، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة بالسند الصحيح، وهما المصدران المعصومان.
- ونتاج بشري، هو اجتهادات العلماء والمجتهدين عبر العصور، التي بذلوا فيها الوسع، وجعلوا العلم فوق حياتهم وأهوائهم.
ومع النتاج البشري ينبغي ألا نقف عند مسائلهم الجزئية، بل نغوص في مناهجهم الاستنباطية التي تجاوزت الزمان والمكان، وكان منهاجهم مستوعبًا لطبيعة تغير الأحوال والأزمان.
ولا يصح لمن يتصدر للفتوى أن يتخير من أقوال الفقهاء ما يشتهي دون ضابط، بل عليه أن يتحرى في ضوء:
- قواعد الاجتهاد المقررة.
- ضوابط المصالح والمقاصد والمآلات.
- مراعاة الإجماع واللغة العربية.
وقد أُلِّفَت مجلدات في تحرير هذه الضوابط، مثل ما كتبته دار الإفتاء المصرية في خمسة مجلدات متينة بعنوان "ضوابط الاجتهاد الفقهي".
ليس ما نراه اليوم من فتن الفتاوى الشاذة جديدًا، بل له جذور قديمة:
- في سنة 1930 ظهر محمد أبو زيد الدمنهوري فأنكر المعجزات، وخالف في أحكام الحدود والميراث والخمر والحجاب، ورد عليه العلماء في مجلة الأزهر في ردود مفحمة، وسكنت الفتنة.
- ثم ظهر محمد نجيب، فأنكر السنة، وألف كتابًا سماه "الصلاة"، زعم فيه أن الصلوات عشر، واستدل استدلالات سخيفة، حتى صار مضرب المثل في الجهالة والضلال، حتى ارتد عن الإسلام ومات سنة 1960.
- ثم تتابعت بعده فتن: أباح بعضهم التدخين في رمضان، وآخرون استباحوا القبلات علنًا، وكلما ماتت فتنة بعث الله لها علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فدحضوا الباطل ودافعوا عن الدين.
طريق الشذوذ العلمي طريق مظلم يقود إلى ضياع الدين والدنيا معًا.
ولا نجاة إلا بالرجوع إلى الجماعة العلمية، والتأدب بأدب العلم، ومراعاة أصول الشريعة ومقاصدها.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله أن يحفظ ديننا وأمتنا من شذوذ المفتين ومجانة المتجرئين، وأن يردنا إلى الحق ردًا جميلا.
والله المستعان وعليه التكلان.