عربي21:
2025-05-03@05:02:59 GMT

ولكن التأمل في الدخول!

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

في أواخر آب/ أغسطس المنصرم ظهر مقطع فيديو لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وهو يجلس في ساعة مبكرة من الفجر، قرب سيدة تبيع المشروبات الساخنة على قارعة الطريق بالقرب من نقطة ارتكاز لجنوده، وكان بذلك يعلن أنه ليس محاصرا في سرداب في مقر القيادة العامة بالجيش، كما يروِّج لذلك محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، التي تخوض حربا ضد الجيش السوداني، تدور أشرس وقائعها في العاصمة السودانية، الخرطوم، ومحيطها الجغرافي (زعم حميدتي مرارا أن البرهان يختبئ في "بدروم" طلبا للسلامة، وعنى بها "بدرون" وهي كلمة فارسية ـ تركية تعني غرفة تحت الأرض، وشائعة الاستعمال عند المصريين، مما يشي بأن حميدتي لا يعرف أن بدروم كلمة أنجليزية تعني غرفة النوم).



البرهان، وهو قائد الجيش ورأس الدولة السودانية، لا يملك وسيلة إعلام يعلن من خلالها بياناته وقراراته، لأن مقرات الإذاعات ومحطات التلفزة الرسمية تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، كما نحو 45 موقع استراتيجي وعسكري آخرين، كان البرهان قد أوكل أمر حراستها لقوات حميدتي، عندما كانا حلفاء في السلطة والمنشط والمكره، منذ نيسان/ أبريل من عام 2019، ومن ثم فالبرهان يعتمد على جوقة "مطبلاتية" في واتساب وفيسبوك، ليتولوا الإعلام عن كل ما يصدر عنه، فكان أن صوروا خروجه وجلوسه قرب بائعة الشاي والقهوة، وكأنما قام بـ "فتح عكا"، كما يقال عمّن يأتي عملا خارقا.

ليس معروفا كيف خرج البرهان من حيث كان محاصرا، طوال أكثر من أربعة أشهر، ولكن راجت أقوال بأن ذلك تم بتوافق مع قوات الدعم السريع وسند خارجي، بينما حرص هو على تأكيد أن خروجه كان بترتيب من الجيش (على ما في ذلك من اعتراف بأنه كان محاصرا)، ثم طاف بعدد من القواعد العسكرية في شمال وشرق السودان، وكعادته، فإنه وكلما وقف أمام جنوده أطلق للسانه العنان، ونطق بمفردات التحدي والبطولة: لن نفاوض الدعم السريع بل سنقضي عليهم. ثم وفي محطة أخرى: يا كمّلونا يا كمّلناهم (وكمّل في العامية السودانية تعنى الإفناء تماما واستنفاد الشيء)، وهنا أيضا تنازل عن فكرة القضاء تماما على الدعم السريع، وطرح احتمال ان يقضي الدعم السريع تماما على الجيش، ولكن ما كرر قوله في كل المواقع العسكرية ـ بغض النظر عن زلات لسانه ـ إنه لن يفاوض الدعم السريع بشأن وقف الحرب.

ثم اتضح أن الغاية الأساسية من خروج البرهان من الخرطوم، كانت أن يقدم نفسه داخليا وخارجيا كرجل دولة ورئيس للسودان، وهكذا انطلق إلى مصر حيث التقى برئيسها السيسي (ولكنه لم يؤد له التحية العسكرية كما فعل في أول زيارة له لمصر عام 2019)، وفي القاهرة نسي "لا" عدم التفاوض مع الدعم السريع، وصرح بأنه لا نهاية للحرب إلا بالتفاوض.

كيف خرج البرهان من الخرطوم لم يعد مهما، ولكن وبما أنه أنكر حدوث توافق مع قوات الدعم السريع على خروجه، وواصل كيل الاتهام لها، فإن عودته إلى الخرطوم ستتطلب ترتيبات استثنائية، ولهذا فإنه وإلى حين "يفرجها ربنا"، سيظل في بنغازي السودانيةوانطلق من مصر إلى جمهورية جنوب السودان، والتقى برئيسها سلفا كير، الذي سبق للبرهان أن طالب بأن يكون رئيس اللجنة التي تطرح المبادرة الأفريقية لوقف الحرب، بدلا من الرئيس الكيني وليم روتو، الذي اتهمه البرهان بأنه منحاز للدعم السريع، وهنا أيضا كانت المفاجأة. إذ يبدو أن الرئيس الجنوب سوداني أبلغه بأن الاتحاد الأفريقي الذي طرح المبادرة لا يعمل بأسلوب "ما يطلبه المستمعون"، وأن بقاء روتو على رأس المبادرة محسوم ومحتوم، وعلى ذمة روتو فقد تم اتصال بينه وبين البرهان، حيث سحب الأخير اتهامه لروتو بعدم الحيدة ورحب ببقائه على رأس لجنة المبادرة.

وعلى صعيد مجريات الحرب ما زالت المبادرة عند الدعم السريع، فهو الذي يهاجم ويحاصر، وطوال الشهور الأربعة الأخيرة لم يصدر عن القوات المسلحة التي يقودها البرهان، ما يفيد بأنها أحرزت أي قدر من الانتصار لدحر "العدو" أو زحزحته من مواقعه، وصدر عن البرهان اعتراف ضمني بضعف أداء الجيش، عندما قال خلال زيارة حامية سنكات في شرق السودان، ان الحرب أبانت الحاجة لبناء جيش "محترف".

نفذ البرهان انقلابا على حكومة مدنية كان طرفا فيها في 25 تشرين أول/ أكتوبر من عام 2021، ومنذ وقتها وهو عاجز عن تشكيل حكومة، ثم جاءت الحرب وهلهلت ما هو موجود من هياكل الحكم، ولجأ وزير المالية الى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، طلبا للأمان ولعائدات الميناء، ثم إذا بوزارة الخارجية السودانية تعلن عن عزمها على تشييد مبنى خاصا بها في بورتسودان، ومعه قاعة للمؤتمرات وفلل رئاسية (لإقامة ضيوف البلاد من الرؤساء الأجانب) ومحطة للطاقة الشمسية، وبهذا تصبح بورتسودان النسخة السودانية من بنغازي الليبية، على ان تبقى الخرطوم توأما لطرابلس الغرب.

كيف خرج البرهان من الخرطوم لم يعد مهما، ولكن وبما أنه أنكر حدوث توافق مع قوات الدعم السريع على خروجه، وواصل كيل الاتهام لها، فإن عودته إلى الخرطوم ستتطلب ترتيبات استثنائية، ولهذا فإنه وإلى حين "يفرجها ربنا"، سيظل في بنغازي السودانية، حتى بعد عودته من نيويورك بعد المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي بدأت سلفا، وفي جميع الأحوال فإنه يعي أن قول الشاعر:

دخول الناس في الشبكات هين   ****   ولكن التأمل في الخروج

معكوس في حالته، إذا كان الخروج من الشبكات (أرض المعركة) هينا نسبيا، وبقي الأمر الأصعب: العودة ودخول تلك الشبكات مجددا..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السوداني قائد الجيش السودان رأي تحركات قائد الجيش مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع البرهان من

إقرأ أيضاً:

قواتالدعم السريع تستهدف القصر الجمهوري في الخرطوم بالمدفعية بعيدة المدى

عواصم "أ ف ب" "العمانية": استهدفت قوات الدعم السريع اليوم القصر الجمهوري في وسط العاصمة السودانية الخرطوم بـ"قصف مدفعي بعيد المدى"، بحسب مصدر عسكري.

وقال المصدر العسكري لوكالة فرانس برس إن القصف انطلق من منطقة الصالحة جنوب أم درمان بالخرطوم الكبرى، وطال كذلك مقر وزارة المعادن في المنطقة الحكومية في العاصمة.

ولم ترد تقارير بحدوث إصابات جراء القصف.

وكانت قوات الدعم السريع قصفت السبت مقر القيادة العامة للجيش السوداني بقذائف مدفعية بعيدة المدى.

وأتى استهداف مواقع تابعة للجيش بعد أسابيع من إعلان الأخير إخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم.

وأطلق الجيش السوداني في مارس عملية واسعة من وسط البلاد أفضت إلى استعادة السيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومواقع حيوية أخرى انتهت بإعلان قائد الجيش "الخرطوم حرة".

وما زالت قوات الدعم السريع تحتفظ بمعاقلها في جنوب وغرب أم درمان التي تنطلق منها هجماتها الأخيرة على الجيش السوداني.

وتستمر الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 متسببة في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص ما أدى لأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.

حصيلة الأسابيع الماضية

قُتل 542 مدنيا على الأقلّ في ولاية شمال دارفور السودانية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لكن "يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير"، بحسب ما جاء الخميس في بيان لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.

وأشار فولكر تورك في تعليقه حول الوضع في السودان حيث تتواجه قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في حرب مستمرّة منذ سنتين إلى أن "المأساة المتفاقمة في السودان لا تعرف أي حدود".

أصبحت ولاية شمال دارفور ساحة معركة رئيسية في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".

وأسفرت الحرب عن سقوط عشرات آلاف القتلى وعن أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، وأغرقت السودان البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة في أزمة إنسانية حادة بحسب الأمم المتحدة.

في الأسابيع الأخيرة كثّف مقاتلو قوات الدعم السريع هجماتهم على الفاشر التي تعد آخر مدينة كبرى في إقليم دارفور (غرب) ما زال الجيش يسيطر عليها.

وأشار تورك إلى هجوم شنته قوات الدعم السريع قبل ثلاثة أيام على الفاشر ومخيم أبو شوك أسفر عن مقتل 40 مدنيا على الأقل.

وقال "بهذا، يرتفع العدد المؤكد للضحايا المدنيين في شمال دارفور إلى ما لا يقل عن 542 خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة فقط، فيما يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير".

كذلك، أشار إلى "التحذير القاتم الذي أطلقته قوات الدعم السريع من -سفك الدماء- قبل معارك وشيكة مع القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المرتبطة بها".

وقال "ينبغي بذل كل جهد لحماية المدنيين المحاصرين وسط ظروف مأسوية في الفاشر ومحيطها".

وسلط الضوء على "تقارير عن إعدامات ميدانية في ولاية الخرطوم" معتبرا أنها "مقلقة جدا".

وقال إن "مقاطع فيديو مروعة مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر 30 رجلا على الأقل بملابس مدنية يُعتقلون ويُعدمون على يد مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع في الصالحة جنوب أم درمان"، مضيفا أنه في مقطع فيديو لاحق، "أقر قائد ميداني من قوات الدعم السريع بعمليات القتل".

وأضاف تورك أن هذه التسجيلات جاءت بعد "تقارير صادمة في الأسابيع الأخيرة عن إعدام ميداني لعشرات الأشخاص المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، يعتقد أن لواء البراء هو من ارتكبها"، وهو مجموعة تابعة للقوات المسلحة السودانية.

وشدد على أن "القتل المتعمد لمدني أو أي شخص لم يعد يشارك بشكل مباشر في الأعمال الحربية يُعد جريمة حرب".

وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان إنه "نبه شخصيا قادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى العواقب الكارثية لهذه الحرب على حقوق الإنسان".

وأضاف أن "هذه العواقب الوخيمة واقع يومي يعيشه ملايين السودانيين. لقد آن الأوان بل تأخر كثيرا، لوقف هذا النزاع".

الأغذية العالمي يحذر

حذر برنامج الأغذية العالمي من أن 638 ألف سوداني يواجهون جوعًا كارثيًّا، وهو المعدل الأعلى في العالم، جراء الحرب المشتعلة في السودان منذ عامين، مؤكدًا أن 24.6 مليون شخص يعانون جوعًا حادًّا. وقال منسق الطوارئ الإقليمي للبرنامج العالمي بالسودان إنهم "في سباق مع الزمن" مؤكدًا الحاجة الملحة إلى زيادة مخزونه الغذائي قبل أن تغمر المياه الطرق وتصبح غير سالكة، مشيرًا إلى أن حالات الجوع وتفشي الأمراض قابلة للزيادة الكبيرة خلال موسم الأمطار العام الماضي. وأضاف "نغطي حاليًّا 4 ملايين شخص، لكننا بحاجة إلى زيادة هذا العدد ليصل إلى 7 ملايين على الأقل في الأشهر المقبلة". وبيّن أن البرنامج الأممي يحتاج إلى مزيد من التمويل، وإلا سيضطر إلى تقليص الدعم في الوقت الذي يحتاج فيه البرنامج إلى زيادة حجم المساعدات. وأكد أن 10 مواقع في السودان تعاني من المجاعة، من بينها 8 مواقع شمال دارفور، بما في ذلك مخيم زمزم، وموقعان في جبال النوبة الغربية. وذكر أن هناك 17 منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة، بما في ذلك الخرطوم، مبينًا أن المناطق الأكثر تضررًا، يعاني فيها واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية الحاد متجاوزًا بذلك عتبة المجاعة وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.

مقالات مشابهة

  • الحكومة السودانية تهدد وتوعد في بيان ساخن بعد سقوط النهود في يد الدعم السريع
  • السودان: قوات الدعم السريع تجدد قصف الخرطوم والأبيض
  • الدعم السريع يقصف القصر الجمهوري وتضارب حول السيطرة على مدينة النهود
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • قواتالدعم السريع تستهدف القصر الجمهوري في الخرطوم بالمدفعية بعيدة المدى
  • الدعم السريع يقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري بمدفعية بعيدة المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري بمدفعية بعيد المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى  
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟