إفريقيا بين التسلطية والديمقراطية
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
القارة الإفريقية هي أكثر القارات ارتفاعا في نسبة حكم الأنظمة السلطوية الدكتاتورية بعد مرحلة الاستقلال التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فبعد أن كانت نسبة الأنظمة السلطوية في القارة تصل إلى 9 % عام 1946، ارتفعت إلى 39 % عام 1979، وفي عام 1989، كانت 38 دولة من أصل 45 في جنوب الصحراء الكبرى تحت حكم أنظمة الحزب الواحد المدنية أو العسكرية المتفاوتة في درجات تسلطها.
انقلابات عسكرية
تعتبر زيمبابوي المثال الصارخ لهذا الوضع، فلم يعرف النظام فيها منذ تأسيسه حاكما له سوى روبرت موغابي الذي حكم بين عامي 1980 ـ 2019.
تمايزت القارة بمستوى مرتفع مقارنة بالقارات الأخرى على صعيد الانقلابات العسكرية والتمردات: في عام 1971 نفذ الجنرال عيدي أمين انقلابا عسكريا في أوغندا ضد نظام ميلتون أبوتي الدكتاتوري، وفي نيجيريا، أطاح أعضاء المجلس العسكري الأعلى عام 1975 بالجنرال يعقوب غون، وفي التشاد أطاح الجنرال إدريس ديبي عام 1990 بنظام حسين حبري العسكري، وفي مالي أطاح الحرس الرئاسي بالرئيس الدكتاتوري موسى تراوري عام 1991، وهي حالة تشبه ما جرى مؤخرا الآن في النيجر ـ، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، نجحت قوات لوران كابيلا عام 1997 بالإطاحة بـ موبوتو سيسي سيكو، واستمر في الحكم من عام 1997 وحتى اغتياله عام 2021.
في أغسطس عام 2020، أطاحت مجموعة من ضباط الجيش في مالي بقيادة أسيمي جويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.
وفي مطلع عام 2021، أطاح جيش بوركينا فاسو بالرئيس روك كابوري، ليتسلم الحكم بول هنري سانداوغو داميبا، وبعد أكثر من سنة ونصف، أعلن إبراهيم تراوري الضابط برتبة نقيب في جيش بوركينا فاسو إطاحته بالزعيم العسكري داميبا.
تمايزت القارة بمستوى مرتفع مقارنة بالقارات الأخرى على صعيد الانقلابات العسكرية والتمردات..وفي التشاد، تولى الجيش السلطة في أبريل 2021 بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته القوات التي تقاتل المتمردين في الشمال، وبدلا من أن يتسلم رئيس البرلمان منصب الرئاسة بحكم الدستور، قرر الجيش الإمساك بالسلطة.
وفي سبتمبر من العام ذاته، أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي على خلفية قيام الأخير بتعديل الدستور للالتفاف على القيود التي كانت ستمنعه من الترشح لولاية ثالثة، مما أثار أعمال شغب واسعة النطاق.
تمردات
على صعيد التمردات، خُلع رئيس ليبيريا صمويل دو عام 1990 على يد المتمردين، وفي عام 1991 اندلعت حرب أهلية في الصومال ثم نجحت فصائل عسكرية متمردة بإسقاط حكم الدكتاتور محمد سياد بري، وفي عام 1994 انتصر بول كاجامي والجبهة الوطنية الرواندية بإسقاط الحكومة وميليشيات الهوتو، وفي عام 2003 أطاح الجيش برئيس غينيا ـ بيساو.
في كل هذه الحالات، لم يحصل انتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي، بل تعززت القبضة الدكتاتورية العسكرية.
ديمقراطية مرتبكة
لكن بالمقابل، وهذه أحد أوجه الغرابة السياسية، أن هذه القارة ـ على الرغم من فقرها واستنزاف مواردها من قبل الاستعمار ـ شهدت عمليات تحول ديمقراطية في وقت مبكر، فمع نهاية عام 1991 أمكن تصنيف حوالي ست وعشرين دولة أو حوالي نصف الدول الإفريقية، إما باعتبارها دولا ديمقراطية أو باعتبارها دولا ملتزمة بشكل معتدل أو قوي بالديمقراطية.
قبل عام 1990 لم تعرف إفريقيا دولا ديمقراطية باستثناء البلدات ذات نسبة السكان القليلة مثل غامبيا وموريشيوس وبوتسوانا، ومع نهاية 2006 أصبحت 23 دولة ديمقراطية، مثل بنين، مالي، جنوب إفريقيا، غانا، ثم كينيا، النيجر، سيراليون، بوروندي، مالاواي، موزمبيق، زامبيا.
ومع ذلك، لم يكن طريق الديمقراطية معبدا بسهولة، فقد خبرت إفريقيا بشدة عمليات الانقضاض على الديمقراطية، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في بنين بعد استقلالها عام 1960، حينما قام الحزب الأبرز "الوحدة داهوميان" بتغيير القواعد الانتخابية إلى نظام انتخابي يحصل فيه الفائز على كل المقاعد في كل قطاع، وما حدث في كينيا عام 1963، عندما نجح حزب الاتحاد الوطني الإفريقي الكيني في الانتخابات بعد استقلال البلاد، لكنه فرض حكم حزب مهيمن في نهاية الأمر، وأيضا زامبيا عام 1996 عندما وقع الرئيس فريدريك شيلوبا على تعديل دستوري يمنع أبرز مرشحي المعارضة كينيث كاوندا من الطعن في شرعية رئاسته.
من جنوب إفريقيا ونامبيا في الجنوب إلى بنين ومالي وغينيا بيساو في الغرب، بما فيها الدول الجزر ساوتومي وبرينسيبي والرأس الأخضر ومدغشقر، تحولت الدكتاتوريات إلى ديمقراطيات.أما في نيجيريا فقد تلقت الديمقراطية ضربة قوية، حيث اتسمت بتزوير الانتخابات بشكل فاضح مع تصاعد مستويات العنف السياسي، ومسؤولية السياسة في الجريمة.
شكل التلاعب بالانتخابات ظاهرة عامة في نيجيريا خلال الجمهورية الأولى التي انهارت عام 1966، والجمهورية الثانية عام 1983، والجمهورية الثالثة التي أجهضها الجيش مطلع التسعينيات، والجمهورية الرابعة عام 1999.
وفي عام 2003، ومع قرب موعد الانتخابات، قتل المرشحون الذين تقدموا للانتخابات بشكل منفرد، واندلع العنف الطائفي، وتم التلاعب بالانتخابات ليعود الجنرال أولوسيغون أوباسانجو والحزب الديمقراطي الشعبي إلى الحكم، ثم جاءت انتخابات 2007 على غرار انتخابات 2003.
وفي أوغندا التي تبنت الإصلاح الاقتصادي والحصول على الدعم الغربي، أجرت انتخابات عام 2006، إلا أنها جاءت في التلاعب بالانتخابات وغياب المحاسبة السياسية.
لا تكتمل الصورة في إفريقيا بما سبق، بل بتسلط الضوء سريعا على النجاحات الديمقراطية، ففي عام 1975 انتقلت مدغشقر من نظام دكتاتورية عسكرية جماعية إلى نظام قاعدته مدنية ـ عسكرية، فاختارت المؤسسة العسكرية نائب الأدميرال ديدييه راتسيراكا لرئاسة النظام بعد عام.
وقام راتسيراكا بعد ذلك بتغيير هوية الكتلة التي تفرز الفاعلين السياسيين المهمين باستخدام استفتاء شعبي أسست بموجبه الجمهورية الثانية مع تأسيس حزب سياسي هو طليعة الثورة الملغاشية.
وفي زامبيا، أعلن فردريك شيلوبا رئيس مؤتمر النقابات المهنية عام 1989 إنهاء النظام الاشتراكي، وانتخابه رئيسا للجمهورية في انتخابات حرة.
اكتسحت باقي الدول الإفريقية موجة من الأنظمة المنفتحة، وأجبر الديكتاتوريون أمثال فيليكس هوبوي بوانيي في ساحل العاج وعمر بونغو في الغابون وكنيث كوندا في زامبيا، على القبول بتنظيم انتخابات تعددية تنافسية.
ومن جنوب إفريقيا ونامبيا في الجنوب إلى بنين ومالي وغينيا بيساو في الغرب، بما فيها الدول الجزر ساوتومي وبرينسيبي والرأس الأخضر ومدغشقر، تحولت الدكتاتوريات إلى ديمقراطيات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه انقلابات السياسة أفريقيا تاريخ سياسة رأي انقلابات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وفی عام فی عام
إقرأ أيضاً:
لا أعرف إساءة لمفهوم الديمقراطية المدنية أكثر فداحة من ربطها بالجنجويد كراعي رسمي
موقف تقدم الملعلن و القائل بأن إنتصار الجيش يعني ترسيخ الإستبداد يترتب عليه أن وجود الجنجويد في الساحة ضروري لتفادي الاستبداد.
حسب علمي المنقوص أن الديمقراطية تحميها يقظة الشعب ومنظماته المدنية وليس ميليشا إجرامية ممولة من الخارج ولغت في دمه وماله وعرضه.
بعد استباحة الجنجويد للجزيرة والجنينة والنيل الأزرق بجرائم حرب مروعة وإغتصاب واسع النطاق لا بد من القول أن ديمقراطية مدنية يحميها وجود الجنجويد لا بد أنها ديمقراطية مفرطة في الشذوذ الله لا ورانا ليها.
لا أعرف إساءة لمفهوم الديمقراطية المدنية أكثر فداحة من ربطها بالجنجويد كراعي رسمي.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب