هل حقا تساوى الحرية والتغير الدعم السريع بحركات التحرر؟!
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
babdelmoneim@aol.com
كم غالبت نفسي كثيراً الا أكتب هذا المقال. لأني لا أحب ان أٌرى ناقما على قوى الحرية والتغير. غير أن القلم غلبني. استضافت بعض من القنوات الفضائية كثير من قادة الحرية والتغير لشرح موقف الحرية والتغير من هذه الحرب العبثية. كم كان صعباً عليّ ان استوعب فهم هؤلاء القادة لحقيقة الصراع الدائر الاّن.
ينم مثل هذا التشخيص عن سوء فهم للدوافع من إنشاء الدعم السريع كأداة من أدوات الدكتاتورية والعسكراتية والدوافع لظهور الحركات المتمردة كفعل ثوري شعبي. وينم أيضا عن فقر سياسي لتشريح المشكل السوداني القائم اليوم.
نتجت حروب السودان الأخرى خلاف هذه الحرب العبثية، القديم منها والمتجدد، من مطالب ومظالم مشروعة للهامش. واكتسبت الحركات المناضلة ضد المركز مشروعيتها من خلال مشروعية مطالبها والسند الشعبي الداعم لها. بينما ليست هناك أي مشروعية للدعم السريع، الا المشروعية الزائفة التي أكسبها له برلمان الإنقاذ اللاشرعي.
انبثقت الحركات التمرد ضد المركز من حواضن شعبية عانت تهميش وتسلط المركز. وحاولت عبر الفعل السياسي المدني إجاد حلول عادلة ومستدامة لقضية الهامش قبل أن تلجأ للعنف. بينما خرج الدعم السريع من رحم الأوليغاشية المتسلطة الباطشة العسكرية الكيزانية لإخضاع الشعوب السودانية بالعنف قبل الاحتكام للحلول السلمية الجادة.
هدف الحركات المناضلة من الحرب تبني اللامركزية كنظام يقوض تسلط المركز ويبسط العدالة، لذا اشتعلت في الهامش. بينما هدف هذه الحرب السلطة والنفوذ، ولذا اشتعلت في الخرطوم.
كانت الحركات المناضلة ولا تزال هي أداة الهامش للتعبير عن أشواقه للحرية والتنمية والعدالة تُعبر برؤى وأفكار جديدة لمستقبل جديد. بينما كان الدعم السريع ولا يزال أداة الدولة الباطشة لقمع وسحق اّمال وطموح الهامش خاصة وعموم السودان، ولذا يفتقر الدعم السريع الي أي رؤية او أيدلوجية.
دفعت المظالم والغبن التاريخي المتراكم أبناء المناطق المهمشة لحمل السلاح وقتال الحكومات المركزية، طمحاً لرفع الظلم الاجتماعي، والاستبداد السياسي، والعدل، والمساواة. بينما دفعت حكومة الكيزان بمأجورين، بعضهم غير سودانيين، متمثلين في الجنجويد لتوطيد هذه المظالم وزيادة هذا الغبن.
الحروب السودانية غير هذه الحرب تبنتها جماعات معينة وجاهرت بها وتفاخر، لأنها حروب ذات مشروعية ولها مُسوّغات أخلاقية وسند فكري وشعبي. هذه الحرب أنكرتها كل أطرافها وسمتها حرب عبثية لان ليس لها أي أخلاقية أو مبرر غير الصراع حول السلطة والنفوذ.
الحرب اليوم هي حرب الكيزان لاستعادة عرش فقدوه بإرادة الشعب، دافعها شبقهم للتسلط والتغول، لا تشبه أو تنتمي لحروب الهامش ضد تسلط المركز. حرب اليوم ليس لها شعبية تقف داعمة لها غير الكيزان وبعض من انطلت عليهم خدعتهم وموظفي الدعم السريع.
يرتبط ظهور ظاهرة الجنجويد ارتباط عضوي بالصراع الذي اشتعل بين فئتي الكيزان عام 1999، واحتدم في بداية هذه الألفية، وهو أحد دوافع حرب البشير وبعض حركات دارفور المحسوبة على الفئة الأخرى. لم تتوان أي من الفئتين من استخدام كل ما يطال أيديهم لحسم ذك الصراع دون وازع او حسيب.
خلق او تبني المركز لمليشيات تقاتل إنابة عنه ليس جديد على المسرح السوداني. لكنه مع الكيزان أخذ طفرة بيولوجية وتحور نوعي. لم تكن نشأة الدعم السريع لحوجة شعبية حقيقية مسنودة بدعم قطاع عريض من قوى شعبية ومؤطرة بفكر ورؤى، كما هو الحال لدي الحركات المناضلة ضد المركز. أنما هي نتاج فكر رجعي تسلطي ميتافيزيقي سنده ليس الشعب، بل تفويض إلاهي مزعوم، يعتقد ان كل موبقة حلال لو هي لله، حسب زعمه. لذلك لم يكن لدي هذا الفكر أي وازع من خلق غول يسلطه على رقاب العباد. الدعم السريع مسخ جديد متضخم لميلشيات الكيزان العديدة، وزاوج بين تسلط المركز وعنف الكيزان. وهذه الحرب ليست حرب الكيزان الأولى ولن تكون الأخيرة.
المتابع للإسلام السياسي وبالتحديد الأخوان المسلمين، يجد العنف مرادف لكل فعل وملازم لكل إستراتيجية او تكتيك لهم. منذ البدء، أنشاء حسن البناء مؤسس الأخوان المسلمين جناح عسكري قمعي موازي للحركة الدعوية، أبتدر نشاطه بالاغتيالات السياسية. جاء الكيزان بهذا الفكر المتسلط ومرادفه العنف. تتشكل أدوات العنف ليهم حسب الحاجة، الدفاع الشعبي، كتائب الظل، الدعم السريع.
هذه الحرب ليست امتداد لحروب السودان السابقة، ولا تسعى لأهداف شعبية سامية، بل سعي الكيزان لاستفراد بالسلطة والنفوذ. الموقف من هذه الحرب ليس تكتيكك مرحلي، بل استراتيجي واخلاقي وعقدي يشكل جوهر فهمنا للديمقراطية والمدنية، ومعنى ان يكون السودان. فهم دافع هذه الحرب وتحديد هوية أطرافها بدقة واهدافهم، والابعاد السياسية، والتاريخية والجغرافية لها، شرط أساسي لتحديد كيفية التعامل معها واستثمارها في وضع الأرجل على اعتاب الدولة المدنية الديمقراطية التنموية.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة من الدعم السريع
أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، استعادة مدينة سنجة الرابطة بين ولايتي سنار والنيل الأزرق الحدودية، من قوات الدعم السريع.
ونشر الجيش مقاطع فيديو يقول فيها إنه استعاد السيطرة على مقر قيادته وكامل أجزاء المدينة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، كانت المنطقة تعتبر ملاذا آمنا للنازحين من الخرطوم والجزيرة في وسط البلاد، لكن منذ أكثر من 7 أشهر تشهد المنطقة عمليات قتالية عنيفة ظلت سجالا بين الطرفين وسط تقارير عن انتهاكات كبيرة ارتكبت في حق المدنيين.
ومنذ اندلاع الاشتباكات فيها في يونيو الماضي شهدت المدينة حركة نزوح كبيرة للسكان في اتجاه الجنوب نحو ولايتي النيل الأزرق والقضارف، حيث تشير تقديرات إلى نزوح أكثر من 80 في المئة من السكان.
وخلال الأشهر الأربع الماضية تعقدت الأوضاع الميدانية أكثر في المنطقة في ظل هشاشة أمنية كبيرة، ما أدى إلى إغلاق معظم الطرق التي استخدمها السكان للخروج من سنجة.
وأثارت المعارك العنيفة في محور ولايتي سنار والنيل الأزرق الواقعتان جنوب شرق البلاد تساؤلات حول أهمية هذا المحور والتبعات السياسية والعسكرية التي قد تترتب على الواقع الجديد الذي أحدثته المعارك الأخيرة.
وتربط المنطقة التي تضم مدنا مثل سنجة وسنار والدمازين بين 4 ولايات حيوية في وسط وغرب السودان، كما تبعد مدينة الدمازين على مسافة 100 كيلومترا من الحدود مع أثيوبيا، كما ترتبط المنطقة بحدود مباشرة مع دولة جنوب السودان التي انفصلت عن السودان في العام 2011.
ومن الناحية العسكرية، تشكل المنطقة خط امداد لوجستي مهم لربط القوات الموجودة بوسط البلاد بالحاميات الموجودة هناك.
وتعتبر المنطقة واحدة من أغنى المناطق بالبلاد وتضم مشاريع زراعية وانتاجية شاسعة المساحة، من بينها مشروع السوكي الزراعي، وعدد من المشاريع الكبرى.
وتضم أيضا خزاني الروصيرص وسنار اللذان يسهمان بنحو 52 في المئة من الإمداد الكهربائي في البلاد ويتحكمان في قنوات الري الرئيسية التي يعتمد عليها مشروع الجزيرة وهو أكبر مشروع على مستوى العالم يروى بنظام الري الانسيابي ويقع على مساحة 2.3 مليون فدان.
وتضم المنطقة أيضا محمية الدندر التي تعتبر اكبر محمية طبيعية في أفريقيا وتمتد على مساحة 10 آلاف كيلومتر مربع، وتعتبر المنطقة موطنا لأكبر الغابات في السودان حيث تشكل أكثر من 80 في المئة من مساحات غابات البلاد.