سودانايل:
2024-12-26@08:27:01 GMT

مجادلات فكرية في الديمقراطية وإشكالياتها

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

عندما كتبت قبل يومين مقال بعنوان "ديمقراطية صراع المنبتون سياسيا" كان الهدف منه إشارة إلي أن بعض الذين يخرجون من أحزابهم بإداعاء أنهم وصلوا إلي طريق مسدود في الحوار داخل أحزابهم، أو أنهم عجزوا ان يوسعوا مواعين الديمقراطية فيها، بسبب أن الوائح و القوانين تحد حرية الرأي داخل الأحزاب ، الأمر الذي يؤدي إلي خضوع الأغلبية لأقلية تتحكم في الحزب، هذا الخروج كان المتوقع منه، أن يدفع هؤلاء لتقديم أجتهادات فكرية و ثقافية، تظهر إنتاجا جديدا واسعا يسهم في خلق وعي جديد، لكن للأسف أن خروج هؤلاء جعلهم أكثر دغمائية مما كانوا عليها، كأنهم كانوا ساعين فقط للخروج تحت إدعاء خلافات فكرية و لكنهم يريدون أن يحتفظوا بذات الثقافة الحزبية و لكن بعيدا عن قيود الحزب فقط.

هذا المقال قد دفع البعض أن يقدموا اجتهادات رأي و أسئلة جديدة في الثقافة السياسية و الرؤى الفكرية. و كانت قد قدمت هذه الأسئلة في صفحة "منبر التوافق الوطني" بالفيسبوك، و التي خصصت من قبل بعض مجتهدي الرأى بهدف الجدل الفكري و المساهمات الثقافية للنخب السودانية، لعلها تغير طريقة التفكير في الساحة السياسية.
في الحوار حول الديمقراطية في السودان و إشكالياتها كتب البروف السر أحمد معقبا على المقال بقوله "الاخ الزين سلام عليك ورحمة…. ان انحسار دور ما يسمي بالقوي والديموقراطية في السودان في رائي يرجع الي هيكلها البنيوي القائم علي اسس طائفية/عقائدية/قبلية مناطقيه… منذ نشأتها في اربعينات القرن الماضي.فالضعف والسكون والخمول الفكري والسياسي ليس جديدا عليها وليس مكتسبا عرضيا وانما هو اصيل في بنيتها. والدليل علي ذلك هواستمرارية هذا الضعف والخمول طوال اكثر من ثمانية عقود وما زال برغم اجتهاد عدد مقدر من الافراد والمثقاتية لتغيير الواقع الاليم لتلك القوي بمبادرات وافكار تكتيكية لا تقدم ولا تؤخر. فما زالت بيوتات محددة تسيطر بالكامل علي ما يجري في هذه القوي التي تدعي الديموقراطية -طائفية/عقائدية /عائلية.وتؤرثها لابنائها ابا عن جد ولخدامهم من المثقفين والمفكرين والمبررين وحارقي البخور. الخروج من هذه الوحسة يتطلب العمل بالبحث الجاد والمجاهرة بالتفكير الاستراتيجي والحلول الاستراتيجية بنعومة للخروج من عباءة القوي التي تدعي الديموقراطية وهي اصلا ضدها وتكرس القوي السياسية التي أنشأتها بمساعدة الاستعمار لتحقيق مآربها الذاتية من ثروة وسلطة وجاه. والادلة علي ذلك لانحصي ولا تعد.يبقي السؤال الجوهري هو كيف لهؤلاء المثقفاتية والمفكراتية الخروج من الوحسة التي وجدوا انفسهم في خضمها؟نواصل باذن الله) و يضيف تاج السر القول ( أسئلة إستراتيجية هامة يجب أن يجيب عليها المقفون و المفكرون و السياسيون لتكون منصة انطلاق لنشأة تجمعات / أحزاب سياسية جديدة عما هو قائم الآن... ما هو الأجدى للسودان القائم الآن كأمر واقع) هي أسئلة مهمة ،و يجب أخذها على الجانب الفكري بعيدا عن شعارات السياسة القاصرة في تقديم وعي سياسي جديد ، و أيضا محدوديتها في طرح الأسئلة المهمة.
و في تداخل أخر؛ كتب الأستاذ عادل إبراهيم حمد الكاتب و السياسي المعروف محاولا إيجاد بعض الإجابات على أسئلة البروف السر بالقول ( للمشاركة في نقاش القضايا و الأسئلة المهمة التي طرحها دكتور السر. يجب الاتفاق أولا على الديمقراطية، فتسقط تلقائيا اشكالات ترتبط بالدكتاتوريات، إذ تسع الديمقراطية نقاش كل هذه الخيارات المختلف عليها، بدون أن يملك فريق ادعاء ملكية القول الفصل.. و في ذلك رحابة معينة على تطوير الأفكار( و يواصل الأستاذ حمد و يقول (الطوائف والقبائل سابقة للأحزاب كما هو معلوم ، وعلاقة بعض الطوائف بالعمل الحزبي علاقة تراضي .. والتراضي علاقة غير مؤذية ولو بدت لمن هو خارج اطار هذه العلاقة صور من الاستغلال الضار بالقواعد في هذه الكيانات . لكنها علاقة (مريد) بشيخ او زعيم .. وفوق ذلك فهي علاقة عرضة للنقد والتصحيح ، بدون ان يملك زعيم الطائفة سلطة الحجر او العقاب على كاتب رأي او على من يهتف (الكهنوت مصيرو الموت) في مقابل سلطة الحجر و الاعتقال والتعذيب والفصل من العمل التي ترتبط بكيانات الحداثة التي طرحت نفسها بديلا لاحزاب ارتبطت بطوائف و عرفت كيف توازن بين الطائفة والحزب كما فعل السيد عبد الرحمن مع الحركة الاستقلالية ، حيث لا يمكن وصف رجال في قامة محمد احمد محجوب و عبد الرحمن على طه و ابراهيم احمد بانهم حارقو بخور ..نواصل في نقاش بقية النقاط .و التحية لدكتور السر) أن الأستاذ عادل إبراهيم حمد أتهم القوى الحديث، بإنها لم تستطيع أن تقدم جديدا لسلطة الطوائف و زعماء الأحزاب التقليدية غير شعارات لا تحمل مضامين للتغير، فقط إدانة للطوائف مثل " الكهنوت مصيره الموت" .
أن الإجابة على الأسئلة بعيدا عن القناعات المسبقة، و الميل العاطفي الذي يسبق التفكير الإيجابي القائم على الافتراضات العلمية، لا يجعل صاحبه قادر على تناول القضية بالصورة النقدية الصحيحة، و هي الحالة التي تعيشها النخب ليس داخل الأحزاب التقليدية بل داخل المجموعات الجديدة، التي ترفض البناءات السياسية التاريخية، و لكنها تعجز أن تقيم لها مؤسسات تتجاوز ثقافة تلك البناءات، الأمر الذي يطرح أسئلة جديدة؛ لماذا تتبنى النخب السياسية و الثقافي في المجتمع الثقافة التقليدية رغم نقدها المتواصل لها؟ هل هي عاجزة أن تفكر بعمق في الإشكاليات المجتمعية و السياسية التي تعيشها البلاد؟ أم إن أغلبيتهم لا يستطيعون التفكير خارج دائرة المناطقية و القبلية بسبب رغباتهم في تحقيق مصالح ضيقة؟
هناك أسئلة عديدة كانت قد طرحت في منابر عديدة عقب ثورة 1924م، بعد إجهاض الثورة قدمت أسئلة إذا كانت من قوى تقليدية مجتمعية أو من قوى جديدة بدأت تتخلق في المجتمع، جاءت ألأسئلة التي كانت قد طرحت عن الهوية و غيرها في مجالات الأدب و السياسة في مجلتي الفجر و النهضة، حيث كان سجالا ثقافيا فكريا حسب محدودية المعرفة بين خريجي التعليم الحديث في ذلك الوقت. و أيضا في ستينيات القرن الماضي تكونت مدارس فكرية في حقل الفنون و الأداب " مدرسة الغابة و الصحراء و الخرطوم و ابادماك و غيرها. و لكن بدأت هذه النهضة الثقافية الفكرية تتراجع أواخر السبعينات و الثمانينات و بصورة أكبر في عهد الإنقاذ، فالعودة لهذه النهضة بعد اتساع رقعة التعليم في البلاد إيجاد أرضية مشتركة تبدأ بقبول أخر و محاورت تصوراته من خلال مناهج تؤسس على النقد العلمي. لذلك عندما فكر عدد في تأسيس هذا المنبر كان الهدف منه هو توسيع دائرة المشاركة للمدارس الفكرية المختلفة بعيدا عن سياسة الهتاف و الضد. و نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بعیدا عن

إقرأ أيضاً:

إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة

من العاصمة التركية وبحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، أعلن كل من الصومال وإثيوبيا يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري توقيع "إعلان أنقرة" الذي مثّل خلاصة جهود الوساطة التركية المستمرة منذ أشهر، التي تشكل المحاولة الدبلوماسية الأنجح حتى الآن لتفكيك إحدى العقد المستعصية في القرن الأفريقي المضطرب.

وبالنظر إلى التداعيات الإقليمية للأزمة، فإن هذا يستدعي التساؤل حول الأطراف الرابحة والخاسرة من هذه الخطوة، وهل نحن على عتبات إغلاق نهائي لهذا الملف أم أن الواقع أكثر تعقيدا.

ويبرز تداخل العوامل الداخلية والخارجية في أول تحد يواجهه الاتفاق، إذ اتهمت وزارة الخارجية الصومالية يوم 23 ديسمبر/كانون الأول قوات إثيوبية بمهاجمة قواعد عسكرية صومالية في ولاية جوبالاند، وهو ما أنكرته أديس أبابا متهمة "أطرافا ثالثة" بالسعي لعرقلة تطبيع العلاقات بين البلدين.

لكن اجتماعا بين وزيري الدولة للشؤون الخارجية في البلدين تم عقده أمس الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول في أديس أبابا أكد التزام الطرفين بتعزيز الحوار وتطوير العلاقات بينهما، بالاستناد إلى إعلان أنقرة وفي إطار تنفيذ بنوده.

 

وفي ظل هذه الأجواء، تُطرح عديد من الأسئلة المرتبطة بدوافع كل من مقديشو وأديس أبابا وراء توقيع هذه الوثيقة.  

على ماذا ينص الإعلان؟

"اتفاق تاريخي" هكذا وصف أردوغان الوثيقة التي توصل إليها كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة التركية أنقرة، مضيفا أنه "خطوة أولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

إعلان

مثلت هذه الخطوة نقلة مفاجئة بعد التعثر الذي انتهت إليه جولة التفاوض غير المباشر الأخيرة في أغسطس/آب الماضي، مما استدعى تأجيل الجولة الثالثة التي كان من المفترض عقدها في سبتمبر/أيلول.

وحسب نص الاتفاق الذي نشرته وزارة الخارجية التركية، فقد أكد كل من الطرفين احترامه سيادة ووحدة أراضي الآخر، مع التخلي عن "الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والمضي قدما بشكل تعاوني لتحقيق الرخاء المشترك".

كما اتّفق البلدان أيضا على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية" بما يحقق المنفعة المتبادلة.

وقرر الزعيمان البدء بمفاوضات فنية لتحقيق هذه الغاية قبل نهاية فبراير/شباط بهدف الوصول إلى اتفاق خلال 4 أشهر "من خلال الحوار" وبدعم من تركيا "عند الحاجة".

لقي هذا الاتفاق ترحيبا واسعا من أطراف دولية كالأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ومن مؤسسات قارية كالاتحاد الأفريقي والإيغاد.

أردوغان أعلن أن كلا من الصومال وإثيوبيا وقعا يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري على "إعلان أنقرة" (رويترز) لماذا وقعت إثيوبيا على الاتفاق؟

تستند الموافقة الإثيوبية على توقيع الاتفاق إلى مجموعة من الدوافع الإستراتيجية، إذ يمهد هذا الاتفاق الأرضية أمام أديس أبابا لـ"وصول آمن ومستدام إلى البحر ومنه"، وهو هدف إستراتيجي أكد آبي أحمد أهميته باعتباره "مسألة وجودية" بالنسبة لبلاده.

من الناحية الاقتصادية، سيؤدي نجاح هذا الاتفاق في بلوغ مراميه النهائية إلى تخليص إثيوبيا من الارتهان لميناء جيبوتي الذي يمثل المنفذ لقرابة 90% من صادراتها ووارداتها، مما سيخفف من تكاليف النقل المرتفعة التي تحملتها إثيوبيا، والتي بلغت في بعض السنوات مليوني دولار يوميا أو ما يوازي 16% من قيمة تجارتها الخارجية، بالإضافة إلى معالجة شكاوى أديس أبابا من الرسوم المرتفعة المفروضة حاليا البالغة قرابة ملياري دولار سنويا.

إعلان

يساهم الاتفاق في خفض التوتر الإقليمي متيحا لأديس أبابا التفرغ لمواجهة التحديات الداخلية متعددة الأوجه، حيث ترزح البلاد تحت التداعيات الاقتصادية المروعة لحرب تيغراي، إلى جانب الصعوبات الكبيرة في بسط الأمن في عديد من الأقاليم، نتيجة تصاعد نشاط الجماعات المسلحة المتمردة وعلى رأسها فانو في إقليم أمهرة.

على المستوى الجيوسياسي، يعكس التفاهم مع الصومال رغبة أديس أبابا في إضعاف تحالف مقديشو مع القاهرة وأسمرا، الذي شكل تحديا كبيرا لسياستها الإقليمية، كما أن هذا الاتفاق قد يفتح الباب لتلافي تداعيات الأزمة الحالية على مستوى التعاون الأمني مع الصومال والذي تضرر بشدة من خلال إصرار مقديشو على خروج القوات الإثيوبية من البلاد.

دوليا، يُسهم الاتفاق في تحسين صورة إثيوبيا على الساحة العالمية، إذ يساعد نجاح "عملية أنقرة" في تهدئة الانتقادات التي تعرضت لها أديس أبابا بعد توقيعها مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، ويبرزها بوصفها طرفا راغبا في الحلول الدبلوماسية.

لماذا وافق الصومال على توقيع الاتفاق؟

تتمثل محفزات الصومال للموافقة على إعلان أنقرة في عدة اعتبارات إستراتيجية وسياسية، يأتي في مقدمتها سعي مقديشو إلى استباق أي تداعيات محتملة لتغير السياسة الأميركية تجاه ملف أرض الصومال، لا سيما في ظل الدعم العلني لبعض المسؤولين عن الملفات الأفريقية في ولاية ترامب الأولى لاتخاذ هذه الخطوة، مما يُعقّد الأوضاع الإقليمية ويُسرّع فرص إثيوبيا للوصول إلى اتفاق مباشر مع الإقليم الانفصالي.

على المستوى الداخلي، يواجه الرئيس الصومالي تحديات سياسية وأمنية عديدة وصلت حد الاشتباك المسلح مع قوات ولاية جوبالاند، وهكذا يوفر التفاهم مع إثيوبيا فرصة للاستفادة من نفوذها على أطراف صومالية متعددة، كما يمكنه من التركيز بشكل أكبر على مواجهة المشكلات الداخلية المتفاقمة.

إعلان

ويهدف الاتفاق إلى منع إثيوبيا من الدخول في اتفاقيات منفصلة مع أرض الصومال عبر تأمين وصول بحري مستدام وآمن لها. كما تضمنت نصوص الإعلان اعتراف إثيوبيا بوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الصومالية، وهو ما يعتبره بعض المحللين تأكيدا ضمنيا لموقف الحكومة الصومالية ضد أي تحركات انفصالية.

أما في ما يخص الجانب العسكري، فإن الجمود الذي واجهته الوساطات السابقة بين البلدين رفع احتمالات الصدام المباشر، وهو خيار لن تفضله مقديشو، حيث يرجح الباحث الصومالي الشافعي أبتدون -في مقال له- أن القاهرة لم تقدم ضمانات كافية للصومال إذا نشبت حرب مع إثيوبيا، كما أن أوضاع قواته المسلحة لا تسمح بخوض مواجهة مسلحة كهذه، وهو ما يعزز الحاجة إلى مسار دبلوماسي لتجنب التصعيد.

من الرابحون والخاسرون من هذا الاتفاق؟

حقق الإعلان مكاسب جوهرية لكل من مقديشو وأديس أبابا، إذ استطاعت الأولى انتزاع اعتراف إثيوبي باحترام سيادة ووحدة الأراضي الصومالية، في حين ربحت إثيوبيا اتفاقا على ممر بحري آمن ومستدام لتجارتها عبر الصومال.

خارج طرفي الأزمة المباشرين، تأتي تركيا على رأس الرابحين من هذا المسار الدبلوماسي لحل الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، إذ يشير تقييم منشور على موقع جيوبوليتكال مونيتور إلى أن هذا الاتفاق يمثل تأكيدا واضحا على نفوذ أنقرة المتزايد في القرن الأفريقي.

كما أن نجاح الوساطة سيمنح أنقرة على الساحة الدولية سمعة بوصفها شريكا عمليا وموثوقا وقادرا على التوسط في بعض أكثر البؤر الجيوسياسية حساسية وتحديا في العالم.

اقتصاديا، يؤهل الاتفاق تركيا لجني فوائد طويلة الأجل، فالشركات التركية مستعدة الآن للمشاركة في مشاريع البنية التحتية الكبرى المرتبطة بالاتفاق، بما في ذلك بناء وتطوير الموانئ وشبكات النقل وغيرها من المرافق المرتبطة بالتجارة، مستفيدة من أن الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين لا تتيح لهما الاضطلاع بتولي مسؤولية إنشاء هذه البنى بشكل منفرد.

على الضفة الأخرى، تبدو جيبوتي أحد الخاسرين من هذا الاتفاق الذي قد يمهد الطريق لتحول إثيوبيا نحو استخدام الموانئ الصومالية في جزء كبير من تجارتها الخارجية، حيث توفر الحركة التجارية الإثيوبية موردا لخزينة جيبوتي يتراوح بين 1.5 مليار إلى ملياري دولار سنويا كأحد أكبر المداخيل الحكومية.

إعلان

بجانب جيبوتي، يصف موقع جيوبوليتكال مونيتور التطور الأخير بأنه "خسارة إستراتيجية لمصر"، إذ كانت القاهرة تأمل من خلال التحالف مع الصومال في الحد من قدرة إثيوبيا على توسيع نطاقها الإقليمي، في حين يؤدي نجاح الوساطة التركية إلى حصول إثيوبيا على منفذ بحري بما يعزز من موقفها في القرن الأفريقي، ويزيد من جهة أخرى من نفوذ تركيا في المنطقة الحساسة للمصالح المصرية.

على الضفة نفسها، يقف إقليم أرض الصومال الذي تراجعت احتمالات توصله إلى اتفاق مع إثيوبيا يفضي إلى الاعتراف به دولة مستقلة مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على شواطئه.

بين الرابح والخاسر، تقف حركة الشباب المجاهدين حيث ترجح بعض التحليلات أن خلو الاتفاق من النص صراحة على انسحاب إثيوبيا من مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال، الذي كرره المسؤولون الحكوميون ليكون شرطا للتصالح مع إثيوبيا، سيؤثر بالسلب على شرعية الحكومة الفدرالية في مقديشو، مما سيصب في مصلحة الحركة في ترويج سرديتها وتوسيع عمليات التجنيد مستغلة الموقف الشعبي من إثيوبيا.

وقد أصدرت الحركة بيانا رفضت فيه الاتفاق، وأكدت أن إثيوبيا "تسعى إلى الهيمنة على الصومال".

في المقابل، يشير تقدير موقف -نُشر على مركز مقديشو للبحوث والدراسات- إلى أن الاتفاق قد يمهد الطريق لتغيير موقف الصومال من الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال، ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط على الحركة مع تصاعد التنسيق الأمني بين مقديشو وأديس أبابا.

هل فكك الاتفاق العقدة بين مقديشو وأديس أبابا؟

رغم أن الاتفاق ساهم في رفع منسوب الآمال بتخفيض التوتر في هذه المنطقة الهشة، فإنه في المقابل ترك عديدا من الأسئلة الجوهرية من دون إجابة، وعلى رأسها الغموض المرتبط بمصير مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال، مع خلو الوثيقة من النص الصريح على موقف إثيوبي واضح من الانسحاب، وهو ما قد يترك لأديس أبابا مجالا للضغط والمناورة من جهة، وخطة بديلة في حال فشل الوصول إلى اتفاق نهائي مع مقديشو من جهة أخرى.

إعلان

معهد دراسات الحرب نشر تحليلا مطولا أشار فيه إلى أن صعوبات تكتنف وصول إثيوبيا "الآمن" إلى البحر الأحمر عبر الصومال، حيث إن الموانئ المرشحة لاستخدامها من قبل إثيوبيا تمتلك حركة الشباب شبكات ابتزاز فيها، كما أنها تتمتع بقدر كبير من السيطرة على الطرق المؤدية من الحدود الإثيوبية إلى تلك الموانئ، وهو من شأنه أن يخلق تحديات أمنية كبيرة تواجه نقل البضائع الإثيوبية.

بجانب ما سبق، فإن ما تضمنه الإعلان يمثل خطوطا عريضة صيغت بلغة فضفاضة، انعكست عدم وضوح في الشروط المحددة لترتيبات وصول إثيوبيا إلى الموانئ الصومالية، ما من شأنه أن يخلق نقاط اشتعال محتملة إذا تباينت التوقعات خلال العملية التفاوضية على التفاصيل الفنية "حيث يكمن الشيطان"، حسب القول المعروف.

تجاوز هذه التعقيدات يتطلب بناء للثقة وتعاونا مستداما بين الطرفين المعنيين، وهو ما قد يتعثر تحت ضغط الأوضاع الداخلية والتدخلات الخارجية، في منطقة متقلبة تتغير فيها التحالفات بشكل سريع ومتكرر، مما يجعل من هذا الاتفاق خطوة مهمة نحو دبلوماسية السلام، في حين أن الغموض الذي يكتنفه والقضايا التي لم يتم حلها تؤكد في الوقت نفسه هشاشة هذا السلام.

مقالات مشابهة

  • كيف يمكننا إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التقديس والتدنيس؟
  • بدء امتحانات الصيدلة بجامعة الإسماعيلية الأهلية.. تستمر حتى 23 يناير
  • إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة
  • الفاتيكان يفتح الأبواب المقدسة لأول مرة منذ 25 عامًا .. ما السر؟
  • ظريف يعلن مبادرة مودة لحل مشاكل المنطقة بعيدا عن الصراع
  • خيانة الماركسية وكيف تحولت الحركة الشيوعية السودانية إلى قبيلة فكرية؟
  • رقص «السماح» أم رقص «الثوَّار»؟
  • قوات سوريا الديمقراطية: نتواصل مع الإدارة السياسية في دمشق
  • 5 أسئلة يعجز ChatGPT عن الإجابة عليها.. قيود تقنية وأخلاقية
  • الزرقاء: القوى الوطنية استعادت زمام المبادرة بعيداً عن التدخلات الدولية