آخر تحديث: 9 شتنبر 2023 - 9:15 صبقلم:علي الصراف لا شيء يميز كركوك عن سواها من محافظات العراق، سوى أنها خليط عرقي وطائفي وقومي لكل مكونات العراق منذ أن وجدت كمحافظة مستقلة. كانت جزءا من الموصل، أولا، ثم أصبحت محافظة بموجب القانون رقم 53 لعام 1960.ما يشغل المتصارعين على كركوك اليوم، كما بالأمس، ليس ترابها الذي لا يُقطّر عسلا، ولا مواطنوها الذين لم تقطّر الحياةُ عليهم بما يميزهم عما يتقطرُ من شظف العيش على غيرهم من أبناء العراق.

بعبارة أخرى، لا يتصارع المتصارعون على أرض كركوك، وإنما على “ما تحت أرضها”.النفط هو القضية. وإذا كان الرئيس مسعود بارزاني قد وصف كركوك بالنسبة لكردستان بمثابة “القدس” بالنسبة للمسلمين والفلسطينيين، فلأنه يُقدس النفط. بينما المسلمون يقدسون الإسراء والمعراج في القدس. ولحسن الحظ، لا يوجد تحتها نفط، وإلا لكانت قد تقدست لأسباب أُخر.الإنجليز الذين احتلوا العراق كانوا يعرفون أهمية الموصل لاقتصاد دولة حديثة في العراق. ومن قبل أن تبدأ أولى عمليات استخراج النفط في الولاية، فقد حرصت بريطانيا على أن تضمن اعتراف تركيا بأن الموصل أصبحت جزءا من دولة العراق الجديدة. ما يشغل المتصارعين على كركوك اليوم ليس ترابها الذي لا يُقطّر عسلا، ولا مواطنوها الذين لم تقطّر الحياةُ عليهم بما يميزهم عما يتقطرُ من شظف العيش على غيرهم من أبناء العراق. بعبارة أخرى، لا يتصارع المتصارعون على أرض كركوك، وإنما على “ما تحت أرضها”في العام 1924، عينت “عصبة الأمم” لجنة تحقيق لدراسة الوضع في ولاية الموصل، وأوصت بمنح الولاية للعراق، وهو القرار الذي اعترفت به تركيا في معاهدة تم توقيعها في أنقرة في 5 يونيو 1926، مع تعويضات صار يتعين على العراق أن يدفعها لتركيا. على هامش هذا الحدث، فقد بدا أن التعويضات أثقلت كاهل الحكومة العراقية الناشئة، بينما بقيت تركيا تطالب بديونها لأنها صارت هي نفسها غارقة بالديون وانهارت قيمة سنداتها لدى المصارف الأوروبية. فما كان من وزير المالية العراقي الأول حسقيل ساسون، وهو يهودي، سوى أن اشترى تلك السندات بـ”تراب الفلوس”، فلما عادت تركيا لتطلب من العراق أن يسدد لها التعويضات، دفع لها ساسون تلك السندات ليحرر العراق من العبء. فكان أمرا لم يفعل أي وزير مالية آخر في العراق شيئا بمستواه. وبالتأكيد ليس وزراء مالية جمهورية نوري المالكي، الذين يدفعون إتاوة لإيران من باب الحب والغرام بجمهورية الولي الفقيه. تم اكتشاف النفط في كركوك في العام 1927 في حقل “بابا كركر”. وبدأت عمليات الاستخراج في العام 1934، وظهرت حقول أخرى، وسط تقديرات تقول اليوم إن اجمالي احتياطات النفط في كركوك يبلغ نحو 10 مليارات برميل.وهذا هو ما يجعل كركوك “قدسا” من أقداس المال، بالنسبة لكل الذين يدّعون وصلا بليلى، “… وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا”. سكان كركوك حسب إحصاء العام 1957 كان 48 في المئة منهم أكرادا (187593 نسمة)، ومعظمهم في ريف المدينة، و24 في المئة منهم عربا (109620 نسمة)، و21 في المئة تركمانا (83371 نسمة)، والباقي أقليات أصغر من مجموع 388839 نسمة. والحديث عن “فسيفساء عراقي” تجسده كركوك، صحيح وغير صحيح. صحيح، إذا نظرتَ إلى المزيج الذي ظل يشكل سكان المدينة واحتفلتَ به كنمط من أنماط التنوع والتعايش. وغير صحيح لأن الغايات منه ظلت تتقصد إبعاد أكراد المدينة من حساب الأغلبية. كما أنه غير صحيح أيضا، لأن مقدسات المال في كل ثروات العراق، توجهت لحساب الدولة، ولم تأخذ، إلا بالجزئي والقليل، حقوق مواطنيها في تلك الثروة. والنزاع قائم إلى اليوم، على أساس نظرية أن “كركوك لنا”، وليس على أساس أن ثروات العراق لكل مواطنيه بالتساوي. جمهورية نوري المالكي، هي جمهورية صفقات محاصصة، حسب طبيعتها الدستورية. ومن هذه الصفقات الصبيانية فقد أرادت أن تعيد الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقره في المدينة، ليشم عطر ليلى، ويعود ليعيش بالقرب منها. بينما كان الأهالي من العرب والتركمان، يشمون رائحة الجثث في قنوات الصرف الصحي التي ألقاها المغرمون الأكراد بليلى انتقاما من مغرمين آخرين نافسوهم على حبها. والصفقة إنما تقضي بأن يسيطر نوع من تحالف بين المالكي وبارزاني على مجلس المدينة في الانتخابات المحلية المزمعة في 18 ديسمبر المقبل.جمهورية نوري المالكي، هي جمهورية صفقات محاصصة.. ومن هذه الصفقات الصبيانية فقد أرادت أن تعيد الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقره في المدينة، ليشم عطر ليلى.. بينما كان الأهالي يشمون رائحة الجثث في قنوات الصرف الصحي ومثلما هو الحال في الجمهوريتين معا، جمهورية المالكي وجمهورية بارزاني، فإن هناك طرفا ضائعا باستمرار، كما أن هناك فقرات في جداول المال لا تظهر لأحد.الطرف الضائع هو الناس من دون تسميات. والفقرات الضائعة هي صفقات وعقود النهب. تبلغ عائدات العراق السنوية من النفط نحو 120 مليار دولار. وهناك 45 مليون مواطن، كان يفترض أن يكون نصيب كل فرد منهم 2666 دولارا سنويا.ويبلغ عدد سكان كركوك الآن نحو 1.75 مليون نسمة. ما يعني أن حصة المدينة من إجمالي عائدات العراق النفطية تبلغ 4.66 مليار دولار سنويا. ولو أن الحسابات كانت مكشوفة لتقول لمواطني المدينة إن دائرة هذا المبلغ سوف تتقسم على نسب للخدمات والتعليم والصحة والبنية التحتية والأمن والوظائف وغيرها، فإن الوصل بليلى لن يعود هو لغة الخداع المتداولة بين المتنافسين الذين يريد كل منهم أن يحتكر ليلى لنفسه. كما لن يعود مهمّا أن تكون كرديا أو تركمانيا أو عربيا. يكفي أنك مواطن. وحصتك هي ذاتها أينما ذهبت. تأخذها في كركوك، مثلما تأخذها في الأنبار، أو السليمانية. ولكن هذه الطريقة في الحساب ليست هي الطريقة المعتمدة، لا في جمهورية نوري المالكي، ولا في جمهورية مسعود بارزاني. أولا، لأنها تتطلب كشفا للدفاتر. وهذه فضيحة. وثانيا، لأنها تعيد توزيع الثروة على “مواطنين”، بينما تنظر لهم الجمهوريتان بمنظار آخر: كردي، سني، شيعي،.. إلخ. وتوزيع الثروة على “مواطنين” نظرية لا تتلاءم مع دستور المحاصصة. والأزمة في صورتها الحقيقية هي أن كركوك قدس وليلى. “وليلى لا تقر لهم بذاكا”، فـ”إذا اشتبكت دموع في جفونٍ – تبيّن مَنْ بكى ممَنْ تباكى”.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

العراق على حافة القلق: مخاوف من “إقليم سني” مدعوم من سوريا

26 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة: في ظل الظروف الحالية التي يعيشها العراق، يظل الحذر هو السمة الغالبة في تعامل بغداد مع التهديدات المحتملة من القيادة السورية الجديدة.

ورغم التصريحات الرسمية التي تؤكد على عدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية، إلا أن هناك قلقًا حقيقيًا من أن هذه التهديدات قد تتصاعد بشكل غير متوقع. وهو ما يجعل المسؤولين العراقيين يتعاملون بحذر شديد مع هذا الملف في وقت تشهد فيه المنطقة تغيرات جوهرية قد تنعكس على الأمن الإقليمي بشكل عام.

الحديث عن “التهديدات السورية” يأتي في إطار التجارب المريرة التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية من جراء الإرهاب والتدخلات الإقليمية، حيث ظل الإرهاب أداة تستخدمها العديد من القوى في المنطقة لتحقيق أهدافها.

إن هذا السياق المعقد يضيف بعدًا آخر لفهم الخطاب السوري تجاه العراق الذي يبقى غامضًا حتى اليوم. القيادة السورية الحالية، التي تسيطر عليها مجموعات تعتبر متطرفة في بعض توجهاتها، قد تكون أحد العوامل المزعجة التي تدفع العراق إلى مزيد من الحذر.

وتزداد المخاوف في العراق من أن تغير النظام السوري قد يتسبب في تزايد التهديدات الإرهابية، خاصة إذا سعت سوريا لدعم قوى سياسية ذات توجهات متطرفة تهدد استقرار العراق.

في المقابل، تظهر المخاوف الطائفية بشكل جلي في بعض الأوساط العراقية، حيث تتزايد المخاوف الشيعية من إمكانية قيام “إقليم سني” مدعوم من سوريا. هذا الخوف يعكس القلق المستمر من أن تتحول العلاقة بين البلدين إلى نقطة توتر جديدة قد تؤثر سلبًا على الوحدة الوطنية في العراق وتفتح بابًا جديدًا لصراع طائفي في المنطقة.

وفي الوقت الذي يواجه فيه العراق تحديات داخلية متعددة، فإن أي تغيير في التوازنات الإقليمية قد يدفعه إلى إعادة تقييم مواقفه السياسية والعسكرية.

لا يمكن تجاهل أن جوهر أي تغيير في العلاقة بين العراق وسوريا لن يكون مجرد إجراءات شكلية أو تصريحات إعلامية، بل يجب أن يكون تغييرًا حقيقيًا يتواكب مع متطلبات الأمن الوطني العراقي.

في هذا الإطار، قد يضطر العراق إلى اتخاذ خطوات عسكرية إذا رصدت الحكومة العراقية تهديدات أمنية واضحة، خاصة إذا كانت تتعلق بتحركات قد تكون قادمة من الأراضي السورية أو إذا تأكدت صلات بين الجماعات الإرهابية في كلا البلدين.

إزاء هذه التهديدات، قد تجد بغداد نفسها مجبرة على التنسيق مع طهران بشأن مستقبل العلاقة مع دمشق.

وتنسيق قد يشمل العمل العسكري في بعض الحالات، وقد يتخذ شكل تفاهمات أمنية أو سياسية تهدف إلى كبح أي محاولات إقليمية لزعزعة استقرار العراق. وهو ما قد يعكس التوجه المستقبلي لعلاقات العراق مع سوريا في ظل التطورات الراهنة، وتحديدًا مع تواتر التحولات التي قد تطرأ على القيادة السورية في المستقبل.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • قرار تعيين مرتقب ينهي نفوذ “هادي” من المحافظات الجنوبية بشكل نهائي
  • العراق على حافة القلق: مخاوف من “إقليم سني” مدعوم من سوريا
  • مجلس الدولة يطالب حكومة الدبيبة بتنفيذ أحكام القضاء وتمكين “عون” من تسيير وزارة النفط
  • ارتفاع أسعار الأسمدة| الأسباب الحقيقية.. وهل يؤثر على ثمن المحاصيل؟ خبراء يجيبون
  • 1.4 مليون برميل.. الوطنية للنفط تعلن عن “رقم قياسي” من إنتاج النفط اليومي
  • العمليات العسكرية اليمنية تفاقم أزمة النقل الجوي في “إسرائيل”
  • “شركة الهروج” تدشن منظومة متطورة لقياس تدفق النفط بحقل آمال
  • اللواء “أبوزريبة” يناقش مع مدير أمن أجدابيا الخطة الأمنية لتعزيز الاستقرار في المدينة
  • وزير مالية الدبيبة يشعل أزمة “الاتحاد العربي للمقاولات” مجددًا.. وعناصر مسلحة تقتحم مقر الشركة
  • الأمير سلمان بن سلطان يُدشن مشروع “بوابة المدينة” بمدينة المعرفة الاقتصادية