DW عربية:
2025-03-15@23:14:51 GMT

ألمانيا ـ حزب "البديل" ظاهرة عابرة أم قوة سياسية متجذرة؟

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

‍‍‍‍‍‍

زعماء ائتلاف "إشارة المرور" (أولاف شولتس روبرت هابيك وكريستيان ليندنر) في البرلمان بتاريخ السادس من أيلول/سبتمبر 2023.

في خطاب ألقاه أولاف شولتس أمام البرلمان "بوندستاغ" (الأربعاء السادس من سبتمبر/ أيلول 2023)، اتهم المستشار الألماني حزب "البديل من أجل ألمانيا" بأنه يعمل بشكل متعمد على ضرب الأسس التي يقوم عليها ازدهار البلاد.

وقال شولتس بهذا الصدد "إن الغالبية العظمى من المواطنين يعرفون أن الحزب هو في الواقع فريق هدم، فريق هدم لبلادنا".

مختارات ألمانيا - البديل يتوعد بجذب ناخبين أكثر واستطلاع رأي يصدم الحكومة حزب البديل و"إخوانه" في البرلمان الأوروبي.. تخريب من الداخل؟

يشكك برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا للانتخابات الأوروبية في العام المقبل في جدوى الاتحاد الأوروبي. بيد أن الحزب اليميني الشعبوي ليس الوحيد في البرلمان الأوروبي الذي يسير على هذا الدرب.

ما هي نظرية "الاستبدال العظيم" الرائجة في صفوف حزب البديل؟

حذر "مكتب حماية الدستور" الاستخبارات الداخلية من تزايد تأثير التيارات المناهضة للدستور داخل "حزب البديل من أجل ألمانيا"، مشيراً إلى تراجع نفوذ المعسكر المعتدل الذي تجلى في قائمة مرشحي الحزب للانتخابات الأوروبية المقبلة.

وأضاف أن هذا الحزب يسعى لحل الاتحاد الأوروبي رغم أن ازدهار ألمانيا مرتبط بشكل وثيق بالتكتل القاري. وقال شولتس بمناسبة خطاب تقديم مشروع ميزانية الحكومة أمام البرلمان: "سنتمكن من مواجهة أولئك الذين يريدون تحقيق مكاسب سياسية من خلال إثارة الذعر أو سيناريوهات التدهور".

تخصيص شولتس فقرة كاملة في خطابه لحزب "البديل" مؤشر على تنامي القلق لدى النخب السياسية الديموقراطية في ألمانيا تجاه حزب صنفه مكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في خانة اشتباه بالتطرف ومن ثم فهو يخضع لمراقبة الجهاز.

غير أن صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" (السادس من سبتمبر/ أيلول 2023) حملت جزء من المسؤولية للأحزاب التقليدية التي عجزت عن وقف الهجرة غير النظامية، التي لم تعد تحظى بقبول غالبية السكان. وإذا عجزت الأحزاب التقليدية عن التحرك، فسوف يستمر حزب البديل من أجل ألمانيا في اكتساب الشعبية. "إن التوصل إلى ميثاق لسياسة جديدة للهجرة لا يقل أهمية عن ميثاق الحد من البيروقراطية". تقول الصحيفة.

المعارضة المسيحية تستبعد أي تحالف مع "البديل"

أكد زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس في أكثر من مناسبة استبعاده التحالف أو التعاون مع حزب "البديل" على كل المستويات السياسية. وفي آخر تصريح له حول الموضوع للقناة الأولى للتلفزيون الألماني (27 آب/أغسطس 2023) قال ميرتس: "لدينا قرارات واضحة في حزبنا: لا تعاون مع حزب البديل، لا في برلمانات الولايات ولا في المجالس المحلية". وسبق أن أثار ميرتس في تصريحات سابقة وصفت بالغامضة، حول إمكانية التعاون مع حزب البديل على مستوى البلديات، تصريح فسر على أنه نوع من التمييع لعقيدة الحزب التي تحرم أي شكل من أشكال التعاون مع اليمين المتطرف الشعبوي. تصريحات ميرتس أثارت في حينها موجة من الانتقادات امتدت إلى صفوف حزبه. وكان ميرتس قال في تلك التصريحات إنه "في حال انتخاب رئيس دائرة بلدية من حزب البديل في ولاية تورينغن وعمدة من حزب البديل في ولاية سكسونيا-آنهالت، فهذه هي الانتخابات الديمقراطية، وعلينا أن نقبل بهذا، ويتعين بالطبع على البرلمانات المحلية أن تبحث عن طرق حول كيفية العمل على تشكيل إدارة المدينة والولاية والدائرة بشكل مشترك".

"نويه تسوريخه تسايتونغ" (25 تموز/يوليو 2023)، ذهبت في اتجاه آخر واعتبرت أن الواقعية السياسية قد تجبر في المستقبل الأحزاب المحافظة على التعاون بشكل من الأشكال مع "البديل" خصوصاً إذا استمر في اكتساب مزيد من القوة. "ربما تعود الشعبية المتزايدة لحزب البديل من أجل ألمانيا في المقام الأول إلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومة الاتحادية في برلين. غير أن ذلك يؤثر في كينونة وجوهر الحزب الديمقراطي المسيحي، فإذا تفوق عليه البديل بنسبة نقطتين مئويتين فقط، وتراجع هو في الاتجاه المعاكس بنفس النسبة، فسيتم خلط جميع الأوراق. لذلك كان نداء ميرتس لمزيد من الواقعية في التعامل مع الحزب على مستوى البلديات معقولاً. وفي نهاية المطاف، يتعين على السياسة أن تأخذ في الاعتبار الأغلبية المحلية التي تحددها الديمقراطية. إن حزب البديل الذي يتجنبه الجميع دون استثناء، يمكن أن يصبح في يوم من الأيام قوياً إلى الحد الذي سيمكنه من تجاوز هذا التجاهل".

هل أصبح حزب البديل اليميني الشعبوي المعادي للهجرة "صانع الملوك" في ألمانيا؟

قوة "البديل" من ضعف الأحزاب العتيدة؟

يعتقد الكثير من المراقبين للمشهد السياسي الألماني أن الشعبية المتنامية لحزب البديل، لا تكمن في قوته الذاتية وإنما في ضعف الأحزاب التقليدية العتيدة التي لا تملك حلولاً للأزمات الكبرى التي تهز المجتمع الألماني والعالم. فكل من كان يعتقد أن حزب "البديل" مجرد ظاهرة عابرة عليه أن يعترف اليوم بأن هذا التنظيم السياسي يكتسب قوة متنامية وزخماً متزايداً في معظم المناطق الألمانية. النجاحات الانتخابية والشعبية المتزايدة وفق استطلاعات الرأي ترافقها ردة فعل كل الأطياف السياسية في مزيج بين الذعر والعجز.

وتتعالى أصوات من اليسار تدعو لتصنيف الحزب الشعبوي في خانة الفاشية بل وحظره، إذا اقتضى الأمر. غير أن خطوة كهذه ستزيد من شعبيته وتجعله "ضحية للنظام القائم". فالأسلوب الصحيح هو مقارعته بأدوات الصراع الديموقراطي والتباري الفكري وفق ضمانات دولة العدل والقانون. وذلك ما سيضمن فعلاً تماسكاً أفضل للمجتمع الألماني. وهذا ما ذهبت إليه صحيفة "كولنه شتات أنتسايغر" (السادس من أيلول/سبتمبر2023) التي كتبت معلقة "إذا كان المستشار أولاف شولتس يسعى حقاً لبلورة ميثاق يكون ذا فائدة للتماسك الاجتماعي ويرسل أيضاً إشارة واضحة إلى أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا، فيتعين عليه أن يشرك التكتل المسيحي في مشروعه. وإذا ما تبين أن تصاعد شعبية حزب البديل في استطلاعات الرأي، هو أمر مؤقت، فسوف يكون لزاماً على ألمانيا أن تعتاد على ائتلافات متعددة الشركاء".

ارتباك هوية المحافظين وتقدم "البديل"؟

هناك من يعتبر أن الارتباك في الهوية والعقيدة السياسية للتكتل المسيحي الذي يضم الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري) سبب في تقدم حزب "البديل"، حيث كان التكتل يعتبر نفسه سداً منيعاً في وجه اليمين المتطرف. غير أن تنامي قوة الأخير تشكل تحدياً غير مسبوق للمشهد السياسي الألماني كما تم ترسيخه بعد الحرب العالمية الثانية. فلعقود تظلت مقولة شهيرة لفرانز جوزيف شتراوس، أحد الوجوه التاريخية للحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري)، مرجعية أساسية للمعسكر المحافظ في ألمانيا بشكل عام. وهي مقولة تقوم على عدم وجود أي قوة سياسية تتمتع بالشرعية الديمقراطية على يمين التكتل المسيحي، غير أن النجاحات الانتخابية المتتالية لحزب "البديل" باتت تضع مقولة شتراوس على المحك.

وبهذا الصدد كتب غريغور بيتر شميتز، رئيس تحرير أسبوعية "شتيرن" (17 حزيران/يونيو 2023) محذراً من إن ألمانيا ليست دولة غربية عادية، بل هي دولة ذات تاريخ خاص للغاية. "عبارة لن يحدث ذلك مرة أخرى هي جزء من الثوابت والضرورات التأسيسية للجمهورية الاتحادية، لذا فإن التسامح تجاه اليمين المتشدد ليس خياراً وارداً. ينصح المؤرخ أندرياس فيرشينغ بالتعامل مع الشعبويين بالقول: "ينمو رأس المال السياسي حين يقول شخص ما يعنيه ويفعل ما يقوله".

فاز روبرت زيسلمان برئاسة بلدية زونيبرغ في ولاية تورينغن ليصبح بذلك أول عضو من حزب البديل يتسلم هذا المنصب

سابقة: الفوز بأول بلدية ألمانية

روبرت زيسلمان هو اسم أول رئيس لدائرة بلدية من حزب البديل من أجل ألمانيا، ويتعلق الأمر ببلدية زونيبرغ في ولاية تورينغن في شرق ألمانيا. الحدث خلق في حينه ضجة إعلامية وسياسية كبيرة بعد ما تم انتخاب زيسلمان في نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وأثارت هذه السابقة ضجة وغضباً في كل أنحاء ألمانيا. ويضم مجلس بلدية زونيبرغ أربعين عضواً إلى جانب رئيس المجلس، ويمتلك الحزب المسيحي الديمقراطي أقوى كتلة في المجلس بعشرة أعضاء يليه حزب البديل بتسعة أعضاء. ويشغل زيسلمان منصبه الجديد بالفعل منذ أوائل يوليو/ تموز الماضي بموجب اللوائح البلدية في تورينغن، وقام المكتب الإداري المحلي في الولاية بمراقبة ولائه للدستور وأسفرت المراقبة عن إمكانية شغل زيسلمان لمنصب رئيس دائرة زونيبرغ.

صحيفة "برلينه تسايتونغ" (21 حزيران/يونيو 2023) كتبت معلقة "يطارد شبح حزب البديل من أجل ألمانيا البرامج الحوارية في ألمانيا، ويفرض نفسه على مؤتمرات الأحزاب وفي قاعات تحرير وسائل الإعلام. في مرحلة ما كان يمكن تجاهل هذا الحزب، فخلال الانتخابات الاتحادية، تراجع الحزب بنسبة 2.3 نقطة مئوية مقارنة بنتائجه في عام 2017. بدا الأمر وكأنه قد استقر عند ذلك الحد، وربما سيختفي تماماً مرة أخرى وفق يعض المضاربات، كان هذا هو الأمل الخفي للكثيرين (..) لكن الخوف من "البديل" عاد بسبب استطلاعات الرأي الثابتة التي حقق بموجيها حوالي 20 في المائة".

حسن زنيند

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: ألمانيا حزب البديل من أجل ألمانيا اليمين الشعبوي المستشار الألماني أولاف شولتس الهجرة إلى ألمانيا حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الفاشية اليمين المتطرف النازية عنصرية ألمانيا حزب البديل من أجل ألمانيا اليمين الشعبوي المستشار الألماني أولاف شولتس الهجرة إلى ألمانيا حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الفاشية اليمين المتطرف النازية عنصرية من حزب البدیل فی ألمانیا السادس من فی ولایة غیر أن

إقرأ أيضاً:

في ذكراه: ظاهرة عباس محمود العقاد!

(1)

قبل أيام قليلة حلت الذكرى الواحدة والستين لرحيل الكاتب والمفكر العصامي الأشهر في الثقافة العربية الحديثة؛ عباس محمود العقاد (توفي في مارس من العام 1964). والعقاد أحد آباء الثقافة العربية في القرن العشرين؛ مهما كان الرأي والتقييم بين المغالين في النظر إليه وإحلاله مكانة تصل إلى القداسة المطلقة ولا يقدمون عليه أحدا ممن عاصرهم أو زاملهم من كبار رواد النهضة العربية في النصف الأولى من القرن العشرين، أو بين المهونين من قدره ومن شأنه ومن إنجازه كله!

وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد باعتباره مثقفا كبيرا بلا شك، وتجربة فريدة ورائعة ذات خصوصية في تاريخ هذه الثقافة، ترك ما سيبقى بكل تأكيد، وترك سيرة عامرة بالتفاصيل والتناقضات شأن كل سيرة حية تأثرت بسياقها التاريخي والاجتماعي كما أنها أثرت أيضا بما أوتي لها من مواهب وقدرات استثنائية، وقد ترك العقاد إرثا غزيرا وزاخرا وكما قلت سيبقى منه الكثير يحظى بالقيمة والاحترام والتقدير، وهناك بطبيعة الحال ما تجاوزه الزمن والتطور الإنساني والارتقاء بمستويات الوعي والقدرات والأدوات التي يمارسها الإنسان في تفكيره وتطوره ومعاشه كله.

(2)

وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد نظرة إكبار واحترام لكن دون مغالاة ولا تقديس ولا حصانة من النقد والنظر والمراجعة والفحص! كما أنظر إليه نظرة أجتهد في أن تكون مقاربة لمجمل مشروعه منذ بداياته وحتى نهاياته؛ لا يجوز حين النظر إلى هذا المشروع كله الاجتزاء أو الاقتطاع أو الابتسار أو الاكتفاء بجزء دون الأجزاء أو تفصيلة وإهمال باقي التفصيلات.. أو التركيز على كتاب أو كتابين أو حتى عدة كتب وإهمال الباقي أو إسقاطه وبالتالي سيترتب على هذا الإهمال أو الإقصاء أو الاستبعاد أحكام غير دقيقة وقراءات مبتسرة أو محاولة لإثبات وجهة نظر مسبقة أو ارتهان مشروع العقاد كله لهذه الرؤية أو تلك الأيديولوجيا بحسب المنظور والزاوية التي يقرأ منها قارئه ما يريد أن يثبته!

فمع كاتب غزير الإنتاج حقيقة، متعدد المواهب وفخم الحضور مثل "العقاد"، فأنت أمام مؤسسة راسخة قائمة على تصورات كبيرة وضخمة، كالبناء الهندسي، المرتب، المؤثث، فلم يكن مشروعه الثقافي والفكري والأدبي، عشوائيا، أبدًا، كان يكتب وهو يعلم جيدا ماذا يكتب وكيف وما موضعه من مجمل أعماله وأين، أنت هنا تتحدث عن العقاد، واحد من العقول الفذة التي أنجبتها الثقافة العربية في القرن العشرين بلا جدال، سواء اتفقت مع كل ما كتب أو بعضه أو لم تر كثيرا مما يردده من بعده تلاميذه وأشياعه في حقه!

(3)

وإذا كان مواليد العام 1964 (وهي السنة التي توفي فيها العقاد) قد تجاوزوا الستين من أعمارهم؛ فإن هناك أجيالا بأكملها في العالم العربي نشأت وهي بعيدة الصلة بين تكوينها الثقافي وقراءاتها العامة وبين العقاد بالأخص تحت وطأة الصورة الذهنية التي كرست (ولا أعلم الحقيقة كيف ولماذا كرست بهذه الطريقة!) عنه من أنه كان جهما وكان صعبا وأن كل ما كتبه معقد لأنه "عقاد"!!

عمومًا وبعيدا عن هذه التعميمات المخلة والتنميطات التي تمثل آفة من آفات الثقافة العربية، سأكتفي لحدود المساحة بإلقاء بعض الضوء عما أظنه يمثل خلاصة للعقاد؛ خلاصة لكفاحه الإنساني ونضاله الفكري والثقافي، وكذلك للمساحات الكبيرة والضخمة التي احتلها في تاريخ هذه الثقافة في الأدب والنقد واللغة والشعر والمراجعة الذاتية وفي الفكر والفلسفة وفي الإسلاميات والدراسات القرآنية.. إلخ.

يمثل العقاد في ظني "حالة" أو "ظاهرة" بكل ما تعنيه الكلمة، حاز شهرة ربما لم ينلها أحد ممن عاصره (باستثناء طه حسين منفردا)، لا أظن أن أحدا يختلف على مواهبه الاستثنائية وإرادته التي لا تلين، وهو عبقري من عباقرة الثقافة العربية الحديثة، أديب وناقد وشاعر ومؤرخ وفيلسوف ومفكر وغير ذلك! وهذا كله حازه بجهده وإرادته وعمله الكبير طوال رحلة حياته.

ورغم تخرجه من المرحلة الابتدائية فقط فإن شغفه بالقراءة والبحث جعله يقبل على العلم والمعارف بأشكالها وألوانها وأنواعها كافة ويستزيد منها بصورة ربما لم تتوفر لمن أنفق عمره كله في تخصصه (وكان بهذا أعجوبة حقيقية شهد له بذلك القاصي والداني)، فأصبح بذلك علما من أعلام الفكر وأنصار التجديد في الأدب (على الأقل في النصف الأول من حياته لأن مواقفه إزاء التجديد والتطور الأدبي والفكري والثقافي ككل سيتراجع تماما ويتخذ منظورا مناقضا لما كان عليه في مقتبل حياته).

(4)

ويبدو أن توقف العقاد عند مرحلة التعليم الأولي «الابتدائية» ألهب في داخله رغبة التعويض عن التعليم المنظم، والتكوين الأكاديمي، فتميز بنهمه المعرفي الاستثنائي الذي دفعه إلى اقتحام عشرات المجالات المعرفية التي أنتجت عددًا ضخمًا من الكتب (جاوزت المائة كتاب في فنون الثقافة العامة، والفكر الفلسفي والسياسي، مروراً بالعبقريات والنقد الأدبي والدراسات الإسلامية واللغوية، فضلاً عن ألوان الثقافة الغربية وأعلامها من أمثال غوته، وفرنسيس بيكون، وفرانكلين، وبرنارد شو، ومعهم غاندي وخيمينيز، وانتهاء بدواوين عشرة من الشعر ورواية يتيمة هي «سارة») التي لم يعد بعدها إلى فن القص إلا مهوّناً من شأنه بالقياس الي فن الشعر الذي رأي فيه التعبير الأمثل عن الشعرية العربية، أو اللغة الشاعرة، مقابل فن القص الذي رأي أعماله بمثابة «قنطار خرنوب ودرهم حلاوة». وهو التهوين الذي تصدى له نجيب محفوظ الشاب في بواكير حياته الإبداعية، وواجهه بمقالات حجاجية معارضة في مجلة «الرسالة»، كانت بمثابة نبوءة عن صعود زمن الرواية التي وصفها محفوظ بأنها «شعر الدنيا الحديثة».

وقد شهر العقاد بحدته ومواجهاته ومعاركه حامية الوطيس، وقد كان للأمانة حرا جريئا مقداما غير هياب ولا وجل من خوض هذه المعارك مهما كانت وأيا من كان يواجه!

عرف بمعاركه الأدبية مع كبار الكتاب، فاختلف مع طه حسين وغيره من النقاد بسبب قراءاته التحليلية المتفردة والخارجة عن المألوف، حظي بإعجاب وتقدير نظرائه الذين وجدوا في أدبه نبض الحياة المصرية الحديثة.

وقد شغل العقاد الدنيا والناس بمعاركه العنيفة وهجومه الضاري على خصومه، ابتداء من حملته العاصفة على المدرسة الإحيائية التي كان أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، أبرز شعرائها، وصاغ آراءه الهادمة للقديم والمؤسِّسة للجديد في كتابه «الديوان» الذي اشترك فيه مع قرينه إبراهيم عبدالقادر المازني الذي اختص المنفلوطي - أبرز ناثري المدرسة القديمة- بالهجوم، بينما تفرغ العقاد لشوقي الذي وجَّه إليه أقسى أنواع النقد، تحطيماً للقداسة التي انطوى عليها شعر المدرسة القديمة في النفوس، وتبشيراً بالمذهب الشعري الجديد الذي دعا إليه مع صديقيه المازني، وعبدالرحمن شكري، فيما عرف باسم «جماعة الديوان».

(5)

ترك العقاد ما يزيد على المائة كتاب! في جميع فنون التأليف والآداب والمعرفة؛ وقد انفردت مؤسسة دار المعارف العريقة، وطوال أكثر من ثلاثة عقود في حياته، ثم بعد مماته، بنشر الإنتاج الأدبي والنقدي والفكري لعباس محمود العقاد، أشهرها وأظهرها وأبقاها أثرا وتأثيرا، أخرجته دار المعارف في طبعات مدققة محققة حازت شهرة واسعة وقبولا في جميع أرجاء العالم العربي.

وقد شهر العقاد بعدة سلاسل من الكتب أخرج الكثير منها تحت عنوانات عريضة مثل «العبقريات» وهي سلسلة من الكتب التي أعاد فيها قراءة بعض الشخصيات الكبرى في تاريخ الإسلام وعلى رأسها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التي استهلها بـ«عبقرية محمد» وختمها بـ«عبقرية المسيح». وقد جمعت العبقريات الخمس التي أخرجها عن دار المعارف في مجلد واحد طبع مرارا.

ومنها كذلك مجلد «الإسلاميات» الفخم الضخم الذي أخرجته دار المعارف قبل ما يزيد على الثلاثين عاما، ويضم بين دفتيه سبعة كتب دارت حول شخصيات من الصحابة والمتصلين بتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تعددت طبعات العشرات من كتبه في الإسلاميات، والسير والتراجم، والدراسات الأدبية واللغوية، والدراسات التاريخية.. إلخ..

مقالات مشابهة

  • زوكربيرج يتنبأ بنهاية الموبايلات.. وهذه التكنولوجيا ستكون البديل
  • المجر تطالب بحماية التراث المسيحي وإغلاق الباب الأوروبي أمام أوكرانيا
  • في ذكراه: ظاهرة عباس محمود العقاد!
  • المجلس المسيحي العالمي للسلام: سوريا ستكون خالية من المسيحيين في 2045
  • متجذرة منذ 4 آلاف عام.. البيروقراطية في العراق تعود لـجيرسو السومرية
  • حملة لرفض بيع ثالث أكبر بنك حكومي مصري للإمارات.. وخبراء يقدمون البديل
  • إعلام إسرائيلي: حماس متجذرة بالشعب الفلسطيني ولا يمكن تقويضها
  • أحمد هارون: مفهوم اعتزل ما يؤذيك ليس مجرد عبارة عابرة بل هو مبدأ أساسي في الصحة النفسية
  • اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي تهنئ بطريرك الأقباط الكاثوليك بالذكرى 12 للتنصيب البطريركي
  • بدء مفاوضات تشكيل ائتلاف حاكم بين المحافظين والاشتراكيين في ألمانيا