9 سبتمبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث: د. معراج الحديدي

تُعد مدينة كركوك واحدة من أكثر المدن تعقيدًا وتوترًا في العراق، حيث تشهد تنافسًا مستدامًا بين العرب والكرد حول الملكية والسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية. يتجسّد هذا التنافس خصوصا في الفترة الاخيرة في مفهوم المقر المتقدم الذي سيطرت عليه قطعات الجيش العراقي واصبح مركز العمليات المشتركة للقوات الامنية في كركوك وتعاقب عليه العديد من القادة اخرهم الفريق جبار
جذور الأزمة: تعود جذور أزمة المقر المتقدم في كركوك إلى ما بعد احداث 16 اكتوبر من العام 2017 بعد ان دخلت قوات الجيش العراقية الى مدينة كركوك وما اطلق عليها بعمليات فرض القانون, حيث انسحب الحزب الديمقراطي الكردستاني من المقر الذي كان يسكنه وتحول الى فيما بعد الى مقر للعمليات المشتركة في كركوك ومنذ ذلك الوقت تعارف الناس على تسميته بالمقر المتقدم.

الا أن هذا الامر اثار حفيظة الحزب الديمقراطي الكردستاني واعتبر الامر اشبه بالاحتلال مما دفع الى استخدامه كوسيلة ضغط على بغداد بل واحدة من شروطه في قبول تشكيل حكومة السوداني هو اعادة المقر الى حاضنتهم وتثبيته في ورقة المنهاج الحكومي وبالفعل قبلت بغداد بالشرط وادرج ضمن المنهاج الحكومي.
التطورات الحديثة: قبل اسبوع اوعز رئيس الوزراء السوداني بتسليم المقر المتقدم للحزب الديمقراطي فخرجت الحشود العربية منددة بالقرار ومطالبة بإلغائه, وتطور الامر الى اعتصام مفتوح امام المقر وتم قطع طريق كركوك – اربيل.

وهاجس العرب في ذلك هو الخوف من الرجوع الى ما قبل احدث اكتوبر وما لا قاه العرب من سياسة نحم الدين واعتبارهم مواطنون من الدرجة الثانية فضلا عن التغييب والتعذيب القسري واستخدام سياسة التهميش والاقصاء تجاههم.

كذلك اعتبار المقر المتقدم هو رمز من رموز عمليات فرض القانون وانه حق للدولة معتبرين ان الارض تعود لشركة نفط الشمال وليس ملكاً للبارتي.
آثار الأزمة: بالأمس خرج الكرد في وقفة احتجاجية متقابلة للمطالبة بفتح الطريق نحو اربيل معتبرين ان مصالحهم تعرضت للخطر بسبب الغلق, واندفع الشباب نحو المواجهة لذلك تأثرت المدينة بشكل كبير بتصاعد التوترات بين العرب والكرد ونتج عن ذلك مواجهات بين المتظاهرين مما ادى الى سقوط شهداء واضرار بالممتلكات وفرض حضر للتجوال, فضلا عن ان تأثيرات الأزمة تشمل تعطيل الحياة اليومية للمواطنين، وتدهور البنية التحتية، وتعثر الاستثمارات، وتشتت السكان، وزيادة التوتر الأمني.
المستفيد من الازمة: بلا شك ان لكل ازمة هناك مستفيد منها بل ويتصيد بالماء العكر من اجل مصالح ذاتية وذلك عن طريق تحشيد الجماهير وتعبئتها بشعارات رنانة, لكنه يبغي من هذا الامر مصالح واهداف لا تظهر للعوام ولعل ابرز المستفيدين من هذه الازمة هم :

1- السياسيين العرب ولا سيما تحالف العروبة الذي تصدر المشهد وبعض مرشحي التحالف العربي لانهم اجدوا من الازمة بيئة خصبة لاستمالة الجمهور وكسب عاطفتهم في محاولة لتصدر المشهد العربي واعتبارهم الممثلين عن المكون العربي, وهي دعاية انتخابية طازجة وجيدة لكسب اصوات الجمهور العربي.
2- الحزب الديمقراطي يعتبر مستفاد من الحالتين لأنه اذا اعاد الى المقر الى احضانه فأنه سوف يصدر من العودة لجمهوره القوة واثبات الوجود في المدينة, وفي حال عدم استعادته فسوف يذكر جماهيره بالمظلومية وأن عليهم التحشيد لإعادة الوضع لأحضان الكرد على سابقتها من خلال المشاركة الجماهيرية في الانتخابات.
الجهود الرامية لحل الأزمة: هناك جهود متواصلة تبذل من قبل اصحاب الحكمة والمصلحة لحل أزمة المقر المتقدم في كركوك. ومن المهم التعاون بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان للوصول إلى تسوية دائمة لتحقق الاستقرار والسلام في كركوك ، حيث تحتاج إلى حلول سلمية تضمن حقوق الجميع وتعزز التعايش السلمي في المدينة.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: المقر المتقدم فی کرکوک

إقرأ أيضاً:

أزمة اللاجئين السودانيين

وأنا أتابع المآسي الناتجة عن المعارك الدائرة في السودان بين فصيلين سودانيين، والثمنَ الباهظ الذي دفعه السودانيون من جراء ذلك، تذكرتُ تصريحًا للرئيس الأوغندي الراحل عيدي أمين، بطل الملاكمة السابق، عندما عرض على ألدِّ أعدائه الرئيس التنزاني جوليوس نيريري، تسويةَ خلافاتهما في حلبة الملاكمة، بدلًا من إدخال الشعبين التنزاني والأوغندي في متاهات الحروب، التي هما في غنى عنها، وأتصور أنّ هذا الاقتراح هو الأنسب لعبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني، ومحمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع في السودان؛ فعندما يتقابلان على حلبة الملاكمة أو المصارعة، فإنهما بذلك سيحقنان دماء السودانيين الأبرياء، وسيوِّفران الكثير للشعب السوداني الذي يدفع الثمن غاليًا في المنافي الداخلية والخارجية.

بعد مرور أكثر من عام على حرب السودان، تزداد معاناة ملايين السودانيين الفارين من جحيم الأوضاع الكارثية، وهي المعاناة الأسوأ على مدار تاريخ كلّ الحروب التي شهدتها القارة السمراء، ولعل الصديق الصحفي السوداني أحمد قاسم البدوي، كان دقيقًا في وصف حالة هؤلاء، في تقرير عنونه لموقع «تسامح نيوز» بـ«النازحون السودانيون: رحلة الفرار من الموت إلى الموت».

غطت أخبار غزة على ما يجري في السودان، الذي تُرك يواجه مصيره بمفرده، مع بعض التدخلات العربية لطرف على حساب طرف آخر، ولكن هل انتبه العرب إلى أنّ ما يعادل ربع سكان السودان قد فرّوا من مساكنهم، حسب إحصائية جديدة بشأن النازحين واللاجئين في السودان؟! التفاصيل التي نقلتها وكالة «أسوشيتد برس» عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تشير إلى أنّ حوالي ثمانية ملايين شخص فرّوا من منازلهم جراء الحرب في السودان، وأنّ عدد النازحين داخليًّا وصل إلى أكثر من عشرة ملايين شخص، ولجأ أكثر من مليوني شخص إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومصر وكينيا، والحالة كهذه فإنّ الهجرة والنزوح لا يخلوان من المخاطر، إذ حذرت وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة الأطراف المتحاربة من وجود خطر جدي من انتشار المجاعة والموت على نطاق واسع في منطقة دارفور الغربية وأماكن أخرى في السودان، إذا لم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية، حيث الاحتياجات الإنسانية «ضخمة وحادة وفورية».

في تقريره يرسم أحمد قاسم البدوي صورة قاتمة السواد للاجئين إلى مصر - وهو واحدٌ منهم، بعد أن خاض التجربة مع والدته وبعض أهله - ففي الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة النزاع المسلح بين قوات الجيش السوداني وقوات مليشيا الدعم السريع، تحوّلت المدن المأهولة بالسكان إلى مدن أشباح، تفوح منها رائحة الموت والدمار، ويلوذ منها الناجون بأرواحهم فرارًا من مصير مجهول إلى مصير آخر لا يقل سوءا، وعن اختيار السودانيين للجوء شمالًا يذكر البدوي أنه في الوقت الذي يعيش فيه آلاف النازحين السودانيين أوضاعًا مأساوية على تخوم غابات إقليم الأمهرة الأثيوبي، بعد أن احتجزتهم السلطات الأثيوبية هناك، يفضِّل غالبية السودانيين من ضحايا الحرب رحلة الفرار شمالًا إلى مصر، ولكن مع ذلك فإنّ تلك الرحلة لا تخلو من المخاطر بأيِّ شكل كان، ويدلل على ذلك بما أظهرته أرقام الموت المختلفة، خلال أسبوع واحد فقط؛ ومنها وفاة أسرة سودانية كاملة في حادث سير في الطريق إلى أسوان، وغيرها من حوادث الموت عطشًا تحت ضربات الشمس الحارقة في قلب الصحراء.

في ظروف كهذه، تنشط بعض الجماعات التي تستغل الظروف والتي تعمل دون ضمير، للاستفادة من الوضع بإدخال السودانيين إلى مصر بطرق غير مشروعة؛ لذا - كما يقول البدوي - يتعرض العديد من المهاجرين بهذه الطرق إلى حوادث مختلفة، وشهدت مستشفيات مدينة أسوان استقبال العديد من حالات الحوادث، إلى جانب امتلاء مشرحة مستشفيات أسوان بالموتى السودانيين، وكشفت تقارير صحفية أنّ جملة الوفيات في أسبوع واحد بلغت ٢٤ حالة، (لحظة كتابة المقال) هذا فضلا عن حالات أخرى في الطريق إلى مستشفيات أسوان، ممَّا جعل القنصلية السودانية هناك تطلق تحذيرًا لمواطنيها ورعاياها من خطورة الدخول إلى مصر بطرق غير شرعية، لما يعرِّضهم للخطورة والمساءلة القانونية، عدا الحوادث المرورية للمركبات المستعملة في التهريب، والتعرض للنهب والابتزاز من قبل عصابات تهريب البشر، وهو ما يعرّضهم أيضًا لمخالفة القانون المصري. وما لم يذكره القنصل هو أنّ هؤلاء كانوا أمام خيارين أحلاهما مُر، فلا أمان في السودان وقد شهدت عمليات القتل والنهب والانتقام، وليس أمامهم إلا الهروب.

وإذا كان البدوي قد تناول تجربته ومشاهداته عن اللاجئين السودانيين إلى مصر، فماذا إذا قرأنا عن مأساة المهاجرين إلى الداخل وإلى ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وأثيوبيا؟ بالتأكيد هي ليست أقل مأساوية؛ فالإنسان يعيش دائمًا على أمل، لذا نجده يهرب من الموت إلى موت قد يكون أشدَّ إيلامًا، رغم أنّ طعم الموت واحد.

وبعيدًا عن المآسي الإنسانية، فإنّ الكاتب والصحفي السوداني عزمي عبد الرازق، يرسم - في مقال نشره في موقع «الجزيرة نت» - صورة قلمية محزنة عن حال العاصمة السودانية الخرطوم، التي لم تعد كما كانت؛ فلا شيء مما تبقّى فيها يدلّ على أنها هي الخرطوم، عروس النيلَين، بعبقها وأصالتها، فيتعذّر التعرُّف عليها، بعد تدمير الكثير مِن معالمها الأثرية النادرة أو محوها بالكامل، حيث أصاب الدمار متحف الخرطوم الطبيعي، الذي نفقت فيه كلُّ الحيوانات والطيور نفوقًا بطيئًا، بسبب العطش والجوع، ولا توجد منه عيّنات أخرى في السودان.

عندما يفقد الوطن - أيّ وطن - الأمن والسلام، لا بد أن يحنّ للأيام الخوالي، التي كان الناس يعيشون فيها في أمان، والمثير للانتباه أنّ هذا ما حدث في العراق وليبيا وسوريا واليمن، ممّا يؤكد أنّ البديل كان أسوأ ولهذا السبب ثار الناس.

إنّ الأوضاع اللا إنسانية التي يحياها ملايين السودانيين جراء الحرب بين فصيلين أو شخصين، تنذر بمزيد من المآسي والدمار وتشتيت الشعب السوداني في المنافي الداخلية والخارجية. ويتساءل الكثيرون عن نهايات الحرب، و«الكثيرون» المقصودون هنا هم «السودانيون»، لأنّ العرب - على ما يبدو - لا يأبهون بما يحصل في السودان ولا في غزة، ولا في غيرهما من البلدان العربية؛ ولكن - رغم تفاؤلي الدائم - فإني لا أرى ضوءا في النفق، لأنّ هناك من يغلب مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن، والنتيجة هي أنّ البلد الواحد يصبح أكثر من بلد، ويصبح لكلِّ إقليم أو ولاية أو محافظة قطعة قماش ترفرف في الهواء تُسمى «عَلَمًا»، وهذا ما حدث في أكثر من بلد عربي، وأستذكر هنا ما قاله السلطان قابوس -طيب الله ثراه-: «إنّ وجود نظام قوي في أيِّ بلد، أفضل من وجود نظام ضعيف»، وهذه حقيقة، ولكن كيف إذا كان النظام أصلًا ضعيفًا ولكنه مرتهنٌ بالخارج، ينفذ أجنداته فقط؟ أليس في ذلك دمار للوطن؟!

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب « الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • أوّلُ القَصَصِ «1»
  • أمين الأكاديمية الوطنية لتجربة العميل: نستهدف خدمة تجربة المستفيد في كافة القطاعات
  • بالفيديو.. تفاصيل اجتماع اتحاد الأطباء العربي في لبنان
  • 2024 الأشد حرارة على الاطلاق.. 10 معلومات بارزة تؤكد الامر
  • ما هي رسالة الناخبين العرب والمسلمين في بريطانيا للحزب الحاكم الجديد؟
  • الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟
  • أزمة اللاجئين السودانيين
  • البلاغة من فوهة البندقية.. لماذا صنفت الولايات المتحدة أبا عبيدة إرهابيا؟
  • تأسيس أكاديمية خاصة بالخطوط الجوية الجزائرية
  • ماذا بعد نسف أول أوهام الشرق الأوسط القديم؟ (1)