بايدن يستقطب المحافظين الجدد.. تقرير امريكي يحذر من عودة حزب الحرب
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
شفق نيوز/ حذرت صحيفة "ذا نايشن" الأمريكية من ان "حزب الحرب" يعاود حضوره داخل ادارة الرئيس جو بايدن وفي الحياة السياسية الامريكية، بما في ذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان اللذين لديهما اخفاقات في العراق وليبيا، منتقدة "قواعد اللعب الفاشلة" التي اتبعها هذا "الحزب" والتي تنادي بسياسات عالمية لا تحتاجها واشنطن، وليس بإمكانها تحقيقها.
وأوضح التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان بايدن كان عيّن فيكتوريا نولاند، التي كانت مسؤولة ديك تشيني المعنية بالعراق، في منصب نائبة وزير الخارجية، والمسؤولة الثانية في وزارة الخارجية، كما قام بتعيين اليوت ابرامز، الذي أدين بالكذب تحت اليمين، وهو مدافع عن التعذيب في أمريكا الوسطى خلال عهد رونالد ريغان، في اللجنة الاستشارية للدبلوماسية العامة. ولفت التقرير إلى أن بيل كريستول، عضو اللوبي المتشدد المؤيد لحرب العراق، دفع مليوني دولار ككلفة لثمن الإعلانات التلفزيونية التي تحث الجمهوريين على المضي قدما في دعم حرب أوكرانيا.
وتابع؛ قد تكون الحرب بمثابة صحة الدولة وقد لا تكون، لكنها بالتأكيد بمثابة منشط للمحاربين من المحافظين الجدد.
واشار التقرير الامريكي الى ان بايدن يعود الى اتباع سياسات مدمرة من جانب مؤسسة السياسة الخارجية والايمان بالهيمنة الاميركية الجيدة، مضيفا أن هناك عودة لاستخدام أوصاف مثل أمريكا الدولة التي لا غنى عنها و"النظام القائم على القواعد"، محذرا من أن الأمريكيين مدعوون مجددا "الى صراع عالمي بين الديمقراطية والاستبداد".
واوضح التقرير؛ ان الامريكيين يشنون "حربا بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا بينما نستعد في الوقت نفسه لحرب باردة مع الصين، ونفرض عقوبات اقتصادية على 26 دولة، ونحتفظ بأكثر من 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة، ونرسل قوات إلى أكثر من 100 دولة، وعبر البحار السبعة".
واعتبر التقرير؛ أن التعيينات التي قام بها بايدن، تعكس هذه السياسة، موضحا أن قادة فريقه للسياسة الخارجية، مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان – هم من السياسيين القدامى المتورطين في الاخفاقات الأميركية الماضية.
وبحسب التقرير، فإن بلينكن المتشدد، كان من الأبطال المتحمسين لحرب العراق، والتي كانت المغامرة الاكثر كارثية منذ حرب فيتنام، في حين أن سوليفان، كان الخبير الاستراتيجي المفضل لدى هيلاري كلينتون، ناشطا فيما يتعلق الكارثة الليبية، والتي صاغها عمل على صياغتها كنموذج على "عقيدة كلينتون" قبل أن يتم ترك ليبيا في حالة من الفوضى والعنف.
واضاف التقرير انه "حتى اكثر المحافظين الجدد تعصبا عادوا الآن الى السلطة".
وذكّر التقرير بأنه بعد الكارثة في العراق، فإن ما كان متصورا هو أن هؤلاء الايديولوجيين، على حد تعبير جيمس فالوز "نالوا الحق في ألا يتم الاستماع إليهم"، وانهم سوف يتقاعدون في ظل مشاعر الخزي، لكتابة مذكراتهم واعتذاراتهم.
لكن التقرير لفت الى وجود ظاهرتين ساعدتا هؤلاء الايديولوجيين على العودة إلى نعمة المؤسسة الحاكمة (الايستابلشمانت)، أولهما هي مجيء دونالد ترامب ومتلازمة اضطراب ترامب حيث جرى الترحيب بعودة المحافظين الجدد بشكل خاص، الى احضان "الايستابلشمانت" بعدما انفصلوا عن ترامب، مع استثناءات قليلة (مثل اليوت ابرامز، الذي كان بمثابة الرجل الرئيسي لترامب في الجهود المجنونة للاطاحة بالحكومة الفنزويلية) واصدروا إدانات غاضبة لسياسات ترامب "الانعزالية".
وتابع التقرير أن الظاهرة الثانية التي ساعدت هؤلاء على استعادة حظوظهم، فتمثل في الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ أنها ساهمت في منح كل أفكارهم حول الحرب الباردة، حياة جديدة مثل أن "بوتين شرير"، وانه لم يتم التصدي له في أوكرانيا، فسوف ينتقل الى بولندا أو دول البلطيق، وأن إلحاق الهزيمة العسكرية به هو فقط يمكن أن يردعه.
ونوه التقرير إلى أن المسؤولية التي تتحملها الولايات المتحدة إزاء هذه الحرب، بما في ذلك توسيع حلف الناتو الى حدود روسيا والتجاهل بازدراء للتحذيرات الروسية من خطوة محاولة ضم اوكرانيا الى الحلف، تم نسيانها سريعا او تم رفضها باعتبارها غير ذات صلة بالحرب.
وحذر التقرير من أن "مخاطر إحياء حزب الحرب الأمريكي، واضحة في أوكرانيا"، موضحا ان المحافظين الجدد، مثل ماكس بوت واليوت كوهين، يهاجمون إدارة بايدن الآن بسبب حذرها في تسليح الأوكرانيين، ويعتبرون ان بالامكان تجاهل خطوط بوتين الحمراء، وأنه لابد من تزويد اوكرانيا بالاسلحة اللازمة لقصف روسيا وشبه جزيرة القرم بشكل مباشر، كما أنهم يعتبرون أنه لا يجب هزيمة روسيا فحسب، بل يجب اقتلاعها ايضا.
وفي هذا السياق، يذكر التقرير بما كتبه كوهين مؤخرا في مجلة "ذي اتلانتيك"، حيث قال "نحن بحاجة الى مشاهدة حشود من الروس يفرون، او ينشقون، او يطلقون النار على ضباطهم، او يقعون اسرى، او يقتلون. يجب ان تكون الهزيمة الروسية عبارة عن فوضى دموية كبيرة لا لبس فيها".
والان، ينبه التقرير الأمريكي من أنه في ظل وصول الحرب الاوكرانية الى مأزق وحشي ودموي، فان ادارة بايدن تتجاوب ببطء مع دعوات التصعيد، حيث أرسلت الدبابات، ثم القنابل العنقودية، ثم وافقت على طائرات "اف-16" عبر الحلفاء، وسرعان ما ستتبعها صواريخ بعيدة المدى.
كما حذر التقرير من ان هذا " المسار يراهن كثيرا على ضبط النفس لدى زعيم (بوتين) قيل لنا انه رجل مجنون". وتابع تحذيره قائلا ان "التداعيات الأوسع نطاقا أكثر خطورة حيث ان بايدن أحيا خطاب وطموحات "الاستثنائية" الأمريكية، بحيث ان الولايات المتحدة سوف تجلس على رأس كل طاولة وسوف تحدد القواعد، وتراقبها في كافة أنحاء العالم.
ونقل التقرير عن روبرت كاجان، وهو من رموز المحافظين الجديد، وزوج فيكتوريا نولاند، قوله إن "القوى العظمى ليس من حقها ان تتقاعد"، ويضيف ان "الوقت قد حان من اجل ابلاغ الاميركيين انه لا يوجد مفر من المسؤولية العالمية... أن مهمة الحفاظ على النظام العالمي لا تنتهي وكلفتها كبيرة ولكنها أفضل من البديل".
لكن التقرير اعتبر من جهته، أن الوقت قد حان لإجراء تقييم صادق وقاس للتكاليف المتزايدة والمخاطر المتزايدة الناجمة عن عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة والجهود المتواصلة للقيام بدور شرطي العالم، مضيفا أن "المأزق الفعلي مصدره الادعاء غير الدقيق بأن التاريخ يلزم الولايات المتحدة بمواصلة سياسة الهيمنة العسكرية حتى نهاية الزمن".
وختم التقرير يتحذير إدارة بايدن من "الالتزام بقواعد اللعب الفاشلة التي اتبعها حزب الحرب في الماضي والتكاليف المتزايدة لسياسة عالمية لا نحتاج إليها وليس بالإمكان تحقيقها".
ترجمة: وكالة شفق نيوز
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير عاشوراء شهر تموز مندلي جو بايدن انتوني بلينكن حزب الحرب
إقرأ أيضاً:
عودة النازية وسياسات الترويع والتدمير
رغم مرارة الحرب الكارثية المدمرة إلا أنها كشفت الكثير من الحقائق، وهي ليست مواجهة عسكرية وحسب، بل لم نشهد مواجهة حقيقية بين طرفيها، المتفقان في هدفهما وهو المواطنين العزل، وثوار ديسمبر علهم يأمنون غضبتهم والشوارع التي لا تخون. لذا دفع الثمن الملايين من أبناء وبنات شعبنا خاصة الفقراء.
والحرب ذات أبعاد مترابطة، ومعقدة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. في تقديري إنها من حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ التي استمدت الكثير من مرتكزات الحرب النازية وأيدلوجية النازية تفوق الجنس الآري، وتحقيق الهيمنة على الأعراق والأديان والقوى المناوئة للنازية وذلك عبر تحطيمهم ماديًا ومعنويًا، وإباحة كل فعل لتحقيق هذا الهدف، حتى الإبادة الجماعية وهنا تنتفي كل المعايير الإنسانية، الأخلاقية منها والموضوعية.
هل ثمة مبرر لهذه الوحشية والبربرية التي لا تألفها النفس السوية؟. فوسائط التواصل تعرض بشاعة أفعال طرفي الحرب، من قطع للرؤوس وبقر للبطون وتلاعب بأحشاء القتلى، بالإضافة للقتل العشوائي والقصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دوليًا! وتعذيب المختطفين والمعتقلين لدرجة استحالوا هياكل عظمية، ومات الآلاف تعذيبًا وجوعًا وحرمانًا من العلاج وأصيب الكثيرون بالذهول.
بالإضافة للاغتصاب الوحشي والتفاخر به، وشنق المواطنين في الميادين العامة وترويع الأطفال حتى جحظت أعينهم لما يرونه من أهوال.
هذا وغيره لا يمكن تبريره بأنه تفلتات فردية؛ لأشخاص كما يدعون، وإنما أفعال مدروسة ومصممة وفق أسس الحرب النازية. وهي وسائل استخدمها الكثيرون من مجرمي الحروب كنتنياهو وصدام حسين وبشار الأسد لقهر شعوبهم، ولكنهم يتهربون حين يحاصرون.
الإسلام السياسي في السودان له إرث طويل في هذه الأساليب، مثل إعلانهم الجهاد في الجنوب بعد انقلابهم في 1989 فأبادوا الملايين وعصفوا بوحدة السودان، وحربهم بجبال النوبة في التسعينات بقيادة الحسيني والي كردفان حينها، وحرب الأرض المحروقة والإبادة الجماعية في دارفور وقامت بها نفس الأطراف الشريكة في الحرب اليوم. ولا زالت الحركة الإسلامية تفرخ المليشيات مسخرة لها إمكانيات الدولة، ويصدر بعضها إلى خارج الحدود.
وصف الألماني سيبيرج (Seeberg) الحرب بأنها "لا تثبت تفوق القوة الجسدية فحسب، بل تثبت تفوق القوة الأخلاقية والثقافية، وأن الحرب هي الحكم الأكبر في تاريخ العالم فالبعض يصعد والآخر ينحدر". فالأنظمة الاستبدادية والشمولية تلجأ للعنف والحرب والبطش بشعوبها للاستمرار في السلطة أمام عجزها عن نيل تأييدهم ورضاهم
فنظام الإنقاذ ليستمر في الحكم لمدة ثلاثين عامًا استعان بالقمع والعنف بما فيها الحروب المتتالية، لإدراكهم للفجوة الكبيرة والمتزايدة بينهم والشعب وأن مصالحهما على طرفي نقيض. وحرب 15 أبريل هي تصاعد واستمرار لما سبقها من عنف وحروب راهنوا عليها للاستمرار في الحكم، تمامًا كما فعل هتلر وصدام ونتنياهو والأسد، وكما يفعل الآن البرهان وزمرته، في امتداد لتاريخ طويل في محاولات الإفلات من الجرائم التي ارتكبوها في حق شعبهم مستعينين بالحصانات المطلقة والقوانين الداعمة لارتكاب هذه الجرائم وإطلاق سراح من حوكم منهم أمثال قتلة الشهيد أحمد الخير.
التبريرات "التافهة" للوحشية
كما استندوا على الأجهزة الإعلامية التي تشن الحرب النفسية على عدوهم الشعب/ المواطنين العزل بغرض الترهيب والترويع وتشريع العنف والتضليل والكذب والمراوغة وكل ما هو ممكن لاستمرارهم في السلطة، تمامًا مثل جوزيف جوبلز أحد أساطير الحرب النفسية، وصانع أسطورة هتلر. ومعروف أنه صاحب مقولة "أكذب، أكذب حتى يصدقك الناس"، وقد أكد أن هدفه هو بث الخوف والرعب لتحطيم الخصوم إعلاميًا ولترسيخ أيدلوجية الدولة النازية. وقد اتبعت نهجه كل تنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية، مثل القاعدة وداعش وجيش النصرة وكتائب البراء... الخ، وخلق التبريرات والفتاوى اللازمة لإضفاء صفة القداسة والقبول على أفعالهم وأقوالهم في مواجهة موجات الغضب والاستنكار والرفض الواسع الذى يخلق الإحتقان الاجتماعى ومزيد من العنف المضاد، ويكشف طبيعتها الإرهابية للعالم الخارجي الذى تسعى لكسبه وتحرج القوى الداعمة لها أمام العالم أجمع. إعلام القتلة في هذه الحرب يعكس خوفهم ويكمل جرائمهم المادية، ودوره في إدارة الحرب النفسية لكسر أعدائهم (الشعب) ومحو ثورة ديسمبر من قلوبهم وعقولهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
يصورون ضحايا الحرب وكل رافضيها، كمجرمين وكفار ومتعاونين وعملاء. ويشبهونهم بالحشرات والثعابين حتى يتم استبعادهم من دائرة الأخلاق والبشر، وبأنهم خطر على المجتمع ومهددون لأمنه وسلامته لا بد من التخلص منهم وتجوز إبادتهم (عبد الحي يوسف مفتي السلطان).
وتصوير مرتكبي جرائم الحرب خاصة الذبح وقطع الرؤوس وبقر البطون بأنهم أبطال تتم ترقيتهم ومكافأتهم وتمجيدهم لتوسيع استخدام هذه الأساليب والدعوة للتفوق في الوحشية كما تفعل كتائب البراء وما يتبعها، بالتكبير والتهليل والتفاخر. فهذا يخدم محاولات التطبيع والتعود على هذه الجرائم من قبل جنودهم ومؤيديهم بل وتصويرها بأنها بطولة مقدسة وجهاد يجب دعمه.
ليس غريبًا توثيق هذه الجرائم الفظيعة بالتصوير وعرض هذا السلوك الوحشى من خلال أجهزة الإعلام والسوشيال ميديا، فقد ظنوا أنها كافية لتطويع إرادة الشعب وإجبارهم على إخلاء مناطقهم بلا عودة وجعل الأحياء منهم في حالة خوف ورعب مستمر. ونسي هؤلاء الوحوش في غمرة هيجانهم أنهم بذلك يقدمون دلائل إدانتهم أمام العالم وأمام العدالة القادمة لا محالة؛ ويخلقون أعداءهم بالغبن، وبعضهم يعد العدة للثأر والانتقام. وبكل هذا يزيدون عزلتهم عن الشعب.
خطاب الصلف والغطرسة من القادة الإسلاميون لقواعدهم خاصة صغار الضباط والجنود والمستنفرين، والكذب والادعاء بما هو فوق قدرتهم؛ وأحيانًا باستخفاف واستهتار بعقول سامعيهم، ما هو في جوهره إلا تهديد ووعيد، فتعابير "لحس الكوع" و"أكسح- أمسح- قشو"؛ إلى "الحرب دي بتنتهي في 6 ساعات" و"مافي زول أرجل مننا"، والوعيد بإقصاء كل من لا يقف معهم في حربهم الدامية. كله مماثل لخطاب المستبد الآخر نتنياهو الذى يحلم بالقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية وإبعاد الفلسطينيين من وطنهم، مع أنه يعلم تمامًا بأنهم فشلوا في ذلك منذ العام 1948 وأن حلمه لن يتحقق، مثلما يعلم الإسلاميون أن جذور الشعب السوداني عميقة وممتدة، وأن جذوة ثورة ديسمبر ستظل متقدة.
من ناحية أخرى، إعلام الحرب المليشيوي يتبنى التضليل والتلفيق والمراوغة والسعي للانحطاط بالصراع السياسي والاجتماعي وصرف الأنظار عن الواقع، ومحاولة تسخير الثقافة والدين لمصلحتهم. هذه الأساليب البالية خبرها شعبنا طوال سنوات الإنقاذ المريرة.
كما سعى إعلام الحرب لإثارة الهلع الأخلاقي (moral panic) ، مثل محاولة تشويه اعتصام الثورة في القيادة بوصف الثائرات؛ وبل حتى المغتصبات؛ بالعاهرات، بدلًا من إدانة مرتكبي هذه الجرائم وسطهم، لكنهم يستلهمون حديث عرابهم الترابي عن "الغرباوية" الذي رواه عن "البشير". لقد كشفت هذه الحرب عن درجة العداء السافر للنساء والشابات خاصة لدورهن المشهود في ثورة ديسمبر فعملوا على استدعاء كل الأسلحة الذكورية النتنة المادية والثقافية والاجتماعية تمامًا مثل الأسلحة العسكرية لينكلوا بالنساء مثل ذلك الشاب الوضيع الذي خاطب "مريومة" جارته ببذاءة وتهديد لأنها في زعمه سقت الدعامة ماء، والاسترقاق والاستعباد الجنسي وأعمال السخرة وكلما يندى له الجبين خجلًا هي الرجولة التي يقصدونها خاصة مفصلي الفتاوى الذين يعتبرون النساء إماءً، وجزء من غنائم الحرب، وغيرها من المفاهيم الغابرة.
إن مرتكبى هذه الجرائم من جميع المليشيات الانقاذية قد خضعوا لتدريب منهجي ليستطيعوا القيام بهذه الأدوار. ليس تدريبًا عسكريًاً وحسب، بل وتدريب أيديولوجي (غسيل مخ) ونفسي يحولهم من الحالة الإنسانية إلى الحالة الوحشية حتى يتواءموا مع الأدوار المرسومة لهم.
قادة الإسلاميين أخرجوا من السجون ليواصلوا حربًا انتقامية من الشعب السودانى بعد أن تبدى خطل بقاء حكمهم إلى الأبد. وعرفوا جسارة الشعب السودانى المتمسك بثورته، وانكشفت حقيقة حقدهم وفسادهم وجبنهم وأحاطهم الرعب والهلع مما سيحيق بهم، وكشفت الحرب أيضًا نفوس قياداتهم السادية المفعمة بالحقد والخوف والهلع.
إن الآثار النفسية والاجتماعية العميقة لهذه الحرب لا تصيب الضحايا العزل فقط بل وتصيب القتلة ومرتكبي الجرائم الفظيعة بسبب ما فعلت أياديهم والخوف على أنفسهم من الانتقام والثأر، ولا شك أنها ستخلف ألاف من ذوي الاضطرابات النفسية وهذا أمر لا بد من التفكير فيه ومعالجته ضمن قضايا العدالة الانتقالية وإلا فستستمر دوامة العنف والحرب.
السلام لن يتحقق بوقف القتال فقط، العدالة وعدم الإفلات من العقاب هي الجسر للوصول للسلام. وإعادة الاعتبار الإنساني للضحايا والناجين من الحرب بالتأهيل النفسي والاجتماعي بمعناه الواسع ضرورة لاستعادة حياتهم.
وسيكون مصير قادة الحرب وتدمير الوطن مثل نيرون وهتلر وصدام والأسد والبشير.
ليلهم الخوف والكوابيس والخيانة،
ونحن قدامنا الصباح.