موارد العالم في عصر التغيرات| البشر في حاجة إلى 1.7 كوكب بحجم الأرض مع استمرار الاستهلاك.. والاستخدام المستدام المتوازن كلمة السر للصمود
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
في عالم يتسم بالوفرة، من السهل أن نقع في فخ الاستهلاك الزائد؛ بدءًا من السلع المادية كالملابس والوجبات السريعة وصولًا إلى الإعلام، نتناول الكثير بدون تقدير القيمة الحقيقية لما نستهلكه.. نقرأ بسرعة، نأكل بسرعة، ونشاهد بسرعة، حتى ننطلق إلى المادة المتاحة التالية. هذه السلوكيات الاستهلاكية الكبيرة والضخمة قد تضر بشكل غير مباشر بجودة إدراكنا للأشياء، وتقلل من قدرتنا على التمتع بالحياة بكل تفاصيلها.
بينما نتجول كل يوم في متاهة الاستهلاك البشري الهائل، نكتشف أن الطموح الإنساني اللامتناهي أدى إلى تضخم الاستهلاك على حساب الأرض التي نعيش عليها، العالم الذي نعيش فيه يكابد تحت وطأة استهلاكنا الزائد للموارد والطاقة. وللأسف، ربما نكون قد وصلنا إلى حافة الهاوية، حيث يمكن أن يكون التغيير الجذري هو الخيار الوحيد المتاح لنا.
حجم الاستهلاك العالمي للموارد سنوياً
وفي تقريره لعام 2006، قرع الصندوق العالمي لحماية الطبيعة جرس الإنذار فيما يتعلق بمستوى استهلاك البشرية للموارد الطبيعية بشكل يهدد قدرة الطبيعة على التجديد، حيث أشار التقرير إلى أن مستوى استهلاك سكان الكرة الأرضية للموارد الطبيعية يفوق بثلاثين بالمائة ما تستطيع الطبيعة تجديده من موارد وهو ما يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
التقرير الصادر عن الصندوق العالمي لحماية الطبيعة WWF الذي مقره في سويسرا، يقرع جرس الإنذار بالنسبة لكارثة قد تهدد الإنسانية إذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتفاديها، إذ يورد التقرير الذي يتم إعداده كل سنتين والذي حمل عنوان "الكوكب الحي" أن الإنسانية استهلكت ما بين غرة يناير و 19 أكتوبر من عام 2006 ما تحتاج الطبيعة لإنتاجه طوال الإثنى عشر شهرا من العام 2006، أي ما معناه ان الإنسانية تستهلك أكثر مما تستطيع الطبيعة تجديده. وإذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية على المستوى العالمي فإن ذلك قد يترتب عنه مع مر الزمن، نقص في الموارد الطبيعية بالنسبة للأجيال القادمة.
وللتوصل الى هذه الخلاصة، والى تصنيف الدول في العالم من حيث نسبة الاستهلاك مقارنة مع القدرات البيولوجية التجديدية فيها، اعتمد الصندوق في هذه الدراسة المشتركة مع عدد من المعاهد الدولية على ما يسميه " بالمعيار البيئي أو الإيكولوجي"، وهذا المعيار البيئي الذي أصبح وحدة قياس لدى الصندوق العالمي لحماية الطبيعة منذ عام 1999، يتمثل في حساب المساحة الإنتاجية، أرضا وبحرا، الضرورية لإنتاج الموارد التي يستهلكها البشر ولاستيعاب الفضلات التي يخلفونها، وبمفهوم اقتصادي يمكن القول إن هذا المعيار يقارن ما بين "طلب" الاستهلاك للإنسانية و"العرض" الذي يمكن للطبيعة أن تقدمه.
وتم اعتماد وحدة "الهكتار الإنتاجي" لقياس مدى ما يحتاجه سكان المعمورة من موارد طبيعية في حياتهم، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الفرد الذي كان يحتاج في عام 2003 لحوالي 1،8 هكتار كمتوسط لسد حاجياته، أصبح في ذلك الحين يحتاج إلى 2،2 هكتار، وإذا ما استمر الوضع على هذه الوتيرة فإن سكان المعمورة في عام 2050 الذين سيصل عددهم لحوالي 9 مليار نسمة سيحتاجون لضعف الإنتاج الذي يمكن للكوكب الأرضي أن يوفره.
بسبب الاستهلاك المفرط.. ألمانيا تحتاج لثلاثة كواكب مثل الأرض
تعاني ألمانيا من استنفاد مواردها الطبيعية المتجددة أو ما يطلق عليه "تجاوز موارد الأرض"، ما يعني ضرورة الحصول على الموارد من البلدان الفقيرة ومن رصيد الأجيال القادمة، حسبما ذكرت دوتشة فيله.
فرغم التباطؤ الاقتصادي جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن ألمانيا- أكبر اقتصاد في أوروبا- تخطت في الوقت الراهن امكاناتها البيولوجية المستدامة للعام الجاري، وتزامن هذا مع بلوغ العالم "يوم التجاوز الأرضي" أو يوم تجاوز موارد الأرض لعام 2023 في الثامن والعشرين من يوليو الماضي كما كان العام الماضي.
فمنذ سبعينات القرن الماضي، كانت قدرة الأرض البيولوجية؛ أي قدرة النظم البيئية على إنتاج المواد البيولوجية والموارد الطبيعية التي يستخدمها البشر وأيضا امتصاص النفايات، تفوق احتياجات البشر، ما يعني أنه منذ نصف قرن جرى استنفاد كافة الموارد الطبيعية التي يمكن للأرض تجديدها على مدى سنة ما يعني أن البشر باتوا يعيشون على الاقتراض البيني.
وعلى وقع ذلك، بات البشر في حاجة إلى حوالي 1.7 كوكب بحجم الأرض للحفاظ على حياتهم في حالة استمرار معدلات الاستهلاك الحالية، فيما سوف تحتاج ألمانيا إلى ثلاثة كواكب، وستتحمل دول الجنوب العالمي العبء الأكبر. أما الأجيال القادمة فستعاني من أزمة مناخية جراء الاستهلاك المفرط.
واللافت أن دولا مثل إندونيسيا أو الإكوادور لن تبلغ "يوم التجاوز" حتى ديسمبر المقبل ما يعني أنها ستكون قادرة على الاستفادة من مواردها الطبيعية في حدود إمكانياتها، لكن هذه الدول ستكون مستهدفة من الدول الغنية مثل ألمانيا لمساعدتها على تلبية حاجاتها من الموارد الطبيعية.
وكانت لارا لويزا سيفر، كبيرة مستشاري سياسات العدالة في توزيع الموارد في شبكة التنمية الألمانية "إنكوتا"، قد ذكرت العام الماضي أن "ألمانيا تعد خامس أكبر مستهلك للمواد الخام في العالم، حيث تستورد ما يصل إلى 99٪ من المعادن والفلزات من بلدان الجنوب العالمي"، ويشار إلى أن قطر كانت الأسوأ في عام 2023 حيث استهلكت مواردها المتجددة وبلغت "يوم التجاوز" في 10 فبراير الماضي.
كيف تؤثر عادات الاستهلاك على الاقتصاد والبيئة؟
وبينما يشهد العالم تطورًا مستمرًا في النمط الاقتصادي نحو الاقتصاد الاستهلاكي، تزداد الاهتمامات بتقييم التأثيرات المتعددة لهذا النمط على الاقتصاد والبيئة، والجهود المبذولة للتوازن بين تلبية احتياجات الإنسان والمحافظة على موارد الأرض، حسبما ذكرت سكاي نيوز العربية.
ويعتمد الاقتصاد الاستهلاكي على تعزيز وزيادة استهلاك السلع والخدمات، لتؤثر عادات الاستهلاك على الاقتصاد من خلال تحديد الطلب على المنتجات وبالتالي يؤثر على الإنتاج والوظائف، بينما لا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يؤثر أيضًا على البيئة من خلال زيادة الانبعاثات والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، ما يستدعي تحسين الوعي بأثر الاستهلاك واتباع عادات أكثر استدامة تسهم في تقليل الأثر البيئي وتحسين الاقتصاد بشكل عام.
ويلعب الاستهلاك دورًا أساسيًّا فى تحريك الاقتصاد، فمن أبرز تأثيراته في هذا الصدد:
الطلب والعرض: عادات الاستهلاك تحدد مدى الطلب على المنتجات والخدمات، فزيادة الطلب تحفز الإنتاج والإنفاق، ما يؤدي إلى حدوث نمو اقتصادي، بينما على الجانب الآخر، تراجع الطلب يمكن أن يؤثر سلبًا على الإنتاج والوظائف.
الاستثمار: اعتمادًا على عادات الاستهلاك، يقرر المستثمرون ما إذا كانوا سيستثمرون في توسيع الإنتاج وتطوير المشروعات الجديدة أم لا.
القطاعات الاقتصادية: تؤثر عادات الاستهلاك على أداء القطاعات المختلفة، مثل التجزئة، الصناعة، والخدمات.
التوظيف: زيادة الاستهلاك قد تؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة فرص التوظيف، في حين أن تراجع الاستهلاك يؤدي إلى تقليص الوظائف.
ضمان استخدام مستدام ومتوازن للموارد العالمية
ويرمي الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة التي اقترحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة. فبحلول عام 2050 سيصل عدد سكان العالم إلى 9.5 مليار نسمة وسيكون 70 في المائة منهم يعيشون في مناطق حضرية تستخدم الموارد بكثافة. وسيدخل ثلاثة مليارات من المستهلكين من الطبقة الوسطى إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2040. وبالرغم من أن خط الفقر المحدد هو 1.25 دولار من دولارات الولايات المتحدة في اليوم عام 2010 أقل من نصف معدل عام 1990، لا يزال 1.2 مليار شخص يعيشون في فقر مدقع، ومن أجل الاستجابة لهذه التحديات في إطار القدرة الاستيعابية لمنظومة الأرض، بات اعتماد أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة أمرا حتميا، لأنها تحفظ من خلال كفاءة استخدام الموارد أساس التنمية في المستقبل.
وما انفك المجتمع الدولي يوجه هذه الرسالة باستمرار منذ عام 2002. وتسلم كل من خطة جوهانسبرغ لتنفيذ نتائج مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة لعام 2002 والوثيقة الختامية لمؤتمر ريو + 20 في عام 2012 "المستقبل الذي نصبو إليه"، بأن "القضاء على الفقر وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة وتشجيع أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة وحماية قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإدارتها هي منتهى الغايات المنشودة من التنمية المستدامة والشروط الأساسية لتحقيقها"،
لذا فأن إدراج هذا الهدف 12 ضمن أهداف التنمية المستدامة المقترحة يمثل إقرارا بالدور الأساسي والشامل للاستهلاك والإنتاج المستدامين في التنمية المستدامة، ووصف فريق الشخصيات البارزة الرفيع المستوى المعني بخطة التنمية لما بعد عام 2015، الذي فوضه الأمين العام للأمم المتحدة عام 2013، الاستهلاك والإنتاج المستدامين باعتبارهما أحد المجالات الأربعة الرئيسية التي لا بد من إحراز تقدم فيها من أجل تحقيق رؤيتهم لما بعد عام 2015 وهي: "إنهاء الفقر المدقع بجميع أشكاله... ووضع اللبنات الأساسية للرخاء المستدام للجميع"، ويدرك الفريق الرفيع المستوى أن تحويل الاقتصادات من أجل إيجاد الوظائف وتحقيق النمو الشامل للجميع يتطلب تحولا سريعا نحو أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، وقد خلص الفريق إلى أن أنماط الاستهلاك والإنتاج في العالم ينبغي أن تُدار بطريقة أكثر استدامة وإنصافا، وأنه لا يمكننا أن نحد من الفقر بشكل لا رجعة فيه إلا من خلال تعبئة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية معا،
والواقع أن الاستهلاك والإنتاج المستدامين يعالجان، بطبيعتهما الشاملة لقطاعات متعددة، الروابط المشتركة ويعتمدان نهجا كليا يأخذ في الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، وذلك على نحو متوازن ومتكامل. وتمثل أنشطة الاستهلاك والإنتاج أساس الاقتصاد العالمي، ولكن الأنماط الحالية تؤدي بشكل سريع إلى استنفاد رأس المال الطبيعي وتدهور خدمات النظام الإيكولوجي وتقويض قدرة البلدان على الوفاء باحتياجاتها بشكل مستدام. وينطوي التحول إلى أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة على زيادة الكفاءة والإنتاجية على طول سلاسل الإمداد ودورة حياة المنتجات، الآن وعلى المدى الطويل.
تجربة مزرعة القمح في منطقة مليحة
تم إطلاق مزرعة القمح في منطقة مليحة بإمارة الشارقة عام 2022، لتلبية الاحتياجات الغذائية ورفع معدلات الإنتاج التي تضمن الوفاء بالكميات اللازمة لتغطية حاجات مدن ومناطق إمارة الشارقة، حيث تبلغ مساحة المرحلة الأولى 400 هكتار.
وسيكتمل مشروع زراعة القمح على ثلاث مراحل المرحلة الأولى على مساحة 400 هكتار ثم تزيد المرحلة الثانية في العام 2024 لتصل إلى مساحة 880 هكتارا وتكتمل المرحلة الثالثة في العام 2025 لتصل إلى 1400 هكتار.
ووصلت كميات استيراد القمح في الدولة إلى 1.7 مليون طن متري في 2022، وبلغ نصيب إمارة الشارقة منها 330 ألف طن متري.
وستسهم مزرعة القمح في مليحة بعد اكتمال مراحلها وتطوير محاصيلها في تقليل نسبة استيراد القمح من الخارج.
العيش في عصر الاستهلاك المتواصل يدمر عالمنا
وفقا لتقرير بعنوان صعود الاستهلاك العالمي، نشره موقع وورلد سينتريك، فإن السوق الأميركية، وهي القوة الدافعة وراء هذه الظاهرة العالمية، تعتمد على إدامة الاستهلاك وتصاعده، مما يؤجج رغباتنا باستمرار، ويغرينا بشراء الموارد وتطويرها وتلويثها وإهدارها بإهمال.
وأكد التقرير أن الاستهلاك غير الخاضع للرقابة يأتي بتكلفة باهظة. فكل منتج نستهلكه يأتي من العالم الطبيعي، سواء كان مستخرجًا أو مزروعًا أو محصودًا. وتتحمل الموارد المحدودة لكوكبنا وطأة هذا الاستهلاك المتواصل. بينما نستنفد هذه الموارد بلا هوادة في سعينا الدؤوب لتحقيق حياة "مريحة"، فإن كوكبنا يدفع الثمن.
وتنهار النظم البيئية، وتختفي الموائل، وتواجه الأنواع خطر الانقراض مع استمرارنا في الإفراط في استغلال الموارد مثل الغابات والأسماك والتربة والمعادن والمياه. إن مسار فائضنا يتميز بالتلوث والنفايات، التي تلوث العناصر الأساسية للحياة: الهواء والأرض والماء، وتحولها إلى مستنقعات سامة.
وتؤدي أنماط الاستهلاك غير المتناسبة إلى تدفق الموارد الحيوية من الجنوب العالمي إلى الشمال، حيث يتم تسخيرها لإنتاج السلع والخدمات في المقام الأول لهذه الأقلية المتميزة. وفي الوقت نفسه فإن الضروريات الأساسية ـ الغذاء والماء والصحة والصرف الصحي ـ تظل بعيدة المنال بالنسبة لقطاعات كبيرة من سكان العالم.
علاوة على ذلك، فبينما يتم تحويل الموارد الثمينة نحو أهواء الأثرياء، يُترك الفقراء في حالة من العجز. غالبًا ما تغتصب العناصر الفاخرة والبذخ الزائد عن الحاجة الموارد التي كان من الممكن استخدامها لرفع مستوى المحرومين. الأغنياء يستهلكون بإسراف، بينما الفقراء يعانون من الندرة.
وفي خضم هذه الزيادة في الاستهلاك العالمي، يصبح من الضروري أن ندرك مدى الضرر الذي يلحقه هذا الارتفاع ببيئتنا ومجتمعنا على حد سواء. ويجب التخفيف من الجوع الجامح للمزيد من خلال الوعي بالعواقب - العواقب التي تمتد إلى ما هو أبعد من الاختيارات الشخصية لتشمل مستقبل كوكبنا ذاته والتوزيع العادل للموارد. قد يكون تحقيق التوازن بين الاستهلاك والحفظ والإنصاف هو الطريق إلى عالم مستدام ومتناغم.
إزالة الغابات وتغير المناخ وتدمير الحياة البرية.. أزمات تواجه موارد الأرض الطبيعية
وفي عالم يقوده التقدم التكنولوجي والطلبات المتزايدة باستمرار، فإن السؤال الذي يلوح في الأفق لكافة سكان الكرة الأرضية: هل نحن نستهلك المستقبل؟ لو تم ضغط تاريخ الأرض في سنة تقويمية واحدة، لكانت حياة الإنسان الحديث موجودة لمدة 37 دقيقة فقط وفقا لما نشره موقع ذا ورلد كونتس.
مع ذلك، فمن المثير للصدمة أننا في آخر 0.2 ثانية فقط من هذا القياس الذي دام عاماً كاملاً، تمكنا من استنفاد أكثر من ثلث الموارد الطبيعية للأرض. إن تداعيات استهلاكنا الشره ليست مخيفة فحسب، بل هي أيضًا تذكير صارخ بأن لدينا كوكبًا واحدًا فقط لنعتبره موطنًا لنا.
فإن الأرض، وهي جرم سماوي تشكل منذ حوالي 4.5 مليار سنة، كانت مسكننا لمجرد لمح البصر في الزمن الجيولوجي - حوالي 315000 سنة. ومع ذلك، يحذر الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF) من أنه في غضون ثلاثين عامًا فقط، تمكنت البشرية من تدمير أكثر من ثلث الموارد الطبيعية للكوكب. ويتم قياس هذا الاتجاه المثير للقلق من خلال البصمة البيئية، وهو مقياس طورته شبكة البصمة العالمية لقياس الطلب البشري على النظم البيئية للأرض.
وعندما تتجاوز البصمة البيئية الواحد، فهذا يعني أننا "نستعير الطبيعة" من الأجيال القادمة. والحقيقة الصعبة هي أن معدل استهلاكنا الحالي يتطلب حوالي 1.75 كرة أرضية لتلبية احتياجاتنا واستيعاب نفاياتنا. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى كوكبين مذهلين.
والتجاوز البيئي هو حالة محفوفة بالمخاطر حيث يتجاوز طلب البشرية على الطبيعة قدرة النظم البيئية على العرض. إنه السيناريو الذي نستخرج فيه موارد طبيعية أكثر مما يستطيع المحيط الحيوي تجديده. والرمز لهذه الكارثة التي تلوح في الأفق هو يوم تجاوز الأرض، وهو اليوم الذي نستنفد فيه "الطبيعة" لمدة عام كامل.
وعام 2019، صادف يوم تجاوز الأرض يوم 29 يوليو، مما يعني أنه منذ ذلك اليوم فصاعدًا، كانت البشرية تعيش بما يتجاوز القدرة البيئية لكوكبنا. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه في كل عام، يتقدم يوم تجاوز موارد الأرض للأمام، وهو مؤشر واضح على استهلاكنا المتزايد. في عام 2012، كان يوم 22 أغسطس، وفي عام 2009، كان متأخرًا حتى 25 سبتمبر.
وتحدد البصمة البيئية مدى سرعة استنفاد الموارد الطبيعية وتوليد النفايات مقارنة بقدرة الطبيعة على تجديد الموارد واستيعاب النفايات. ويشمل ذلك استهلاكنا للوقود الأحفوري، مما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فضلاً عن استخدامنا للأسماك والمأكولات البحرية ومنتجات الغابات واللحوم والحبوب وتوسيع الأراضي الحضرية بالمباني والأسفلت والخرسانة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة الموارد الطبیعیة الصندوق العالمی الأجیال القادمة الاستهلاک على النظم البیئیة موارد الأرض یوم تجاوز القمح فی من خلال فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: التلاعب بالمسميات الجديدة من أسباب الفساد الذي ملأ الأرض
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل أراد من خلقه الامتثال إلى أوامره والابتعاد عن نواهيه، لما في هذه الأوامر من خير عميم يعود على العباد والبلاد، ولما في هذه النواهي من شر وبلاء يفسد الأرض، فالله ليس بحاجة لنا، فهو يأمرنا بما ينفعنا، وينهانا عما يضرنا.
فماذا أراد الله من عباده ؟ أراد منهم الخير والنفع لهم والصلاح والإصلاح، وتأكيدًا لهذا المعنى نبدأ الحديث في سلسلة تساهم في تشييد بناء الإنسان، ألا وهي سلسلة مراد الله من عباده، ولتكن أولى حلقات تلك السلسلة هي (عدم التلاعب بالألفاظ).
فلعل التلاعب باللغة وألفاظها من أهم أسباب الفساد الذي ملأ الأرض، وضج منه جميع الصالحون، بل والعقلاء من كل دين ومذهب، فإن التلاعب باللغة يفتح علينا أبواب شر كبيرة، حيث يُستحل الحرام، ويُحرم الحلال، ويُأمر بالمنكر ويُنهى عن المعروف، وذلك كله عكس مراد الله من خلقه، يقول النبي ﷺ: (إن ناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) [أخرجه الحاكم في المستدرك].
فرسول الله ﷺ في ذلك البيان النبوي لا يريد أن يشير إلى تلك الكبيرة وهي شرب الخمر فحسب، بل إنه يتكلم عن تلك الصفة التي ستظهر في آخر الزمان وهي التلاعب بالألفاظ، والتي يترتب عليها تضييع الأحكام الشرعية، فيستحل الناس الذنوب والكبائر، فالخمر تسمى مشروبات روحية مثلاً، والزنا يسمى حرية الحياة الخاصة، أو حرية الممارسة الجنسية، ولذلك يظن الناس أن أحكام الله عز وجل لا تنطبق على تلك المسميات الجديدة، رغم أن الحقائق ثابتة.
إن الأساس الفكري الذي نؤكد عليه دائمًا هو ضرورة أن تقوم اللغة بوظائفها التي تبرر وجودها أصلا، فإن للغة ثلاث وظائف أساسية، أولى تلك الوظائف هي : "الوضع" بمعنى جعل الألفاظ بإزاء المعاني، فهو أمر لا بد منه حتى يتم التفاهم بين البشر.
وثاني تلك الوظائف هي "الاستعمال" : وذلك أن المتكلم يستخدم تلك الأصوات المشتملة على حروف لينقل المعاني التي قامت في ذهنه إلى السامع.
وهنا تأتي الوظيفة الثالثة والأخيرة وهي "الحمل" : والتي تعني حمل تلك الألفاظ على مقابلها من المعاني التي سبق للواضع أن تواضع عليها، وقد قرر العلماء عبارة موجزة توضح ما ذكرناه، فقالوا : (إن الاستعمال من صفات المتكلم، والحمل من صفات السامع، والوضع قبلهما).
وينبغي أن يسود ذلك الأساس الفكري في التعامل مع اللغة ليواجه أساسًا فكريًا آخر أصّل الفساد عن طريق التلاعب بالألفاظ، ولعل ما ظهر من مدارس ما بعد الحداثة الفكرية تأصيلاً لذلك الأساس الذي يقرر التلاعب بالألفاظ