قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الفتوى ميراث نبوي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم صحيح سديد وبمنطلقات منضبطة نستطيع بها أن نحمي المجتمعات، ونراعي المتغيرات، والسياقات.

وأضاف فضيلة مفتي الجمهورية -خلال لقاء المفتي الأسبوعي مع برنامج (نظرة) مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد اليوم الجمعة- أن الفتوى الرشيدة لا تنفصل عن الواقع، حيث إن تنزيل الأحكام الشرعية وتطبيقها على واقع الناس أمر دقيق، لا بد معه من إدراك الواقع، والإحاطة به، من خلال منظومة كاملة من العلوم، وتحري الواقع الاجتماعي والفكري، ومعرفة عالم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار، وعلاقات تلك العوالم بعضها بالبعض، فمن كان معزولًا عن الواقع، أو لا يتابعه، أو يتابعه بصورة سطحية، فإن فهمه للشرع الشريف سيكون في المقابل منقوصًا ومشوَّهًا.

وتابع أن منصب الفتوى مسئولية كبيرة، ومنصب خطير، وبالعناية جدير، فإن المفتي موقِّع عن رب العالمين، وخليفة الأنبياء والمرسلين. وحاجة الناس إلى الفتوى لا تكاد تنفك عن حاجتهم إلى حفظ الكليات الخمس، فقد تكون سبيلا ومقدمة يتوقف عليها حفظ هذه الكليات، كما أنها تعين المسلم على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الصحيح.

وأوضح أن اللجوء للمتخصصين وأهل العلم أمر حثت عليه الشريعة الإسلامية ودعت إليه، وذلك تأكيدًا لدور العلم والتخصص في حياة الناس وصلاح المجتمعات، وهذا ما تقوم به دار الإفتاء، فتستعين بالمتخصصين كلٍّ في تخصصه، لضمان أن تخرج الفتوى على أساس علمي مؤصل مبني على تصور صحيح مرتبط بالواقع.

وأكد المفتي عِظم قدر العلماء وتوقيرهم، وأن العلوم النافعة في درجة واحدة، وأن الشرع الحنيف حض على توقير أهل العلم، ولا توجد ازدواجية بين العلوم الدينية والدنيوية، ولا توجد خصومة بين الفتوى الرشيدة والعلم النافع، فطلب العلم بكافة تخصصاته من ضمن التكليفات الشرعية، بل يُعد من فروض الكفاية في الشرع الشريف.

وأشار إلى أن المسائل الطبية في الأساس مرجعها إلى الأطباء والفتوى متوقفة في توصيفها على رأي الأطباء الثقات الأكفاء، مؤكدًا أنه ليس عيبًا أن يقول المفتي "لا أعلم"، فالإمام مالك عُرضت عليه 40 مسألة فأجاب في 36 منها بـ "لا أعلم".

وأوضح الفأن الفتوى الرشيدة ليست تطويعا للنص الشرعي بل حسن تطبيق النص الشرعي، مشيرًا إلى أن التقليد شُرع تخفيفًا على المكلفين، وفي اختلاف أئمة الاجتهاد رحمة للناس، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، ولذلك لم يجب على المقلد التزام مذهب معين في جميع المسائل كما قال جمهور أهل العلم، بل يجوز له الأخذ في كل مسألة بأي مذهب شاء من مذاهب الأئمة المتبوعين إذا أفتاه به أحد المفتين، فهذا سعة ورخصة لمن لم يصل إلى درجة الاجتهاد، كما يجوز للمفتي المقلد أن يخرج عن مذهب إمامه ويفتي بمذهب إمام آخر، وذلك نظرًا لتطورات العصور والمجتمعات واختلاف موازين المصالح والمفاسد باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، فالجمود على اتِّباع مذهب واحد حتى لو صار غيره هو الملائم للواقع ليس من الفقه في شئ.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شوقي علام الفتوى الرشيدة العلوم الدينية لا توجد

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي

أكد الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن موضوع هذا اللقاء يعد  ضرورة حياتية وفريضة دينية، فنحن نتحدث عن موضوع خطير ودقيق.

مفتي الجمهورية: هناك محاولات ممنهجة لطمس الهوية الوطنية تستوجب وقفةً واعيةمفتي الجمهورية: نعيش حالة من الترويج المنظم للباطل تحت مسميات براقة

وأوضح، خلال كلمته في ندوة بعنوان "التطرف وأثره على المجتمع"، بجامعة العريش، أن التطرف بمعناه السهل البسيط هو مجاوزة الحد إما أقصى اليمين أو اليسار، فالتشدد في الدين نوع من التطرف، وكذلك الانفلات من الدين والخروج على الثوابت والمقدسات نوع آخر من التطرف لأنه يرتبط بالوعي، وقضية الوعي قضية محورية في أي أمة من الأمم، فإذا أردنا أن نتحدث عن أمة متقدمة فعلينا أن ننظر إلى عنصر الوعي فيها.

وأضاف، أن الشريعة الإلهية بمعناها العام جاءت بأمر محدد وهو الدين، الذي يراد به ومن خلاله سعادة الإنسان في الأولى، وفلاحه وفوزه برضوان الله تعالى في الآخرة، فقد عرف العلماء الدين  بأنه وضع إلهي وضعه الله عز وجل على لسان الأنبياء والمرسلين بهدف تحقيق الصلاح للناس في الأولى أي الدنيا، والفلاح لهم في الآخرة، فالله تعالى أرسل الأنبياء للإنسان لهدف نبيل وغاية سامية تتمثل في تحقيق السعادة له في الدنيا والفلاح والفوز برضوان الله تعالى في الآخرة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يصادم ما جاء عن الله عز وجل الفطرةَ أو الطبيعةَ الإنسانية، أو يخرج عن قانون العقل أو يعارض مقتضى الفكر السليم، أو الذوق الرفيع.

وبيَّن المفتي، أن الله تبارك وتعالى خلق الناس وهو أعلم بهم، ومن ثم عندما أرسل الأنبياء بالدين وضع فيه ما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بنفسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان ببني جنسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بباقي عناصر الكون، لذا لا غرابة أن تجد في الدين آليةً للتعامل مع الإنسان والحيوان والجماد، وما يحقق به الإنسان الرؤية الصحيحة الدقيقة للكون التي تقوده إلى صلاحه في الأولى وفلاحه في الآخرة.

وأشار إلى أنه إذا ما تم الخروج عن هذا فليس مرده إلى الدين، وإنما مرده إما إلى المنتسبين إلى الدين، أو القارئين أو المفسرين أو المتأوِّلين لنصوص الدين، فلا يوجد دينٌ صحيحٌ جاء من عند الله تبارك وتعالى يتناقض مع الطبيعة الإنسانية، وأن الخطأ قد ينشأ من القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، والتي تكون بعيدة عن قواعد العلم والفهم، كما يقرر الفيلسوف والفقيه ابن رشد رحمه الله أن الفهم الخاطئ لنصوص الدين له أسبابه وهي: الهوى، المرض النفسي، القراءة الانتقائية، سوء الفهم.

وبيَّن مفتي الجمهورية، أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى التطرف بنوعيه هو النقص في التعامل مع الدين، فالأول يتعامل مع مسائل الدين الفرعية من خلال أحادية الرأي وأحادية المذهب وأحادية الفكرة، والثاني يتعامل مع الدين على أنه يمثل القيد والعائق عن الحرية، فنحن أمام طرفي نقيض أحدهما يعمل على سرد النصوص الدينية في دائرة مغلقة تؤدي إلى الغلو والتشدد واتهام الدين بما ليس فيه، والآخر ينسلخ جملة وتفصيلًا من الثوابت الدينية والأعراف البشرية والقواعد العلمية، بحثًا عن الهوى واللذة تحت مصطلح الحرية، تلك المصطلح الفضفاض النسبي حيث يتفاوت باختلاف النظار، فهذا التطرف ليس له علاقة له بالدين وإنما علاقته بالمتعاملين مع الدين، وأن السبب الثاني يتمثل في القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، فالنصّ الديني لا يمكن تناوله إلا استنادًا إلى مجموعة من الضوابط العلمية والقواعد الأصولية التي تعين على فهم تلك النصوص.

وأشار إلى أن السبب الثالث يتمثل في نقل العلم من غير مظانه، فالدين علم وليس مسألة ثانوية، والإنسان يجب أن ينظر فيمن ينقل عنه هذا العلم، فنقل العلم عن غير مظانه يؤدي إما إلى التساهل المفرط أو التشدد المفرط، والسبب الرابع: اتباع الهوى الشخصي أو الانطلاق من خلفية ثقافية معينة؛ فالتعاملُ مع النص الديني يجب أن يكون وفق التجرد والموضوعية بعيدًا عن الأهواء والخلفيات.

واختتم المفتي، حديثه بالحديث عن خطر الوسائل التكنولوجية الحديثة والمنصات الإلكترونية والتي أوجدت فوضى الفتاوى، وكذلك فوضى الشذوذ الأخلاقي والفكري؛ خصوصًا وأنها كما تحمل الخير تحمل كذلك الشر؛ ومن ثم ينبغي أن نكون على حذر في التعامل معها والنقل عنها أو الترويج لها لأنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلى التطرف سواء الديني أو اللاديني.

من جهته أعرب الدكتور حسن عبد المنعم الدمرداش، رئيس جامعة العريش، عن تقديره لفضيلة مفتي الجمهورية على جهوده العلمية والوطنية، والتعاون الفعال بين دار الإفتاء ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توعية الشباب في الجامعات المصرية، وتعزيز القيم الدينية الوسطية السمحة، مؤكدًا على أهمية البناء الديني والعقلي والفكري من أجل بناء جيل واعٍ متحضر متسامح محبٍّ ومخلصٍ لوطنه.

حضر اللقاء الدكتور حسن عبد المنعم الدمرداش، رئيس جامعة العريش، والدكتورة هند حميدو، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور محمود إبراهيم، المشرف العام على شئون التعليم والطلاب، والشيخ مصباح أحمد العريف، رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء الأزهرية، والشيخ محمود مرزوق، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة شمال سيناء، وعدد من شيوخ وعواقل محافظة شمال سيناء، وعمداء الكليات، والسادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

مقالات مشابهة

  • الدولة والسلفيات الدينية والمذهبية
  • كيف نتأكد من مصدر المعلومة الدينية؟.. السيد عبد الباري يجيب
  • مفتي الجمهورية يلتقي رئيس المجتمعات المسلمة في أبو ظبي لبحث تعزيز الشراكة الدينية
  • سفير الجزائر سلم المفتي دريان دعوة لزيارة بلاده
  • مفتي الجمهورية: القيم الإنسانية في الإسلام صورة من صور الإعجاز الإلهي
  • خارج الأدب | علي جمعة يوجّه تنبيها مهمًا لهؤلاء الطلاب
  • شائعات خطيرة متداولة على المنصات الإلكترونية.. مفتي الجمهورية يحذر منها
  • مفتي الجمهورية يزور مصابي غزة بمستشفى العريش العام .. صور
  • مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي
  • تحدث عن فضل العلم..مفتي الهند يحضر مجلس حديث الرحمة