بوابة الوفد:
2024-09-19@11:28:17 GMT

إنما عشت لأرويه

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

حين قرأته فى صباى أخذت به، أبهرنى حبهما، أذهلتنى قدرتها على ارتشاف ألمه وممارسة الصبر الأعظم دونما تذمر أو ضيق، إنها دراما الحب والمرض والإرادة، ثم تجرع قسوة الفراق، فاستكمال المشوار الأطول بأناة وإخلاص منقطعين.. 

مراهقة تعدو عيناى بين سطور كتاب «الجنوبى»، أغلقه بين دقيقة وأخرى لأمنح قلبى الصغير فرصة استيعاب هذا القدر من العشق الخالص والألم الغادر، وأنا أتعجب كيف لامرأة أن تقدم الحب بيد وتعتصر الصبر بالأخرى، بل كيف لامرأة أن تصبح عبلة الروينى!

وحينما كبرت أدركت أن للمعادلة شقين؛ أحدهما عبلة والآخر، وهو الأهم، هو أمل دنقل، ذلك الطرف الذى استحق أن يخلد إبداعه بيننا ويخلد حبه فى قلبها، نعم، فلكل تضحية من يستحقها، لندرك بعد سنوات أخرى عديدة أن بيننا أمل دنقل آخر وآخر وآخر، فقط لأنه يستحق، فقط لأنه هو وليس غيره.

وزهران يستحق.. 

زهران الذى أبدع قلماً وقلباً، يستحق أن يخلد إبداعه واسمه وسيرته، يستحق أن أرويه إنساناً ومبدعاً، ليس لأننى عبلة أخرى، ولكن لأنه محمد عبدالمنعم زهران، الذى يستحق أن تحيا امرأة لكى تحكى عنه.. وهأنذى أفعل يا زهران. فمن أين أبدأ؟

دعنى أبدأ بمشهد النهاية، لا، فلنسمه مشهد الرحيل، فليس ثمة نهاية بيننا ولن تكون.

المكان: أحد مستشفيات محافظة المنيا، هناك فى أحد طوابقها تقبع غرفة الرعاية الفائقة، وفوق سرير ملاصق لبابها يسكن جسده الطاهر، غائبا عنا، فقط بضعة أنفاس تتردد بمساعدة جهاز تنفس صناعى، تنبئ من حوله أنه بيننا، أما أنا فقلبى من ينبئنى وليس ذلك الجهاز.

أتقدم فى خطوات واجفة، فى محاولة خائبة للتماسك، فاليوم هو عيد زواجنا الأول، ٢٨ مارس، وما أدراك ما هذا التاريخ يا زهران، أتذكر؟ وكيف لك ألا تذكر، إنه التاريخ المقرب إليك، تدونه كرقم سرى يغلق عليه هاتفك المحمول ويفتح، تستخدمه لفتح جهاز اللاب توب، ولا تنسى أن يكون رقم فيزا راتبك الشهرى، ألهذا الحد كان رقمك الأثير يا زهران؟ ألهذا الحد كان يوم زواجنا يقطن مكانا عزيزا بقلبك؟

جئتك اليوم لأقول لك كل عيد وأنت عيدى، بقلق تبحث شفتى عن موضع فى وجهك أويدك أوجسدك خالٍ من تلك الأسلاك والخراطيم، حتى أبثك شوقى ومعايدتى، وبالكاد استطعت أن أقبل أطراف أصابعك، لكن رغما عنى اختلطت دموعى بقبلتى، ربت فى حنو على أصابعك، ونظرت فى وجهك الساكن بهدوئه المعتاد، كملاك نزل سهوا من سمائه إلى أرضنا، طالبتك بأن تنهض من كبوتك سريعا فأنا أنتظرك، وعندما لم تستجب، أيقنت أن الأمر أكبر من أملى الذى لم يخب للحظة واحدة، حتى وأنا أسمع بأذنى عبارة طبيبة الرعاية التى ألقتها كقنبلة: مفيش فايدة خلاص!

كذبتها، فمادام هناك جزء بالمخ يعمل فإن أمل شفائك قائم، نظرت إلى كمن ينظر لمجنون، ثم هزت كتفيها وتركتنى.

هرعت نحوك لأسألك أن تكذبها وتنهض، أن تكذب كل من حولك وتفى بوعدك الذى قطعته قبل دخولك ذلك المستشفى البغيض، حينما قلت لى «سأشفى وأحيا معك فى القاهرة للأبد.. انتظرينى، سأشفى».  

أمسكت أصابعك وقطعت وعودا أخرى: لا تخف، لن أهمل إبداعك، سأعتنى به مثلك وأكثر، سيظل حماسى مشتعلا مثلما كان وقت مرضك، وسيصل اسمك للعالمية يا زهران، أعدك أن أفعل، لأنك وقلمك تستحقان.

قلتها وحانت منى التفاتة نحو وجهك، ولمحت جفنك يهتز كأنك توشك على فتح عينيك، انتصبت واقفة فى لهفة، لكن جفنيك توقفا، وعدت لسكونك، وكأنك تخبرنى أنك تسمعنى، وبعد ساعة أويزيد من انصرافى علمت أنك أفقت، أفقت بشكل كامل، تأوهت ثم فتحت عينيك ونظرت حولك كمن يبحث عن أحد، ثم عندما لم تجده فضلت أن تعود ثانية للغيبوبة، وفى منتصف الليل من اليوم ذاته، سكن نبضك تماما، ورحل جسدك..

اخترت اليوم ذاته لتغادرنى يا زهران، يوم عيدنا، لكنك لم تفعل إلا بعد أن ودعتك وودعتنى، وبعد أن وعدتك، نعم، وعدتك وسأفى بوعدى يا زهران، مهما كانت العراقيل والتحديات، سأفعلها، وسيصل إبداعك للعالمية، ويجوب اسمك بلاداً شتى.. فقط لأنك تستحق.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات الجنوبي

إقرأ أيضاً:

جدى إخناتون!!

فى الصعيد «عندينا» يوجد إهتمامٌ كبير لدى ملايين الناس بالبحث عن جذورهم، وإثبات انتمائهم وصِلَتهم بعائلاتهم القديمة، سواءٌ اختلطت هذه العائلات بغيرها من الأصول أم لا، وهو أمر طبيعى فى الصعيد الذى يفتخر أبناؤه دائمًا بأنهم ينتمون لجذور «عَفية» مُستمسكةٌ بأصولها تمسكِ ساقُ النخلةِ بالأرض!!
بسبب هذه الفكرة المسيطرة على الأذهان، تلقيت منذ فترة إتصالًا من إبن خالي، الذى طلب منى تحضير مستندات عضوية نقابة الأشراف مثل الكثيرين من أقاربى، لتأكيد هويتى العربية وانتمائى لسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورغم خفقان قلبى لهذه الفكرة المُشرفة، إلا أننى بادرته بسؤال: وهل نحن عربٌ يا ياسر؟ قال لى: نعم جذورنا عربية! فقلت له: ولكننا ننتمى لأكثر من ألف سنةٍ لجدودٍ استوطنوا وعاشوا فى أحضان جبال إسنا بمحافظة الأقصر، أى أننا أقربُ للأصول الفرعونية، فكيف لنا أن نعرف أن أصولنا عربية ونحن الأقرب للمصريين القدماء؟ فقال لي: الجدود قالوا لنا أنهم ينتمون لقبائل عربية هاجرت إلى مصر مع الفتح الإسلامى.. فسألته مرة أخرى ومن قال للجدود هذا الكلام؟!
هنا تاهت الإجابات التى لا يمكن حسمها.. ولكنها مناقشة جعلتنى أتذكر ما قاله لى الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، عندما قابلته فى أحد اللقاءات الرسمية منذ عدة أشهرٍ، وعند مصافحته لى قال: إنت تشبه إخناتون.. إنت منين؟ فقلت له: من الأقصر..فقال لى: تمام كده!!
إذن الحقيقة غائبة.. ونحن المصريون.. وفى الصعيد بالذات.. تائهون ما بين أصولٍ مصريةٍ قديمة.. وأصولٍ عربية.. وهو مجال مهم للبحث والتنقيب.
منذ سبع سنوات نشرت دورية «اتصالات الطبيعة» الصادرة عن مجلة «الطبيعة» وهى مجلة علمية بريطانية شهيرة، أن معظم سكان مصر الحاليين أفارقة الأصل بعكس سكان مصر القدماء الذين ينتمون بالجذور لبلاد الشام وتركيا وعدد من بلاد الشرق الأوسط!! وطبعًا معروف الغرض من هذا التوصيف الذى يحاول إنكار علاقة المصريين القدماء بالحضارة المصرية!!
خبير الآثار المصرى عبدالرحيم ريحان علق على التقرير فور صدوره مؤكدًا أن كافة المعلومات الواردة فى الدراسة غير صحيحة، وأن المصريين أصولهم مصرية قديمة وليست شامية أو إفريقية.. وقال إن الدراسة التى تزعم القيام بتحليل كامل لجينوم سكان مصر القدماء اعتمدت على تحليل الحمض النووى لتسعين مومياء عاش أصحابها من سنة 1400 قبل الميلاد وحتى عام 400 بعد الميلاد، وهى مومياوات ناتجة من أعمال حفائر فى منطقة واحدة تسمى أبو صير التابعة لمركز الواسطى فى بنى سويف، والنتائج هى مجرد محاولة التفاف، لإثبات أن قدماء المصريين جاءوا من مناطق سكنها العبرانيون وبنو إسرائيل قبل قدومهم إلى مصر!!
عمومًا، أنا لست مع الجذور«الحاسمة» للمصريين.. لأن مصر دولة غارقة فى عمق التاريخ، ومرت بها أصول متعددة، واختلطت بها أعراق هاجرت إليها عبر الزمن إما للغزو أو بحثًا عن الحياة، وإن كنت أظن أن هذا الإختلاط العرقى كان بنسب مختلفة فى شمال مصر عن جنوبها، فاقتراب الدلتا من البحر الذى نقل أبناء شعوب أخرى إلى المحروسة ليستقروا فيها و يتزوجوا وينجبوا أجيالًا متعاقبة، يختلف عن الصعيد الذى أكثر انغلاقًا على الغريب القادم إليه سواء كان مُهاجرًا أو غازيًا!!
ولذلك فإننى أميل لرأى المفكر الجغرافى الكبير جمال حمدان الذى يؤكد فى كتابه«شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان» على استمرارية الشخصية المصرية منذ الفراعنة وحتى الآن، بما فى ذلك عشرات الملامح الاجتماعية والثقافية والألفاظ والأدوات القديمة التى لا تزال مستخدمة فى مصر الحديثة، والاستمرارية المقصودة هى نوع من التراكم الذى يشبه ورق البردى الفرعونى الذى كتب عليه الإنجيل والقرآن، ولا تزال الكتابة المصرية القديمة منقوشة على المعابد الفرعونية أيضأً.. ولذلك فإن الاستمرارية المصرية تراكمية وتراكبية ومعتدلة، ولهذا يصف أصل المصرى بوصف عبقرى وهو أن «الجد فرعونى والأب عربى» ولذلك يوجد تداخل فى الشخصية المصرية بين الانتماءات العربية والإسلامية والقبطية والفرعونية.. وهذا هو سر عبقريتها.
قد تسألنى: ما رأيك فى النهاية؟ سأقول لك.. أنا شخصيًا.. مهتم جدًا بما قاله لى الدكتور مصطفى وزيرى حول تشابه ملامحى مع «إخناتون» وسوف أبدأ من الآن البحث عن تراث «جدى» الملك الفرعونى العظيم!!

مقالات مشابهة

  • غوتيريش: ما حدث في لبنان خطير ليس فقط بسبب عدد الضحايا لكن لأنه يهدد بخطر جدي لتصعيد دراماتيكي
  • هذه هي دائرة حزب الله المستهدفة
  • العلوم كأهل السماء.. لا لسان لها
  • محامي رمضان صبحي: طعن الوكالة الدولية اجراء شكلي
  • جدى إخناتون!!
  • وزير السياحة والآثار: أزور المملكة العربية السعودية قريبا.. وما بيننا ليس فقط رحلات للحج والعمرة
  • دعاء زهران: القضية السكانية واحدة من أهم التحديات التنموية التي تواجه الدولة المصرية
  • البيت الأبيض: بايدن تحدث مع دونالد ترامب وعبر له عن ارتياحه لأنه بخير
  • نجاد البرعي: مشروع قانون الإجراءات الجنائية كان يستحق مناقشات أكثر
  • الرئيس الإيراني: لم نرسل صواريخ متطورة إلى اليمن لأنه قادر على إنتاجها