استعرضت قناة عبرية، انطباعات أول وفد تجاري إسرائيلي زار السعودية، في ظل الحديث المتزايد عن إمكانية التطبيع بين الرياض وتل أبيب بواسطة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن.

ورأت قناة "I24NEWS" الإسرائيلية، أنه "لم تعد العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية، التي تعتبر منذ فترة طويلة جوهرة التاج، حلما بعيد المنال، حيث أن حقبة جديدة في الشرق الأوسط قد تكون على الأبواب".



وقالت القناة إن "وفد أعمال إسرائيلي وصل السعودية مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، لحضور مؤتمر حكومي رسمي حول الأمن السيبراني"، منوهة إلى أن "البعض في إسرائيل والسعودية، يتوقون إلى إطلاق العلاقات بالفعل".


آفاق العلاقات
وقال عبد العزيز الخميس، وهو صحفي سعودي زار تل أبيب ثلاث مرات: "لدينا فرصة ذهبية، وأعني السعودية وإسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، يمكننا تطبيع علاقاتنا"، مضيفا: "يجب أن نأتي بالإسرائيليين والفلسطينيين إلى الرياض للحديث عن السلام"، وفق ما نقلته القناة.

وتابع: "توقيع اتفاقيات إبراهيم" كان حدثا مهما، ويجب أن نتذكر أن السعودية مختلفة، فهي أكبر دولة في المنطقة وفي العالم الإسلامي والعربي، بعبارة أخرى، ليست مجرد دولة أخرى تنتظر في الطابور لمصافحة الإسرائيليين"، بحسب تعبيره.

ونقلت القناة عن صحفي آخر لم يذكر اسم، "نعلم أنه بدون إسرائيل، لن يحدث الشرق الأوسط الجديد الذي اقترحه ولي العهد محمد بن سلمان"، مضيفا: "يزعجنا دائما أن نسمع الإسرائيليين يسألوننا: متى ستطبعون؟".

وأشارت إلى أن "هذا اعترف به مسؤولون حكوميون سعوديون عندما استضافوا للمرة الأولى، وفد أعمال إسرائيلي مكون من 12 شخصا، في مؤتمر رسمي عقد يومي 6 و7 أيلول/سبتمبر في الدمام، المعروفة باسم عاصمة النفط في الخليج".

ولفت إلى أن "السعودية لديها اهتمام كبير بالحصول على تقنيات دفاعية (إسرائيلية) ضد الهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة، مثل تلك التي تعرضت لها الدمام عام 2019، من قبل جماعة الحوثي في اليمن".

وفي لقاء مع مجموعة رجال الأعمال الإسرائيليين الذين تمت دعوتهم إلى مؤتمر الأمن السيبراني الحكومي، وجه مسؤولون سعوديون رسالة حادة إلى تل أبيب جاء فيها: "مع كل الاحترام الواجب للإمارات والبحرين والمغرب، الموقعين على اتفاقيات إبراهيم نحن شيء آخر، لذا، التطبيع معنا إذا جاء سيكون حدثا مختلفا".

وفي أيار/ مايو الماضي، تمت دعوة الباحثة الإسرائيلية نيريت أوفير، لإلقاء محاضرة في مؤتمر "الأمن في الشرق الأوسط" الذي عقد في الرياض، وكانت هذه "على الأرجح المرة الأولى التي يلقي فيها يهودي إسرائيلي محاضرة علنية أمام جمهور من جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك من لبنان واليمن والعراق".

وقالت أوفير التي تتنقل في الخليج منذ عقد من الزمن كجزء من عملها: "تبادلنا بطاقات العمل واتفقنا على البقاء على اتصال"، معترفة أنه هناك من "تجنب التواصل معي عندما سمعوا أنني إسرائيلية".


وأوضحت القناة، أن "المفاجأة الكبرى كانت عندما تواصل مسؤولون سعوديون مع الباحثة وسيدة الأعمال الإسرائيلية، وطلبوا منها قيادة وفد تجاري إلى المؤتمر في الدمام، ولم تكن هذه هي المرة الأولى أيضا، ففي 2021، أحضرت الدكتورة أوفير فريقًا إسرائيليا إلى المملكة للتنافس في رالي داكار، ودخل جميع أعضاء الوفد السعودية بجوازات سفر إسرائيلية".

أما في هذه المرة، "دخل رجال الأعمال بجوازات سفر أجنبية، ولكن تم تعريفهم علنا في المؤتمر الذي حضره أكثر من 300 مشارك، أنهم إسرائيليون".

وقال فرانك ملول، الرئيس التنفيذي لقناة"I24NEWS" الإسرائيلية، التي تبث من الأراضي الفلسطينية المحتلة بثلاثة لغات؛ العربية، الفرنسية والإنجليزية: "هذه فرصة تاريخية، لأنه هنا في الدمام ينكشف أمام أعيننا ارتباط يشير إلى شرق أوسط جديد"، مضيفا: "السعوديون كشفوا لنا في محادثات مباشرة، أن أوجه التشابه بيننا أكثر من أوجه الاختلاف".

وخلال مؤتمر الدمام، عرضت شركات الإنترنت الإسرائيلية تقنيات مبتكرة "أثارت اهتماما كبيرا" بحسب القناة، التي أشارت إلى أن بعض المشاركين "تجاهلوا حضور مندوبي الشركات بشكل واضح، وطلب بعضهم بأقصى قدر من التكتم من نظرائهم الإسرائيليين".

وبينت الباحثة أوفير، أنه "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه، ولكن ليس هناك شك في أن شيئا ما يحدث في الاتصال بين تل أبيب والرياض".

وزعمت القناة، أنه "تمت دعوة الشركات الإسرائيلية إلى اجتماعات خاصة مع شركات من جميع أنحاء العالم العربي والخليج بشكل خاص خلال المؤتمر، والذين علموا بمشاركتهم مسبقا طلبوا التواصل، وشمل ذلك مناقشات مع شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، ووزارة الطاقة السعودية، والشركة السعودية للكهرباء، ووزارة الغاز والنفط في البحرين".

وأوضح ممثل لشركة إسرائيلية طلب عدم الكشف عن هويته لـ"I24": "أن المحادثات التي تطورت كانت رائعة وتجاوزت إلى حد كبير المواضيع المهنية، حيث تحدثنا عن التغيير المتسارع الذي يمر به المجتمع السعودي".

وأكدت القناة أنه "لم تكن الشركات السيبرانية فقط هي المشاركة في المؤتمر، على سبيل المثال، إحدى الشركات الإسرائيلية الحاضرة، هي شركة مبتكرة في مجال التعرف على الوجه".

في السياق قال المهندس أمبار دالفي المقيم في دبي، والذي يمثل شركة "OOSTO" الإسرائيلية في الخليج: "في البلدان التي هي في الواقع أعداء لإسرائيل، تحظى تقنياتكم بتقدير كبير، ولا يخجلون من استخدامها".

من جهته زعم نائب رئيس ذات الشركة، فاديم ألوني، أن "الشركات الإسرائيلية تمتلك تقنيات مذهلة يحتاجها السوق السعودي، في عالمي الدفاع والأمن، شركتنا متخصصة في منتجات التعرف على الوجه والسلوك، وتفخر بالمشاركة في هذا الوفد، والذي يمكن أن يعزز السلام الإقليمي والعلاقة الاقتصادية بين الجانبين".

بدوره ذكر دورون يتسهار، وهو رجل أعمال إسرائيلي يزور السعودية للمرة الأولى: "وفدنا يعطي الأمل لليهود، باستعادة العلاقة القديمة من الماضي إلى مستقبل مشترك قوي وواعد"، وفق زعمه.

ونقلت القناة عن ندى المحسن، وهي سعودية حاصلة على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة "كانساس سيتي": "ربما يمكننا معا بناء منطقة للشركات الناشئة، لديكم الكثير لتقدموه، من الطبيعي أن تكونوا أنتم الإسرائيليين هنا، وآمل أن يصبح الأمر طبيعيا قريبا".

وأضافت القناة أنه "في اجتماعات خاصة بين الممثلين الإسرائيليين والسعوديين، سمع أكثر من مرة، أن شركات إسرائيلية تحت علم أجنبي، تعمل بالفعل في السعودية في مجالات مثل التكنولوجيا والزراعة"، مشيرة إلى أن "العمل تحت علم أجنبي، هي ذات الاستراتيجية التي تم استخدامها في الإمارات والبحرين قبل التطبيع رسميا في 2020".

وأشارت إلى أنه "حضر المؤتمر في الدمام ممثلون عن المشروع الرائد الخاص بولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ "رؤية 2030"، وبلا شك، ابن سلمان، هو مهندس التغيير المتسارع الذي تشهده البلاد، والذي قد يصبح حاكما له في المستقبل القريب".



وقال معد التقرير في قناة "I24" "إن مشروع نيوم هو جوهرة التاج في السعودية الجديدة"، هذا ما سمعته من محمد ممثل هذا المشروع الطموح الذي كان مشاركا في المؤتمر"، زاعما أن "محمد، بحث عن الإسرائيليين أثناء استراحة تناول القهوة للدردشة في الممر".

وتابع معد التقرير أن ممثل نيوم قاله له،  "إن السعودية دولة ضخمة بحجم أوروبا الغربية، وليس من قبيل الصدفة أن قيادتنا قررت بناء "نيوم" على بعد 350 كيلومترا بالضبط من الحدود مع إسرائيل، نحن نأخذكم بعين الاعتبار، وهذه المرة للأفضل، وفي الوقت نفسه، علينا أن نتذكر أن هناك أشياء يجب أن تحدث، على سبيل المثال فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكي نمضي قدما ونؤسس العلاقات، سيكون ذلك خيرا لنا جميعا".

ونقلت القناة عن الصحفي السعودي عبد العزيز الخميس، حديثه عن رغبة سعودية في "التعاون" من دولة الاحتلال فيما يخص "نيوم"، وخاصة في مجالي "الابتكار والتقنيات الجديدة".

وختم معد التقرير بقوله: "عندما كان الوفد يستعد للسفر إلى إسرائيل عبر دبي، سألنا المضيف السعودي في الدمام عن وجهتنا النهائية، وعندما أجبنا "تل أبيب"، أجاب بابتسامة من الأذن إلى الأذن".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة السعودية التطبيع محمد بن سلمان الاحتلال السعودية الاحتلال التطبيع محمد بن سلمان صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الدمام تل أبیب إلى أن

إقرأ أيضاً:

أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!

الكتاب: أمريكا... "إسرائيل" الكبرى... التاريخ الحقيقي لأمريكا في العالم العربي
 الكاتب: د. عبد الحي زلوم
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2009 ـ عدد الصفحات 408

هل فعلاً أنَّ اللوبي الصهيوني يمتلك القدرة على توجيه القرار العام الخارجي الأمريكي، لما يخدم مصلحة "إسرائيل"، وليس أمريكا؟ وهل من الصحيح أن هناك سلطة أحادية الجانب في السياسة الخارجية الأمريكية، هي سلطة اللوبي الصهيوني، ولاسيما في الشق المتعلق بالشرق الأوسط تمارس ضغطاً مباشراً على الرؤساء الأمريكيين، حيث أن نجاح أو إخفاق أي رئيس أميركي يبقى مرهونا بأموال وأصوات اللوبي الصهيوني، كما تروج له الفكرة السائدة في العقل السياسي العربي؟

في سياق المحاولات لفهم طبيعة العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، كثيرا ما يجري تناولها من زاوية محددة، أو بنظرة أحادية الجانب، إذْ تحرص "إسرائيل" والحركة الصهيونية العالمية على تقديم صورة مضخمة لنفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية وهي تهدف من وراء ذلك تخويف أعداء "إسرائيل" وإظهار هذه الأخيرة بمظهر القوي المتحكم في القرار السياسي الأمريكي ليبدو وكأنه يتقمّص سمات الموقف الإسرائيلي بصورة لا يستطيع أحّد أن يفرّق بين صوت رئيس الوزراء الإسرائيلي من صوت الرّئيس الأمريكي في كل الأوساط الدّوليّة داخل وخارج الأمم المتّحدة.

وفيما درج الفكر السياسي العربي على إظهار الولايات المتحدة أمة تستحق الإشفاق، إذ إن قرارات هذه الدولة العظمى وتوجهاتها وسياساتها تصنع على يد الطباخين اليهود، حيث تستثمر "إسرائيل" هذه الصورة المضخمة لتيئيس العرب والمسلمين من إمكانية التأثير في الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية المنحازة إلى جانب الكيان الصهيوني، فإنَّه يهمنا من جانبنا أن نؤكد على أنَّ "إسرائيل" ليست إلا مجرد أداة أمريكية تقوم بدور وظيفي لحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما بعد أن شيعت الولايات المتحدة مبدأ مونرو لتخرج من عزلتها التقليدية إلى معترك الصراع الدولي، وتعاظم دور الأداة لتتحول إلى عصا غليظة لإخضاع شعوب المنطقة وتنفيذ المخطط الأمريكى فى الهيمنة. وتدحض الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنانفي عام 2006 بما لا يقبله الشك نظرية اللوبي الصهيوني، لأنَّنا وجدنا بأن أمريكا كانت أكثر حماسا لخوض "إسرائيل" هذه الحرب، وكانت متمسكة بإطالة أمدها العدواني، وذلك من أجل تقديم مساعدة لما يسمى بحرب أمريكا على الإرهاب. ف"إسرائيل" في تلك الحرب كانت تقوم بوظيفة حربية في خدمة استراتيجية الإمبريالية الأمريكية...

هل إنَّ اللوبي الصهيوني هو الذي يسير السياسة الأمريكية؟

ومع ذلك، فإن الدكتور عبد الحي زلوم في كتابه: أمريكا..."إسرائيل" الكبرى، يقدم لنا صورة مضخمة جدا عن اللوبي الصهيوني، إذ يقول: "من أبلغ المؤشرات على مدى ما يحظى به اليهود من نفوذ في الولايات المتحدة ما صدر عن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأخيرة. فما إن ضمن باراك أوباما ترشيح الحزب له حتى: "حثّ الخطى إلى مؤتمر تعقده لجنة العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية AIPAC، أقوى جماعات الضغط الإسرائيلي في البلاد، وهناك ألقى كلمة كسر فيها سائر الأرقام القياسية المسجلة في إظهار الخنوع وممارسة التزلف على حد تعبير الكاتب وعضو الكنيست الصهيوني السابق يوري أفنيري في عموده المنتظم بتاريخ 10 يونيو/حزيران 2008 وأضاف أفنيري: "انظروا كيف أن أول عمل أقدم عليه أوباما بعد ضمان ترشيح الحزب له كان التضحية بمبادئه.. وها قد أقبل أوباما زاحفاً وسط الغبار لينكب على أقدام "إيباك" ويخرج عن خطه المعهود في تبرير سياسة تناقض تماماً أفكاره التي طالما نادى بها".

الذي يهم فعلاً هنا هو وجه التشابه الكبير بين المشروعين الأمريكي والصهيوني، على المستويين: الروحي والمادي لدرجة يمكن معها القول إن: "إسرائيل" ليست سوى أمريكا الصغرى، وإن أمريكا هي "إسرائيل" الكبرى. وجدت في هذه الجملة أبلغ تعبير عن مضمون كتابي فوقع عليها اختياري كعنوان للكتاب..وجاء في مقالة أفنيري أيضاً القول: "الذي يهم فعلاً هنا هو وجه التشابه الكبير بين المشروعين الأمريكي والصهيوني، على المستويين: الروحي والمادي لدرجة يمكن معها القول إن: "إسرائيل" ليست سوى أمريكا الصغرى، وإن أمريكا هي "إسرائيل" الكبرى. وجدت في هذه الجملة أبلغ تعبير عن مضمون كتابي فوقع عليها اختياري كعنوان للكتاب".

تعمل اللجنة الأمريكية ـ الإسرائيلية للشّؤون العامّة التي تعرف اختصارا باسم "ايباك"AIPAC ، The American-Israel: Public Affairs Committee ، وتضم في عضويّتها عدّة منظّمات صهيونيّة مثل بناي بريث، وتعقد اللجنة مؤتمراً سنويّاً يحضره عدد كبير من الشّخصيّات الأمريكية السّياسيّة من مجلس الشّيوخ والنّوّاب وغير ذلك، تعمل على تضخيم دورالنفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الصورة التي تقدمها في أجهزة الإعلام الأمريكية والعالمية على أساس أنها هي التي تتحكم بالقرار السياسي الأمريكي.

ويحاول اللوبي الصهيوني الموالي لـ "إسرائيل" داخل أمريكا أن يوهم الرأي العام العالمي، ولا سيما الرأي العام العربي، من أنه يمتلك قدرة خاصة على التأثير من خلال اتصاله برجال الإدارة والشيوخ والنواب وامتلاكه لقاعدة معلوماتية وإمكانيات التأثير على الحملات الانتخابية من خلال المساهمة في تمويلها.

وفي الحقيقة، فإن هذا التأثير في مجرى الانتخابات الأمريكية هو محدود جدا، لأن الذي يقررمصير الانتخابات الرئاسية هو المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة والاحتكارات النفطية الأمريكية، التي تأتي دائما بالرئيس المناسب الذي يخدم مصالحها في كل مرحلة تاريخية محددة.

ويستند اللوبي الصهيوني في تضخيم دوره لعدة عوامل أهمها مكانة دولة "إسرائيل" في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ودور القوة العظمى التي تقوم بها أمريكا اليوم والمرجعية الأيديولوجية ـ الثقافية الأمريكية والتي تنعكس في علاقة المجتمع الأمريكي بالجالية اليهودية القائمة على الإدماج والتبني والعلاقة الخاصة بالدولة الإسرائيلية.

لقد استطاع اللوبي الصهيوني أن يبني أوهاماً دعائية حول المصالح المشتركة بوصفها أساس العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرئيل"، وكيف هيأ دعاوى إعلامية وسياسية مغلوطة، هدفها إبراز قوة اللوبي الصهيوني هذا وكأنها هي التي تسير السياسة الأمريكية، وهذا ما يتناقض مع منطق الأمور وحقيقة السياسة الأمريكية، إذ كيف يمكن لإمبراطورية بقوة وجبروت الولايات المتحدة الأمريكية أن تسير بقوة لوبي معين، حتى لوكان صهيونيا.

لقد شاعت دائما مقولة في الدوائر العربية الرسمية بأن السياسة الأمريكية الخارجية في الشرق الأوسط يوجهها اللوبي الصهيوني الذي يصول ويجول ويرهب الساسة الأمريكيين لكي يقدموا دائما المصالح الإسرائيلية حتى لو تعارضت مع المصالح القومية الأمريكية.

ولكن لم تظهر دراسات تسلط الضوءعلى الحجم الحقيقي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن مثل هذه الدراسات تعتبر من المحرمات. والواقع أنه في مختلف المحطات كانت قوة اللوبي الصهيوني مستمدة من طبيعة النظام السياسي الأمريكي وليس في مواجهته، ومن حيوية شبكة العلاقات التي صاغتها مجموعة المنظمات التي تمثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ومن طريقة عمل النظام السياسي الأمريكي ذاته، لا من القوة الذاتية لهذا اللوبي التي تضخمها أجهزة الإعلام لأسباب سياسية وإيديولوجية، حتى تبث روح الاستسلام في العقل السياسي العرب.

لكن هذا اللوبي الصهيوني يكتشف يوما بعد يوم أنه لم يعد يقود اليهود الأمريكيين، كما كان يفعل في إيهام الرأي العام خلال العقود الماضية. فاليهود الأمريكيون يعلمون أن "إسرائيل" ليست الترياق الذي بإمكانها استخدامه لحل إشكالاتها الداخلية.

ويحاول الكاتب أن يقدم عدة شهادات تبرز الدور القوي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فيقول: "ولعل ما حصل مع اثنين من الأكاديميين الأمريكيين المعروفين مؤخراً ما يشكل مثالاً على طريقة عمل اللوبي اليهودي المناصر ل"إسرائيل" في الولايات المتحدة. فقد طلبت مجلة "أتلانتيك ماغازين"، من أستاذين من جامعة شيكاغو وجامعة هارفارد، إعداد دراسة عن اللوبي الإسرائيلي . وبعد عامين من العمل والبحث والتمحيص، أبلغهما رئيس التحرير بأن المجلة لن تتمكن من نشر الدراسة. وفي ذلك يقول البروفيسور جون ميشيمر: "عملنا على إعداد الدراسة على مدى عامين بالتعاون مع محرري "أتلانتيك ماغازين". وفي يناير/كانون الثاني 2005 أرسلنا لهم النص النهائي، الذي جاء منسجماً تماماً مع ما تم الاتفاق عليه ومتضمناً مقترحاتهم كافة. بعدها بأسابيع فوجئنا برئيس التحرير يبلغنا بأن المجلة قررت عدم نشر الدراسة".

قرَّر الأستاذان جون ميشيمر وستيفن وولت توسيع الدراسة وإعدادها للنشر ككتاب صدر عام 2007 بعنوان: "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة" أوضح االمؤلفان في كتابهما بأن الفكرة الرئيسية التي شكلت موضوع الدراسة المرفوضة كانت بسيطة ومباشرة، وهي أن الولايات المتحدة تقدم دعماً مادياً وسياسياً ل"إسرائيل" بمعدلات غير عادية، وبأن هذه المساعدات لا يمكن تبريرها على أسس إستراتيجية أو أخلاقية على حد سواء. وبدلاً من ذلك "فإن هذه المساعدات هي نتاج القوة السياسية للوبي ال"إسرائيل"ي في المقام الأول".

ويرى المؤلفان "أن السياسة الأمريكية المنحازة تماماً ل"إسرائيل" تضر بالمصالح القومية للولايات المتحدة بل هي ضارة بالمصالح ال"إسرائيل"ية نفسها على المدى البعيد". ولتوضيح حجم الدعم الذي تحظى به "إسرائيل" من الولايات المتحدة من حجم ما تتلقاه من مساعدات أميركية يمولها دافعو الضرائب الأمريكيون في المقام الأول. فحتى عام 2005 كان حجم ما تسلمته "إسرائيل" من مساعدات أميركية قد وصل إلى 154 مليار دولار معظمها هبات لا ترد"...، ولمثير هنا أن المساعدات الأمريكية ل"إسرائيل" تأتي بمعدل 100 ألف دولار لكل أسرة إسرائيلية مكونة من أربعة أفراد في وقت يعاني فيه 45 مليون أميركي من ضيق الحياة المعيشية ويصنفون تحت خانة الفقراء، طبقاً لمكتب الإحصاءات الرسمي في واشنطن، الأمر الذي ينسف المقولة الأمريكية الشهيرة: الإحسان يبدأ من البيت".

يحاول اللوبي الصهيوني الموالي لـ "إسرائيل" داخل أمريكا أن يوهم الرأي العام العالمي، ولا سيما الرأي العام العربي، من أنه يمتلك قدرة خاصة على التأثير من خلال اتصاله برجال الإدارة والشيوخ والنواب وامتلاكه لقاعدة معلوماتية وإمكانيات التأثير على الحملات الانتخابية من خلال المساهمة في تمويلها.هذا الكتاب لم يأت بشيء جديد على صعيد الدراسة المعمقة لدور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وللعلاقة الخاصة التي تحكم "إسرائيل" بأمريكا، بل أنه كرر نفس الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي حول التأثير الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، علماً أنَّ هذه الأسطورة ليست قدرًا على العرب والمسلمين أن يستسلموا لها، بل إنَّ المطلوب هو القيام وبعمل دؤوب لمواجهة هذا النفوذ الصهيوني، إذ يوجد في أمريكا أكثر من عشرة مليون عربي ومسلم، وهو عدد يفوق عدد اليهود الأمريكيين. والحال هذه بإمكان العرب والمسلمين الأمريكيين أن يشكلوا لوبي عربي منافس للوبي الصهيوني، داخل هذه التكتلات البشرية العربية والمسلمة يعتمد بالدرجة الأولى على السيطرة الاقتصادية الممكنة في هذه التكتلات واستغلال الرأي العام الشعبي الأمريكي المتعاطف نسبيا مع الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة الكبرى في الثمانينات، وإلى حد ما مع الانتفاضة الثانية، حتى وإن كان دوافع هذا التعاطف هي الممارسات القمعية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تتناقض مع ما هو عالمي في القيم.

وفضلا عن ذلك، فإن مسؤولية العرب والمسلمين جميعا تتمثل في دعم هذه الجالية العربية والمسلمة بكل الوسائل لتشكل لها موطئ قدم في الحياة الاقتصادية الأمريكية، والعمل على تنمية ثقافة هذه الجالية وتوجيهها من أجل تغيير الصورة المشوهة التي اكتسبها الشعب الأمريكي عن العرب والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.

وعلى مستوى دوام العلاقات والمرجعية النفعية، فإن هناك إمكانية للتأثير والتداخل، وهو ما حدث فعلاً خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث برزت الجاليات العربية والمسلمة كقوة ملموسة تؤخذ في الحسبان في الجولات القادمة. إلا أن هذا لن يؤدي في المدى المنظور لوضع الطابع المتميز للعلاقات الأمريكية ـ ال"إسرائيل"ية موضع تساؤل وإنما زيادة أو نقصان تكلفة أو هامش المناورة المتروك ل"إسرائيل" واللوبي في الولايات المتحدة الأمريكية.

فالطابع الخاص للعلاقات الأمريكية -الإسرائيلية يعمل الآن على ضبط الصراع العربي ـ الصهيوني أكثر مما يسهم في تسويته لمصلحة كافة أطرافه. ويبقى ما هو مطلوب من العرب والمسلمين الأمريكيين أن يقوموا بالدراسات الفكرية والسياسية لبلورة سياسة إعلامية ونشرها عبر وسائل الإعلام الحديثة وشبكة الأنترنت من أجل إنشاء لوبي عربي ومسلم قوي في الولايات المتحدة قادرعلى مواجهة الدعاية المضللة للوبي الصهيوني.

إنَّ الحديث عن اللوبي يتطلب الدراسة المعمقة وغير المبسطة لعملية صنع القرار في السياسة الخارجية، إذ إن هناك عملية تبسيط واختزال في فهم السياسة الخارجية الأمريكية لدى الفكر السياسي العربي، إما عبر الاعتماد على نظرية اللوبي الصهيوني المسيطر على كل مقدرات السياسة الخارجية، وإما على أساس الاعتماد على اختزال كل عملية صنع القرار بشركات النفط والسلاح.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يدرس فرص التطبيع مع السعودية.. تعرّف على أبرز العقبات
  • الأزهر يحرم مشاهدة “مسلسل معاوية” الذي انتجته “إم بي سي” السعودية 
  • إصابة عدد من الإسرائيليين بعملية دهس قرب الخضيرة
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • ما الدروس التي استخلصتها شعبة الاستخبارات الإسرائيلية من فشل السابع من أكتوبر؟
  • إعلام إسرائيلي: الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بعد التعرف على هوية رفات المحتجزين الإسرائيليين
  • عاجل| القناة ١٤ الإسرائيلية: رئيس الأركان يكشف أن إسرائيل بحثت قصف جنازة نصر الله
  • إعلام إسرائيلي: الجيش غير مستعد لاستئناف الحرب ويحاول تزييف تحقيقات 7 أكتوبر
  • إعلام إسرائيلي: حتى الصفقات مع الشيطان لها شروط ونتنياهو ينتهك الاتفاق
  • ألوية الناصر تعلن تسليم جثمان إسرائيلي الخميس في غزة