البوابة نيوز:
2025-02-01@04:45:12 GMT

كنوز خالدة.. الأدب والحياة (1)

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

تطغى على العالم موجة مادية تجتاحه أصولًا وفروعا، وتريده على أن يحمل تراث الإنسانية الأدبي، منذ فجرها حتى اليوم الراهن، فيأخذ سمته نحو أليم، فيلقي بذلك التراث في لجة مالها من قرار، ثم يعود وقد أزاح عن كاهله ذلك العبء المضني من دموع الشعراء وأنينهم وهزّات نشوتهم وسرورهم، وغير ذلك من نزوات الطفولة التي لا تدعو إليها ضرورة ولا شبه ضرورة في هذا العصر الحديث، وأن يتوفر على أزيز المعامل ومقارع الآلات، التي لا ينبغي أن يطرب لسواها، أو ينصت لصوت غير صوتها!! وماذا يغني دانتي وشكسبير بجانب علوم الطبيعة والكيمياء، التي على أساسها تعمل المطارق وتدور الأرجاء!! وفي ذلك يقول الكاتب الإنجليزي توماس بيكوك: (الشاعر في عصرنا هذا نصف همجي يعيش في عصر المدنية، لأنه يقيم في الزمن الخالي، ويرجع بخواطره وأفكاره وخوالجه وجوانحه إلى الأطوار الهمجية، والعادات المهجورة، والأساطير الأولى، ويسير بذهنه كالسرطان زحفًا إلى الوراء.

. لقد كان الشعر نقرة تنبه الذهن في طفولة الهيئة الاجتماعية، ولكن من المضحك في عصر النضج العقلي أن نعني بألاعيب طفولتنا، ونفسح لها موضعًا من شواغلنا، فإن هذا سخف يشبه سخف الرجل الذي يشتغل بألاعيب الصبيان، ويبكي لينام على رنة الأجراس الفضية).

هكذا يقال عن الأدب الآن، كأنه عرض من أعراض الحياة، لا يمسها في الجوهر والصميم، والواقع أننا حين ننزل عن الأدب وسائر الفنون، فأننا إنما ننزل عن نفوسنا، لأن هذه وتلك شيء واحد اختلفت أوضاعه.

وللشاعر الفيلسوف طاغور تحليل يبين به موضع الفن من أساس الحياة، وأنه ضرورة لازمة لا مناص منها، ونحن نورد للقارئ خلاصة موجزة لذلك البحث الجليل: من الحقائق البديهية، ان الإنسان مرتبط بهذا العالم بصلات شتى، فهو يعيش في مضطرب الحياة مدفوعًا بطائفة من الحاجات التي يتحتم عليه قضاؤها وهو في تلك المحاولة مضطر إلى أن يتصل بالعالم اتصالًا ليس له عنه منصرف ولا محيد.

فالحاجة الجسمية تملي عليه أن يفلح الأرض ويتعهد الزرع حتى يثمر له القوت، وأن يلتمس من الطبيعة مسكنًا وملبسًا يدفعان عنه الفقر والهجير.

والحاجة العقلية تريده على أن يمعن النظر ويستقصي البحث في مظاهر الكون، لان العقل لا يقنع بالنظر إلى الأشياء الخارجية دون أن يتتبع العلل ويكتشف القوانين العامة التي تنتظم جميع الجزئيات، فهو مطبوع على هذا البحث ليخفف عن نفسه أعباء الحقائق الكثيرة التي تصادفه في حياته، باختزالها في عدد قليل من القوانين، أو في قانون واحد شامل إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

وليست حاجة الإنسان تقتصر على العقل والجسد، بل هو يحمل بين جنبيه نفسًا لها مطمح تنشده وتسعى إليه، فهي بدورها مضطرة إلى أن تتصل بالكون كي تلتمس عند مظاهره ما تصبو إليه، وهي بحكم وجودها تعالج ضروبًا من المشاعر، فهي تموج بالأمل واليأس والسرور والغضب وغير ذلك من ألوان الشعور.

... ونستكمل غدًا الأحدمجلة “الرسالة” - العدد ١١ فى ١٥ - ٠٦ - ١٩٣٣

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

انتحار العقل التقليدي و هزيمة الميليشيا

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أول سؤال يبادر لذهن القاريء عندما يقرأ العنوان: كيف أطلق مصطلح "الهزيمة" على الميليشيا و هي ما تزال تحتل عددا من المناطق؟ و الهزيمة ليست هي استسلام الميليشيا بالكامل، وطي هذا الملف؛ و لكن هزيمة مشروعها الذي بدأ أنهم بصدد إعتقال البرهان أو قتله، و استلام السلطة، ثم تحول للقضاء على دولة 56، و أخيرا الحرب على الفلول و الكيزان، و غيرها من التدرجات.. فهي الآن لا تقاتل من أجل مشروع بعينه، و ثبت ذلك من خلال تعديها على المواطنين، بالقتل و النهب و السرقة و الاغتصابات، و أخيرا كما قال وزير الخارجية الأمريكي ممارسة " التطهير العرقي" أن المشروع الأول تم التخطيط له بواسطة العقل التقليدي، الباحث بأية طريقة لكي يستلم السلطة في البلاد، ظل رهانه بعد 25 أكتوبر 2021م على الخارج لكي يعيده للسلطة و لكن قد فشل في إدارة الأزمة، و تحول إلي استخدام القوة، عندما راهن على بندقية الميليشيا، و فشل مشروع الانقلاب، و سعى العقل التقليدي بشتى الطرق أن يعبيء الخارج لكي يصبح له رافعة للسلطة، و محاصرة الجيش و المقاتلين عبر تدخل دولي تحت البند السابع، ثم من خلال استخدام الإغاثة لدعم الميليشيا بالسلاح و التشوين و كلها تم إجهاضها..
رأهن العقل التقليدي على أن الجيش لن يستطيع أن يحقق انتصارا على الميليشيا، و عندما بدأت الانتصارات في استعادة ولاية سنار و كل مدنها و من بعد كانت ولاية الجزيرة و المصفى و الخرطوم بحري، و الثبات في الفاشر و هزيمة أفواج الميليشيا المسلحة.. كان الاعتقاد أن العقل التقليدي يعيد تقيمه للتجربة، و يدرسها بمنهج نقدي، لكنه جبل على التبرير و البحث عن شماعات يعلق عليها اخطائه.. فهو عقل لا يستطيع أن يفكر خارج الصندوق، و لا يستطيع أن يعيد قراءة الأحداث و متغيرات الواقع بواقعية لكي تجعله يرتب أوراقه من جديد وفقا لأولويات جديدة.. عجز و ظل منكفيء على فكرة تحقيق مصالح لفئة صغيرة فشلت في تجربة الحكم، و فشلت أيضا أن تدير أزمتها بإقتدار.. هو عقل مستلب منذ الحرب الباردة حتى اليوم يعيش في تلك الفترة، هي فترة علو كتف اليسار بكل تياراته في مواجهة الامبريالية، و الشعارات الثورية، و غيرها التي لم تنتج ثمرة واحدة في أية معركة مع الأمبريالية..
عندما عقدت قبل يومين قيادات تحالف "تقدم" ندوة لمعرفة "الهوة بين القوى المدنية و الجماهير" وقفت متأملا مام مقولة للرجل الثاني في "حزب البعث الأصل" عثمان أبو راس يقول في كلمته متسائلا ( ما هو برنامج الحد الأدني الذي يمكن اعتماده دون إلغاء أو تقاطع هذا البرناج مع التصورات الإستراتيجية لهذه القوى، أو تلك، دون الإخلال بترتيب الأولويات) يا رجل حدثنا حديث الواقع و ليس نقلا من الكتب.. أي تصورات إستراتجية التي تتحدث عنها، كل القوى السياسية التي كانت في تحالف " قوى الحرية و التغيير" فشلت أن تقدم برامجها للجماهير لا مكتوبة و لا مخاطبة في ندوات سياسية، و فشلت أن تؤسس مشروع سياسي للتحالف.. لم يكن للأحزاب منفردة أية مشروع.. كما قال مهدي عامل كنتم تمارسون السياسة بجدل اليوم، أن الأحداث هي التي تفرض عليكم التعليق عليها دون إدارتها، و سياسة جدل اليوم تجعل القيادات و النخب غارقة في الأحداث اليومية دون أية رؤية تقودها أو تجعلها تخرج من أزمتها .. يا رجل: تحدثنا عن تصورات إستراتيجية، و أحداث اليوم هزمتكم، السيد أبوراس أنت محتاج أن تترك قراءة الكتب الصفراء في السياسة التي تجاوزتها الأحداث منذ نوفمبر 1989م عندما تهاوى حائط برلين، و بدأت بعده شعوب الدول الشرقية هجرتها إلي الغرب.. و الأمبريالية هزمت البعث في العراق و في دمشق و من قبل هزمت الناصرية في مصر، لذلك لم تعود شعارات تلك الفترات صالحة الآن.. خاصة أنكم كتيارات قومية و أيضا ماركسيين ارثوذكسيين لم تقدموا أية نقد لتلك التجارب و تجاربكم الخاصة، و حتى الذين اجتهدوا في التقديم قد تم فصلهم، لكي يبقى العقل الدوغمائي مسيطرا..
أن الأحزاب السياسية إذا لم تعيد قراءة مرجعيتها لكي تجعلها تتوافق مع شعارات الديمقراطية التي ترفعها، ستظل تعتمد على التكتيكات الخادعة لعضويتها و الجماهير، و الأحزاب التي ترفع شعارات الديمقراطية الآن و هي لا تمارسها داخل أحزابها تمارس الخداع و الغش على الجماهير.. أن العقل الذي يبني تصورات و هو غير قادر أن يبين الافتراضات التي أسس على ضوئها فكرة التصورات، سيظل على هامش العملية السياسية، و سيظل عاجز عن التحليل السليم لمجريات الأحداث.. و السؤال: لماذا أخذت حديث أبوراس مثالا في المقال؟ لأنه أكثر الذين تحدثوا في الندوة تجربة نضالية، و تجربة عريقة في الصراع داخل حزبه، و يجيد القراءة في مجلد " نضال البعث" الذي يحكي تجارب الصراع و الانقسامات في الحزب.. تراكم المعرفة و الثقافة السياسة عنده مؤسسة على الانقسامات و ليس على عملية البناء و النهضة..
أن العقل التقليدي في السودان يعاني حالة "موت سريري" لا يستطيع أن يتفاعل مع الأحداث، و غير قادر على إعادة قراءتها لكي يتعرف على الميكانزمات التي تحركها، و القوى الاجتماعية المؤثرة فيها، هو عقل جامد يحاول التشبث بالمصطلحات التي اسقطها الفكر السياسي الحديث، باعتبار أنها غير مؤثرة في المجرى العام للصراع داخل المجتمعات و بين الدول.. الأحزاب تحتاج إلي طليعة جديدة تمتلك عقل حر ليس عليه قيود، و لا يبني تصوراته على المصالح الخاصة للأفراد، و لا يردد شعارات لا يفهم هدفها، عقل قادر أن يفكر لكي ينتج أفكارا تساعده على عملية التغيير.. أن العقل التقليدي غير قادر على تفكيك أدواته القاصرة، و غير قادر على إنتاج أفكار جديدة تساعد على الحلول و النهضة، سيظل عقل أزمة و إنتاج أزمات.. نسأل الله حسن البصيرة

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • بحثا عن كنوز الأجداد.. ضبط 3 أشخاص ينقبون عن الآثار بالقاهرة
  • حزب الاتحاد يشارك في صالون لمناقشة المشاركة الفعالة في الحياة السياسية
  • انتحار العقل التقليدي و هزيمة الميليشيا
  • مخزومي: لضرورة تعاون الجميع لإزالة العوائق التي تعترض تشكيل الحكومة
  • صنعاء تطالب الامم المتحدة والمنظمات الدولية باحترام القوانين اليمنية 
  • في ندوة بجناح الأزهر بمعرض الكتاب.. القرآن معجزة خالدة تُدرك بالبصيرة
  • وزير الخارجية: على الأمم المتحدة احترام سيادة اليمن والتزام القوانين الوطنية
  • القيب: ضرورة تجويد البرامج الأكاديمية ودعم البحث العلمي بجامعة الزاوية
  • كنوز الحرف اليدوية لسفارة البيرو بقاعة صلاح طاهر فى الأوبرا
  • الأبناء السفلة