موسكو- أضحت العلاقات الروسية الأرمينية على أعتاب تدهور تاريخي وغير مسبوق، بعد سلسلة تصريحات واتهامات متبادلة بين مسؤولين من البلدين، شكلت محط متابعة دقيقة من قبل المراقبين الروس لما لها من تداعيات خطيرة محتملة على ضوء الأوضاع الحساسة في الفضاء السوفياتي السابق عموما، والحرب مع أوكرانيا، والتجاذب الروسي مع الغرب بشكل خاص.

وقدمت الحكومة الأرمينية إلى البرلمان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للتصديق عليه، ما يعني أن قراراتها ستكون ملزمة للجانب الأرمني، بما في ذلك مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي أصدرتها المحكمة في مارس/آذار الماضي.

بوتين (يسار) خلال لقائه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في يريفان (شترستوك) نهاية شهر العسل

واعتبر مراقبون روس أن ذروة الخطوات الأرمينية غير الودية تجاه موسكو جاءت مع إعلان يريفان نيتها إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، وتعيين الممثل الدائم السابق للبلاد لدى منظمة معاهدة الأمن الجماعي سفيرا لدى هولندا كخطوة اعتبرها عضو مجلس العلاقات الخارجية التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، رسالة مفادها بأن أرمينيا تسعى إلى التوجه نحو الغرب.

وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان خلال مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية "لا ينبغي لأرمينيا أن تعتمد فقط على روسيا في بناء الأمن الإستراتيجي، فقد تذوقت البلاد بالفعل الثمار المرة بفعل هذا الخطأ".

وأضاف أن "يريفان اعتمدت بنسبة 100% تقريبا على موسكو، لكن اليوم روسيا نفسها تحتاج إلى أسلحة، ومن الواضح أنها لن تكون قادرة على توفير احتياجات أرمينيا".

ولطالما لعبت العلاقات الروسية الأرمينية دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والإستراتيجية لكلا الجانبين في جنوب منطقة القوقاز. وتتمركز قاعدة عسكرية روسية في أرمينيا، ويحرس حرس الحدود الروسي حدودها مع تركيا وإيران، كما تعد أرمينيا عضوا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، إضافة إلى أن روسيا تعد المستثمر الرئيسي في أرمينيا بقيمة بلغت نحو 4 مليارات دولار منذ بداية عام 2015.

دور وظيفي

وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر أندريه زايتسيف، الخبير في شؤون جنوب القوقاز، أن خطوات أرمينيا في اختبار صبر روسيا غير مقبولة بالنسبة للعلاقات التي كانت توصف قبل وقت قصير بالتحالفية مع موسكو، وتشكل دليلا واضحا على أن القيادة الأرمينية تريد قطع العلاقات معها.

وقال زايتسيف إن توجهات رئيس الوزراء الأرميني باشينيان الغربية ليست سرا كبيرا، موضحا أنه نشأ صحفيا وسياسيا بمساعدة مؤسسات وجهات غربية، وعندما كان معارضا طالب بانسحاب أرمينيا من الهياكل التكاملية التي أنشأتها روسيا.

وأضاف المتحدث ذاته، أن الرئيس بعد وصوله إلى السلطة تراجع شكليا عن هذه المطالب، وكان ينظم هذا الخروج، وأقدم على تطهير السلطات الأرمينية من عدد كبير من السياسيين والعسكريين الموالين لروسيا، وطور العلاقات مع "الشركاء" الغربيين، ودعم القوى والحرب الإعلامية المناهضة للكرملين، وفق تعبيره.

ونوه زايتسيف بوجود تقصير من جانب موسكو في التعامل مع المنظمات المدنية، في الوقت الذي نجحت فيه المنظمات غير الحكومية الغربية في استمالة شرائح واسعة من الأرمن، وهو ما ظهر بشكل جلي في تأييد 54% من الناخبين في أرمينيا لباشينيان المعادي للروس.

وحث زايتسيف موسكو على سحب الذرائع، والشروع بالمفاوضات المباشرة مع القيادة الأرمينية، لضمان مصلحة الطرفين، وقال "إذا خسرت روسيا حليفتها في جنوب القوقاز، فسيكون من الصعب عليها التأثير في هذه المنطقة بأكملها".

العلاقات الروسية الأرمينية لعبت دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والإستراتيجية لكلا الجانبين في جنوب منطقة القوقاز (شترستوك) أوراق ضغط

من جهته أوضح الكاتب السياسي أوليغ كازاكوف، أن إطلاق أرمينيا إجراءات التصديق على نظام روما الأساسي بدأ قبل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يعطي يريفان سببا للادعاء بأن هذه الإجراءات ليست موجهة ضد روسيا، بل فقط لتقديم ممثلي القيادة الأذربيجانية إلى العدالة؛ بسبب ما تعتبره انتهاكات من جانب باكو.

وشدد كازاكوف على أن ذلك لن يساعد أرمينيا بأي شكل من الأشكال في مواجهتها مع أذربيجان، معتبرا أن المحكمة ليس لديها أي سلطة، ولن تتخذ أي قرارات ضد أذربيجان، مرجعا ذلك لكون باكو لها حقها الكامل في إقليم قره باغ، ومن ثم فإن محاولة يريفان ممارسة المزيد من الضغط على أذربيجان باستخدام "هراوة" المحكمة لا تملك فرص وآفاق النجاح.

ونفى الكاتب السياسي أن ترد روسيا فعليا على التصديق على النظام الأساسي، واستطرد بالقول إن العلاقات بين البلدين سوف تتقوض بشكل لا رجعة فيه، لأن موسكو لن تتسامح مع الضغوط المباشرة، وفق رأيه.

ولفت كازاكوف إلى أن أرمينيا خسرت ملف إقليم قره باغ، مؤكدا أن روسيا والحلفاء الغربيين غير قادرين على التأثير على هذه العملية بأي شكل من الأشكال.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الخلافات بين وزراء ائتلاف نتنياهو ورئيس الأركان زامير تطفو على السطح

بعد أقل من خمسين يوم على تعيينه، ظهر الخلاف بين قائد جيش الاحتلال آيال زامير ووزراء حكومة اليمين خلال مناقشاتها الأخيرة، وتحديدا بالنسبة لمستقبل العدوان على غزة.

وبدا واضحا بحسب محللي الاحتلال، من خلال الجلسات أن زامير هو الشخص الأقوى في دولة الاحتلال اليوم، فلا يمكن طرده، وهذا ما يكتشفه الوزراء الآن، لأنه أعلن أمام القيادة السياسية أنه ينوي التعبير عن رأيه المهني، وسيعبّر عنه في كل مكان، وفي هذه الحالة فهو يعمل كمستقل يتمسّك برأيه.

نير دفوري الخبير العسكري في القناة 12، أكد أنه "رغم التهديدات التي وجهها بعض الوزراء نحو زامير بسبب عدم توافقهما حول حرب غزة، لكنهم لا يملكون القدرة الحقيقية على إقالته من منصبه، لأن الكلمات التي أعلنها في هذه الاجتماعات الحكومية تعزّز الحجج التي ساقها سلفه المستقيل هآرتسي هاليفي، رغم تعرّضه بسببها لانتقادات شديدة من قبل القيادة السياسية، لأنه اعتقد هو الآخر خطأ قيام الجيش بتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة".

وأوضح في مقال ترجمته "عربي21" أن "الوزراء الذين يحاولون انتقاد زامير لم يأخذوا في الاعتبار سياسته العسكرية الجديدة، لاسيما وهو يرسل جنوده للقتال الضاري في غزة، وحين يجلس في الطابق الرابع عشر على كرسي رئيس الأركان ينظر للأمور بجدية أكثر من باقي الوزراء، الأمر الذي دفعهم، وبعد ساعة فقط من تهجّمهم عليه، للاستسلام أمامه بالفعل، وهو ما توافق معه وزير الحرب يسرائيل كاتس الذي أكد في محادثات مغلقة معارضته لإقامة حكم عسكري في غزة".

وأشار أن "من واجب المستوى المهني في الجيش وجهاز الشاباك عرض رأيه وتوصياته المهنية في كل أمر على المستوى السياسي في المناقشات الداخلية، وهذا واجبهم ومسؤوليتهم، ويمكن للقيادة السياسية أن تستمع، ثم تقبل أو ترفض أي قرار تراه مناسبا لتوجيه الجيش وفقا له، لكن دون التحدث بهذه الطريقة المهينة مع رئيس الأركان الذي يعرض رأيه المهني في مناقشة مجلس الوزراء، لأن هذا أمر غير مقبول، كما أن أسلوب بعض الوزراء يعتبر جزء من المشكلة أيضا".



وأشار إلى أن " بيتسلئيل سموتريتش وزير المالية، الذي قاد الهجوم على زامير، وبسبب وضعه السياسي، يبحث عمن يستطيع الصعود عليه لجمع المزيد من الأصوات، لكنه لا يدرك عمق المشكلة التي يواجهها، فهو لا يهاجم فقط من وافقت الحكومة بنفسها على تعيينهم، وهو هو من وافق على تعيين زامير قائدا للجيش، بل يهاجم جمهورا بأكمله يشكل قاعدة دعمه، لأن الجمهور القومي الديني الذي يدعي سموتريتش تمثيله ينضم لصفوف الجيش، ويدفع ثمنا باهظا في الحرب، أما هو فيقف بجانب الحريديم لإعفائهم من الخدمة العسكرية".

وأكد أن "مناداة بعض الوزراء بإقامة الحكم العسكري في غزة، ومعارضة الجيش وقائده لهذه الدعوات، تستدعي التوضيح أن أمرا كهذا يتطلب تكاليف باهظة، جزء أساسي منها حياة الجنود الذين سيطلب منهم القيام بذلك لمدة عام على الأقل، مما يجعله خيارا مكلفا للغاية، وينطوي على مخاطر غير ضرورية للجنود، يكاد يكون جميع الإسرائيليين يدركون هذا الأمر، وهو ما قاله زامير صراحة للقيادة السياسية أيضا".

مقالات مشابهة

  • شاب ينهي حياته شنقا في المرج بسبب الخلافات الزوجية
  • الكرملين: موسكو لم ترد علي أوكرانيا بشأن المفاوضات المباشرة مع روسيا
  • الصين تدعو الهند وباكستان إلى الحوار والتشاور لحل الخلافات
  • برج الحمل .. حظك اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025: تجنب الخلافات المالية
  • تعثر الحوار بين فتح وحماس ... لماذا يتجدد ؟
  • برج الميزان .. حظك اليوم الاثنين 28 أبريل 2025: حل الخلافات القديمة
  • الخلافات بين وزراء ائتلاف نتنياهو ورئيس الأركان زامير تطفو على السطح
  • ماتفيينكو: تعاون روسيا وجنوب إفريقيا في إطار “بريكس” يعزز الشراكة بين البلدين
  • روسيا تعلن اعتقـ.ـال مشتبه به في اغتيـ.ـال الجنرال موسكاليك قرب موسكو
  • فجوة في مشاركة الآباء بتشخيص ورعاية الأطفال أصحاب الهمم