د. رشا سمير تكتب: محكى القلعة وصناعة الحُلم
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
كان فى زيارة لمنطقة القلعة، بصفة الفنان والإنسان وليس بصفة المسئول، وقتها حاول القائمون على المنطقة منعه من تفقد منطقة المحكى، لأنها كانت عبارة عن بقايا مستشفى إنجليزى، وكان بها عربات مكهنة وخردة فى كل مكان، فكانت أقرب إلى مقلب قمامة وليس إلى منطقة تاريخية.
لم تثنيه محاولات منعه من الدخول، بل دخل وتفقد وتمنى.
قال للمسؤولين عن المنطقة بالحرف الواحد: «أريد أن أقوم بعمل مهرجان موسيقى فى هذا المكان».
إعتقد الجميع أنه يهذي، لكنه وعلى الفور قام بتكليف المهندس/عادل مختار بإنشاء مسرح كبير باسم محكى القلعة، أخبره أنه يريد مسرحين فى نفس المنطقة لإقامة مهرجان موسيقى سنوى كبير هدفه إدماج كافة أطياف الشعب المصرى، الفقير مع الغنى، والمصرى مع الأجنبى، كل هذا تحت رعاية وزارة الثقافة، كان مأربه الوحيد أن تستشعر الأسر الفقيرة الموسيقى، وأن يمكنها حضور الحفلات التى تقام بألاف الجنيهات..بالفعل أقيم مهرجان محكى القلعة، الذى كان مثلما حلم وخطط له معالي وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني، لم تنتهي علاقة الوزير بالمهرجان بمجرد بناء المسرح، بل ألهم القائمين على إقامته، وسرب إليهم الشغف والحلم فسار الجميع على نفس الدرب وأصبحت الفكرة واقع، وتحول الواقع مع الوقت إلى نجاح..
كل هذا بسبب وزير لديه روية صائبة، وشغف بالفن والثقافة..
إن التغيير يا سادة لا يأتي من رأس مسئول خامل يجلس خلف مكتبه، بل هو رؤية إنسان يمتلك قلب شغوف قادر على صناعة القرار وتحويل الواقع بأقل الإمكانيات إلى نقلة حضارية.
مما لاشك فيه أن الثقافة والفنون هما الواجهة الحضارية لأي دولة..ومما لاشك فيه أيضا أن الدول لا تتقدم إلا لو أصبحت قوتها الناعمة هي صوتها المسموع..
شكسبير هو إنجلترا..فان جوخ هو هولندا..نجيب محفوظ هو مصر..فريدا كاهلو هي المكسيك..
مصر دولة تمتلك تاريخ وحضارة لا تمتلكهما أي دولة أخرى، دولة عمر الحجر فيها يروي ألف حكاية..
تذكرة دخول المهرجان بدأت بخمس جنيهات وانتهت إلى ستين جنيها، فكانت ولازالت في متناول البسطاء وأتاحت للجميع حضور هذا المهرجان..أما القيمة الفنية فهي الإبهار الحقيقي، أسماء لامعة في سماء الفن، لا يمتلك أي شاب أو شابة في هذه المنطقة الشعبية قيمة التذكرة التي قد تمنحه مقعدا في حفلات تلك الأسماء الكبيرة، لكن هذا المهرجان أصبح صوتا وملجأ لهم..فتحت القلعة أبوابها لهذه الطبقة البسيطة التي لم يكن الفن يوما من أولوياتها لأنهم يكدحون خلف لقمة العيش، إلا أن المهرجان دفعهم للإهتمام بالقيمة..للإنصات للكلمة..للخروج من دائرة الشقاء إلى دنيا النغمات..فهكذا هي الموسيقى ترتقي بالمشاعر وتهذب السلوك، وهو ما يحتاجه أبناء المناطق الشعبية.
إستوقفني هذا العام والأعوام السابقة الأسماء التي شاركت في المهرجان..عمر خيرت، لنا شماميان، هشام خرمة، كايروكي، فريق وسط البلد، علي الحجار، غالية بن علي، نسمة عبد العزيز، الفنانة اللبنانية عبير نعمة وغيرهم..
إن هولاء الفنانين لا يقدمون أغاني مهرجانات ولا أغاني شعبية، بل هم فنانون يقدمون فن راقي وله قيمة، فن من الجميل إستيعابه وترجمت نغماته إلى سعادة ورسالة حقيقية، وتلك هي المعجزة التي حدثت في تلك المنطقة الشعبية، إقبال على المهرجان، تواجد كثيف للشباب والكبار معا، حتى الشباب المصري الذي إتهمناه طويلا بأنه لا يبحث سوى عن الإسفاف والمهرجانات والزيطة، كان حاضرا، مستمعا ومستمتعا وهو ما يؤكد النظرية التي آمنت بها طويلا وناشدت بها كثيرا..علموهم!
التعليم والثقافة..التعليم والثقافة..التعليم والثقافة..فقط!.
الفن لا يجب فقط أن يعكس وجه المجتمع القبيح، بل رسالته الأهم هو النهوض بالمجتمع، تقديم الأفضل حتى تصبح تلك الصورة هي ما يبحث عنه الشباب ولا يرضى إلا به.
صورة البلطجي واللص والفهلوي وصبي العالمة صورة موجودة ولا يمكن إنكارها ولكن صورة عازف الكمان والفنان التشكيلي والروائي والفيلسوف صور أيضا تحتاج إلى أن نرويها ونجسدها لتتعلق بالأذهان..
إذا قدمنا للشباب صورة البلطجي لأصبح وقوفهم أمام دور العرض في العيد للتحرش بالفتيات مظهر لا يجوز الإعتراض عليه..وإذا قدمنا لهم قصة حياة مجدي يعقوب ومحمد عبد الوهاب لأصبحت مصر رحم يلد ألف فنان وألف طبيب.
أخيرا أتوجه بالشكر إلى دار الأوبرا المصرية على رعايتها لهذا المهرجان الفني القيم، وكذلك الشكر لوزارة الثقافة على كونها واجهة لهذا المهرجان..وكم أتمنى ألا تكتفي وزيرة الثقافة بأن تقف على مسرح القلعة لإفتتاح المهرجان، بل أدعوها لكي تفكر وتحلم وتخلق من كل الأماكن التي تزخر بها مصر ألف محكى آخر أسوة بالوزير الفنان فاروق حسني..فالحلم لا يجب أن يتوقف عند إنسان بل يجب أن يصبح عدوى تنتشر لتفتح كل الأبواب.
وشكرا من القلب لكل صُناع الحلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: هذا المهرجان
إقرأ أيضاً:
«مهرجان الفرجان» في دبي يستأنف فعالياته
دبي- «الخليج»
انطلقت فعاليات النسخة الرمضانية من «مهرجان الفرجان» والتي تأتي امتداداً للنسخة الثالثة من المهرجان الذي تنظمه «فرجان دبي»، المؤسسة الاجتماعية الهادفة إلى تعزيز التواصل الاجتماعي بين سكان الأحياء في دبي عبر المنصات الافتراضية، بالتعاون مع صندوق الفرجان وبلدية دبي، في حديقة مشرف الوطنية خلال الفترة من 13 إلى 22 الجاري.
يُعد مهرجان الفرجان بنسخته الرمضانية، أول مهرجان مجتمعي من نوعه يجمع كل الجيران سوياً بالتزامن مع شهر رمضان المبارك وما يتّسم به من أجواء احتفالية خاصة، إذ يُبرز أصحاب المشاريع المبتكرة والمواهب الفنية المميزة في أكبر حديقة في الإمارات، ضمن تجربة مجتمعية متكاملة تعكس روح دبي وقِيَمها، حيث يُمثّل المهرجان منصة تشاركية تتيح للأفراد والمشاريع الناشئة فرصة الظهور والتفاعل مع المجتمع في بيئة احتفالية مميزة.
أجواء مُبهجة
وأكدت علياء الشملان، مديرة فرجان دبي، أن مهرجان الفرجان بنسخته الرمضانية يُعد فرصة مثالية للأسر والعائلات من أبناء دبي لمشاركة الاحتفال بالشهر الفضيل وما يميّزه من نفحات روحانية وأجواء اجتماعية مُبهجة، إذ يُسلّط الضوء على الهوية الوطنية والموروث الشعبي ويدعم أصحاب المشاريع الناشئة، ويبرز المواهب المتنوعة، باعتباره منصة تعكس روح التلاحم المجتمعي التي تميز دبي.
وقالت: «حققت النسخة الثالثة من مهرجان الفرجان لهذا العام -والتي بدأت خلال شهر فبراير الماضي وتستمر خلال مارس الجاري- نجاحاً كبيراً عكَسَ قيمة التلاحم المجتمعي، حيث شهد حضور أكثر من 145 ألف زائر ومشاركة 28 مشروعاً منزلياً و203 مواهب وعروض، فضلاً عن وجود 30 مطعماً وكافيه وإقامة أكثر من 60 ورشة عمل بمشاركة 50 متطوعاً، لذلك ارتأينا أهمية تمديده خلال شهر رمضان بفعاليات إضافية مرتبطة بالشهر الفضيل».
وتابعت علياء الشملان: «صممنا مخطط المهرجان بكل تفاصيله بناءً على فكرة الحوي، الذي كان يمثّل قلب البيت، حيث جمعنا المطاعم والمحلات والمواهب في هذا الحويّ الذي يعكس روح تجمعاتنا، بهدف استعادة هذه الأيام وخلق أجواء مشابهة تعبّر عن الترابط والمحبة وتُجسّد هويتنا وعاداتنا بشكل جديد». ويتميز مهرجان الفرجان بنسخته الرمضانية ببرنامج متكامل يمتد على مدار 10 أيام ويضم مجموعة من الفعاليات التي تلبي مختلف الاهتمامات والفئات العمرية.
بوطبيلة بين الفرجان
ويُسلّط المهرجان الضوء على واحدة من أبرز العادات الشعبية التقليدية التي امتازت بها دولة الإمارات من خلال فعالية «بوطبيلة بين الفرجان»، حيث يشهد المهرجان عرضاً تقليدياً يُظهر التقاليد المحلية ويعزّز روح الجماعة والاحتفال. وعادة ما يتضمن العرض إيقاعاً من الطبول مع أناشيد وحركات رقص حيوية لمشاركين بأزياءٍ مُلوّنة، إذ يُعد جزءاً مميزاً من مهرجان الفرجان.
مسابقات ترفيهية
واستمراراً للمسابقات الترفيهية التي شهدها المهرجان خلال دورته الثالثة، يُقام خلال شهر رمضان العديد من الفعاليات المميزة ومنها: تحدي الجاكارو وسيكوينس وهي لعبة طاولة مشوّقة تجمع بين الاستراتيجية والحظ، إذ تضيف طابعاً تقليدياً وترفيهياً للمهرجان وتمنح الزوار تجربة تفاعلية ممتعة تعزز من أواصر التواصل الاجتماعي.
كما تُقام مسابقة دبي للطبخ الشعبي والتي يتنافس فيها متسابقون على تقديم أطباق متنوعة تمزج بين المأكولات التقليدية والحديثة.
ويعرض المشاركون أطباقهم أمام لجنة تحكيم متخصصة تقيّم الطعام والمظهر والإبداع، على أن يتم تكريم الفائزين بجوائز تقديراً لمهاراتهم وابتكارهم في المطبخ.