المُغيَّبون العراقيّون بين النسيان والحلول!
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
هنالك العديد من القضايا الشائكة والمُتشابكة في المشاهد السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة العراقيّة، ومن أبرزها تلك القضايا المُرتبطة بالإنسان وحياته وحرّيّته وكرامته ورزقه وصحّته. ومن هنا تأتي أهمّيّة تسليط الضوء على قضيّة المُغيَّبين لأنّها تتّصل بحياة الفرد المُغيّب ومصيره وتداعياتها المرتبطة بعائلة المفقود والمجتمع!
ولا نريد أن نسير على ذات الطريق المُمِلّ الذي يقتصر على التوصيف والتباكي السنوي على المعضلات الوطنيّة والإنسانيّة المرتبطة بمواطنين أبرياء اختُطفوا، وربّما قُتلوا بدم بارد، ودون السعي للتركيز على الحلول والمقترحات المعالجة لتلك القضايا الحساسة!
ونحن ملزمون بداية بذكر بعض الحقائق المتعلّقة بإحصائيات جرائم المُغيَّبين، وآخرها ما ذكرته منظّمة العفو الدوليّة (آمنستي) في الثلاثين من شهر آب/ أغسطس 2023، بمناسبة اليوم العالميّ للمفقودين والمختفين قسراً، بأنّ العراق يُعدّ أحد البلدان التي تضمّ أكبر عدد من المفقودين فيي العالم جراء أزمات متتالية تهزّه منذ عقود، ودعت إلى ضرورة الكشف عن مصيرهم المخيف والغامض!
المرارة الأكبر في قضيّة المُغيَّبين أنّ الحكومات العراقيّة لا تمتلك أيّ قاعدة بيانات كاملة، أو تقريبيّة، بخصوص أعداد المختفين قسرياً! بينما نجد "إشارات" للمأساة وبدرجات متفاوتة على الصعيد العالميّ
والمرارة الأكبر في قضيّة المُغيَّبين أنّ الحكومات العراقيّة لا تمتلك أيّ قاعدة بيانات كاملة، أو تقريبيّة، بخصوص أعداد المختفين قسرياً! بينما نجد "إشارات" للمأساة وبدرجات متفاوتة على الصعيد العالميّ، وآخرها تقرير لجنة الأمم المتّحدة المعنيّة بالاختفاء القسريّ في العراق يوم 25 نيسان/ أبريل 2023، والذي أكّد أنّ "بين 250 ألفا ومليون شخص اختفوا في العراق منذ 1968"! وهي إحصائية مطّاطيّة وهزيلة ولا يمكن التعويل عليها!
وهذا برأيي تسفيه لأرواح المُغيَّبين وعدم احترام لهم ولعوائلهم، وإلا ينبغي لمَن يريد حسم هذا الملف أن يدعو لتشكيل لجنة عراقيّة وأممية تقف على أعداد المُغيَّبين الدقيقة خلال المراحل السابقة!
وكذلك أكّد مركز جنيف الدوليّ للعدالة أنّ "عدد المفقودين منذ العام 2003 يُقدّر بنحو مليون شخص"! فهل يُعقل أنّ مليون عائلة تلتزم الصمت وتفرّط بمعرفة مصير أبنائها المفقودين بهذا الطريق المظلم الملغم؟
والعجيب أنّ رئيس حكومة بغداد محمد شياع السوداني لم يتطرّق لهذه المناسبة، ولو بتغريدة، وكأنّها غائبة من قاموس حكومته!
ومن الغريب أنّ البرلمان العراقيّ لم ينجح حتّى الساعة في تمرير قانون مكافحة الاختفاء القسريّ لأسباب متنوّعة، لكنّها بالمحصّلة تؤكّد أنّ قيمة الإنسان لا تُعادل التوافقات المتنوّعة بين الشخصيّات والكتل المشكِّلة للمشهد السياسيّ!
وسبق لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أن كشف، نهاية العام 2022، بأنّه "لا حلّ لموضوع المُغيَّبين إلا بتعويض ذويهم وإنصافهم"، وأنّ "المُغيَّبين يُمكن تسميتهم بالمغدورين"!
فمَنْ غدر بهم؟ وهل يمكن لأموال قارون أن تُنْسي الناس جرائم تغييب أولادهم وقتلهم؟
لقد كانت المعارك في محافظتي الموصل والأنبار وغيرهما مناسبة مخيفة لتغييب مئات الأبرياء، وفقا لمنظّمة العفو الدوليّة، فيما تقول مفوّضبة حقوق الإنسان السابقة في العراق إنّ سبعة آلاف شخص اختفوا في الفترة من 2017-2019، بينما يُشير المرصد العراقيّ لحقوق الإنسان إلى أنّه تلقى 11 ألف بلاغ عن مغيّبين عراقيّين!
وأمام هذه الإحصائيات المذهلة والمؤكِّدة بأنّ العراقيّين يتصدّرون دول العالم في أعداد المُغيَّبين نتساءل:
- لماذا هذا الصمت القاتل لغالبيّة عوائل المُغيَّبين؟
- ولماذا لم نرَ لعوائل المُغيَّبين تجمّعات أسبوعيّة أمام مكتب الأمم المتّحدة ببغداد، والوزارات ذات العلاقة، ومجلس النوّاب؟
- ألا يفترض أن نجد تفسيرا للصمت الشعبيّ، ونحن نتحدّث عن مئات آلاف المُغيَّبين؟
- وكيف نفسّر هذا الصمت والتجاهل لضياع الإنسان بينما نرى الناس في دول أخرى ينشرون الإعلانات في الصحف والشوارع لفقدان قططهم أو كلابهم؟
- فهل صَمَتوا خوفا من تهديدات وملاحقات قانونيّة قد تُضيعهم هُم أيضا؟
- وهل هنالك أمْر ما خلف الستار دفعهم للصمت والاستسلام وتجاهل مصير المُغيَّبين؟
أسئلة كثيرة بلا إجابات شافية، ولا ندري مَنْ المُفترض أن يجيب عليها؟
وكانت وزارة العدل العراقيّة قد ذكرت بداية آذار/ مارس 2022 أنّها عقدت اجتماعا "لتفعيل الخطّة الوطنيّة الاستراتيجيّة للحقّ بمعرفة الحقيقة عن مصير المفقودين"!
فكيف سيُحسم ملفّ المُغيَّبين، والوزارة لم تُعلن حتّى الآن أيّ نتائج لخطّتها الوطنيّة؟
يُفترض تشكيل لجنة وطنيّة ودوليّة محايدة تسعى لحسم هذا الموضوع الدقيق بعيدا عن الاتّهامات المُسبّقة، ومعرفة مصير المُغيَّبين، وإنصاف ذويهم، وتقديم جميع الجناة للعدالة، وإلا فإنّ هذا الملفّ بركان قاتل سينفجر في أيّ لحظة
والغريب أن مَن يتناول موضوع المُغيَّبين في الصقلاوية وجرف الصخر وبزيبز وغيرها يُتّهم بالإرهاب، أو بدعمه، وهذه معادلة ظالمة يفترض الكفّ عنها والقبول بالأمر الواقع والمتمثّل بحصول عمليّات انتقام مُمَنهجة من بعض الأشخاص والقوى المالكة للسلاح، وبالتالي محاولة التهرّب من هذه المسؤولية القانونيّة والأخلاقيّة والشرعيّة سيزيد من تعقيد هذا الملفّ المعقّد أصلا!
ومِن أخطر نتائج قضيّة المُغيَّبين فضلا عن مصيرهم المجهول هو أنّ بعض عوائلهم تَدور، ومنذ سنوات، في دوّامات قاتلة، وهم يبحثون عن ذويهم وسط دهاليز السجون العلنيّة والسرّيّة المظلمة!
يُفترض تشكيل لجنة وطنيّة ودوليّة محايدة تسعى لحسم هذا الموضوع الدقيق بعيدا عن الاتّهامات المُسبّقة، ومعرفة مصير المُغيَّبين، وإنصاف ذويهم، وتقديم جميع الجناة للعدالة، وإلا فإنّ هذا الملفّ بركان قاتل سينفجر في أيّ لحظة، وحينها لا ينفع الندم!
سياسات تغييب الناس وتضييع أثرهم لا تساهم في نشر السلم المجتمعيّ وبناء الوطن، وهي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم!
twitter.
com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق المفقودين العراق اختطاف الإرهاب مفقودين معتقلين مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الملف أعداد الم العراقی ة مصیر الم
إقرأ أيضاً:
مراهق يعاني من النسيان بعد 3 دقائق.. أصغر مصاب بالزهايمر يغير فهمنا للمرض
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في حادثة أثارت اهتمام الأوساط الطبية عالميًا، تم تشخيص شاب صيني يبلغ من العمر 19 عامًا بمرض الزهايمر، ليصبح بذلك أصغر شخص يُسجل إصابته بهذا المرض في العالم، حسب دراسة نشرها فريق من علماء الأعصاب في جامعة العاصمة الطبية ببكين عام 2023، على موقع Science Alert.
وبدأت الأعراض لدى المراهق في سن 17 عامًا، حيث لاحظ تراجعًا كبيرًا في القدرة على التركيز وفقدانًا مستمرًا للذاكرة قصيرة المدى، ما أثر سلبًا على تحصيله الدراسي، وعندما خضع للفحوصات في عيادة للذاكرة، كشفت الصور عن انكماش في منطقة الحُصين - المسؤولة عن تكوين الذاكرة وتخزينها.
فهم جديد للزهايمر لدى الشبابعادة ما يُعتبر مرض الزهايمر من أمراض الشيخوخة، إذ يصيب نسبة تصل إلى 10% من الأشخاص فوق سن 65 عامًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. لكن التشخيص الأخير يثير التساؤلات حول آليات المرض وتطوره لدى الأشخاص تحت سن الثلاثين. ووفقًا لما ذكره المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (NCBI)، فإن 95% من حالات الزهايمر لدى الأشخاص الأصغر من 30 عامًا تكون ناجمة عن طفرات جينية محددة مثل PSEN1، والتي تؤدي إلى تراكم بروتينات غير طبيعية في الدماغ، تسبب بدورها انحلال خلاياه، ومع ذلك، لم تُظهر الفحوصات أي طفرات لدى الشاب، مما يضع حالته ضمن الغموض الطبي.
تأثير غاز الإيثيلين على الدماغووفقًا للأطباء، لم تظهر العائلة أي سجل وراثي للخرف، ولم يعاني الشاب من إصابات دماغية أو أمراض تؤدي لهذا التدهور، الأمر الذي دفع الباحثين للتساؤل حول دور عوامل أخرى في تطور الزهايمر. ولإطالة عمر خلايا الدماغ، وجد باحثون في جامعة كاليفورنيا أن المواد الكيميائية المرتبطة بضعف نقل الإشارات العصبية - مثل الإيثيلين المتسبب في نضج الفواكه - تؤثر في بعض حالات تدهور الإدراك.
تقدير التحديات المستقبليةكتب عالم الأعصاب جيان بينغ جيا، الذي ترأس الدراسة، في بيان نشرته South China Morning Post: "يُعيد تشخيص هذا الشاب تفكيرنا حول مرض الزهايمر، ويفتح باب الأبحاث حول الأسباب الأخرى التي يمكن أن تسبب فقدان الذاكرة عند صغار السن". ويؤكد العلماء أن استكشاف أسباب الإصابة بهذا المرض لدى الشباب قد يصبح أحد أصعب التحديات العلمية خلال العقد القادم، ويمثل حالة الشاب الصيني تحدياً مستقبلياً لإيجاد طرق علاجية جديدة قد تمنع تدهور الدماغ.
تشير هذه الدراسة المثيرة إلى ضرورة النظر إلى مرض الزهايمر كظاهرة متعددة الأبعاد لا تقتصر على كبار السن فقط