رأي كمران بخاري الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية لمنطقة أوراسيا (مكونة من دول بقارتي أوروبا وآسيا) أن ضعف روسيا المتزايد - لاسيما منذ غزوها لجارتها أوكرانيا- سوف يخلف عواقب وخيمة في جناحها الجنوبي المتمثل في البحر الأسود ومنطقة القوقاز.

جاء ذلك في تحليل نشره بخاري بموقع جيوبوليتيكال فيوتشرز، وترجمه الخليج الجديد.

وتوقع بخاري أن يتزامن تراجع قدرة روسيا على إبراز قوتها في البحر الأسود ومنطقة القوقاز، مع قيام تركيا – رغم مشاكلها السياسية والاقتصادية الداخلية التي تثقل كاهلها حاليًا- بملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه تراجع البصمة الروسية.

اعتراف علني

وأوضح بخاري أن تراجع النفوذ الروسي في منطقة القوقاز، حظي باعتراف علني من قبل رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في مطلع الشهر الجاري.

وقال بخاري في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية إن روسيا فشلت في ضمان أمن بلاده في مواجهة عدوانية أذربيجان المتزايدة، ونتيجة لذلك أصبحت للأخيرة اليد العليا منذ أواخر عام 2020 في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها.

وردا على هذه المزاعم، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إن بلاده لا تزال "الضامنة للأمن" في المنطقة.

كما أصر بيسكوف على أن موسكو لعبت دورًا ثابتًا في تحقيق الاستقرار في المنطقة وستواصل القيام بذلك.

وبشكل منفصل، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تعليقات باشينيان بأنها "خطاب عام يقترب من الوقاحة"، وقالت إنه بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين، يجب على الأرمن تحمل مسؤولية أفعالهم.

وذكر بخاري أن تعليقات بشأن روسيا رئيس الوزراء الأرميني كانت غير عادية، خاصة بالنظر إلى أن يريفان كانت منذ فترة طويلة حليفًا وثيقًا لموسكو وتعتمد على الكرملين في أمنها ورفاهها الاقتصادي.

كما كان رد فعل روسيا معبراً بنفس القدر، وعكس مدى الضعف الذي وصل له نفوذ موسكو على الأقل في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وكليهما جمهوريتين سوفييتيتين سابقتين حافظتا على علاقاتهما جيدة مع روسيا.

وأوضح باشينيان عدم قدرة موسكو على توفير أمن أرمينيا نتيجة انشغال الكرملين بالحرب الأوكرانية.

ولكن الحقيقة هي أن الوضع في جنوب القوقاز يسبق الصراع في أوكرانيا.

رهان صائب

وفي صيف عام 2020، اندلع القتال بين أذربيجان وأرمينيا حول ناجورنو كاراباخ مرة أخرى.

واستعادت أذربيجان الأراضي التي كانت أرمينيا قد سيطرت عليها منذ نهاية حرب ناجورنو كاراباخ الأولى، التي انتهت عام 1994.

وبدعم عسكري واستخباراتي من حليفتها تركيا، تمكنت أذربيجان من إحداث انعكاس كبير في ميزان القوى الإقليمي.

واستغل الأتراك فرصة الانفتاح فيما كان يعتبر بلا شك جزءًا من مجال النفوذ الروسي.

وذكر بخاري أنه على على مدى عقود من الزمن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظلت موسكو بمثابة الضامن الأمني للمنطقة ــ وهو ما يفسر لماذا ظل صراع ناجورنو كاراباخ مجمداً لصالح أرمينيا لمدة ربع قرن من الزمان.

ورأت تركيا وأذربيجان فرصة في تركيز روسيا على جارتها الغربية منذ الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا في كييف في فبراير/شباط 2014.

أدركت أنقرة وباكو أن موسكو مشتتة ومن غير المرجح أن تتدخل في ناجورنو كاراباخ - على الرغم من حقيقة أنها كانت لديها، ولا تزال، قوات متمركزة في المنطقة.

وأتى هذا الرهان بثماره، عندما تصاعد القتال في عام 2020، إذ كان أقصى ما يمكن للروس فعله هو الإشراف رسميًا على وقف الأعمال العدائية في وقت لاحق من ذلك العام.

وفي المقابل لم تكن عملية حفظ السلام الروسية، التي بدأت في أعقاب الصراع في عام 2020، فعالة لأن موسكو كانت تستعد بالفعل للحرب في أوكرانيا، والتي اعتقدت أنها ستعزز موقفها بالنسبة للغرب أو على الأقل تمنع المزيد من تراجع نفوذها.

وبعد مرور تسعة عشر شهراً على غزو أوكرانيا، يجد الروس أنفسهم في موقف أضعف بكثير نظراً للأداء المروع للقوات الروسية على الأرض، إضافة للخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية، ومؤخراً، الاقتتال الداخلي داخل الكرملين الذي تجسد في أزمة تمرد مؤسس فاجنر.

استراتيجية جديدة

وعلى الرغم من أن رئيس وزراء أرمينيا لم ينتقد روسيا علنا إلا مؤخرا لكنه كان يراقب الروس وهم يتخبطون منذ فترة.

وتظهر تعليقاته أنه يدرك أن بلاده لم تعد قادرة على الاعتماد على روسيا وأنه يحتاج إلى استراتيجية جديدة.

كما يدرك باشينيان أنه على الرغم من اعتراف الولايات المتحدة رسميًا في أبريل/ نيسان 2021 بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 على يد الإمبراطورية العثمانية، فإن واشنطن لم تفعل سوى القليل جدًا لتحدي التحالف التركي الأذربيجاني في جنوب القوقاز.

اقرأ أيضاً

موجة هجمات روسية أوكرانية في البحر الأسود.. ماذا تعني؟

وفي الواقع، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المصالح الأمريكية والتركية تتقارب، لا سيما في ضوء الوضع في أوكرانيا.

ولهذا السبب، يحاول باشينيان حاليا العمل مع الأتراك - رغم وجود معارضة في الداخل لهذا التوجه- لعزل بلاده عن أذربيجان التي تزداد حزماً.

ووفق بخاري فإن الأرمن ليسوا الوحيدين في المناطق القريبة من روسيا الذين يدركون التحولات الجارية على الأرض.

وذكر أن جورجيا أيضا تراقب الوضع عن كثب، ولديها الكثير من الأمور على المحك مع وجود القوات الروسية في المنطقتين الانفصاليتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

وأوضح بخاري أن حدوث أي إضعاف إضافي للقدرات والنفوذ الروسي قد يسمح لجورجيا باستعادة السيطرة على هاتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

ومع وجود علامات على التقارب المتزايد بين أنقرة وتبليسي، فمن المؤكد أن جورجيا لن ترفض مساعدة تركيا إذا عرضت عليها.

البحر الأسود

ووفق بخاري إن تركيا تركز في الوقت الحالي على الاستفادة من الصراع الأوكراني؛ لتعزيز نفوذهم في حوض البحر الأسود الشمالي، الذي استولى عليه الروس من الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر.

ومنذ عام 2014، عارض الأتراك ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي ينحدر سكانها من أصول تركية.

وفي الآونة الأخيرة، كان دور أنقرة في التوسط في صفقة حبوب البحر الأسود المتوقفة الآن بين روسيا وأوكرانيا وجهودها لإحيائها جزءًا صغيرًا ولكنه أساسي من استراتيجية تركيا هنا.

وخلص بخاري إلي أنه في نهاية المطاف، يسعى الأتراك إلى إعادة ترسيخ قيادتهم في مجال نفوذهم السابق على حساب روسيا.

اقرأ أيضاً

لماذا تتجنب تركيا التصعيد ضد روسيا في البحر الأسود؟

المصدر | كمران بخاري/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا روسيا الغزو الروسي لأوكرانيا البحر الأسود ناجورنو کاراباخ فی البحر الأسود عام 2020

إقرأ أيضاً:

تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية

أعلنت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية، ماهينور أوزدمير غوكتاش، بعد اجتماع مجلس الوزراء عن بشرى سارة للشباب المقبلين على الزواج، حيث سيتم تقديم خصومات خاصة لتلبية احتياجاتهم من الأثاث، والأجهزة الكهربائية، والمفروشات، وأدوات المطبخ. وقد تم تحديد أسماء الشركات التي ستقدم خصومات تصل حتى 35%. إليكم التفاصيل…

وخلال كلمتها في برنامج تقديم بروتوكولات الخصومات لصندوق الأسرة والشباب الذي أُقيم في مقر الوزارة، أكدت الوزيرة غوكتاش أن هذا التعاون يشكل دعماً مهماً للشباب المستفيدين من صندوق الأسرة والشباب، مضيفة:

“نحن سعداء بالمساهمة في تأسيس بيوت جديدة وحيوات جديدة. وبهذا البروتوكول الذي سنوقعه بعد قليل، ستقدم 20 شركة خصومات خاصة للشباب المقبلين على الزواج. أشكر كل الشركات على دعمها، وأتمنى أن تكون هذه الحملة مباركة.”
وشددت غوكتاش على أهمية الأسرة قائلة:

“الأسرة هي جوهر وقيمة تكوّن كياننا. والحفاظ على هذا الجوهر هو أعظم استثمار لمستقبلنا.”

وأشارت إلى أن عام 2025 قد أُعلن عنه “عام الأسرة” كبداية لمسار جديد.
كما ذكّرت بتصريح الرئيس رجب طيب أردوغان حول تعميم مشروع دعم الشباب المقبلين على الزواج في جميع ولايات تركيا، موضحة أن استقبال الطلبات بدأ بالفعل من مختلف أنحاء البلاد.

“دفعنا 1.1 مليار ليرة لـ15 ألف شاب”
وأضافت غوكتاش أن عدد المتقدمين للمشروع بلغ حتى الآن 98 ألف زوج، موضحة:

“قمنا بتقديم خدمات التدريب والاستشارات الأسرية لـ55 ألفًا و296 شابًا، كما دفعنا حتى الآن قروضًا بقيمة 1 مليار و147 مليون ليرة لـ15 ألفًا و304 مستفيدين من صندوق الأسرة والشباب. وسنواصل صرف القروض للأزواج مع اقتراب تواريخ زفافهم.”
وأشارت إلى أن القطاع الخاص يساهم الآن في دعم الأزواج من خلال توفير خصومات على احتياجاتهم من الأثاث، والأجهزة المنزلية، والمفروشات، وأدوات المطبخ، حيث تتراوح نسب الخصم بين 5% و35% بالإضافة إلى الخصومات الحالية.

اقرأ أيضا

جولدمان ساكس يوصي بالذهب: السعر قد يرتفع إلى مستويات تاريخية…

الأربعاء 30 أبريل 2025

خصم عبر كود من بوابة الحكومة الإلكترونية (e-Devlet)
وأوضحت الوزيرة أن المحافظات والبلديات ستواصل تقديم الدعم للشباب محليًا من خلال التعاون مع الشركات المحلية، مضيفة أن بعض البلديات ستوفر قاعات الزواج مجانًا، بينما ستساهم بلديات أخرى في تقديم الأثاث.

مقالات مشابهة

  • نجل حفتر في موسكو بحث ملفات عسكرية وأمنية مع نائب وزير الدفاع الروسي
  • الكيمياء تفكك شفرة الذهب الأسود الذي حنط المومياوات المصرية
  • سيف بن زايد يلتقي في موسكو المدعي العام الروسي
  • "المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها
  • هل تعترف واشنطن بجزيرة القرم بأنها أرض روسية؟
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • مساعد الرئيس الروسي: محاولات لـ الناتو لتوسيع فرض الحصار البحري على روسيا
  • سيف بن زايد يلتقي وزير الداخلية الروسي في موسكو ويشهدان إطلاق الحوار الشرطي الاستراتيجي
  • سيف بن زايد يلتقي وزير الداخلية الروسي في موسكو
  • باحث إسرائيلي: تصاعد نفوذ تركيا في سوريا أمر غير سار لنا