سبق أن كتبت الاستشاري في منظومة مقالات متنوعة عن الإدارة والسياسة، وموضوع المقال هو خاص بحالة أو ظاهرة سلوكية تنتشر في عالمنا المتخلف فتزيده تخلفا.
فما يبدو واضحا وعبر قرون طويلة من الكفاءة العالية لمنظومة تنمية التخلف؛ أن البناء العربي ليس متوجها نحو الدولة بأبسط معانيها وليس الدولة الحديثة بغض النظر عن تفاصيلها، وإنما يتجه البناء في بلادنا نحو الأمجاد الزائفة والإنجازات الوهمية، ولو أتيح للممدوح فرصة من المادح لتساءل أين هذه الإنجازات؟!
تعظيم الأشخاص وتأليههم حتى لو دمروا البلاد وأهانوا العباد هي صفة البارزين بالتغلب، وهم غير مؤهلين ليكونوا رجال دولة بل سلطات عمياء غاشمة ظالمة غالبا أو ضعيفة الثقافة والأداء.
ومن الطبيعي أن يستطيب "المسئول" من الفئة الموصوفة أعلاه الأمر، فالمناصب تستثير غريزة حب السيادة ليطغى بها المادحون، فما بالك بالتضليل الذي يمارسه من يختارون كاستشاريين للحاكم التنفيدي بالذات عندما تصبح مهمتهم تبرير الفشل بل التجاوز لمدح الفشل وزخرفته، ووصفه بأوصاف تتناسب مع الوهم الذي يصنعونه خصوصا إن وجدوا أنفسهم بلا عمل حقيقة فيتبارون في إبراز أنفسهم بمهلهل التعبير ما يقارب من النفاق.
"المستشار مؤتمن" حديث ورد في سنن أبي داود، وهو يدل على ضرورة صدق النصح وفي ذات الوقت أن المستشار لا يأتيه سوء من استشارته ولا يظلم بل هو رأي يعين به صادقا متخذ القرار، والمستشار يحمل قيمة أخلاقية (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ)، لكن الفساد وحب الدنيا وتشويه القيم عمّ البلاد والعباد وشوّه معنى المستشار، فالمستشار أضحى يداهن ويجامل ويبرر ويقلب الحقائق وهكذا تغيب الأمانة، ومهمته بأن يشير على نفسه ويصنع الواجب كما سناتي إليه.
غبش المهارات الصحفية:
هنالك مهارات مؤجرة كبعض الصحفيين ممن لديهم مهارات التزيين والتليين، وهذا الصحفي المبالغ في مدح المسئول لم يفهم دوره هو إحباط الإشاعات وليس القول عن الأبيض أسود، فهذا زيادة في فقدان الثقة ودعم للإشاعات لأن المصداقية تكون للملموس المحسوس وليس للافتراضي المتخيّل، وهنا تظهر المهارة في توضيح الحقيقة وهي الصفة الإعلامية، واستخدام المهارة في إطلاق تفكير الجمهور نحو التفكير بدعم المسئول للتغلب على المشكلة. النفاق ليس مهارة بل صفة مضرة وسيئة، والمنافق عبد مصلحته لا يكون المسئول الذي يمتدحه بالنسبة للمنافق إلا درجة سلم يرتقي عليها إلى مكان أعلى.
إذن المهارة هنا بتوضيح الأمر للجمهور ودفعه إلى المشاركة في الحل وليس التضليل للجمهور وتضليل المسئول أيضا بما لا واقع له.
تغطية الفشل في ذهن المسئول كتغطية حفرة مليئة بأسنّة قاتلة وتقول الانتهازية له تقدم فوق بساط العز؛ وما أكثر نافخي الكير في بيئة منظومة تنمية التخلف وقادتها.
خبراء الزيف:
عندما يبدع شخص في تشويه الحقيقة أو تزوير مستندات أو غش في عمل ومقاولات، أو تبرير وجوده بلا فعل حقيقي إلا ما يستفيد هو منه شخصيا، وعندما تراهم يخدعون الناس بادعائهم نظرا لجهل هذه الناس أو أنهم يستفيدون من مهارات هؤلاء وتجنيدهم لأعمال الفساد، هؤلاء في العموم من أسميهم "خبراء الزيف". هم إذن خبراء في الحفاظ على مكاسبهم وعلى منافعهم حين لا أهمية لمهارة حقيقية وحقيبة علم تضع صاحبها بمكانة مستشار.
ما العيب في هؤلاء الخبراء؟
هؤلاء الخبراء والمستشارون بشكل عام لا يحلون مشكلة ولا يهتمون بحل مشكلة بل يهتمون بالمشاكل كسبب لمنافعهم، خطر هؤلاء يكمن في أمر مهم وهو إزاحة ومنع ظهور أصحاب الخبرة وتسفيه العلماء والعارفين، وتضليل الجاد من المسئولين بإساءة وصف وسمعة من يستطيع تقديم الحلول إما بوصفه أنه يثير المشاكل أو أنه مزايد يدعي العلم.
مستشارو كبار المسئولين أكثر خطورة، فواجب هذا المستشار استخدام خبرته في إيجاد الحلول وتحليل المعلومات وبناء خطط بعيدة المدى على التحليل وحلول آنية، والحديث بعلمية لتجنيب البلاد الكوارث الاقتصادية والمالية والحروب، وليس تزيين الحال ورمي الفشل على المواطن أو الزمن أو الظرف أو أي من المعوقات، لأنه موجود لإزالة هذه المعوقات وإلا إن كانت الأمور على ما يرام أو تحتاج حرب أو سب وشتم، فهذا ليس من واجبات المستشار، فهنالك جهات رسمية وغير رسمية تقدم التقارير وتحدد المهام، بل واجب المستشار أن يتواصل مع الوزراء التنفيذيين إن كانوا تنفيذيين أو المفوضين إن كانوا مفوضين وبما تقتضي مهمته، والسفر للقاء مسئولين من دول أخرى بصفته لتذليل الصعاب وإيجاد الحلول ثم ترتيب كل الأمور لتوقيع اتفاقيات أصلا دخلت التنفيد بخطط أوجدها أو حلول استخلصها من خلال التنسيق والإنضاج لهذه المشاريع التي هي حلول حقيقة للمشاكل، بدل التضليل بسبب العجز والكسل ووضع المنفعة الشخصية فوق الواجب والقول إن كل شيء على أفضل ما يرام.
ومن الخيانة الخفية؛ نفاق الخبير عندما يخالف ما يعرف من صواب والتغاضي عن ضرر الأمة من أجل مصلحة عابرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات النفاق السلطة النفاق النصيحة الاستشارة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
متى يعود النادي السياسي من رحلة التيه؟
للسودان رصيد سياسي ونضالي، ظل يتكئ على بذرة مشروع مقاومة، أسس له أسلاف وطنيين، لم تنجح سنوات الانحدار الطويل في تبديده، ولكنه تعرض لعقاب قاس في السنوات الأخيرة على يد أبنائه وآخرين.
من ثم فإن حرب ١٥/ابريل ستكون طريقاً مؤلماً معبداً بالدماء والتضحيات ليعود السودان من رحلة التيه الى ابنائه ومحبيه .
التاريخ ليس صدفة، وأحداثه ليست خبط عشواء، ولكنه بين منتصر و مهزوم، وبلا شك لم ينجو النادي السياسي القديم من اللحاق بركب المهزومين في حرب التغيير ، فقد سقطت شعارات ، وارتفعت اخرى، أفلت ايقونات وسطعت أخرى.
خلال عامين .. تغير وجه السودان ، فما بعد 2023 ليس كما قبلها على كل المستويات، التغيرات البنيوية الجارية في بلادنا بعد ١٥/أبريل تتوجب تفكيراً من خارج الصندوق، لا يركن إلى أنماط المقاربات السياسية القديمة، والمؤتمرات واللقاء السياسية التي تنعقد كلما أصاب المشهد ركود ، لقاءات فندقية، تنتهي بجفاف الحبر الذي دون على الورق اشواق لن تتحقق، وأمنيات لا تجاوزت المخيلة.
النادي السياسي القديم، والعقول التي تنشط عبره عاجزة عن الفهم الدقيق لما يجري أولاً، والتعامل معه بما يقتضيه الوضع ثانياً، وابتكار أدوات سياسية تستند على مشروع وطني جديد، يقدم إجابة شافية حول السؤال المحوري(أي سودان يراد له ان يكون؟) وكيف يمكن أن تنسج العلاقات بشكل طبيعي ومتوازن مع مختلف مكونات الشعب السوداني ، وما الآليات الحقيقية لبناء دولة حديثة قوية تكون على مسافة واحدة من جميع السودانيين بعيداً عن المحاصصتين القبلية والحزبية!.
المجتمعون بفندق “مارينا” بورتسودان رجال ونساء وطنيين، غارقون في الهم الوطني ، لا يستطيع كائن من كان أن يزايد على مواقفهم المبدئية الداعمة للوطن والقضية ، ولكنهم عاجزين، نضب معينهم، إعادة تدويرهم كل مرة غير مجدي .
المزاج العام تجاوز الأحزاب بوضعها الحالي، المستنفرين في معركة الكرامة ، والقوى الاجتماعية الصاعدة، هم قواعد المشروع الوطني الذي تمخض عن حرب ١٥/أبريل ، هؤلاء تجاوزوا شعارات النادي السياسي القديم ، ومضوا بوتيرة متسارعة في تنظيم صفوفهم ليصبحوا بديلاً سياسياً أنتجته التجربة القاسية في مستقبل السودان، هؤلاء هم من ستتحالف معهم السلطة الحالية بعد الحرب ، هؤلاء هم حاضنة النظام الذي يتشكل الآن في رحم التجربة .
على المجتمعين بفندق “مارينا ” بورتسودان أن يعلموا أن القوى الجديدة لن ترتكب خطيئة إضاعة الفرصة، التي طالما اضعتموها أنتم في حقب مختلفة ، من أجل استعادة شروط الحياة الطبيعية في ظل دولة ومؤسسات وبيئة سياسية نظيفة.
ستعمل القوى الجديدة على تضميد جروح السودانيين ضحايا فشل النادي السياسي القديم ، ستفتح شرفة استثنائية للعبور بالشعب السوداني على طريق التقدم والعدالة وبناء الجسور .
لقد تجاوزكم الواقع ..
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتساب