خطيب المسجد الحرام: الجهل بالدين تربة خصبة لنشأة الإلحاد في أي مكان
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: خلق اللهُ العباد، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب لبيان الإيمان وصحيح الاعتقاد، وحذرهم من دروب الكفر، وطرق الإلحاد، لافتا إلى أن الجهل بالدين هو التربة الخصبة لنشأة الإلحاد في أي مكان، وأي زمان، وكلما كان الدين الصحيح راسخاً كان الضلال أبعد.
أضاف الدكتور صالح: اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذه الدار خداعة غرارة، والنفسَ بالسوء أمارة، والشيطانَ يأمر بالسوء والفحشاء، ويدعو إلى الخسارة، وأمل ابن آدم في هذه الدنيا طويل، وعمره فيها قصير، من تم أجله انقطع عمله، وأسلمه إلى الله أهله، وانقطعت عنه المعاذير، والأعمال جزاء، فاحذروا العواقب، والدهر تارات فكونوا على حذر، من لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، «قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا».
الإنسان بفطرته لا يقنعه علموأوضح قائلاً: الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها، وبخلقه من الروح والجسد لا يقنعه علم، ولا يكفيه متعة، بل فيه قلق واضطراب وخوف، وفيه حاجة إلى الطمأنينةِ بعد القلق، والسكنِ بعد الاضطراب، والأمنِ بعد الخوف.
وقال إن الإنسان وحده من بين جميع المخلوقات يحتاج إلى سند يعتمد عليه إذا ألمت به شدة، أو حلت به كارثة، أو واجه ما يكره، أو خاب ما يرجو، أو وقع ما يحذر، الإنسان وحده هو الذي يفكر في المبدأ، ويتأمل في المصير، وينظر في الكون، ويعلل الأحداث، الإنسان وحده هو الذي يتخذ مواقف بحسب هذه النظرات والمدركات، والأسباب والمسببات، هذه هي الغريزة الدينية المشتركة بين كل أجناس البشر مهما كان تعليمهم، ومهما كانت أُمّيتهم.
جوهر الدين ثابت في النفوس لأنه مرتبط بالطبيعة البشريةوأضاف أنّ جوهر الدين ثابت في النفوس لأنه مرتبط بجوهر الطبيعة البشرية، ومن هنا فلم توجد أمة من أمم أهل الأرض بغير دين، بل إن حاجة الإنسان إلى الدين أعظم من حاجته إلى الغذاء والدواء، إنها حاجة تتصل بجوهر الحياة، وترتبط بسر الوجود، وتساءل هل يكون في نظر العاقل أن هذه الحياة ليست إلا أرحاماً تدفع، وأرضاً تبلع، والمصير التراب؟.
يقول فيلسوف ملحد: تشير المعابد، والكنائس، والمساجد في جميع الأعصار والأمصار، تشير ببنيانها وعظمتها وبهائها إلى أن حاجة الإنسان للدين حاجة قوية راسخة، ويقول آخر: لقد وُجِدت في التاريخ مدن بلا حصون، وَوُجِدت مدن بلا قصور، ووجدت مدن بلا مدارس، ولكن لم توجد مدن بلا دور للعبادة.
تابع أيها المسلمون الدين فطرة مستقرة في قلوب كل البشر، لا تحتاج في إثباتها إلى كبير جدل، أو طويل حوار، لأنها من البدهيات .
وبيّن الشيخ صالح بن حميد أنّ الإنسان مفطور على العبادة، والاعتقاد، والإيمان: كل مولود يولد على فطرة )، حتى الملحد يبحث عن اليقين، والطمأنينة، ويبحث عن الغايات العليا، وهذا كله لا يكون إلا في العقيدة الصحيحة، والدين الحق، والإيمان الصادق، فالدين الحق ويمنح القوة عند الضعف، والأمل حين اليأس، والرجاء وقت الخوف، والطمأنينة عند القلق ، والصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
أوضح لا يكون للحياة طعم، ولا يكون فيها أهداف سامية إذا كان في القلب فراغ روحي، والدين الصحيح هو مصدر القيم، والأخلاقِ، والمثلِ العليا، والحياةِ المطمئنة.
حيرة بعض العقول في الإيمان بالخالق ليس عن برهانوأكّد خلالَ خطبته بأنّ حيرة بعض العقول في الإيمان بالخالق ليس عن برهان، ولا علم، بل هذه الحيرة - كما يقول أهل التحقيق والنظر هي عرض مرضي، ووسوسة نفسية، وليست ظاهرة فكرية علمية، وفي التنزيل العزيز: «وَإِن تَدعوهُم إِلَى الهُدى لا يَسمَعوا وَتَراهُم يَنظُرونَ إِلَيكَ وَهُم لا يُبصِرونَ»، فالحيرة عند هذه العقول آفة نفسية وليست شبهة عقلية.
أكد أن الإلحاد ليس إيمانًا بل هو فقد للإيمان، فالملحد ملحد لأنه لم يستوعب أدلة الإيمان، وليس لأنه يملك أدلة على نفي الإيمان، فالذي في قلب الملحد هو غياب الإيمان بالله، وليس الإيمان بأنه لا إله فالمنكر والمشكك لا يستند إلى علم صحيح ، ولا إلى عقل صريح، بل هو سلبي، فهو لم يستوعب الأدلة، كما أنه لا يستطيع أن يدلل على ما يعتقد.
تابع : الملحد لم يرتح ضميره؛ لأنه لم يوافق الفطرة، ولم تطمئن سريرته؛ لأنه لم يوافق العقل، لقد طلب الدليل على الواضحات، فهو كمن يريد أن ينير ضوء الشمس بشمعة .اضطربت المعايير عنده فتاه في الواضحات عقله، ينطلق من وهم معدوم، ويطمع في عدمٍ موهوم .
أوضح وتأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «كثير من العلوم الضرورية فطرية، فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ووقع في الشك»، معاشر المسلمين: القلوب ضعيفة، والشُّبَه خَطَّافة، والأهواء مضلة، والشهوات والأهواء تسهل مرور الشبهات، فالشهوات والأهواء هي صابون الشبهات.
أيها المسلمون : الإلحاد مكون من الشك القلبي، والتشتت الفكري، فتراهم يقولون ننطلق من الشك حتى نصل إلى اليقين، وهذا كمن يقول: نشربْ السمَّ لنجرِّبَ بعده الدواء.. معاشر الإخوة : إن وجود الرب سبحانه أظهر للعقول والفطر من ظهور الشمس وضياء النهار، ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهم عقله وفطرته .إن كل ما تراه بعينك، أو تسمعُهُ بأذنك، أو تعقِلُهُ بقلبك، هو دليلك إلى ربك، «أَم خُلِقوا مِن غَيرِ شَيءٍ أَم هُمُ الخالِقونَ».
أيها الإخوة :الملحد ترك ربه وعبد الطبيعة، وعصى الله وأطاع البشر، وهجر الشرع واتبع الوهم، وعاب على المتدينين الاتباع، وهو متعلق بما يقوله أهل الإلحاد، واستنكر في الدين مخاطبة القلب، وهو حائر فيمن يخاطب قلبه، وادَّعى الثقة والجزعُ يملأ قلبه، وظَنَّ اليقين والحيرةُ تملأ جوانحه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: صلاة الجمعة الكعبة المسجد الحرام
إقرأ أيضاً:
الأزهر للفتوى: تحويل القبلة يؤكد وسطية أمة الإسلام والعلاقة الوثيقة بين المسجدين الحرام والأقصى
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية، إن تحويل القبلة حدث يؤكد وسطية أمة الإسلام والعلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المباركين.
وأضاف مركز الأزهر فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، إن سيدنا رسول الله ﷺ كان في مكة يصلي إلى بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ كي يستقبلهما معًا؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي وهو بمكةَ نَحْوَ بيتِ المقدسِ والكعبةُ بينَ يدَيهِ». [أخرجه أحمد]
ولما هاجر سيدنا النبي ﷺ والمسلمون إلى المدينة كان بيت المقدس قبلتهم ما يقرب من عام ونصف؛ فعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَّى نحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا...». [متفقٌ عليه]
وجاء الأمر الإلهي إلى سيدنا رسول الله ﷺ بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام بمكة في منتصف شهر شعبان من العام الثاني للهجرة على المشهور، ونزل قول الله سبحانه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. [البقرة: 144]
وكان تحويل القبلة اختبارًا من الله سبحانه تبين من خلاله المؤمن الصادق المُسلِّم لله وشرعه، والمعاند العاصي لله ورسوله ﷺ؛ قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّاِ لنَعْلَمَ َمنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}. [البقرة: 143]
- فكانت استجابة المؤمنين صدقًا وهُدًي ونورًا؛ إذ سارعوا إلى امتثال الأمر ولسان حالهم يقول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.
- أما المشركون فزادهم هذا الحدث العظيم عنادًا على عنادهم، وقالوا: يوشك أن يرجع محمدٌ إلى ديننا كما رجع إلى قِبلتِنا؛ فخاب ظنهم، وكسَد سعْيُهم، وباؤوا بغضبٍ على غضبٍ.
▪في تحويل القبلة تأكيد على عُلوّ مكانة سيدنا رسول الله ﷺ عند ربّه، فقد كان ﷺ يحبّ التوجَّه في صلاته إلى البيت الحرام، وتهفو روحُه إلى استقبالِ أشرفِ بقاع الدُّنيا؛ فعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ». [أخرجه البخاري]
وأكد تحويل القبلة على العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، تلك العلاقة التي دلت على قوتها وشرفها أدلةٌ كثيرة؛ كقول أبي ذر لسيدنا رسول الله ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى». قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ ». [أخرجه البخاري]
وعلى المُستوى المُجتمعي: يظهر هذا الأمر تكاتف المسلمين واتحادهم وأنهم بمثابة الجسد الواحد في التسليم لوحي الله سبحانه وشرعه، وفي حرص بعضهم على بعض، حينما خاف بعضهم على إخوانهم الذين ماتوا ولم يدركوا الصلاة إلى المسجد الحرام؛ فأنزل الحقُّ سبحانه قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }. [البقرة: 143]
ورسخ تحويل القبلة أن الغاية العظمى هي عبودية الله سبحانه والتسليم له وإن اختلفت الوجهة؛ فلله سبحانه المشارق والمغارب، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. [البقرة: 115]
وتضمن تحويل القبلة تعظيمًا وتشريفًا لأُمَّة الإسلام بالوسطية والتوفيق إلى قبلة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لتستحق بذلك مكانة الشهادة على جميع الأمم؛ قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. [البقرة: 143]