بقلم/ عائشة سلطان
تمر علي أيام لا أقرأ فيها حرفاً، لا أفتح كتاباً أو رواية، أصاب ككثيرين بالضيق والنفور من الكتب، أحاول أن أجبر نفسي على الجلوس والقراءة، لكنني ما أكاد أنجز خمس أو عشر صفحات حتى أشعر بالضجر، وبأن الكتاب ممل، فأعيده إلى مكانه، وأختار كتاباً آخر، إلا أن النتيجة لا تختلف، إنها ظاهرة وحالة تصيب معظم محبي الكتب والقراءة، وتعرف بقفلة القراءة، تماماً كما تصيب الكتاب والروائيين والصحفيين حالة مشابهة تعرف بمتلازمة الورقة الفارغة، حيث يفقد الكاتب القدرة على إنتاج عمل أو نص جديد.
قد يظن البعض أن الأمر سهل ولا يحتاج للشكوى، والحقيقة ليست كذلك، فالقراءة بالنسبة لقارئ اعتاد عليها، كالنوم بالنسبة للإنسان، فإذا اضطرب نومك اضطرب كل وقتك، وانتابك الكثير من التوتر والإنهاك والضيق بقية يومك، وكذلك إذا أصابك إضراب القراءة أو قفلة القراءة، قد تمضي عدة أيام لا تبالي بالأمر، لكنك في لحظة ما تقف مستشعراً خطورة الحالة، وأن عليك أن تبحث عن حل، فلطالما كانت القراءة بالنسبة لك ذلك الفضاء الجميل الحر الذي يستنير فيه عقلك، وتستمتع فيه روحك بحريتها ونموها واطلاعها المتجدد!
وإضافة لاستمتاعي بالقراءة كممارسة معرفية ممتعة اعتدتها منذ سنواتي الباكرة، فإن كوني كاتباً يومياً أحتاج للقراءة بشكل مضاعف ومتنامٍ دائماً، فهل علينا ككتاب أن نقرأ دائماً، نعم، بل وعلينا ألا نتوقف عن القراءة في أية لحظة، تقول الروائية العمانية بشرى خلفان: (إن أردت أن تكون كاتباً جيداً، عليك أن تقرأ كثيراً، بدءاً من كلاسيكيات الأدب، حتى علوم الأرض، وأن تبحث عن المعرفة التي تخولك فهماً أفضل لنفسك ولشخصياتك المتعددة)!
أقرأ الكثير حول الشكوى من قفلة القراءة في صفحات أصدقائي في مجموعات القراءة ومواقع التواصل، فأشعر بمعاناتهم وهم يبحثون عن مخارج لهذه الحالة، أشعر بهم كأنهم يقولون نشعر بتوعّك في المعدة، أو صداع في الرأس، أو نزلة برد شديدة، وبالفعل تبدو قفلة القراءة كمرض حقيقي شديد الوطأة على نفسية القارئ والكاتب معاً!
نقلاً عن البيان
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com