عربي21:
2024-09-30@18:03:03 GMT

مؤتمرُ حركة النهضة بين صراع القيادات ورهانات السُّلطة

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

في الوقت الذي تمر فيه تونس بأزمة سياسية ألقت بظِلالها/ ضَلالها على مختلف الأصعدة المجتمعية، ورغم تهافت المطابقة بين حركة النهضة و"العشرية السوداء" أو معارضة "تصحيح المسار"، يبدو أن هذه الحركة ما زالت تحتل -كما كانت منذ ترحيل المخلوع- محور الخطابات المتنازعة و/ أو المتضامنة قصد إدارة الدولة وشرعنة هيمنتها، أو قيادة المعارضة من خارج "جبهة الخلاص"، أي ما زالت محور الاستراتيجيات السلطوية لتشكيل رأي الجماهير وإعادة هندسة المجال العام.



فالسلطة بمكوّناتها المختلفة -أي بمولاتها الكلية أو "النقدية"- لم تصل بعد إلى "توافق" واضح حول كيفية التعاطي السياسي مع ملف النهضة رغم كل محاولات سحبه إلى دائرة الملف الأمني-القضائي. فرغم إغلاق مقرات الحركة وسجن أغلب قياداتها التاريخية، ما زالت النهضة حزبا سياسيا قانونيا يتمتع بقاعدة شعبية وازنة، وهو ما يجعل من صراعاتها الداخلية حول إنجاز المؤتمر رهانا وطنيا يتجاوز الشأن الحزبي الخالص.

السلطة بمكوّناتها المختلفة -أي بمولاتها الكلية أو "النقدية"- لم تصل بعد إلى "توافق" واضح حول كيفية التعاطي السياسي مع ملف النهضة رغم كل محاولات سحبه إلى دائرة الملف الأمني-القضائي. فرغم إغلاق مقرات الحركة وسجن أغلب قياداتها التاريخية، ما زالت النهضة حزبا سياسيا قانونيا يتمتع بقاعدة شعبية وازنة، وهو ما يجعل من صراعاتها الداخلية حول إنجاز المؤتمر رهانا وطنيا يتجاوز الشأن الحزبي
وقد جاءت "الموجات الارتدادية" التي أثارها التسريب الأخير المتعلق برئيس الحركة بالنيابة الدكتور منذر الونيسي لتؤكد هذه الحقيقة، كما جاءت تلك الموجات الارتدادية لتثبت أن مكونات المنظومة الحاكمة ليست على قلب جل واحد فيما يتعلق بـ"الحل النهائي"، سواء أفهمنا هذا التعبير بمعناه اللغوي العادي، أي البحث عن حل عقلاني وبأقل كلفة ممكنة، أم فهمناه بدلالاته الحافة التي ترتبط بالحسم الأمني الاستئصالي.

لعل أعظم ما يواجه المحلل السياسي هو مسألة المعلومات الموثوقة التي يمكنها أن تؤسس لطرح مطابق لموضوعه. فالحديث عن "صراع الأجنحة" أو مراكز النفوذ يفترض وجود معرفة "علمية" بمكونات السلطة، بل يفترض قبل ذلك حيازة أدلة لا تقبل الدحض تؤكد وجود تلك "اللوبيات" بصرف النظر عن تسميتها. فرغم أنه يستحيل من جهة الاستقراء تخيل منظومة سلطوية لا تناقض أو صراع بين مكوناتها، فإن من العسير تحديد تلك المكونات في لحظة تاريخية ما تحديدا "علميا".

ولو عدنا إلى الشأن التونسي فإننا سنجد إجماعا من لدن المشتغلين بالشأن العام على وجود "أجنحة" سلطوية مختلفة في مراكز القرار، ولكنّ هذه "البداهة" تفقد الكثير من جاذبيتها عند محاولة تحديد تلك الأجنحة وطبيعة علاقاتها وأجنداتها وموازين القوى بينها داخليا وخارجيا. ورغم أن المسألة النهضوية تبدو مرتبطة بصراع الأجنحة، فإننا لا نستطيع الجزم فيما يتعلق بالغايات النهائية لكل جناح منها. فهل تتصارع الأجنحة كلها حول كيفية إنهاء الوجود القانوني لحركة النهضة بأقل كلفة ممكنة (إعادة هندسة الحقل السياسي دون وجود النهضة)، أم هناك صراع بين طرح يدعو إلى الذهاب بالمقاربة الأمنية-القضائية للأقصى وبين طرح آخر يدعو إلى الإبقاء على النهضة، لكن بشروط المنظومة وبعد التخلص من قياداتها التاريخية (تحويل النهضة إلى حزب كرتوني مطبع مع الواقع السياسي الجديد)؟

هل تتصارع الأجنحة كلها حول كيفية إنهاء الوجود القانوني لحركة النهضة بأقل كلفة ممكنة (إعادة هندسة الحقل السياسي دون وجود النهضة)، أم هناك صراع بين طرح يدعو إلى الذهاب بالمقاربة الأمنية-القضائية للأقصى وبين طرح آخر يدعو إلى الإبقاء على النهضة، لكن بشروط المنظومة وبعد التخلص من قياداتها التاريخية (تحويل النهضة إلى حزب كرتوني مطبع مع الواقع السياسي الجديد)؟
حتى لو افترضنا جدلاً امتلاكَنا لمعلومات حول أجنحة المنظومة تسمح بترجيح إحدى الفرضيتين الواردتين أعلاه، فإن ذلك الترجيح سيظل ضربا من الرجم بالغيب والتخرّص ما لم نمتلك معلومات "يقينية" حول مواقف القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الشأن التونسي، والقادرة على فرض إرادتها على جميع الفاعلين الجماعيين مهما كانت مواقعهم داخل مؤسسات الدولة أو خارجها. فما هو مثلا الموقف الحقيقي للقوى الغربية أو لمحور الثورات المضادة أو للجزائر من "الملف النهضوي"؟ وهل يوجد موقف إقليمي ودولي موحّد أم توجد مواقف متناقضة قد تكون هي علّة تذبذب السلطة وعدم قدرتها على الحسم في أي اتجاه كان -بحكم الكلفة الاقتصادية والسياسية المتوقعة لأي حسم قد يناقض مصالح بعض تلك القوى-؟ ونحن لم نتحدث عن تأثير المواقف الإقليمية والدولية في "القرار السياسي" إلا لأننا نعلم أن ذلك القرار عندما يكون في دولة تفتقد مقومات السيادة لا يمكن أن يكون قرارا حرا؛ مهما كانت ادعاءات السلطة (أي ارتباط قرارها بمحددات داخلية محض لا علاقة لها بأي إملاءات خارجية) ومزايدات المعارضة (أي ارتباط مواقف السلطة منها ب"نضالها" وعمقها الشعبي أو شرعية مطالبها).

بحكم غلبة الخطابات الاختزالية والسطحية على المشهد الإعلامي في تونس -سواء في ذلك الإعلام التقليدي والإعلام المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي- فإن تحري الحق يوجب على المشتغل بالشأن العام أن يكون على مسافة نقدية من سرديات السلطة والمعارضة على حد سواء، كما يوجب عليه أن يصدع بما يراه حقا وإن كسر انتظارات الجمهور وتحوّل إلى "صوت صارخ في البرّية". ومثال ذلك ما يجري من صراعات حول وجود النهضة وحول آليات إقصائها أو تدجينها.

كيفما جرت الأحداث، فإن مؤتمر الحركة -سواء آنعقد أم لم ينعقد- سيكون لحظة مفصلية من لحظات المشهد السياسي التونسي بعد 25 تموز/ يوليو 2021. فهو سيعيد تشكيل المشهد العام بصورة لا يمكن الجزم بمساراتها ومآلاتها في الوقت الحالي، إلا من باب الاستشراف الأقرب إلى الدجل
فالقول بأن السلطة قد حسمت أمرها في المسألة هو مجرد دعوى عريضة يبحث صاحبها -في الأغلب- عن التموقع السياسي أو عن الظهور الإعلامي، وكذلك الشأن في مسألة إنجاز المؤتمر الحادي عشر للحركة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم بعد أن تأجل عن موعده الرسمي في أيار/ مايو 2020. فإنجاز المؤتمر وطبيعة مخرجاته هما أمران يرتبطان ارتباط وجودٍ وعدمٍ بمتغيرات لا يمكن الحسم في شأنها.

فما هي -مثلا- توازنات القوة الحزبية التي ستسمح بإنجاز المؤتمر أو ستمنع انعقاده؟ وما هي حسابات/اشتراطات السلطة -ورهانات القوى الإقليمية والدولية ومصالحها المادية والرمزية- التي ستحدد الموقف من الحركة ذاتها قبل انعقاد المؤتمر وبعده؟ وكيفما جرت الأحداث، فإن مؤتمر الحركة -سواء آنعقد أم لم ينعقد- سيكون لحظة مفصلية من لحظات المشهد السياسي التونسي بعد 25 تموز/ يوليو 2021. فهو سيعيد تشكيل المشهد العام بصورة لا يمكن الجزم بمساراتها ومآلاتها في الوقت الحالي، إلا من باب الاستشراف الأقرب إلى الدجل.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس النهضة تونس النهضة قمع أحزاب مقالات مقالات مقالات اقتصاد اقتصاد سياسة صحافة سياسة صحة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حول کیفیة یدعو إلى ما زالت لا یمکن

إقرأ أيضاً:

رئيس هيئة الرعاية الصحية يشارك في مؤتمر الأهرام الرابع للدواء

تحت رعاية الأستاذ الدكتور مصطفى مدبولي، دولة رئيس مجلس الوزراء، شارك الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، اليوم، في المؤتمر السنوي الرابع لمؤسسة الأهرام، المنعقد تحت شعار "مؤتمر الأهرام الرابع للدواء: مواجهة التحديات وتعزيز الابتكار"، بهدف تطوير دور قطاع الدواء في دعم الاقتصاد المصري وتوطين هذه الصناعة.

جاء ذلك بحضور الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، والأستاذ الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية والرئيس الشرفي للمؤتمر، والأستاذ الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة الأسبق ورئيس الجمعية الطبية المصرية ورئيس المؤتمر، والأستاذ الدكتور محمد معيط، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل ووزير المالية الأسبق، واللواء طبيب بهاء الدين زيدان، رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية، والدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، والأستاذ الدكتور محمد فايز فرحات، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، والأستاذ ماجد منير، رئيس تحرير جريدة الأهرام، بالإضافة إلى نخبة من قادة وصناع القرار في ملفي الدواء والرعاية الصحية.

وأعرب الدكتور أحمد السبكي، رئيس هيئة الرعاية الصحية، عن سعادته بالمشاركة في هذا المؤتمر، مؤكدًا أن المؤتمر يمثل منصة رئيسية لتبادل الخبرات والأفكار وطرح حلول مبتكرة لقضية الدواء.

وأضاف الدكتور السبكي، أن حجم استثمارات سوق الدواء عالميًا تجاوز 1.5 تريليون دولار، في حين أن أكثر من 2 مليار شخص حول العالم يفتقرون إلى الوصول إلى الدواء، وفقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، مما يجعل قضية الدواء تحديًا عالميًا.

وأكد السبكي، المتابعة المستمرة لدولة رئيس مجلس الوزراء لملف الدواء، مما يضمن تكامل الجهود لضمان التغلب على كافة التحديات الراهنة لوصول الدواء لكل مريض بأعلى معايير الأمان والجودة.

وأكد الدكتور أحمد السبكي، على أهمية تكاتف الجهود بين كافة الأطراف المسئولة عن إدارة ملفي الصحة والدواء، وصولًا لتوطين صناعة الدواء والانطلاق نحو التصدير. وأشار إلى أن القيادة السياسية أولت اهتمامًا كبيرًا بتوطين الدواء، وأصبح هذا الاهتمام أكثر إلحاحًا في الوقت الحالي.

وأضاف السبكي، أن مصر تمتلك القدرات لتحويل قطاع الدواء من مستهلك للعملة الصعبة إلى مصدر رئيسي لها في الهيكل الجديد للاقتصاد القومي، بصادرات تصل إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2030.

وأكد السبكي، أن قطاع الدواء يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقطاع الرعاية الصحية، موضحًا أن جودة الأدوية تؤثر مباشرة على خدمات الرعاية الصحية، كما أن الأبحاث الإكلينيكية لتطوير صناعة الدواء تنطلق أساسًا من المستشفيات والمنشآت الصحية.

ولفت السبكي، إلى أن مشروع التأمين الصحي الشامل، الذي يحقق رؤية القيادة السياسية للإصلاح الشامل لقطاع الصحة في مصر، يركز على ضرورة توفير الأدوية ذات الجودة العالية لكل مريض.

وتابع: "نجحنا في هيئة الرعاية الصحية في توحيد الممارسات الإكلينيكية في أكثر من 20 قسمًا طبيًا بالمستشفيات من خلال تنميط 300 بروتوكول علاجي للأمراض الأكثر شيوعًا بالتنسيق مع المجلس الصحي المصري، لافتًا إلى أن حوالي 80% من مرضى التأمين الصحي الشامل يحتاجون لأدوية دون تدخلات جراحية أو إقامة بالمستشفيات."

وأشار السبكي، إلى العمل على ضمان الاستخدام الأمثل للأدوية وترشيد استهلاكها وميكنة عملية صرف الأدوية، مؤكدًا أن هيئة الرعاية الصحية حققت تقدمًا كبيرًا في هذا الملف، حيث تمتلك الآن أكثر من 50 مليون وصفة طبية إلكترونية بمعدل حوالي 20 مليون وصفة سنويًا، ومن المقرر أن تصبح جميع الوصفات إلكترونية بالكامل هذا العام.

واختتم الدكتور السبكي، كلمته، متمنيًا النجاح الباهر للمؤتمر في نسخته الرابعة كما في النسخ السابقة، مشيرًا إلى أن المؤتمر يشمل جلسات ثرية بالمناقشات ومحاور العمل، مؤكدًا أن جميعنا نعمل بهدف واحد لتحقيق رؤية القيادة السياسية لضمان حصول كل مواطن على رعاية صحية متكاملة.

مقالات مشابهة

  • استعراض أحدث الابتكارات التقنية في "مؤتمر التحول الرقمي"
  • مؤتمر أدبي بعنوان "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة"
  • «الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة» في مناقشات مؤتمر قصور الثقافة بالمنيا
  • الأسباب الخلفية لمعركة طاعة المرأة زوجها.. صراع على السلطة؟
  • مؤتمر طبي في المدينة المنورة يناقش مستجدات أمراض الدم وطرق علاجها
  • مؤتمر DevOpsDays يستعرض دور الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات وتحسين العمليات والجودة
  • المؤتمر الوطني: مهتمون بمقاومة الميليشيا ونؤكد موقفنا بأن تُوكل السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية لأكفاء مهنيين غير حزبيين
  • رئيس هيئة الرعاية الصحية يشارك في مؤتمر الأهرام الرابع للدواء
  • تدريب عملى للأطباء فى مؤتمر حميات قــنا الثالث عشر
  • مرصد الأزهر يشارك في مؤتمر حول الحرب والهجرة بميلانو الإيطالية