سودانايل:
2024-09-17@03:58:11 GMT

السودان والاستفادة من صراع الإستراتيجيات الدولية

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

في أواخر خمسينيات القرن الماضي حيث اشتد الصراع بين الغرب و الشرق ( الحرب الباردة) تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمعونة اقتصادية للسودان، و كان معلوم في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة كانت رافضة للمد الشيوعي في المنطقة الأفريقية و الشرق الأوسط، و لكن المعونة الأمريكية التي كانت قد قدمت للسودان لم تكن مشروطة، إلا أن قبائل اليسار الشيوعي و القومي وقفوا ضدها تماما، و قال النائب البرلماني للحزب الشيوعي حسن الطاهر زروق أن المعونة مشروطة و بها بنود سرية و لا يمكن أن نقبلها، و خرجت التظاهرات الحماسية ضد المعونة و خسر السودان فرصة للتنمية.

و أتضح بعد ذلك أن الاتفاقية لم تكن بها أي بنود سرية كما زعم النائب البرلماني الشيوعي، و الغريب في الأمر؛ أن الحزب الوطني الاتحادي و حزب الأمة انجروا وراء شعارات اليسار و رفضوا المعونة. و هي تمثل أكبر غفلة سياسية في تاريخ السودان الحديث، أن تذهب أحزاب عريقة وراء شعارات اليسار دون أن تعي مدلولاتها.
قال مارك توين أعظم كتاب أمريكا الساخرين " أن التاريخ لا يعيد نفسه و لكنه يتشابه كثيرا" بعد نهاية الحرب البارد كان الاعتقاد أن القارة الأفريقية سوف تكون خاضعة تماما للمصالح الغربية و خاصة الأمريكية، باعتبارها المنتصرة في الحرب الباردة، و لكن التطور الاقتصادي الذي حدث في الصين في آواخر سبعينات القرن الماضي بعد رحيل الزعيم الصيني قائد الثورة الثقافية ماو سيتونغ، و جاء بعده دينغ شياوبينغ الذي منح المزارعين حق استغلال الاراضي الخاصة، و الذي خلق طفرة في الاقتصاد. خاصة بعد تحولها من الاقتصاد المخطط إلي اقتصاد السوق، هذه السياسية الاقتصادية كانت بداية للنمو الاقتصادي الحر الصيني. حيث مكنها أن تدخل منافسا للدول الغربية و أمريكا في أفريقيا و تفوق استثماراتها 100 مليار دولار أمريكي و الصين لا تفرض شروط سياسية لذلك يرغبها القادة الأفارقة. في عام 2000 خلف الرئيس فلاديمير بوتين لبوريس يلسن، و استطاع بوتين أن يعيد قوة النزعة القومية وسط النخبة الروسية، و عمل على أعادة بناء الاقتصاد الروسي و تطوير الصناعات البيتروكيمائية و الطاقة الحفورية بهدف إعادة روسيا للمجتمع الدولى كدولة عظمى لها رؤيتها. و بالفعل استطاع أن جعل من روسيا دولة لها نفوذها في السياسة الدولية، و استطاعت روسيا أن تدخل القارة الأفريقية من خلال استثماراتها في كل من ليبيا و الجزائر، و من خلال شركة فاغنر أن تنمي استثماراتها في المعادن و خاصة الذهب في غرب أفريقيا و السودان. و أصبحت الآن تزاحم النفوذ الغربي و الأمريكي في غرب أفريقيا من خلال انقلابات مالي و بوركينافاسو و النيجر، و أن كان انقلاب الغابون يشك أن وراءه فرنسا بهدف حماية نفوذها في المنطقة من خلال أجيال جديدة. هكذا أصبحت أفريقيا تعود مرة أخرى لعهد الصراعات الإستراتيجية ما بعد الحرب الباردة، و يمكن الاستفادة منها للدول التي تريد أن تنهض.
في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا إقناع دول إكواس أن تتدخل عسكريا لحسم الصراع الذي أفرزته الانقلابات، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الحل الدبلوماسي و تحاول أن تعزز وجودها من خلال سياسة النفس الطويل. الأمر الذي يؤكد تباين السياسي الأمريكي – الفرنسي في المنطقة. حيث تحاول الولايات المتحدة أن تحافظ على نفوذها من خلال كسب دول أخرى في المنطقة لها نفوذا كبير و أثرا يمكنها أن تلعب دورا يحقق عملية الاستقرار في المنطقة. السودان باعتباره دولة ذات موقع إستراتيجي يربط بين شرق أفريقيا و غربها و أيضا جنوبها أن الولايات المتحدة عينها عليه، و لكن الصراعات السياسية الحادة في السودان لابد أن تتوقف و تتحول إلي حوارات سياسية تفطن لمصالح البلاد و المواطنين، و ليس على الرغبات النخبوية الضيقة التي مدعاة لتوليد الخلافات. حيث تدرك الولايات المتحدة أن الإسلاميين يمثلون قوى سياسية عريضة في المجتمع لا يمكن تجاوزهم، و تريد من القوى الأخرى أن تستوعب ذلك، و تحاول أن تبني لها حلفا قويا مؤثرا في الساحة من خلال التفاف قاعدة جماهيرية عريضة حولها، و ليس من خلال دعوات الإقصاء المولدة للصراع الحاد، أن الكتلة الجديدة مراد بها أن تخلق المعادلة المطلوبة مع الإسلاميين و حلفائهم، لكي تضمن الحفاظ على استقرار النظام الديمقراطي. و هذه المعادلة أيضا تتطلب بناء جيش مهني يملك القوة التي تؤهله على الحفاظ على النظام الديمقراطي، و أيضا حماية البلاد و حدودها و الدستور. و هذه تتأتي بالحوار بين المجموعات المختلفة، و ليس بوضع حوائط سميكة تفصل بينها. و النخبة السياسية القادرة على استيعاب ذلك و قادرة على الانفتاح من خلال طرح الأراء و الأفكار للحوار هي القادرة على قيادة البلاد للاستفادة من الصراع الإستراتيجي في المنطقة لمصلحة الوطن.
أن النخب السياسية لا تستطيع أن تخرج من الأزمة السياسية التي أدت للحرب، إلا إذا استطاعات أن تفكر تفكيرا برجماتيا للاستفادة من هذا الصراع المحموع الذي بدأ يتخلق داخل القارة الأفريقية، و على حدود السودان. أية محاولة للرجوع للتفكير التقليدي و الصراع الأيديولوجي العقيم الذي لم يكسب البلاد غير موروثات الفشل، لن يكون في مصلحة البلاد. أن العقليات التاريخية في الأحزاب التقليدية و اليسارية و اليمينة إذا فشلت الأجيال الجديدة أن تقيلها من مواقعها، لا تستطيع أن تحدث أي تغييرات جوهرية، تؤدي إلي التنمية و اتساع رقعة الاستثمارات، و لن تخرج البلاد من أزماتها المتواصلة. القيادات التاريخية لها أحترامها و تقدر نضالاتها، لكن في الحقيقة قد نضب خيالهم و أصبحت عقليات جامدة لا تتجدد لا معرفيا و لا فكريا، و لا يمكن الاستفادة منها في الحوارات الفكرية و السياسية، لأنها لا تستطيع أن تخرج عن دائرة مخزونها الثقافي القديم المتكيء على أطنان من الفشل.
أن السودان لكي يستفيد من الصراع الإستراتيجي الدائر الآن على حدوده الغربية، يحتاج إلي عقليات و أفكار جديدة تتعامل بمعادلات رقمية هندسية، و ليس عواطف سياسية تاريخية. الأجيال الجديدة تستطيع أن تفكر خارج الصندوق، و تقدم مشروعاتها التي تريد من خلالها بناء السودان و استقراره الاجتماعي و السياسي، و دون الميل لجانب دون الأخر إلا من خلال الذي يسهم بالفعل في نهضة السودان و اتساع رقعته الاستثمارية في كل الحقول ( الزراعية الصناعية – الطاقة – المعادن – التعليم – الصناعات الدفاعية و غيرها) هذا التحول يحتاج لأجيال مؤمنة بالديمقراطية ايمانا مبني على المعرفة و المرجعية الفكرية و ليس شعارات بهدف التضليل. القوى الديمقراطية لا تتخوف من الحوارات الفكرية و الثقافية و غيرها لأنها تعتقد أن الحوارات أهم مدرسة لإنتاج الثقافة الديمقراطية و توليد الثقة السياسية و المجتمعية، و في نفس الوقت تخفف حدة النزاعات و حتى الحدة الفظية. سودان جديد يعني فكر جديد ثقافة جديدة قائمة على احترام المجتمع و توجهاته الاخلاقية وعقليات جديدة. لكن سودان جديد بمكنات قديمة معطوبة لا يمكن أن يكون. نسأل الله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المنطقة تستطیع أن لا یمکن من خلال

إقرأ أيضاً:

“هيلث تريب” تتوسع في الإمارات والسعودية

أعلنت “هيلث تريب” Healthtrip، أكبر منصة للسفر العلاجي في العالم التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، عن تأسيس مكاتب لها تعمل بكامل طاقتها التشغيلية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بهدف تلبية الطلب المتزايد والمتسارع على خدمات الرعاية الصحية في المنطقة.
ويعد هذا التوسع تماشياً مع الاتجاه المتنامي للمنطقة لتصبح الوجهة الأولى للسفر العلاجي في العالم، حيث تجتذب ملايين السياح كل عام.
تجدر الإشارة إلى أن سوق السياحة العلاجية الحالي، والذي يقدر حجمه بأكثر من تريليون دولار أمريكي سنوياً، يلبي احتياجات الراغبين في الحصول على علاجات مميزة ومتقدمة في الخارج.
وينمو سوق السياحة العلاجية بمعدل سنوي قدره 18%، مدفوعاً بزيادة الوصول إلى المعلومات والوعي بجوانب الحفاظ على الصحة والعافية لفترات أطول.
وتعد “هيلث تريب” Healthtrip واحدة من أسرع الشركات نمواً في قطاع السياحة العلاجية مدعومة من قبل صناديق رأس المال الجريء بمقرها في دولة الإمارات على غرار شركة “هيومانيا كابيتال” و”دي ون” للاستثمارات و”إن بي فنتشرز”.
وتوفر الشركة شبكة واسعة النطاق من خلال شراكاتها مع 1500 مستشفى ومنتجع علاجي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والإمارات والسعودية وتايلاند، والهند وسنغافورة ومصر.
وتقدم الشركة خدماتها إلى أكثر من 65000 عميل من 38 دولة، وذلك من خلال منصة قائمة على الذكاء الاصطناعي توفر رعاية شخصية وذكية عن طريق ربط الأفراد بمزودي الخدمات بناءً على نوع العلاج، والتقييم والتكلفة والموقع.
وتقدم الشركة خدمات واسعة النطاق ضمن الوجهات العلاجية المقصودة، وتشمل حجوزات الفنادق والتوصيل من المطار وخدمات المساعدة الشخصية (كونسييرج) والترجمة الفورية.
وقال دانيش أحمد، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة “هيلث تريب” Healthtrip، “يتماشى توسعنا الأخير في الشرق الأوسط مع توجه المنطقة المتمثل في تعزيز تجارب الصحة والعافية وطول العمر ومكافحة الشيخوخة للمسافرين حول العالم. تشهد علاجات مثل الصحة المستدامة والعناية بالجمال طلباً متزايداً في مختلف الوجهات المتعددة في المنطقة، مما يتوّج ويكمّل عروضها الطبية والعلاجية الراسخة. وبفضل خيارات السفر المتاحة والبنية التحتية المتقدمة للرعاية الصحية والإجراءات المبسطة، كان توسيع شبكتنا الدولية إلى الشرق الأوسط قراراً استراتيجياً صائباً وفي الوقت المناسب. ونتطلع إلى لعب دور فاعل في نمو تدفق حركة السفر للعناية بالصحة والعافية في الشرق الأوسط.”
ولدى “هيلث تريب” Healthtrip شراكات مع عدد من أشهر مزودي خدمات الرعاية الصحية، على غرار مستشفيات السعودي الألماني ومجموعة برجيل والمستشفى الأمريكي ومستشفى “كينجز كوليدج” و”زويا ويلنس” و”كايا سكين كير” في المنطقة.
وأطلقت “هيلث تريب” Healthtrip برنامج “ثرايف” THRIVE الذي يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في مجال تجديد حيوية الجسم والذهن للأفراد الذين يسعون إلى إحداث تطور حاسم في نمط حياتهم.
ويقدم برنامج “ثرايف” THRIVE تجربة منزلية غير مسبوقة لتحسين جودة الحياة وتجديدها وطرح مفهوم جديد لها والارتقاء بها إلى مستوى غير مسبوق من خلال العلاج الطبيعي وأنشطة الرفاهية الذهنية وأساليب العناية الصحية الشاملة.
ويلبي البرنامج احتياجات أولئك الذين يسعون إلى تعزيز قدراتهم الصحية البدنية والذهنية من خلال خوض تجربة علاجية متكاملة تندمج بتناغم تام في نمط حياتهم الحالي.


مقالات مشابهة

  • اسوشيتد برس: حدثان يوضحان التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والعالم مع الحوثيين
  • عاجل. الرئيس الإيراني: لا عداء مع الولايات المتحدة لكننا لسنا الطرف الذي يقوم بتهديد الآخر وفرض العقوبات
  • قرقاش: الإمارات تدعم الجهود السياسية لحل قضايا المنطقة
  • الولايات المتحدة تؤكد دعمها لديمقراطية السودان وتندد بالقتال المستمر
  • الفزعة السياسية الدولية؛ اسقاط الجنين (الدعم السريع) للحفاظ على الام (قحت) !
  • خبير السياسات الدولية ب«المتحدة»: إسرائيل تواصل مجازرها ضد الشعب الفلسطيني
  • الولايات المتحدة تدعو قوات الدعم السريع للوقف الفوري للهجمات على مدينة الفاشر
  • “هيلث تريب” تتوسع في الإمارات والسعودية
  • النائب أيمن محسب يطالب بتضافر الجهود الدولية لتعزيز القانون الدولي دون تمييز
  • «الفاو»: تحديات تواجه إيصال الغذاء للمتضررين من النزاع والفيضانات بالسودان