سودانايل:
2025-02-07@11:05:38 GMT

السودان والاستفادة من صراع الإستراتيجيات الدولية

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

في أواخر خمسينيات القرن الماضي حيث اشتد الصراع بين الغرب و الشرق ( الحرب الباردة) تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمعونة اقتصادية للسودان، و كان معلوم في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة كانت رافضة للمد الشيوعي في المنطقة الأفريقية و الشرق الأوسط، و لكن المعونة الأمريكية التي كانت قد قدمت للسودان لم تكن مشروطة، إلا أن قبائل اليسار الشيوعي و القومي وقفوا ضدها تماما، و قال النائب البرلماني للحزب الشيوعي حسن الطاهر زروق أن المعونة مشروطة و بها بنود سرية و لا يمكن أن نقبلها، و خرجت التظاهرات الحماسية ضد المعونة و خسر السودان فرصة للتنمية.

و أتضح بعد ذلك أن الاتفاقية لم تكن بها أي بنود سرية كما زعم النائب البرلماني الشيوعي، و الغريب في الأمر؛ أن الحزب الوطني الاتحادي و حزب الأمة انجروا وراء شعارات اليسار و رفضوا المعونة. و هي تمثل أكبر غفلة سياسية في تاريخ السودان الحديث، أن تذهب أحزاب عريقة وراء شعارات اليسار دون أن تعي مدلولاتها.
قال مارك توين أعظم كتاب أمريكا الساخرين " أن التاريخ لا يعيد نفسه و لكنه يتشابه كثيرا" بعد نهاية الحرب البارد كان الاعتقاد أن القارة الأفريقية سوف تكون خاضعة تماما للمصالح الغربية و خاصة الأمريكية، باعتبارها المنتصرة في الحرب الباردة، و لكن التطور الاقتصادي الذي حدث في الصين في آواخر سبعينات القرن الماضي بعد رحيل الزعيم الصيني قائد الثورة الثقافية ماو سيتونغ، و جاء بعده دينغ شياوبينغ الذي منح المزارعين حق استغلال الاراضي الخاصة، و الذي خلق طفرة في الاقتصاد. خاصة بعد تحولها من الاقتصاد المخطط إلي اقتصاد السوق، هذه السياسية الاقتصادية كانت بداية للنمو الاقتصادي الحر الصيني. حيث مكنها أن تدخل منافسا للدول الغربية و أمريكا في أفريقيا و تفوق استثماراتها 100 مليار دولار أمريكي و الصين لا تفرض شروط سياسية لذلك يرغبها القادة الأفارقة. في عام 2000 خلف الرئيس فلاديمير بوتين لبوريس يلسن، و استطاع بوتين أن يعيد قوة النزعة القومية وسط النخبة الروسية، و عمل على أعادة بناء الاقتصاد الروسي و تطوير الصناعات البيتروكيمائية و الطاقة الحفورية بهدف إعادة روسيا للمجتمع الدولى كدولة عظمى لها رؤيتها. و بالفعل استطاع أن جعل من روسيا دولة لها نفوذها في السياسة الدولية، و استطاعت روسيا أن تدخل القارة الأفريقية من خلال استثماراتها في كل من ليبيا و الجزائر، و من خلال شركة فاغنر أن تنمي استثماراتها في المعادن و خاصة الذهب في غرب أفريقيا و السودان. و أصبحت الآن تزاحم النفوذ الغربي و الأمريكي في غرب أفريقيا من خلال انقلابات مالي و بوركينافاسو و النيجر، و أن كان انقلاب الغابون يشك أن وراءه فرنسا بهدف حماية نفوذها في المنطقة من خلال أجيال جديدة. هكذا أصبحت أفريقيا تعود مرة أخرى لعهد الصراعات الإستراتيجية ما بعد الحرب الباردة، و يمكن الاستفادة منها للدول التي تريد أن تنهض.
في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا إقناع دول إكواس أن تتدخل عسكريا لحسم الصراع الذي أفرزته الانقلابات، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الحل الدبلوماسي و تحاول أن تعزز وجودها من خلال سياسة النفس الطويل. الأمر الذي يؤكد تباين السياسي الأمريكي – الفرنسي في المنطقة. حيث تحاول الولايات المتحدة أن تحافظ على نفوذها من خلال كسب دول أخرى في المنطقة لها نفوذا كبير و أثرا يمكنها أن تلعب دورا يحقق عملية الاستقرار في المنطقة. السودان باعتباره دولة ذات موقع إستراتيجي يربط بين شرق أفريقيا و غربها و أيضا جنوبها أن الولايات المتحدة عينها عليه، و لكن الصراعات السياسية الحادة في السودان لابد أن تتوقف و تتحول إلي حوارات سياسية تفطن لمصالح البلاد و المواطنين، و ليس على الرغبات النخبوية الضيقة التي مدعاة لتوليد الخلافات. حيث تدرك الولايات المتحدة أن الإسلاميين يمثلون قوى سياسية عريضة في المجتمع لا يمكن تجاوزهم، و تريد من القوى الأخرى أن تستوعب ذلك، و تحاول أن تبني لها حلفا قويا مؤثرا في الساحة من خلال التفاف قاعدة جماهيرية عريضة حولها، و ليس من خلال دعوات الإقصاء المولدة للصراع الحاد، أن الكتلة الجديدة مراد بها أن تخلق المعادلة المطلوبة مع الإسلاميين و حلفائهم، لكي تضمن الحفاظ على استقرار النظام الديمقراطي. و هذه المعادلة أيضا تتطلب بناء جيش مهني يملك القوة التي تؤهله على الحفاظ على النظام الديمقراطي، و أيضا حماية البلاد و حدودها و الدستور. و هذه تتأتي بالحوار بين المجموعات المختلفة، و ليس بوضع حوائط سميكة تفصل بينها. و النخبة السياسية القادرة على استيعاب ذلك و قادرة على الانفتاح من خلال طرح الأراء و الأفكار للحوار هي القادرة على قيادة البلاد للاستفادة من الصراع الإستراتيجي في المنطقة لمصلحة الوطن.
أن النخب السياسية لا تستطيع أن تخرج من الأزمة السياسية التي أدت للحرب، إلا إذا استطاعات أن تفكر تفكيرا برجماتيا للاستفادة من هذا الصراع المحموع الذي بدأ يتخلق داخل القارة الأفريقية، و على حدود السودان. أية محاولة للرجوع للتفكير التقليدي و الصراع الأيديولوجي العقيم الذي لم يكسب البلاد غير موروثات الفشل، لن يكون في مصلحة البلاد. أن العقليات التاريخية في الأحزاب التقليدية و اليسارية و اليمينة إذا فشلت الأجيال الجديدة أن تقيلها من مواقعها، لا تستطيع أن تحدث أي تغييرات جوهرية، تؤدي إلي التنمية و اتساع رقعة الاستثمارات، و لن تخرج البلاد من أزماتها المتواصلة. القيادات التاريخية لها أحترامها و تقدر نضالاتها، لكن في الحقيقة قد نضب خيالهم و أصبحت عقليات جامدة لا تتجدد لا معرفيا و لا فكريا، و لا يمكن الاستفادة منها في الحوارات الفكرية و السياسية، لأنها لا تستطيع أن تخرج عن دائرة مخزونها الثقافي القديم المتكيء على أطنان من الفشل.
أن السودان لكي يستفيد من الصراع الإستراتيجي الدائر الآن على حدوده الغربية، يحتاج إلي عقليات و أفكار جديدة تتعامل بمعادلات رقمية هندسية، و ليس عواطف سياسية تاريخية. الأجيال الجديدة تستطيع أن تفكر خارج الصندوق، و تقدم مشروعاتها التي تريد من خلالها بناء السودان و استقراره الاجتماعي و السياسي، و دون الميل لجانب دون الأخر إلا من خلال الذي يسهم بالفعل في نهضة السودان و اتساع رقعته الاستثمارية في كل الحقول ( الزراعية الصناعية – الطاقة – المعادن – التعليم – الصناعات الدفاعية و غيرها) هذا التحول يحتاج لأجيال مؤمنة بالديمقراطية ايمانا مبني على المعرفة و المرجعية الفكرية و ليس شعارات بهدف التضليل. القوى الديمقراطية لا تتخوف من الحوارات الفكرية و الثقافية و غيرها لأنها تعتقد أن الحوارات أهم مدرسة لإنتاج الثقافة الديمقراطية و توليد الثقة السياسية و المجتمعية، و في نفس الوقت تخفف حدة النزاعات و حتى الحدة الفظية. سودان جديد يعني فكر جديد ثقافة جديدة قائمة على احترام المجتمع و توجهاته الاخلاقية وعقليات جديدة. لكن سودان جديد بمكنات قديمة معطوبة لا يمكن أن يكون. نسأل الله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المنطقة تستطیع أن لا یمکن من خلال

إقرأ أيضاً:

ننشر تفاصيل الاتفاق السلام بين حكومة جوبا والمعارضة السياسية

نشرت وكالة الأنباء السودانية " سونا"، تفاصيل اتفاقية السلام بين حكومة سلفاكير ميارديت جنوب السودان وأحد أبرز الفصائل السياسية والعسكرية المعارضة  في جوبا، برعاية مدير جهاز المخابرات العامة في السودان، الفريق أول أحمد إبراهيم مفضّل.

وشارك في الاتفاق، الذي وقع في العاصمة الإدارية بورتسودان بولاية البحر الأحمر، مُمثلين عن الحركة الشعبية في المعارضة، فصيل (كيت قوانق) بزعامة رئيس الحركة الجنرال سايمون قارويج دوال، ونيابة  عن حكومة الرئيس سلفاكير، مدير جهاز الأمن الداخلي الفريق أول أكيج تونق أليو، ورئيس الاستخابرات العسكرية، الفريق قرنق استيفن مارشال.

ويضمن الاتفاق من بين بنود أخرى، تنفيذ الترتيبات الأمنية بين الطرفين، ودمج القوات المنشقة عن (حركة تحرير السودان في المعارضة - فصيل كيت قوانق)، في الجيش الرسمي لجنوب السودان، وضمان مشاركة الفصيل في السُلطة.

ووصف الفريق أول أحمد إبراهيم مُفضل الذي توسّط منصة الموقّعين على الاتفاق، وصفه بـ "التاريخي"، وقال "تمكّنا اليوم من الوصول لاتفاق بين حكومة جنوب السودان، والحركة الشعبية المعارضة، فصيل "كوت قوانق" بعد جولة ثانية وأخيرة من المشاورات التي أشرف عليها جهاز المخابرات العامة برعاية ومتابعة لصيقة من رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان".

وأشار مُفضّل، إلى أن السودان رغم ظروف الحرب الوجودية التي يخوضها، ظل وسيظل مهتماً باستقرار وأمن الجنوب، "لأن استقرار جنوب السودان يعني استقرار السودان".

وفي يناير من العام 2022، وقّع الفرقاء في دولة جنوب السودان اتفاق سلام في الخرطوم برعاية عبد الفتاح البرهان، واضعين حداً لحرب طاحنة اندلعت في أعالي النيل وكادت نيرانها أن تمتد وتعصف بدولة الجنوب، ووصف المراقبون اتفاق الخرطوم وقتها بـ "سلام الشجعان".

وقال مدير المخابرات العامة الفريق أول مُفضّل، إن "السودان وضع خبراته وقدراته لمعاونة الأشقاء بجنوب السودان، امتداداً لأدواره الأخوية وشعوراً بالمسؤولية لطي الحروب والخلافات، وداعماً وراعياً من أجل الوصول إلى سلام دائم.

وأثنى على الطرفين لاستجابتهم إلى نداء السلام والتوقيع على الاتفاق، مُشيراً إلى أن توقيع الاتفاق سيفتح الباب أمام استقرار الأمن في جميع المناطق الحدودية بين البلدين، خاصة منطقة (اللو نوير)، "لأن فصيل "كيت قوانق" من الفصائل المؤثرة في المنطقة، وانضمامه لركب السلام سيكون حافزاً لآخرين للتخلي عن خيار الحرب في جنوب السودان".

وجدّد مدير المخابرات العامة، تأكيده بأن السودان بقيادة البرهان، سيظل يدعم بقوة حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، وطلب من جميع الأطراف تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لأنه "يعني المزيد من الاستقرار والتقدّم لدولة جنوب السودان. 

من جهته، أكّد زعيم الحركة الشعبية في المعارضة، فصيل (كيت قوانق) الجنرال سايمون قارويج دوال عقب توقيعه على اتفاق السلام مع حكومة جنوب السودان، أكد على عزمه المضي إلى الأمام وقال: "ما بنمشي ورا.. بنمشي قدام"، وأشار إلى أن حركته قومية تنشد السلام في جميع ربوع جنوب السودان.

وأشار سايمون مستنكراً الجرائم التي اقترفتها مليشيا الدعم السريع في السودان، وجر بعض أبناء جنوب السودان إلى محرقة الحرب، وقال: "الدعم السريع سبّب لينا أكعب حاجة أنا مع سلفاكير سوا سوا. أنا مع البرهان سوا سوا".

في السياق، أبدى مدير جهاز الأمن الداخلي بجنوب السودان، الفريق أول أكيج تونق أليو، سعادته بتوقيع اتفاق السلام مع الجنرال سايمون قرويج، وأثنى على الحكومة السودانية وجهاز المخابرات العامة الذي أشرف على المشاورات وصولاً للتوقيع، وقال "سنلتزم بالاتفاق الذي وقّعناه بمراقبة من الحكومة السودانية وإشراف جهاز المخابرات العامة.
 

المصدر: سونا

مقالات مشابهة

  • واشنطن تفرض عقوبات على الجنائية الدولية.. تجميد أصول ومنع دخول البلاد
  • باحث سياسي: الولايات المتحدة أسست لنظام عالمي جديد يتجاوز القوانين الدولية
  • البيت الأبيض: ليس للمحكمة الجنائية الدولية أي سلطة قضائية على الولايات المتحدة أو إسرائيل
  • ترامب :الولايات المتحدة تسعى لاستعادة السيطرة على قناة بنما
  • «البيت الأبيض»: الولايات المتحدة لن تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة
  • منظمة الهجرة الدولية: أكثر من 15مليون نازح في السودان .. أكثر الولايات نزوحا هي الخرطوم ثم جنوب دارفور وشمال دارفور بحسب المنظمة الأممية
  • ننشر تفاصيل الاتفاق السلام بين حكومة جوبا والمعارضة السياسية
  • قناة بنما.. صراع الهيمنة الدولية عبر التاريخ
  • حرب السودان.. صراع على السلطة أم مؤامرة ضد الدولة؟
  • بعثة الاتحاد الأوروبي: اللجنة الاستشارية خطوة مهمة في العملية السياسية التي تقودها ليبيا