سودانايل:
2025-04-17@20:39:38 GMT

السودان والاستفادة من صراع الإستراتيجيات الدولية

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

في أواخر خمسينيات القرن الماضي حيث اشتد الصراع بين الغرب و الشرق ( الحرب الباردة) تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمعونة اقتصادية للسودان، و كان معلوم في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة كانت رافضة للمد الشيوعي في المنطقة الأفريقية و الشرق الأوسط، و لكن المعونة الأمريكية التي كانت قد قدمت للسودان لم تكن مشروطة، إلا أن قبائل اليسار الشيوعي و القومي وقفوا ضدها تماما، و قال النائب البرلماني للحزب الشيوعي حسن الطاهر زروق أن المعونة مشروطة و بها بنود سرية و لا يمكن أن نقبلها، و خرجت التظاهرات الحماسية ضد المعونة و خسر السودان فرصة للتنمية.

و أتضح بعد ذلك أن الاتفاقية لم تكن بها أي بنود سرية كما زعم النائب البرلماني الشيوعي، و الغريب في الأمر؛ أن الحزب الوطني الاتحادي و حزب الأمة انجروا وراء شعارات اليسار و رفضوا المعونة. و هي تمثل أكبر غفلة سياسية في تاريخ السودان الحديث، أن تذهب أحزاب عريقة وراء شعارات اليسار دون أن تعي مدلولاتها.
قال مارك توين أعظم كتاب أمريكا الساخرين " أن التاريخ لا يعيد نفسه و لكنه يتشابه كثيرا" بعد نهاية الحرب البارد كان الاعتقاد أن القارة الأفريقية سوف تكون خاضعة تماما للمصالح الغربية و خاصة الأمريكية، باعتبارها المنتصرة في الحرب الباردة، و لكن التطور الاقتصادي الذي حدث في الصين في آواخر سبعينات القرن الماضي بعد رحيل الزعيم الصيني قائد الثورة الثقافية ماو سيتونغ، و جاء بعده دينغ شياوبينغ الذي منح المزارعين حق استغلال الاراضي الخاصة، و الذي خلق طفرة في الاقتصاد. خاصة بعد تحولها من الاقتصاد المخطط إلي اقتصاد السوق، هذه السياسية الاقتصادية كانت بداية للنمو الاقتصادي الحر الصيني. حيث مكنها أن تدخل منافسا للدول الغربية و أمريكا في أفريقيا و تفوق استثماراتها 100 مليار دولار أمريكي و الصين لا تفرض شروط سياسية لذلك يرغبها القادة الأفارقة. في عام 2000 خلف الرئيس فلاديمير بوتين لبوريس يلسن، و استطاع بوتين أن يعيد قوة النزعة القومية وسط النخبة الروسية، و عمل على أعادة بناء الاقتصاد الروسي و تطوير الصناعات البيتروكيمائية و الطاقة الحفورية بهدف إعادة روسيا للمجتمع الدولى كدولة عظمى لها رؤيتها. و بالفعل استطاع أن جعل من روسيا دولة لها نفوذها في السياسة الدولية، و استطاعت روسيا أن تدخل القارة الأفريقية من خلال استثماراتها في كل من ليبيا و الجزائر، و من خلال شركة فاغنر أن تنمي استثماراتها في المعادن و خاصة الذهب في غرب أفريقيا و السودان. و أصبحت الآن تزاحم النفوذ الغربي و الأمريكي في غرب أفريقيا من خلال انقلابات مالي و بوركينافاسو و النيجر، و أن كان انقلاب الغابون يشك أن وراءه فرنسا بهدف حماية نفوذها في المنطقة من خلال أجيال جديدة. هكذا أصبحت أفريقيا تعود مرة أخرى لعهد الصراعات الإستراتيجية ما بعد الحرب الباردة، و يمكن الاستفادة منها للدول التي تريد أن تنهض.
في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا إقناع دول إكواس أن تتدخل عسكريا لحسم الصراع الذي أفرزته الانقلابات، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الحل الدبلوماسي و تحاول أن تعزز وجودها من خلال سياسة النفس الطويل. الأمر الذي يؤكد تباين السياسي الأمريكي – الفرنسي في المنطقة. حيث تحاول الولايات المتحدة أن تحافظ على نفوذها من خلال كسب دول أخرى في المنطقة لها نفوذا كبير و أثرا يمكنها أن تلعب دورا يحقق عملية الاستقرار في المنطقة. السودان باعتباره دولة ذات موقع إستراتيجي يربط بين شرق أفريقيا و غربها و أيضا جنوبها أن الولايات المتحدة عينها عليه، و لكن الصراعات السياسية الحادة في السودان لابد أن تتوقف و تتحول إلي حوارات سياسية تفطن لمصالح البلاد و المواطنين، و ليس على الرغبات النخبوية الضيقة التي مدعاة لتوليد الخلافات. حيث تدرك الولايات المتحدة أن الإسلاميين يمثلون قوى سياسية عريضة في المجتمع لا يمكن تجاوزهم، و تريد من القوى الأخرى أن تستوعب ذلك، و تحاول أن تبني لها حلفا قويا مؤثرا في الساحة من خلال التفاف قاعدة جماهيرية عريضة حولها، و ليس من خلال دعوات الإقصاء المولدة للصراع الحاد، أن الكتلة الجديدة مراد بها أن تخلق المعادلة المطلوبة مع الإسلاميين و حلفائهم، لكي تضمن الحفاظ على استقرار النظام الديمقراطي. و هذه المعادلة أيضا تتطلب بناء جيش مهني يملك القوة التي تؤهله على الحفاظ على النظام الديمقراطي، و أيضا حماية البلاد و حدودها و الدستور. و هذه تتأتي بالحوار بين المجموعات المختلفة، و ليس بوضع حوائط سميكة تفصل بينها. و النخبة السياسية القادرة على استيعاب ذلك و قادرة على الانفتاح من خلال طرح الأراء و الأفكار للحوار هي القادرة على قيادة البلاد للاستفادة من الصراع الإستراتيجي في المنطقة لمصلحة الوطن.
أن النخب السياسية لا تستطيع أن تخرج من الأزمة السياسية التي أدت للحرب، إلا إذا استطاعات أن تفكر تفكيرا برجماتيا للاستفادة من هذا الصراع المحموع الذي بدأ يتخلق داخل القارة الأفريقية، و على حدود السودان. أية محاولة للرجوع للتفكير التقليدي و الصراع الأيديولوجي العقيم الذي لم يكسب البلاد غير موروثات الفشل، لن يكون في مصلحة البلاد. أن العقليات التاريخية في الأحزاب التقليدية و اليسارية و اليمينة إذا فشلت الأجيال الجديدة أن تقيلها من مواقعها، لا تستطيع أن تحدث أي تغييرات جوهرية، تؤدي إلي التنمية و اتساع رقعة الاستثمارات، و لن تخرج البلاد من أزماتها المتواصلة. القيادات التاريخية لها أحترامها و تقدر نضالاتها، لكن في الحقيقة قد نضب خيالهم و أصبحت عقليات جامدة لا تتجدد لا معرفيا و لا فكريا، و لا يمكن الاستفادة منها في الحوارات الفكرية و السياسية، لأنها لا تستطيع أن تخرج عن دائرة مخزونها الثقافي القديم المتكيء على أطنان من الفشل.
أن السودان لكي يستفيد من الصراع الإستراتيجي الدائر الآن على حدوده الغربية، يحتاج إلي عقليات و أفكار جديدة تتعامل بمعادلات رقمية هندسية، و ليس عواطف سياسية تاريخية. الأجيال الجديدة تستطيع أن تفكر خارج الصندوق، و تقدم مشروعاتها التي تريد من خلالها بناء السودان و استقراره الاجتماعي و السياسي، و دون الميل لجانب دون الأخر إلا من خلال الذي يسهم بالفعل في نهضة السودان و اتساع رقعته الاستثمارية في كل الحقول ( الزراعية الصناعية – الطاقة – المعادن – التعليم – الصناعات الدفاعية و غيرها) هذا التحول يحتاج لأجيال مؤمنة بالديمقراطية ايمانا مبني على المعرفة و المرجعية الفكرية و ليس شعارات بهدف التضليل. القوى الديمقراطية لا تتخوف من الحوارات الفكرية و الثقافية و غيرها لأنها تعتقد أن الحوارات أهم مدرسة لإنتاج الثقافة الديمقراطية و توليد الثقة السياسية و المجتمعية، و في نفس الوقت تخفف حدة النزاعات و حتى الحدة الفظية. سودان جديد يعني فكر جديد ثقافة جديدة قائمة على احترام المجتمع و توجهاته الاخلاقية وعقليات جديدة. لكن سودان جديد بمكنات قديمة معطوبة لا يمكن أن يكون. نسأل الله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المنطقة تستطیع أن لا یمکن من خلال

إقرأ أيضاً:

إنفيديا تنقل صناعة رقاقاتها الخارقة إلى الولايات المتحدة بعد رسوم ترامب

أعلنت شركة إنفيديا الاثنين أنها ستصنع شرائح لأجهزة الكمبيوتر الخارقة المستخدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالكامل في الولايات المتحدة لأول مرة، في ظل سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجبار الشركات الأمريكية على نقل إنتاجها إلى بلدها الأم.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جينسن هوانغ في بيان "تُبنى محركات البنية التحتية العالمية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة لأول مرة".



وقالت شركة أشباه الموصلات المتطورة العملاقة إن مصانع لأجهزة الكمبيوتر الخارقة تُبنى حاليا في تكساس بالشراكة مع شركتي فوكسكون وويسترون التايوانيتين، ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة التصنيع خلال الأشهر الـ12 إلى 15 المقبلة.

وأضافت الشركة الأمريكية التي تتخذ مقرا في كاليفورنيا أن مصانع "تي اس ام سي" TSMC (التايوانية أيضا) في أريزونا بدأت في إنتاج "بلاكويل" Blackwell، وحدات معالجة الرسومات (GPUs) الأكثر تقدما من إنفيديا.



وبرزت إنفيديا بين شركات التكنولوجيا الأمريكية في سيليكون فالي منذ الانتشار السريع لبرنامج "تشات جي بي تي" للذكاء الاصطناعي التوليدي في نهاية عام 2022. لكن الشركة تعول في إنتاج الرقائق على تعاقدها مع جهات خارجية، خصوصا في آسيا، وتحديدا في تايوان والصين.

وقال هوانغ "إن إضافة التصنيع الأمريكي يساعدنا على تلبية الطلب المتزايد بشكل أفضل على رقائق الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر الخارقة، وتعزيز سلسلة التوريد لدينا، وتقوية قدرتنا على الصمود".

وتخطط إنفيديا لتصنيع معدات الذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار في الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد من خلال شراكات مع "تي اس ام سي" و"فوكسكون" و"ويسترون" و"أمكور" و"سبيل".

وقال البيت الأبيض في بيان "إن إعادة هذه الصناعات إلى الوطن أمر جيد للعمال الأمريكيين والاقتصاد الأمريكي والأمن القومي الأمريكي".

وحظرت الحكومة الأمريكية تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا إلى الصين، في محاولة للحفاظ على ريادة البلاد في هذه التكنولوجيا الحيوية، من التطبيقات العسكرية إلى الاستخدامات اليومية.

وأُعفيت أشباه الموصلات من الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها دونالد ترامب، ولكن لفترة محدودة.

وأعلن الرئيس الأمريكي الأحد الماضي أنه سيعلن "خلال الأسبوع" فرض ضرائب جديدة على الرقائق الإلكترونية المستوردة إلى الولايات المتحدة.



وقال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية إنه سيتم فرض الرسوم الجمركية في المستقبل غير البعيد. و

عندما سُئل عن قيمة الرسوم، قال "سأعلن عنها خلال الأسبوع المقبل".

من منصات الإنترنت إلى شركات تصنيع الرقائق، تحاول شركات التكنولوجيا العملاقة كسب ود الرئيس الجمهوري من خلال استثمارات في الولايات المتحدة وتدابير سياسية، على أمل تجنب تداعيات حربه التجارية ضد الصين.

مقالات مشابهة

  • في الذكرى الثانية للحرب .. هل ينتعش اقتصاد السودان؟
  • قلق أممي من تفكك السودان بعد إعلان حميدتي عن حكومة منافسة
  • طهران: نرحب بأي اتفاق قد يتم التوصل إليه خلال المحادثات مع الولايات المتحدة
  • "الرئاسي الليبي" يحذر من التصعيد غير المبرر بالساحة السياسية في البلاد
  • المجلس الرئاسي يصدر بياناً حول ما تشهده الساحة السياسية من تصعيد
  • الولايات المتحدة تبلغ إسرائيل بالانسحاب التدريجي من سوريا خلال شهرين
  • إنفيديا تنقل صناعة رقاقاتها الخارقة إلى الولايات المتحدة بعد رسوم ترامب
  • الحرب دخلت عامها الثالث.. أطفال السودان يدفعون الفاتورة الأعلى
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • السودان ليس مدعوا لمؤتمر في لندن يتناول شؤونه وتحضره 14 دولة