قال الشيخ الدكتور صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن هذه الدار خداعة غرارة، والنفسَ بالسوء أمارة، والشيطانَ يأمر بالسوء والفحشاء، ويدعو إلى الخسارة، وأمل ابن آدم في هذه الدنيا طويل، وعمره فيها قصير.

هذه الدار خداعة

وأوضح " بن حميد" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من تم أجله انقطع عمله، وأسلمه إلى الله أهله، وانقطعت عنه المعاذير، وأن الأعمال جزاء، فاحذروا العواقب، والدهر تارات فكونوا على حذر، من لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان"، منوهًا بأن الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها.

وتابع: وبخلقه من الروح والجسد لا يقنعه علم، ولا يكفيه متعة، بل فيه قلق، واضطراب، وخوف، وفيه حاجة إلى الطمأنينةِ بعد القلق، والسكنِ بعد الاضطراب، والأمنِ بعد الخوف الإنسان وحده من بين جميع المخلوقات يحتاج إلى سند يعتمد عليه إذا ألمت به شدة، أو حلت به كارثه ، أو واجه ما يكره ، أو خاب ما يرجو ، أو وقع ما يحذر.

وأضاف أن الإنسان وحده هو الذي يفكر في المبدأ ، ويتأمل في المصير ، وينظر في الكون ، ويعلل الأحداث، الإنسان وحده هو الذي يتخذ مواقف بحسب هذه النظرات والمدركات، والأسباب والمسببات ، هذه هي الغريزة الدينية المشتركة بين كل أجناس البشر مهما كان تعليمهم ، ومهما كانت أُمّيتهم" ، وجوهر الدين ثابت في النفوس لأنه مرتبط بجوهر الطبيعة البشرية.

تتصل بجوهر الحياة

وأكد أنه لم توجد أمة من أمم أهل الأرض بغير دين ، بل إن حاجة الإنسان إلى الدين أعظم من حاجته إلى الغذاء والدواء ، وإنها حاجة تتصل بجوهر الحياة، وترتبط بسر الوجود هل يكون في نظر العاقل أن هذه الحياة ليست إلا أرحاماً تدفع، وأرضاً تبلع، والمصير التراب، ويقول فيلسوف ملحد: تشير المعابد، والكنائس، والمساجد في جميع الأعصار والأمصار، تشير ببنيانها وعظمتها وبهائها إلى أن حاجة الإنسان للدين حاجة قوية راسخة.

واستطرد: ويقول ملحد آخر: لقد وُجِدت في التاريخ مدناً بلا حصون، وَوُجِدت مدناً بلا قصور، ووجدت مدناً بلا مدارس، ولكن لم توجد مدناً بلا دور للعبادة ، منوهًا بأن الدين فطرة مستقرة في قلوب كل البشر ، لا تحتاج في إثباتها إلى كبير جدل ، أو طويل حوار ، لأنها من البدهيات.

وأفاد بأن الإنسان مفطور على العبادة، والاعتقاد ، والإيمان: ( كل مولود يولد على فطرة ) ، حتى الملحد يبحث عن اليقين ، والطمأنينة ، ويبحث عن الغايات العليا ، وهذا كله لا يكون إلا في العقيدة الصحيحة ، والدين الحق ، والإيمان الصادق، وأن الدين الحق - بفضل الله - ومنته هو الذي يمنح القوة عند الضعف ، والأمل حين اليأس ، والرجاء وقت الخوف ، والطمأنينة عند القلق ،  والصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

لا يكون للحياة طعم

وبين أنه لا يكون للحياة طعم، ولا يكون فيها أهداف سامية إذا كان في القلب فراغ روحي و أن الدين الصحيح هو مصدر القيم ، والأخلاقِ ، والمثلِ العليا ، والحياةِ المطمئنة، وحيرة بعض العقول في الإيمان بالخالق ليس عن برهان، ولا علم ، بل هذه الحيرة - كما يقول أهل التحقيق والنظر-: هي عرض مرضي ، ووسوسة نفسية ، وليست ظاهرة فكرية علمية فالحيرة عند هذه العقول آفة نفسية وليست شبهة عقلية" .

ونبه إلى أن الإلحاد ليس إيمانًا بل هو فقد للإيمان، فالملحد ملحد لأنه لم يستوعب أدلة الإيمان، وليس لأنه يملك أدلة على نفي الإيمان ، فالذي في قلب الملحد هو غياب الإيمان بالله ، وليس الإيمان بأنه لا إله، وأن المنكر والمشكك لا يستند إلى علم صحيح ، ولا إلى عقل صريح ، بل هو سلبي ، فهو لم يستوعب الأدلة ، كما أنه لا يستطيع أن يدلل على ما يعتقد ، ولهذا قال بعض فلاسفتهم : ( لا يوجد ملحد حقيقي ) .

ونوه بأن الملحد لم يرتح ضميره؛ لأنه لم يوافق الفطرة، ولم تطمئن سريرته؛ لأنه لم يوافق العقل، لقد طلب الدليل على الواضحات، فهو كمن يريد أن ينير ضوء الشمس بشمعة اضطربت المعايير عنده فتاه في الواضحات عقله، ينطلق من وهم معدوم، ويطمع في عدمٍ موهوم ، قائلاً: تأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( كثير من العلوم الضرورية فطرية ، فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ووقع في الشك) القلوب ضعيفة ، والشُّبَه خَطَّافة ، والأهواء مضلة ، والشهوات والأهواء تسهل مرور الشبهات .

وأشار إلى أن الشهوات والأهواء هي صابون الشبهات، والإلحاد مكون من الشك القلبي ، والتشتت الفكري ، مضيفاً "تراهم يقولون : ننطلق من الشك حتى نصل إلى اليقين ، وهذا كمن يقول : نشربْ السمَّ لنجرِّبَ بعده الدواء إن وجود الرب سبحانه أظهر للعقول والفطر من ظهور الشمس وضياء النهار ، ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهم عقله وفطرته" .

دليلك إلى ربك

ولفت إلى أن كل ما تراه بعينك ، أو تسمعُهُ بأذنك ، أو تعقِلُهُ بقلبك ، هو دليلك إلى ربك طريق العلم بالله أمر ضروري ليس فيه أي شك سبحان الله كيف يُطلب الدليل على من هو على كل شيء دليل ، أن لله طرائقَ بعدد أنفاس الخلائق ، ( له في كل شيء آية تدل على أنه الواحد ) ، والملحد ترك ربه وعبد الطبيعة ، وعصى الله وأطاع البشر ، وهجر الشرع واتبع الوهم ، وعاب على المتدينين الاتباع ، وهو متعلق بما يقوله أهل الإلحاد ، واستنكر في الدين مخاطبة القلب ، وهو حائر فيمن يخاطب قلبه ، وادَّعى الثقة والجزعُ يملأ قلبه ، وظَنَّ اليقين والحيرةُ تملأ جوانحه مبيناً أن الجهل بالدين هو التربة الخصبة لنشأة الإلحاد في أي مكان، وأي زمان ، وكلما كان الدين الصحيح راسخاً كان الضلال أبعد .

وشدد على أن قبول الحق ليس رهين قوة الحجة، ولا وضوحِ المحجة، ولكنه رهينُ الصدق في طلب الحقيقة والحرصِ عليها ، ولهذا فإن الحديث عن الحقائق لمن لا يصدق في طلبها جهد ضائع، منوهًا بأنه ليس لله خلقٌ هو أحسنَ من الإنسان ، فإن الله خلقه حيًّا ، عالمًا ، قادرًا ، متكلمًا ، سميعًا ، بصيرًا ، حكيمًا، أما الملاحدة فقد أسقطوا الإنسان من عز التكريم الرباني إلى درك الحيوان، وما هو أدنى من الحيوان ، وسلبوه خصيصة العقل ، فهو بعقله يرتقي فوق جميع المخلوقات ، في وعي ، وإرادة حرة ، وليس غريزة جبلية ظاهرة ، سلبوه فضيله تسخير الكون له ، هو عندهم منحط من خلية ثم حشرة وما فوقها ، فهم لا يرونه إلا ذرة في مجرة.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام لا یکون أنه لم إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل الروح تموت أم لا.. الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية إن أهل العلم اختلفوا في حقيقة موت الروح، فذهبت طائفة إلى أنها تموت؛ لقول الله سبحانه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]، وقالت طائفة أخرى إنها لا تموت؛ للأحاديث الدالَّة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد.

قال القاضي محمود الألوسي في "تفسيره" (15/109، ط. دار الطباعة المنيرية): [والصواب أن يقال: موت الروح هو مفارقتها للجسد، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل فهي لا تموت بل تبقى مفارقة ما شاء الله تعالى ثم تعود إلى الجسد وتبقى معه في نعيم أو عذاب أبد الآبدين ودهر الداهرين، وهي مستثناة ممن يصعق عند النفخ في الصور على أن الصعق لا يلزم منه الموت، والهلاك ليس مختصًّا بالعدم، بل يتحقق بخروج الشيء عن حد الانتفاع به ونحو ذلك] اهـ.

قالت دار الإفتاء المصرية إن لفظ "الروح" و"النفس" من الألفاظ التي تؤدي أكثر من معنًى، وهما في الواقع متغايرتان في الدلالة بحسب ما يحدده السياق، وإن حلَّت إحداهما محلَّ الأخرى في كثير من النصوص الشرعية، لكن على سبيل المجاز وليس الحقيقة.
وأوضحت الإفتاء معنى الروح وهي ما سأل عنها اليهودُ فأجابهم الله تعالى في القرآن بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]؛ فهذه الروح التي يحيا بها الإنسان هي سِرٌّ أودعه الله في المخلوقات واستأثر في علمه بكنهها وحقيقتها، وهي التي نفخها في آدم عليه السلام وفي ذريته من بعده.

الفرق بين الروح والنفس
قالت الإفتاء إنَّ كلمتَي الروح والنفس ترددتا في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وكثر ورود الكلمة الأخيرة مفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد.

وتابعت: وقد اختلف العلماء في الروح والنفس، هل هما شيءٌ واحدٌ؟ أو هما شيئان متغايران؟ فقال فريق: إنهما يطلقان على شيء واحد، وقد صحَّ في الأخبار إطلاق كلٍّ منها على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزَّار بسند صحيحٍ عن أبي هريرة: "إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين فَوَدَّ لو خرجت -يعني نفسُه-، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض"، فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس والنفس على الروح.


وقال الفريق الآخر: إنهما شيئان؛ فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها وهي تلتذ وتفرح وتتألم وتحزن، فالروح جسمٌ نورانيٌّ علويٌّ حيٌّ يسري في الجسد المحسوس بإذنِ الله وأمرِه سريانَ الماء في الورد لا يقبل التحلُّل ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطي للجسم المحسوس الحياة وتوابعها، ويترقى الإنسان باعتباره نفسًا بالنواميس التي سنَّها الله وأمر بها؛ فهو حين يولد يكون كباقي جنسه الحيواني لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقي الصفات النفسية من الشهوة والغضب والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه في العبادة تغلَّبت روحه على نفسه فأحبَّ الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته.

مقالات مشابهة

  • الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت
  • ين عام "الأعلى للشئون الإسلامية" يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت
  • العلاقات الزوجية.. خطيب المسجد الحرام: متى علم الزوجان الحقوق والواجبات نعما سويا بالسعادة
  • خطيب المسجد النبوي: الابتلاء سنة الحياة ليختبر الله الصبر ويزيد اليقين عند الإنسان
  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي: الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما سر ثبات الأمة في أقسى الأزمات
  • خطيب المسجد النبوي: الإيمان وحسن الظن بالله هما السر الكامن في ثبات الأمة وقت الأزمات
  • في عالم مصطخب بالمشكلات.. خطيب المسجد الحرام: الإسلام أرسى قواعد الأخوة والمحبة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • هل الروح تموت أم لا.. الإفتاء توضح
  • حكم إخراج الصدقة بنية تحقيق شيء معين.. اعرف الموقف الشرعي