تقارب بين فنزويلا والصين وسط توترات بين بكين والغرب
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
قالت وزارة الخارجية الصينية إن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، سيزور البلاد اعتبارا من الجمعة، في إشارة إلى تجدد التواصل بين البلدين، وسط توتر علاقات بكين مع العواصم الغربية.
ومن المرجح أن تكون قضايا الاستثمار في الطاقة وسداد الديون، محور الزيارة التي تبدأ من الثامن وحتى الرابع عشر من سبتمبر.
وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وأكبر دائن لفنزويلا ولاعب رئيسي في قطاع النفط في البلد صاحب أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في العالم.
وذكرت الوزارة أن زيارة مادورو، تأتي في أعقاب اجتماعات في شنغهاي وبكين، بين وفد فنزويلي ضم نائب الرئيس ووزير النفط وبين مسؤولين صينيين، كان من بينهم وزير الخارجية، وانغ يي، في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماو نينغ، في مؤتمر صحفي دوري الجمعة، "العلاقات بين الصين وفنزويلا صمدت أمام اختبار التغيرات في الوضع الدولي وظلت صلبة كالصخر. والثقة السياسية المتبادلة بين البلدين تزداد قوة".
وذكرت نائبة الرئيس الفنزويلي، ديلسي رودريجيز، في منشور الجمعة، أن الحكومتين تعملان على تعزيز العلاقات الثنائية، وتوسيع "التعاون الاستراتيجي والعمل الدولي المشترك لصالح السلام واحترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده".
وكانت آخر زيارة لمادورو للصين في عام 2018 عندما التقى بشي في بكين.
تأتي هذه الزيارة بعد محاولات غربية لتعزيز تواجدها في القارة اللاتينية، في ظل محاولة الغرب من تقليص النفوذ الصيني الروسي في هذه المنطقة من العالم، وهي محاولات لم تأتي بثمارها حتى الآن، فالقمة التي جرى عقدها في بروكسل منتصف العام الجاري بين دول التكتل، ونظرائهم من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، أظهرت وجود خلافات لم تتمكن القارة العجوز من تخطيها مع عدد من حكومات أميركا اللاتينية.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات الطاقة سداد الديون الصين مادورو شنغهاي بكين النفط الصيني الروسي بروكسل فنزويلا الصين العلاقات الصينية الطاقة سداد الديون الصين مادورو شنغهاي بكين النفط الصيني الروسي بروكسل
إقرأ أيضاً:
نحنُ والغرب.. استرداد التمثيل
عندمَا سلّمنا للغرب تراثنا يعرِضُه علينا ويُفصّله ويبحث فـي تجاويفه ويُخرجه على الهيئة التي يُريد، عند ذاك خسرنا قسْمًا من إعادة تشكيل هُويّتنا السرديَّة، من الوقوف على قراءة حقيقيّة لمن نحن، وما هو تاريخنا. تحتاجُ الأمم قطْعًا فـي كلّ مرحلةٍ من الزمن إعادة قراءة لتاريخها والبناء عليه من أجْل نهضةٍ حقٍّ، ومن أجل بناءٍ سليم لمقبلٍ فاعل ومتأسّسٍ. لقد تعرّضنا عبر التاريخ إلى هزّتين فاعلتين فـي تكدير التراث، الهزّة الأولى كانت فـي العودة فـي التفاسير، تفاسير القرآن الكريم إلى القصص الإسرائيليّة، وإلى المرويّات اليهوديّة نظرًا فـي الكوْن وفـي تاريخ الرسل والملوك، وفـي بيان بداية الكون ونهاياته، فـي روايات الطبري وابن كثير أساسًا، وهو ما انعكسَ سلْبًا أيضا فـي تدوينهما لتاريخ العرب من وفْرَةِ الأساطير من جهةٍ ومن تسرُّب الرؤية الإسرائيليّة ومرورها إلى الاعتقاد العالم والشعبيّ أيضًا، مثّل فـيها عبيد بن شريّة الجُرهمي صُورةً عن التخييل التاريخي الضّارب فـي التهويم وفـي الأدبيّة من جهة، المؤثّر، الفاعل، فـي تدوين التاريخ واتّخاذه مرجعًا علميّا فـي أحايين عديدة من جهة ثانية.
تلكَ هزّةٌ أثَّرت بشكل بالغٍ فـي تشكيل الذاكرة العربيّة وفـي بناء أرضيَّةٍ معرفـيّة لتاريخٍ يُمكن الصُّدور عنه والبناء عليه. أمّا الهزَّة المعرفـيّة الثانية، فقد كانت فـي العصر الحديث، عندما تولّى المستشرقون عُهْدة عرْضِ التراث العربيّ وتقديم أعلامه، وتحقيق مصادره وتقديمها وعرضها، وبناء نوى البحث الكبرى فـيه وتشكيل أرضيّة معرفـيّة صارت مرجعًا وسنَدًا يبني عليه علماؤنا آراءهم لحدّ اليوم، رغمًا عن المراجعات الجذريّة والنقد العالم الذي تعهّد به إدوارد سعيد بدْءًا ومن عدد من تلامذته فـي نقد مرجعيّة الاستشراق وخلوّه من البراءة العلميّة. العجيب فـيما أفكّر فـيه دومًا ولا أجد له جوابًا، لمَ إدوارد سعيد لا يُشكِّلُ مرجعيَّة علميَّة فـي الجامعات العربيّة؟ لمَ ليس مدوَّنة تعليميّة بها نُعلِّمُ طلبتنا أصول النقد الحضاري والتاريخي والأدبيّ والمعرفـي؟ إدوارد سعيد بابٌ من المعرفة مركوز فـي خاصرة الثقافة الغربيَّة، ومثّل بنقده للسلطة ولأصول المعرفة ولهيمنة الغرب مرجعًا لفلاسفة تهزُّ أسماؤهم مدرّجات العلم عند العرب والغرب.
لا شكَّ أنّنا فـي هذه المرحلة من وفْرَة العواصِف التي تقضُّ مضجع الهُويّة العربيّة الإسلاميّة، وترسِّخ خطابًا كونيًّا يُقيم سرديّات الغالب -بعبارة ابن خلدون- بحاجةٍ إلى رؤيةٍ فلسفـيّة عميقة وإلى أدواتٍ إجرائيّة تُنْصِفُ الهامش وتبين سكاكين المركز، فهذه السرديَّة الغربيّة قد تعدَّت الهيمنة الثقافـيّة والمعرفـيّة التي تجلّت فـي أعمال المستشرقين الذين مهّدوا لفكرٍ استعماريٍّ ولتشكيل صُورة نمطيّة عن العرب والمسلمين، قوامها الدونيّة والوحشيّة والحاجة إلى التمدين وإلى ترسيخٍ فـي هوَّة التبعيّة، الغربُ لم يكن يومًا طالبًا لعلمٍ بأرضِ العرب، وإنّما كان علمُه موجَّهًا ومعرفته قليلة، ومنطق الدونيّة والتبعيّة المعرفـيّة جعلنَا نأخذ منه رؤيته لنا ولتاريخنا، ولا عجب فـي هذا المقام أن أذكر أنَّ ما أقامه عميد الأدب العربيّ من رؤيةٍ سطحيّة للشعر الجاهليّ نُكرانًا واعتقادًا جازمًا بنحله ووضعه هو نقلٌ لأفكارٍ غربيّة لمستشرقين آمن بهم وبعلمهم (ولسنا هنا فـي مقام الردّ على كتاب فـي الشعر الجاهلي، وإلاّ لأبنَّا ضعفه العلمي دون استنقاص من منزلة طه حسين) إيمانًا أعمى دون نقد أو تفحُّصٍ أو تنقيب، وقد عمد عبد الرحمن بدوي فـي همْز لطيف لطه حسين إلى ترجمة المقالات التي اتّخذها طه حسين مصدره دون الإشارة إليه، ونشرها فـي كتابٍ بعنوان دراسات المستشرقين حول صحّة الشِّعر الجاهلي، فإذا أنت تقرأ كلّ ما فـي كتاب فـي الشعر الجاهلي لطه حسين، وإذا أفكاره ومختلف حججه موزّعة فـي مقالات المستشرقين، فهل أنّ تيودور نلدكه (الذي أيضًا كتب كتابًا حمَّال نقدٍ حول تاريخ القرآن، وغفل عنه بعض العرب، واعتمده البعض الآخر دليلًا وشاهدًا ومصدرًا) أو مرجليوث أو بروينلش أو جولدتسيهر أو سبرنجر على وعي بدقائق شعر العرب وبمختلف دلالات ألفاظه وتراكيبه ومقاماته حتّى يُوجِّهوا قراءتنا لشعرنا القديم؟ فإن افترضنا ذلك، وهو أمرٌ متحقِّق عند قسم من المستشرقين، فهل يعني ذلك أنْ نأخذ عنهم رؤيتهم وآراءهم بدونيّةٍ وبوعيٍ ناقصٍ، وأن نُقدِّس ما بلغوه من آراءٍ تبدو أحيانًا سطحيّة وبسيطة. لا يعرف المستشرقون آليَّة الخبر فـي التراث العربيّ وأتوا أحيانًا بأخبارٍ تُثبِتُ وضع الشعر الجاهليّ (وهو أمرٌ يقينيّ ومثبَتٌ منذ القرن الثاني للهجرة)، ولم يكونوا فـي حاجة إلى إثباتِ هذا الوضع، ولكنّ العرب لحدِّ اليوم لهم قُدرة شعريَّة لا يُدركها أغلب المستشرقين، وهي إمكان النسج على منوالٍ، أو فـي أبهى الصُّور الفنيّة هي المعارضَة، ولكن الواضع الذي ينسج على منوال شاعرٍ يُراعي معجمه ومقامه وفضاءه، فهو وفـيٌّ لفضاء الشعر المتبَّع. هذا نموذجٌ فحسب حول إيماننا المبالغ فـيه بالآخر، الآخر الذي يحمل فـي الأصل مشروعًا للسيطرة، ومعيدٌ لإنتاج صور نمطيَّة عن الشرق (دون حتّى التفكير فـي أنّ الشّرقَ ليس واحدًا، والعرب أمم قد تتباين منازعها).
عودًا إلى إدوارد سعيد، فله الفضل فـي إعادة تعريف هذا الآخر المستشرق، وأن نحدّ من درجة إيماننا الأعمى به، ونحن اليوم فـي ظلّ فكرٍ غربيٍّ قادرٍ ومعلنٍ عن إمكان إزالة شعبٍ برمّته ومحوه من الوجود، نحتاج إلى إعادة ضبْط علاقتنا بالآخر، ولذلك نبدو فـي حاجة ماسّة إلى استدعاء أفكار إدوارد سعيد فـي قدرتها على تفكيك الأنماط الفكريّة، العالم الغربيّ اليوم يحتكر سرديَّة واحدة ويعمل بجدّ على إعادة صياغة الهُويّات وفقا لرؤيته التي تخدم منظومة العولمة تحكُّما فـي معطى آخر غير الأرضيّة الاستشراقيّة التي انتقدها إدوارد سعيد، اليوم التحكّم فـي البيانات والخوارزميات والمنصات الرقمية هو الذي يَعرِض هذه السرديّة التي يُمكن أن تنغرس فـي العقول، وأنّ تُحوِّل الكون إلى جنودٍ لصانع هذه البرمجيّات، العالم اليوم يتشكّل رقميّا، فـي حرْبٍ نحن -كما كنّا دوما- فـيها المتلقّون. أضحت بذلك السرديّة البديلة أكيدة، التي بها يُمكن أن يكون المثقَّف أداة للتحرّر فـي عالمٍ مقيَّد بالبرمجيّات، وجب أن يستردّ الهامش القدرة على التمثيل، وأن ينعتق من أثر ثقافة المستعمر الذي تلوّن فـي أقنعة جديدة والجوهر واحد، ولكن هل المثقَّف العربيّ اليوم على وعي بهذا الحمل الثقيل؟ وهل هو قادرٌ على الصدح بسرديّة بديلة عن السرديّة الواحدة للعالم الواحد فـي الكون الواحد؟