صوامع الحبوب.. هياكل عملاقة تؤمن غذاء العالم
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
صوامع الحبوب؛ منشآت لتخزين الحبوب تعود جذورها إلى الحضارات القديمة، شهدت تطورا في الأحجام والتقنيات في العصر الحديث مع كثافة الأنشطة الزراعية والتبادلات التجارية، وقد أصبحت من أهم منشآت قطاع الحبوب في العالم.
النشأة والجذورتعود جذور صوامع الغلال إلى فجر الحضارة الإنسانية مع بدايات ممارسة الزراعة، وتشير دلائل أركيولوجية (علم دراسة الآثار) اكتشفت قرب البحر الميت إلى ممارسة تخزين الحبوب قبل أكثر من 11 ألف سنة.
ومع بدء استئناس حبوب الأرز والقمح والشعير والذرة، برزت الحاجة إلى طرق للتخزين، ووفقا للمواقع الأثرية؛ فقد تم استخدام مخازن مطمورة في الأرض وشُونات على سطحها لهذا الغرض.
وفي أواخر ستينيات القرن الـ20 اكتُشفت في منطقة الشام وفلسطين مساكن تضم بيادر وهياكل حجرية دائرية لتخزين الحبوب مبطنة بالجص، يعود تاريخها إلى ما بين 1850 و1750 قبل الميلاد.
وعرفت الحضارات المصرية والإغريقية والرومانية والأميركية الجنوبية أنماطا مختلفة من منشآت تخزين الحبوب، وتُعد الشونة المعروفة حتى اليوم تطورا لأنماط التخزين القديمة.
ويعود ظهور صوامع الغلال أو صوامع الحبوب في شكلها المعاصر إلى القرن الـ18، حيث تطورت في خضم كثافة الإنتاج والحاجة إلى وسائل أكثر كفاءة لتخزين المحاصيل، بغرض استخدامها أعلافا في المزارع أو للمبادلات التجارية واسعة النطاق.
ويعتقد أن أول صومعة حديثة شُيّدت في إلينوي في الولايات المتحدة، وكانت ذات هيكل خشبي ومخصصة لتخزين الحبوب. ومع انهيارات الصوامع الخشبية وتسببها في حوادث خطيرة، ظهر الاتجاه لاستخدام الصوامع الإسمنتية بعد تشييد أولاها في مينيابوليس في الولايات المتحدة عام 1880.
واحتفظت الصوامع بأهميتها على مر التاريخ، وقد لفتت تطورات دولية -مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات على طرق التجارة الدولية ووباء كورونا- من جديد الانتباه إلى الأهمية الإستراتيجية لهذه المنشآت للأمن الغذائي للدول.
الأهميةيسمح تخزين المحاصيل باستهلاكها على فترات أطول، قد تتراوح بين أسابيع وأشهر إلى سنوات بعد الحصاد، وهو ما يعزز الأمن الغذائي ويقلل الهدر ويخفف تقلبات الأسعار خارج مواسم الحصاد، خاصة في البلدان المعتمدة على الاستيراد.
وتحول قطاع التخزين مع الوقت إلى نشاط صناعي وتجاري مهم، وباتت الجهات الحكومية والشركات الزراعية الكبرى والتجار والمزارعون يولون اهتماما كبيرا لصوامع الغلال، ويتقلب الطلب على تشييدها وتأجيرها بناء على مختلف العوامل المؤثرة في الإنتاج.
ويقدر حجم قطاع صوامع الحبوب عام 2023 بنحو 1.76 مليار دولار. وتحوز كندا والولايات المتحدة أكبر حصة من هذه السوق، في حين تعد منطقة آسيا والمحيط الهادي الأسرع نموا في هذا القطاع.
ويقدر المجلس الدولي للحبوب حجم طاقة التخزين العالمية بـ278 مليون طن متري في 2021، منها في العالم العربي على سبيل المثال 70 صومعة في مصر و27 في السعودية.
الصومعة عبارة عن هيكل معد لتخزين المواد غير المائعة، وتتركز أغلب استخداماتها في حفظ وتخزين المحاصيل الزراعية ولا سيما الحبوب، في انتظار التسويق أو الاستهلاك أو تحويلها إلى طحين.
تُختار مواقع الصوامع بجوار المنشآت ذات العلاقة بدورة الإنتاج الزراعي من حيث الحصاد والنقل والمعالجة، كالموانئ والمطاحن، فضلا عن المزارع.
وإضافة إلى المواد الغذائية، توجد صوامع تستخدم لتخزين مواد أخرى بكميات كبيرة كالفحم والإسمنت ونشارة الخشب. وتستخدم الصوامع في مجال تربية الماشية لتخزين الحبوب أو الأعلاف المخمرة، كما تستخدم بعض الأنواع لأغراض تخمير الحبوب من أجل بذرها من جديد.
أنواع الصوامع الحديثةتتمثل صومعة الغلال في شكلها الحديث من خزان ذي سعة كبيرة، قد يتخذ أشكالا متعددة أبرزها الأسطواني والمضلع. كما تختلف وفق سعة التخزين والارتفاع والعرض والقطر، فقد يكون هيكلها قائما على شكل برج بقطر أضيق أو أفقيا ذا قطر واسع، وذلك وفقا للهدف من المنشأة وموقعها والمساحة المتوفرة وطبيعة التربة.
وتختلف الصوامع كذلك من حيث المواد المستعملة في بنائها، حيث تتكون الصوامع الكبيرة من المعادن أو الإسمنت المسلح، أما الصغيرة فقد تكون من اللدائن أو الأخشاب أو الحديد المموج (الشينكو)، وتوجد أكياس بلاستيكية كبيرة تستعمل صوامع، لكن أغلب هذه الأنواع الصغيرة ذو عمر افتراضي أقصر أو يستخدم مؤقتا ولا يلائم الاستعمالات ذات النطاق الواسع.
وتتكون المنشآت الكبرى للصوامع من مخازن متجاورة كبيرة الأحجام تنتهي كل منها في الأسفل بفتحات للتفريغ، وتعلو سقوفها آلات لتعبئتها بالمحاصيل. كما تضم المنشأة أقساما مختلفة كغرف للكهرباء والتحكم ومبان إدارية وورشات وغيرها.
وتتوفر في الصوامع الحديثة أنظمة لمعالجة المحاصيل وتفريغها وشحنها ونقلها بين مكونات المنشأة وتنقيتها من الغبار والعوالق، فضلا عن ضبط التهوية والحفاظ على درجات الحرارة والرطوبة المناسبتين لسلامة المخزونات.
وتصمم هذه المنشآت بناء على دراسات فنية تضمن مقاومة حجم الأحمال المستمرة الناتجة عن وزن المواد المخزنة، وكذلك الأحمال الظرفية التي تنتج أثناء عمليات التعبئة والتفريغ.
وتؤثر طبيعة المواد المستعملة في البناء على جودة المخزونات، بما في ذلك مخاطر ارتفاع الرطوبة وزيادة مستويات الأفلوتاكسين وتأثر البروتينات في المواد المخزنة، وتتعلق هذه الظواهر أكثر بالصوامع الصغيرة التي لا تتبع المعايير المطلوبة في المنشآت الكبيرة.
الصوامع المعدنيةتتكون الصوامع المعدنية من هياكل تخزين مصنوعة من الفولاذ المجلفن أو الألومنيوم، وتكون مثبتة على قواعد من الخرسانة. وتمتاز بسهولة التركيب وسرعة إنجازها النسبية، حيث تُجمع قطعها المصنوعة مسبقا، وهو ما يتيح إمكانية رقابة أفضل للجودة ومرونة أكبر في تنفيذ الأشغال.
وتتيح هياكلها مرونة إمكانية تركيب الملحقات بسهولة مثل الأبواب والسلالم، كما تتوافق أكثر مع متطلبات الأمان في المناطق التي تتعرض للزلازل.
ويتيح الوزن الخفيف لهذه الصوامع إمكانية تشييدها على تربة ذات قدرة تحمل أقل، كما أنها أقل كلفة من الناحية المالية وتحقق عائدا استثماريا أفضل وتوفر كلفة تخزين أقل.
ولا تخلو الصوامع المعدنية من عيوب ومشكلات، لا سيما في غياب المراعاة الدقيقة للمتطلبات الفنية ودقة التصميم وجودة المواد المستعملة. وتتضمن هذه المخاطر تآكل المكونات المعدنية، وتدهور جودة المخزونات بسبب إمكانية نشوء البكتيريا، وتأثر المحاصيل بالحرارة بسبب سمك الحائط وطبيعته المعدنية الناقلة للحرارة.
ولأنها مركبة من صفائح مصنوعة بشكل منفصل، فقد تكتنفها مشكلات في النفاذية كتسرب مياه الأمطار من مناطق التحام الصفائح إلى داخل الهياكل ما يؤثر على جودة المادة المخزنة.
تعزز استعمال صوامع الإسمنت بسبب ما توفره من متانة في الهياكل، لكنها تعتبر أقل مرونة وتعتمد استدامتها على التصاميم الهندسية والمواد المستخدمة. ويوفر حديد التسليح كلفة معقولة تجاريا، وقد يستخدم عنصر البوليمر المدعّم بالألياف الأعلى كلفة في هذه المنشآت؛ ما يوفر مقاومة أفضل للتآكل.
وتعد الصوامع الإسمنتية ذات السعات الكبيرة مشروعات إنشائية ضخمة، وتنفذ هياكلها من الإسمنت المعزز بحديد التسليح. أما الصوامع ذات السعات الصغيرة في المزارع فتشيّد بألواح إسمنتية تُعزز من الخارج بدوائر من القضبان المعدنية القوية، وتُقوى من الداخل ببطانة من الإسمنت.
وتتمثل أغلب المشكلات المتوقعة في الصوامع الإسمنتية في التآكل بسبب تفاعل المواد المخزنة ومن ثم انكشاف أو تآكل حديد التسليح، إضافة إلى العيوب المحتملة في التصميم وتأثير عمليات الشحن والتفريغ.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 30% من صوامع الإسمنت خلال القرن الـ20 واجهت مشكلات، ما جعلها أكثر خطرا مقارنة ببقية الإنشاءات.
وتتمثل أهم عوامل الخطر في تجاهل المعايير الهندسية واستخدام مواد لا تتوفر فيها الجودة المطلوبة، وتؤدي الأخطاء في حساب الأحمال التي تنتجها المواد المخزنة إلى مخاطر كبيرة، إضافة إلى الضغط الذي قد تسببه الملاحق والإضافات على المنشأة.
وقد تطورت مع الوقت الحلول في مواجهة هذه المشكلات مثل استخدام مواد مقاومة للتآكل والاتباع الدقيق للتصاميم، وتوجد معايير هندسية مرجعية لقياس الأحمال والوصول إلى أفضل معايير السلامة.
شكّلت الصوامع في بعض البلدان الأوروبية وأستراليا والولايات المتحدة جزءا من المنظر العام والمشهد العمراني في المناطق الريفية، حيث ظلت تُشاهد شامخة في المزارع إلى جانب القلاع والمعالم التاريخية الأخرى.
وتزايدت الدعوات للحفاظ عليها باعتبارها عنصرا من التراث الثقافي والمعماري. ويشمل هذا التوجه تحويل الصوامع المهجورة لأغراض أخرى غير التخزين، وفي بعض الحالات حُولت إلى متاحف وفضاءات رياضية ومجتمعية، في سعي للحفاظ عليها وإبراز أهميتها التاريخية.
وتطرح الصوامع ذات الهياكل العمودية تحديات في ما يتعلق بإعادة توجيهها لاستخدامات مختلفة بسبب تصميمها الرأسي، غير أن ملحقاتها ومرافقها الأرضية تتيح إعادة استخدامها لأنشطة جديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: صوامع الحبوب
إقرأ أيضاً:
تخصيص مواد دعائية وشاشة عرض عملاقة أعلى المدخل الرئيسي لمعرض سوق السفر العربي للترويج للمتحف المصري الكبير
أطلقت وزارة السياحة والآثار ممثلة في الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، حملة دعائية ترويجية للمقصد السياحي المصري داخل وخارج مقر إقامة معرض سوق السفر العربي (2025 ATM) في دورته الثانية والثلاثين والذي ينعقد حاليًا بمدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ويستمر حتى 1 مايو المقبل.
وتقوم هذه الحملة بالترويج للمقصد السياحي المصري من خلال مجموعة متنوعة من المواد الدعائية تشمل لوحات دعائية (Banners) وشاشات عرض إلكترونية تبرز صور وأفلام (فيديوهات قصيرة) تسلط الضوء على تنوع المقومات والأنماط والمنتجات السياحية المتميزة الموجودة به، وهو ما يأتي في ضوء استراتيجية ورؤية الوزارة لتكون مصر المقصد السياحي الأول في العالم من حيث تنوع المنتجات والأنماط السياحية.
وفي هذا الإطار، تم وضع شاشة عرض عملاقة أعلى المدخل الرئيسي للمعرض تم تخصيصها للترويج للمتحف المصري الكبير والذي من المقرر افتتاحه يوم 3 يوليو المقبل، وذلك من خلال عرض فيلم قصير عن المتحف وموقعه وأبرز ما يحتويه من قطع أثرية متميزة.
كما تم وضع شاشة أخري صغيرة بالقاعة الرئيسية للمعرض، وكذلك لوحات دعائية في أماكن استراتيجية متفرقة ومتعددة داخل المعرض وخاصة تلك الأماكن التي تشهد تردد وإقبال كبير من الزائرين مثل الممر الرئيسى المؤدي إلى القاعات المختلفة بالمعرض ولا سيما أيضًا بالأماكن البعيدة عن الجناح المصري المشارك، بجانب المواد الدعائية الموجودة أمام القاعة التي تضم الجناح المصري، ليكون هناك فرصة أكبر يتعرف من خلالها كافة الزائرين على المقومات والمنتجات السياحية المختلفة في مصر.
ومن جانبه، أشار السيد شريف فتحي إلى أن هذه الحملة الدعائية تهدف إلى تعزيز تواجد المقصد السياحي المصري في المعارض السياحية الدولية من خلال الاستفادة من حجم الإقبال الكبير الذي يشهده هذا المعرض، لافتًا إلى أن الوزارة لم تكتفي هذه المرة بالترويج لمقومات مصر السياحية والأثرية المتميزة والمتنوعة داخل الجناح المصري فقط، بل حرصت على إطلاق هذه الحملة داخل وخارج المعرض بصفة عامة سعيًا منها للترويج بصورة أكبر لمصر وتوسيع دائرة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الزائرين من مختلف دول العالم وخاصة المتواجدين في أماكن بعيدة عن الجناح المصري وجذبهم لزيارته والتعرف عن قرب على أبرز الوجهات والتجارب السياحية التي تتمتع بها مصر.
وأضاف السيد الوزير أن الحملة تستهدف إبراز وتعريف الزائرين بتنوع وغنى المقصد السياحي المصري وهو ما ياتي تماشيًا مع رؤية الوزارة الحالية والتي ترتكز على إبراز التنوع السياحي للمقصد السياحي المصري والذي لا مثيل له في العالم.
وأكد على أن المقصد السياحي المصري لديه الكثير لاستكشافه ويوجد به العديد من المنتجات السياحية التي يقدمها لزائريه وتساهم في معايشتهم تجارب سياحية ثرية وممتعة ومتعددة ومتنوعة.
جدير بالذكر أن السيد شريف فتحي يقوم حاليًا بزيارة لمدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، للمشاركة في فعاليات هذا المعرض، بجانب عقد مجموعة من اللقاءات على المستويين الرسمي والمهني لبحث سبل دفع مزيد من معدلات الحركة السياحية الوافدة لمصر من الأسواق المستهدفة ولا سيما السوق العربي ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة مع بدء الموسم السياحي الصيفي.