المشهد اليمني:
2025-03-11@16:57:07 GMT

اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى

القرية والقرى في دين وحي الله محكوم عليها بالهلاك، لأنها تقوم على الأحادية والثبات، وعدم قبول الأخر، والظلم والعنصرية، ومنهج الشيطان، مقابل منهج الرحمان، ﴿وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا﴾ [الإسراء ٥٨]

قانون الله مسطور في كتابه ونفاذه قائم بأثاره وتاريخه، أهلك الله به كل الأنظمة الأحادية والفردية، الطاغية والظالمة ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا۟ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدࣰا﴾ [الكهف ٥٩].

اكمل الله دينه وأتمه برسالته الخاتم، التي حملها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام للعالمين، وبها انتقلت الإنسانية من الأحادية للتعدد، ومن الثبات للتغير، وبهذه الرسالة انتهى عصر القرى وبدأ عصر المدن والمدنية الإنسانية، لاستخلاف وتعمير الأرض، فَغَيّر رسول الله اسم القرية "يثرب" بإسم جديد يتفق مع روح وجوهر الرسالة الخاتم، فاصبح اسمها المدينة، وأسس فيها رسول الله، نظام وحكم دولة المدنية، وفق ميثاق المدينة، الذي أقام به مجتمع المدينة على الأسس الجديدة للرسالة الخاتم، المواطنة الإنسانية الواحدة، والتعدد وقبول الأخر، في دولة ووطن المدينة الجديدة، وطن كل الناس، إيذانا بتعميق الأخوة بين الناس، بشقيها الإيماني "الأخوة الإيمانية" (إنما المؤمنون إخوة) والإنساني "الأخوة الإنسانية" (خلقكم من نفس واحدة) ، ولذا تسمى رأس الدولة بأمير المؤمنين، كونهم يشكلون أغلبية مواطني المدينة، وتسمت خزينتها العامة ببيت مال المسلمين، التي هي حق لكل المسلمين، بمختلف مللهم اليهودية والنصرانية والحنيفية، وكذلك حقوق غير المسلمين من مواطني المدينة،المشركين والمنافقين وغيرهم، وبهذا تأسس عصر المُدن الذي تسعى الإنسانية للوصول له اليوم.

وبدلاً من استمرار انطلاق هذا التأسيس، والسير به وبالإنسانية، قدماً نحو أفاقها الرحبة في الاستخلاف، عمل الفقه المغلوط وعلى رأسه الإمامة، على تحريف دين الله الخاتم، واستبدله بدين العنصرية والمذهبية، والكراهية وعدم قبول الأخر، وحملت الإمامة فقهها المغلوط، ودينها البديل -لدين الله- إلى اليمن، مع دخول الرسي في القرن الثاني الهجري، وبهذا التحريف انحرف مفهوم دولة المدينة، لتقوم مقامه دولة الإمامة، وثقافتها العنصرية، وتحول اليمنيون عبيداً، لمن نسبوا أنفسهم للبطنين، ودخلت اليمن ثقافة عصر القرى، القائم على الأحادية والثبات، وغادرت ثقافة التعدد والتنوع، وأدخلت الإمامة اليمن كهف ثقافة القرى بتخلفها ، وأحاديتها وهلاكها، وتوالت دورات الهلاك تعصف باليمن بدورات متعاقبة من الحروب والتخلف، بين إمام قائم وإمام يخرج عليه.

قانون الله بهلاك القرى، غاب عن وعينا بسبب هيمنة الفقه المغلوط للإمامة، ونسي اليمنيون، كيف عاشوا حروب دامية مهلكة، بسبب ثقافة القرى، حتى بزغ فجر ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وبهما انتقل اليمنيون، من ثقافة القرى، لثقافة عصر دولة الجمهورية، بمدينتها ومدنيتها، ومواطنتها المتساوية، وانتقل القبيلي -الذي كان طوال تاريخ الإمامة، عُكْفِي يعكف على حمايتها وسيفها ضد اعدائها-من نافخ بورزان لرئيس للجمهورية.

غير أن الخطأ القاتل الذي وقع به النظام الجمهوري، أنه لم يعمل على إيجاد مشروع ثقافي بجانب مشروع الجمهورية السياسي، يغرس من خلاله قيم الثورة والجمهورية، والتعدد والتعايش وقبول الأخر، وملغياً به ثقافة الإمامة، من العقل الجمعي اليمني، ولذا وجدت الإمامة مساحة للحركة -مستغلة بقاء ثقافتها في الوعي الجمعي عند البعض، ومنافسة المشاريع القروية بين النخبة الجمهورية- لتُسقط الثورة والجمهورية في انقلابها الإمامي الحوثي، يوم ٢١ سبتمبر في شهر اعلان الثورة والجمهورية، ويوم تنصيب البدر إماماً.

ومن مظاهر التسليم بثقافة القرى الحاملة للأحادية، وعدم قبول الأخر ما نجده في حوار نخبة الصف الجمهوري، القائم على ثقافة القرى، وما تترجمه ممارستهم في الأعراس، بالعودة في لباس العرسان لثوب الإمامة، وكذلك العودة لرمز الوعل عند من يطلقون على أنفسهم الأقيال، وكل هذه المظاهر في الصف الجمهوري، تُعَدُ نكوصاً ورجوعاً لثقافة القرى والأحادية والإمامة، وما قبل الإسلام.

وهذا التأثير السيكولوجي في وعي المجتمع، ناتج من انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية، فبه عادت ثقافة القرى والإمامة من جديد، مستغلة تمزق الصف الجمهوري، حيث قامت الإمامة بانقلابها مُعيدة ثقافة الهيمنة، وجعلت مشايخ اليمن يُكَنّسُون شوارع صنعاء، وَيَمُزُوْنَ (يُمَسجون) أقدام السيد في منظر يشيب لهوله الولدان، معلنة بهذا الفعل القبيح، وحملتها لاجتياح المحافظات اليمنية، بعنوانها التكفيري (حملة اشداء على الكفار) عودة استعباد اليمنيين مجدداً.

ورفض اليمنيون هذه الإمامة ودخلوا في مواجهة شرسة ضدها، مدعومين بتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة الشقيقة.

لكن تأثير ثقافة القرى على العقل الجمعي اليمني، بمكوناته المناطقية والحزبية والمذهبية والقبلية، أثر على سير مقاومة ومواجهة الانقلاب الإمامي مؤخراً هزيمته.

وأثر هذه العودة لثقافة القرى والإمامة، نجدها اليوم مستفحلة ومؤثرة، في حوارات وسجالات الكثير من النخبة السياسية، للشرعية الجمهورية، فهي المحددة والموجهة لهذه السجالات والمناكفات، وبكونها لا تعترف بالشراكة ولا تقرها، ولا بأحادية المعركة مع الإمامة ومصيرها، فغالبية النخب الجمهورية، تركت الجوامع المجمعة لقواها، وهي مشروع اليمن الكبير، الوطن والدولة، والثورة والجمهورية، والشرعية والمشروع، وهزيمة الإمامة، ودخلت كهوف جدل ثقافة القرى والأحادية، والتخلف، وانطلقت كل نخبة من هذه النخب من إيمانها بقريتها، ومنطقتها، وقبيلتها، وحزبها، ومشاريعها القروية الضيقة، وهي بهذا التوجه تخدم انقلاب الإمامة، وتقود اليمن، بوطنه، ودولته، وشعبه، وثرواته، لتفتيته لقرى، وكل قرية ترى أنها دولة ووطن وشعب، فأي يمن هذا الذي تقودنا إليه ثقافة القرى والإمامة عند البعض من النخبة الجمهورية، فالقرى محكومة بالهلاك كما أمر الله، فهل نكتب هلاكنا بأيدينا، ونسمح لثقافة القرى، أن توجهنا نحو الهلاك، من خلال مواجهات المحاصصة القروية وثقافتها الأحادية، الموجهة لخطاب وفعل النخبة الجمهورية، والتي ستقودنا جميعاً نحو مسار القرى وهلاكها، وقبل الهلاك ستقودنا لتكنيس الشوارع، وتقبيل الأقدام لعدونا المستولي على عاصمتنا ومؤسساتها.

فأي مصير تسطره النخب الجمهورية، لنفسها ودولتها، وجمهوريتها وشعبها.

لا خيار للبقاء والنجاة من هذا المصير ، غير استعادة الثورة والجمهورية، وثقافة التعدد، والقبول بالأخر، وبناء دولة المدينة، دولة الوطن الواحد والمواطنة المتساوية، والخروج من ثقافة القرى وهلاكها، والإمامة واستعبادها، والتوجه نحو ثقافة المدنية والجمهورية، والإلتفاف حول الشرعية اليمنية، بقيادتها، ومشروعها، وتحالفها، لنبني معا دولة يمن المستقبل، الوطن الواحد، والمواطنة الواحدة المتساوية.

⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى أمطار وصواعق رعدية في 17 محافظة خلال الساعات... جريمة جديدة.. شاب يقتل شقيقه رميًا بالرصاص في... اقتحام منزل وافدة في السعودية والعثور على مفاجأة... مقالات اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى “محور الممانعة” .. التسمية والأهداف هبة شعبية للاحتفال بالذكرى الـ (61) لثورة 26... ‏فتشوا تفاصيل ٢٦ سبتمبر اخترنا لك قناة حوثية: انتشار عسكري لمؤتمر صنعاء في مربعات... شاهد: نساء يمنيات تتصدى لحملة عسكرية حوثية بصعدة... شباب اليمن يكسرون الحظر الحوثي ويطلقون مبادرات للاحتفاء... داعية سعودي: إسلام أشهر لاعب كرة قدم بالعالم... الأكثر قراءةً قناة حوثية: انتشار عسكري لمؤتمر صنعاء في مربعات... شاهد: نساء يمنيات تتصدى لحملة عسكرية حوثية بصعدة... شباب اليمن يكسرون الحظر الحوثي ويطلقون مبادرات للاحتفاء... داعية سعودي: إسلام أشهر لاعب كرة قدم بالعالم... مجلس التعاون الخليجي يؤكد أحقية ”السعودية والكويت فقط”... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023
⇡ ×Header×Footer

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

السودان بين ادعاءات الاكتفاء الذاتي وكارثة الجوع: انسحاب الحكومة من التصنيف المرحلي وتداعياته

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

المقدمة

بينما تعلن حكومة انقلاب البرهان أن السودان وصل إلى "الاكتفاء الذاتي في كافة المحاصيل"، تظهر تقارير المنظمات الدولية أن البلاد تواجه واحدة من أسوأ أزماتها الغذائية، حيث تهدد المجاعة حياة الملايين. هذا التناقض الصارخ بين الرواية الحكومية والواقع الميداني يعكس أزمة أعمق تتعلق بتسييس البيانات وإخفاء الحقائق في ظل كارثة إنسانية متفاقمة.
١. ادعاءات الاكتفاء الذاتي والتلاعب بالحقائق

في يناير ٢٠٢٥، صرّح عضو مجلس السيادة الانقلابي، إبراهيم جابر، أن تقرير بعثة تقديرات المحاصيل والأمن الغذائي، الذي أعدته فرق وزارات الزراعة والثروة الحيوانية، يشير إلى "بشريات كثيرة"، مؤكدًا أن السودان حقق الاكتفاء الذاتي في كافة المحاصيل.

لكن في المقابل، تفيد التقارير المستقلة، وعلى رأسها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، بأن السودان يواجه أزمة غذاء كارثية، مع ٧٥٥,٠٠٠ شخص يعيشون في ظروف "كارثية" (المرحلة ٥ - المجاعة)، وتوقعات بأن تنتشر المجاعة إلى ٥ مناطق جديدة بحلول مايو ٢٠٢٥.
٢. انسحاب الحكومة السودانية من نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي

في ديسمبر ٢٠٢٤، أعلنت حكومة البرهان انسحاب السودان من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، معتبرةً أن التقارير الدولية "غير دقيقة" وتستند إلى "بيانات غير موثوقة".

وبررت الحكومة هذه الخطوة بادعاءات أن المنهجية المستخدمة في تقييم الأزمة الغذائية منحازة سياسيًا، متهمةً المنظمات الدولية بمحاولة الضغط على السلطة الحاكمة عبر التلاعب بالمعلومات.
٣. الوضع الحقيقي للأمن الغذائي في السودان

تشير بيانات (IPC) الموثوقة إلى أن:
- ٢٥.٦ مليون شخص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة ٣ أو أعلى).
- ٧٥٥,٠٠٠ شخص يعيشون في ظروف مجاعة حقيقية (المرحلة ٥).
- ١٧ منطقة مهددة بدخول مرحلة المجاعة الكاملة بحلول منتصف ٢٠٢٥.
٤. تحديات الإغاثة واستجابة المجتمع الدولي

رغم انسحاب السودان من (IPC)، تستمر المنظمات الإنسانية في تقديم الدعم، لكن بقدرة محدودة بسبب العراقيل اللوجستية ونقص التمويل. ومن بين الجهود المبذولة:
- منظمة الفاو (FAO) وزعت ٣,٩٠٠ طن من البذور الزراعية لدعم ٤٠٠,٠٠٠ أسرة.
- برنامج الأغذية العالمي (WFP) يواصل تقديم المساعدات، لكنه يعاني من نقص التمويل وعرقلة توزيع المساعدات.
٥. السودان على حافة كارثة إنسانية

- انسحاب السودان من نظام (IPC) يعني غياب بيانات دقيقة عن حجم الأزمة، مما يعوق الاستجابة الدولية.
- استمرار النزاع المسلح، القيود الحكومية، ونهب الموارد يجعل من الصعب إيصال المساعدات للمحتاجين.
- بدون تحرك دولي عاجل وضغط على حكومة الانقلاب، فإن المجاعة ستستمر في التفاقم، مما قد يؤدي إلى زيادة هائلة في الوفيات المرتبطة بسوء التغذية.
٦. ما العمل؟ الحلول المقترحة

- ضغط دولي أكبر لإجبار الحكومة على التعاون مع آليات تقييم الأمن الغذائي العالمية.
- تمويل عاجل من المجتمع الدولي لدعم عمليات الإغاثة في المناطق الأكثر تضررًا.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية بعيدًا عن التدخلات السياسية أو العسكرية.

إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، فإن السودان سيتحول إلى ساحة مجاعة شاملة يصعب احتواؤها.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٩ مارس ٢٠٢٥ - نيروبي، كينيا

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • السودان بين ادعاءات الاكتفاء الذاتي وكارثة الجوع: انسحاب الحكومة من التصنيف المرحلي وتداعياته
  • قائد الحرس الثوري: اليمنيون آية من آيات الله لا يخافون !
  • قطر ترحب بالاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية
  • أول دولة خليجية تشيد بموقف اليمن بمهلة 4 أيام
  • «ديوا» تدعم ثقافة التطوع المتجذرة في المجتمع الإماراتي
  • المشهد السوري اليوم!
  • محمد حسن.. من ظلام البصر إلى نور الإمامة في الجامع الأزهر
  • افتتاح أربعة مساجد ذكية في المدينة المنورة
  • "الشؤون الإسلامية" تفتتح أربعة مساجد ذكية في المدينة المنورة
  • فقرات استعراضية ومحاضرات تثقيفية تضيء ليالي رمضان بالبحر الأحمر