اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
القرية والقرى في دين وحي الله محكوم عليها بالهلاك، لأنها تقوم على الأحادية والثبات، وعدم قبول الأخر، والظلم والعنصرية، ومنهج الشيطان، مقابل منهج الرحمان، ﴿وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا﴾ [الإسراء ٥٨]
قانون الله مسطور في كتابه ونفاذه قائم بأثاره وتاريخه، أهلك الله به كل الأنظمة الأحادية والفردية، الطاغية والظالمة ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا۟ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدࣰا﴾ [الكهف ٥٩].
اكمل الله دينه وأتمه برسالته الخاتم، التي حملها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام للعالمين، وبها انتقلت الإنسانية من الأحادية للتعدد، ومن الثبات للتغير، وبهذه الرسالة انتهى عصر القرى وبدأ عصر المدن والمدنية الإنسانية، لاستخلاف وتعمير الأرض، فَغَيّر رسول الله اسم القرية "يثرب" بإسم جديد يتفق مع روح وجوهر الرسالة الخاتم، فاصبح اسمها المدينة، وأسس فيها رسول الله، نظام وحكم دولة المدنية، وفق ميثاق المدينة، الذي أقام به مجتمع المدينة على الأسس الجديدة للرسالة الخاتم، المواطنة الإنسانية الواحدة، والتعدد وقبول الأخر، في دولة ووطن المدينة الجديدة، وطن كل الناس، إيذانا بتعميق الأخوة بين الناس، بشقيها الإيماني "الأخوة الإيمانية" (إنما المؤمنون إخوة) والإنساني "الأخوة الإنسانية" (خلقكم من نفس واحدة) ، ولذا تسمى رأس الدولة بأمير المؤمنين، كونهم يشكلون أغلبية مواطني المدينة، وتسمت خزينتها العامة ببيت مال المسلمين، التي هي حق لكل المسلمين، بمختلف مللهم اليهودية والنصرانية والحنيفية، وكذلك حقوق غير المسلمين من مواطني المدينة،المشركين والمنافقين وغيرهم، وبهذا تأسس عصر المُدن الذي تسعى الإنسانية للوصول له اليوم.
وبدلاً من استمرار انطلاق هذا التأسيس، والسير به وبالإنسانية، قدماً نحو أفاقها الرحبة في الاستخلاف، عمل الفقه المغلوط وعلى رأسه الإمامة، على تحريف دين الله الخاتم، واستبدله بدين العنصرية والمذهبية، والكراهية وعدم قبول الأخر، وحملت الإمامة فقهها المغلوط، ودينها البديل -لدين الله- إلى اليمن، مع دخول الرسي في القرن الثاني الهجري، وبهذا التحريف انحرف مفهوم دولة المدينة، لتقوم مقامه دولة الإمامة، وثقافتها العنصرية، وتحول اليمنيون عبيداً، لمن نسبوا أنفسهم للبطنين، ودخلت اليمن ثقافة عصر القرى، القائم على الأحادية والثبات، وغادرت ثقافة التعدد والتنوع، وأدخلت الإمامة اليمن كهف ثقافة القرى بتخلفها ، وأحاديتها وهلاكها، وتوالت دورات الهلاك تعصف باليمن بدورات متعاقبة من الحروب والتخلف، بين إمام قائم وإمام يخرج عليه.
قانون الله بهلاك القرى، غاب عن وعينا بسبب هيمنة الفقه المغلوط للإمامة، ونسي اليمنيون، كيف عاشوا حروب دامية مهلكة، بسبب ثقافة القرى، حتى بزغ فجر ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وبهما انتقل اليمنيون، من ثقافة القرى، لثقافة عصر دولة الجمهورية، بمدينتها ومدنيتها، ومواطنتها المتساوية، وانتقل القبيلي -الذي كان طوال تاريخ الإمامة، عُكْفِي يعكف على حمايتها وسيفها ضد اعدائها-من نافخ بورزان لرئيس للجمهورية.
غير أن الخطأ القاتل الذي وقع به النظام الجمهوري، أنه لم يعمل على إيجاد مشروع ثقافي بجانب مشروع الجمهورية السياسي، يغرس من خلاله قيم الثورة والجمهورية، والتعدد والتعايش وقبول الأخر، وملغياً به ثقافة الإمامة، من العقل الجمعي اليمني، ولذا وجدت الإمامة مساحة للحركة -مستغلة بقاء ثقافتها في الوعي الجمعي عند البعض، ومنافسة المشاريع القروية بين النخبة الجمهورية- لتُسقط الثورة والجمهورية في انقلابها الإمامي الحوثي، يوم ٢١ سبتمبر في شهر اعلان الثورة والجمهورية، ويوم تنصيب البدر إماماً.
ومن مظاهر التسليم بثقافة القرى الحاملة للأحادية، وعدم قبول الأخر ما نجده في حوار نخبة الصف الجمهوري، القائم على ثقافة القرى، وما تترجمه ممارستهم في الأعراس، بالعودة في لباس العرسان لثوب الإمامة، وكذلك العودة لرمز الوعل عند من يطلقون على أنفسهم الأقيال، وكل هذه المظاهر في الصف الجمهوري، تُعَدُ نكوصاً ورجوعاً لثقافة القرى والأحادية والإمامة، وما قبل الإسلام.
وهذا التأثير السيكولوجي في وعي المجتمع، ناتج من انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية، فبه عادت ثقافة القرى والإمامة من جديد، مستغلة تمزق الصف الجمهوري، حيث قامت الإمامة بانقلابها مُعيدة ثقافة الهيمنة، وجعلت مشايخ اليمن يُكَنّسُون شوارع صنعاء، وَيَمُزُوْنَ (يُمَسجون) أقدام السيد في منظر يشيب لهوله الولدان، معلنة بهذا الفعل القبيح، وحملتها لاجتياح المحافظات اليمنية، بعنوانها التكفيري (حملة اشداء على الكفار) عودة استعباد اليمنيين مجدداً.
ورفض اليمنيون هذه الإمامة ودخلوا في مواجهة شرسة ضدها، مدعومين بتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة الشقيقة.
لكن تأثير ثقافة القرى على العقل الجمعي اليمني، بمكوناته المناطقية والحزبية والمذهبية والقبلية، أثر على سير مقاومة ومواجهة الانقلاب الإمامي مؤخراً هزيمته.
وأثر هذه العودة لثقافة القرى والإمامة، نجدها اليوم مستفحلة ومؤثرة، في حوارات وسجالات الكثير من النخبة السياسية، للشرعية الجمهورية، فهي المحددة والموجهة لهذه السجالات والمناكفات، وبكونها لا تعترف بالشراكة ولا تقرها، ولا بأحادية المعركة مع الإمامة ومصيرها، فغالبية النخب الجمهورية، تركت الجوامع المجمعة لقواها، وهي مشروع اليمن الكبير، الوطن والدولة، والثورة والجمهورية، والشرعية والمشروع، وهزيمة الإمامة، ودخلت كهوف جدل ثقافة القرى والأحادية، والتخلف، وانطلقت كل نخبة من هذه النخب من إيمانها بقريتها، ومنطقتها، وقبيلتها، وحزبها، ومشاريعها القروية الضيقة، وهي بهذا التوجه تخدم انقلاب الإمامة، وتقود اليمن، بوطنه، ودولته، وشعبه، وثرواته، لتفتيته لقرى، وكل قرية ترى أنها دولة ووطن وشعب، فأي يمن هذا الذي تقودنا إليه ثقافة القرى والإمامة عند البعض من النخبة الجمهورية، فالقرى محكومة بالهلاك كما أمر الله، فهل نكتب هلاكنا بأيدينا، ونسمح لثقافة القرى، أن توجهنا نحو الهلاك، من خلال مواجهات المحاصصة القروية وثقافتها الأحادية، الموجهة لخطاب وفعل النخبة الجمهورية، والتي ستقودنا جميعاً نحو مسار القرى وهلاكها، وقبل الهلاك ستقودنا لتكنيس الشوارع، وتقبيل الأقدام لعدونا المستولي على عاصمتنا ومؤسساتها.
فأي مصير تسطره النخب الجمهورية، لنفسها ودولتها، وجمهوريتها وشعبها.
لا خيار للبقاء والنجاة من هذا المصير ، غير استعادة الثورة والجمهورية، وثقافة التعدد، والقبول بالأخر، وبناء دولة المدينة، دولة الوطن الواحد والمواطنة المتساوية، والخروج من ثقافة القرى وهلاكها، والإمامة واستعبادها، والتوجه نحو ثقافة المدنية والجمهورية، والإلتفاف حول الشرعية اليمنية، بقيادتها، ومشروعها، وتحالفها، لنبني معا دولة يمن المستقبل، الوطن الواحد، والمواطنة الواحدة المتساوية.
⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى أمطار وصواعق رعدية في 17 محافظة خلال الساعات... جريمة جديدة.. شاب يقتل شقيقه رميًا بالرصاص في... اقتحام منزل وافدة في السعودية والعثور على مفاجأة... مقالات اليمنيون وكارثة العودة لثقافة القرى “محور الممانعة” .. التسمية والأهداف هبة شعبية للاحتفال بالذكرى الـ (61) لثورة 26... فتشوا تفاصيل ٢٦ سبتمبر اخترنا لك قناة حوثية: انتشار عسكري لمؤتمر صنعاء في مربعات... شاهد: نساء يمنيات تتصدى لحملة عسكرية حوثية بصعدة... شباب اليمن يكسرون الحظر الحوثي ويطلقون مبادرات للاحتفاء... داعية سعودي: إسلام أشهر لاعب كرة قدم بالعالم... الأكثر قراءةً قناة حوثية: انتشار عسكري لمؤتمر صنعاء في مربعات... شاهد: نساء يمنيات تتصدى لحملة عسكرية حوثية بصعدة... شباب اليمن يكسرون الحظر الحوثي ويطلقون مبادرات للاحتفاء... داعية سعودي: إسلام أشهر لاعب كرة قدم بالعالم... مجلس التعاون الخليجي يؤكد أحقية ”السعودية والكويت فقط”... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023⇡ ×Header×Footer
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
إقرارٌ صهيوني بالهزيمة.. اليمنيون لا يرتدعون
يمانيون../
انتقل اليمن إلى مرحلة جديدة من المعركة التي يخوضها ضد كيان العدوان الصهيوني، بعد أن نجح في قض مضاجع الغاصبين وسلب النوم من أعينهم وإنهاك قواهم من خلال إطلاق الصواريخ والمسيرات باتّجاه أهداف حيوية وحساسة داخل الأراضي المحتلّة، بصورة شبه يومية.
وبإجماع إسرائيلي وأمريكي وغربي، تحوّلت العمليات اليمنية إلى كابوس مرعب لم يكن في حسبان الصهاينة يومًا من الأيّام؛ بسَببِ العوامل الجغرافية، إلا أن صنعاء باتت اليوم الجبهة الرئيسية لتل أبيب، لا سِـيَّـما وقد نجح البلد الذي يبعد عن الأراضي المحتلّة نحو 2000 كيلو متر مربع في التنكيل بكيان العدوّ، عسكريًّا واقتصاديًّا، وإخراج أهم الموانئ الرئيسية في فلسطين المحتلّة “إيلات” عن الخدمة وإعلان إفلاسه رسميًّا؛ بفعل الحصار المفروض على الاحتلال ومنع مرور سفنه من البحر الأحمر وخليج عدن.
الهجمات الصهيونية المكثّـفة التي استهدفت مطارَ صنعاء الدولي وميناءَي الحديدة ورأس عيسى وعددًا من المنشآت والأعيان الخدمية، خلال الأيّام الماضية، لم تشفع للكيان الصهيوني بأن يغير من الواقع شيئًا يُذكر؛ كون العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ترتبط بشكل رئيسي بما يجري في غزة من جرائم وحرب إبادة جماعية وحصار خانق لا إنساني، الأمر الذي دفع “تل أبيب” إلى البحث عن خيارات أُخرى يحفظ لها ماء الوجه بعد فشلها الذريع في تحقيق أهدافها، ومن تلك الأوراق دفعُ المرتزِقة إلى تحريك الجبهات الداخلية وتفجير الوضع عسكريًّا؛ بهَدفِ إشغال القوات المسلحة اليمنية عن أداء واجبها الديني والإنساني والأخلاقي تجاه نصرة المستضعفين في غزة بعد أن خذلهم العالمُ القريب والبعيد.
الهزيمة التي تلقتها “إسرائيل”، ولّدت حالةً من الإحباط لدى المسؤولين والقادة الصهاينة جعلتهم يرفعون راية الاستسلام ويقرون علانية بتفوق القدرات العسكرية التي يمتلكها اليمن، خُصُوصًا بعد أن فشلت الهجمات التي استهدفت المنشآت الخدمية والبنى التحتية في صنعاء والحديدة.
وبحسب مركز صوفان الأمريكي للأبحاث والدراسات الأمنية، فقد اعترف القادة الإسرائيليون بالقدرات الهائلة التي تتمتع بها القوات المسلحة اليمنية، البعيدة عن تل أبيب بمقدار 2000 كيلو، مؤكّـدًا أن القوى العالمية والإقليمية لم تنجح في ردع اليمنيين ولا تزال السبل لردعهم بعيدة المنال.
اليمن اليوم وهو يسطر أنصع ملاحم الرجولة والشجاعة والاستبسال دفاعًا عن المستضعفين، فقد تحول إلى مصدر قوة وعزة وكرامة لكل أحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية وبات الشعب اليمني من بين جميع شعوب العالم لا يخاف أمريكا بكل إجرامها ووحشيتها وشرها وفرعنتها، ولعل أبرز الأسباب في ذلك، هو التفاف اليمنيين بمختلف توجّـهاتهم وانتماءاتهم حول القيادة الثورية الربانية ممثلة بالسيد القائد العلم عبدالملك بدرالدين الحوثي، وتأييدهم لكل القرارات والخطوات التي يتخذها؛ مِن أجلِ نصرة غزة ومقاومتها، بالإضافة إلى الخروج المليوني الأسبوعي للشهر الـ15 على التوالي بزخم متعاظم في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء وأكثر من 700 ساحة في عموم المحافظات الأُخرى، في صورة ناصعة وقفت أمامها كُـلّ الشعوب خجلًا وحياءً.
لم تتوقف العمليات اليمنية عند حدود الاعتراف بالهزيمة من قبل الصهاينة، بل تعدى الأمر إلى أن تتوقع “إسرائيل” المزيد من الوجع القادم من اليمن، حَيثُ دعا من يسمى رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي “هليفي” حكومة الاحتلال إلى الاستعداد لسيناريوهات قادمة أكثر وجعًا وايلامًا، مرجعًا فشل تل أبيب في إيقاف تلك الهجمات إلى انعدام البيانات والمعلومات المخابراتية، وهو ما دفع شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية إلى إنشاء وحدة خَاصَّة تسمى “أمان” مهمتها الرئيسية هو جمع المعلومات ورصد تحَرّكات قيادات “أنصار الله” بالتعاون مع جيوش وأجهزة استخبارات أجنبية.
ووصل الكيان الصهيوني أخيرًا إلى قناعة تامة مفادها أن اليمنيين لا يرتدعون، ومن الصعب ردعهم، وقد فشل في ذلك التحالف الأمريكي السعوديّ الإماراتي طيلة 10 سنوات، حَيثُ لا “إسرائيل” ولا غيرها تمتلك القوة الكافية لردع قوات صنعاء نظير ما تمتلكه من قدرات قتالية وتكنولوجية هائلة، الأمر الذي دفع أبرز القادة العسكريين في تل أبيب “عاموس هرئيل” إلى حث حكومة المجرم “نتنياهو” على الإسراع في وقف العدوان والحصار بغزة والدخول في صفقة شاملة لتبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ لتفادي المزيد من الضربات اليمنية الموجعة.
تقرير: هاني أحمد علي