عندما تحدثنا و”لعلعنا” في الإعلام الدولي بعد قرارات 25 أكتوبر يبدو أن كلامنا في هذه النقطة بالذات بكل أسف وحزن “وقع واطة”!

قدمت مرافعة وقلت من الغرائب أن نسميه إنقلابا وتكون قبله مظالم وبعده قرارات إنصاف وعدل وإستقلال للقضاء السوداني للدرجة التي يحكم فيها القاضي على وزير الداخلية بالغرامة بسبب عدم إعادته لضباط الشرطة المفصولين ظلما وجورا.

للأسف .. منذ تاريخ قرار المحكمة العليا بالتنفيذ وحتى الآن عام كامل ولم تنصاع الدولة للحكم العادل.

والقصة تعود إلى فصل (أكثر من تعسفي) لضباط الشرطة السودانية وهو فصل لم يحدث لا في عهد التمكين الإنقاذي ولا عهد التطهير الشيوعي في مايو ولا في عهد الاستعمار الانجليزي ولا حكم الأتراك “أصحاب الخازوق”، لأن الفصل في تلك العهود تقوم به الدولة وليس جهة غامضة تنتحل صفة الدولة وتصدر خطابات دون مرجعية تماما، وحتى كتابة هذه السطور لم يتم التحقيق كيف صدرت خطابات الفصل ومن كان وراء “سمكرة الخطابات” بأرقام اتضح أنها مشغولة بخطابات أخرى لا علاقة لها بفصل ضباط الشرطة.

القضاء قال كلمته وأثبت استقلاله أمام العالم، ووزير العدل أفتى ببطلان قرار الفصل، وهذه مفخرة للسودان في شأن استقلال القضاء.

في مايو 2022م حكمت المحكمة العليا بالاتي: ( إلغاء قرارات إحالة الطاعنين واعادتهم للخدمة عملا بنص قانون القضاء الإداري وعلي الوزير ورؤساء الأجهزة المختصة والولاة تنفيذ هذا الحكم).

لجأت الشرطة لطلب الاستئناف ولكن قالت وزارة العدل فتواها في يونيو 2022 ما يلي:
استقر الرأي القانوني على عدم وجود ما يدعو لاستئناف قرار المحكمة، إذ أن قرار المحكمة جاء موافقا لصحيح القانون. عليه وتأسيسا على ما ذكر أقرر الآتي:

1. سحب الاستئناف المقدم وسحب طلب وقف التنفيذ.
2. توجيه مقدم الطلب (رئاسة قوات الشرطة) بوضع قرار المحكمة موضع التنفيذ.
3. على المحامي العام وضع القرار موضع التنفيذ.

وبعد قرار وزير العدل أصدرت المحكمة العليا في أغسطس 2022 قرار التنفيذ النهائي:
(يخاطب السيد وزير الداخلية مدير عام الشرطة بتنفيذ الحكم في او قبل 8 / 9/ 2022م).
في سبتمبر 2022م قررت المحكمة في سابقة تدل على استقرار واستقلال العدالة في السودان مجددا قرارا بتغريم وزير الداخلية السابق مئة ألف جنيه يوميا، نعم يوميا، من ماله الخاص تقسم على الدائنين بالتساوي

بالله عليكم ألم يكن من دواعي نزول البركة والطمأنينة في أهل السودان تنفيذ الدولة لحكم المحكمة.

الوضع الطبيعي هو أن يحدث تحقيق، كيف خرج خطاب من أعلي جهة في الدولة بفصل قرابة 400 ضابط شرطة، ويتضح أنه خطاب ملعوب و “ملعون” نعم ملعون لأن لعنة الظلم هي التي اطاحت بالأمن والاستقرار، والجزاء من جنس العمل، ظلمنا من يحفظ الأمن فسلب الله منا الأمن.

ما يسمى بلجنة التمكين في عهد قحت البائد ظلمت السوق ودمرت الشركات ونزعت المزارع التي كان يأكل منها الطير والناس، وسلمتها لصبية سياسيين فأصبحت “صعيدا زلقا” فعاقبنا الله بذنبهم، نعم بذنبهم، ودونكم الآية في قوم صالح “فعقروها” مع أن الذي عقرها شخص واحد وهو “أشقاها” ولكن العذاب الرباني نزل عليهم جميعا، كما نزل علينا جميعا الآن، من البرهان إلى صاحب تكتك في السوق المركزي.

ولو عدنا لمظلمة ضباط الشرطة، أقولها بالفم الملئان، فصلتهم الحكومة كلها من البرهان وكباشي وياسر العطا إلى أقل موظف، لأنها كان يجب أن تأمر بتنفيذ حكم المحكمة، وكلنا شركاء وليس “أشقاها”.

وما يرفع عنا البلاء هو أن يتخذ رئيس مجلس السيادة القرار العادل.

مكي المغربي

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قرار المحکمة

إقرأ أيضاً:

أزمة السيادة الوطنية، الفيل الذي في الغرفة… (1)

مهدي رابح

في شهري سبتمبر وأكتوبر 2021م احتدمت الأزمة بين القوى المدنية المكونة لتحالف الحرية والتغيير والمشاركة في السلطة الانتقالية من طرف والمكون العسكري بشقيه الجيش والدعم السريع من الطرف الآخر لتبلغ قمة تعقيدها. وهي أزمة تركّزت بصورة أساسية حول المطالبة بتنفيذ ما نصت عليه الوثيقة الدستورية من استبدال الجنرال البرهان ونائبه حميدتي في رئاسة المجلس السيادي بالمدنيين وما يترتب علي ذلك من أحكام لسلطة الأخيرين السياسية ما قد يمكنهم من المضي قدما في عمليات إكمال تفكيك أركان النظام السابق واستعادة الأموال العامة المنهوبة وتدشين عمليات الإصلاح لمؤسسات الدولة، وعلى رأسها القطاع الأمني والعسكري والخدمة المدنية، والتي يسيطر على مفاصلها عناصر الإسلامويين بصورة أساسية, وربما الإعداد لبقية عمليات التحول الديموقراطي المختلفة.

في تلك الفترة التي توسطت الخطوات الأخيرة في الإعداد لانقلاب ال 25 من أكتوبر، أي ما بين إعلان تكوين الواجهة المدنية للنظام الاستبدادي الجديد المنشود والمتمثلة في تحالف “مجموعة ميثاق التوافق الوطني/الكتلة الديموقراطية لاحقا” في الثاني من أكتوبر وبداية الاعتصام الشعبي المصطنع أمام القصر الرئاسي، والمموّل من قبل استخبارات الجيش والدعم السريع والمعروف باعتصام “الموز”، في السادس عشر من نفس الشهر، قام قائدان من الصف الأول للجيش والدعم السريع بزيارة سرية مشتركة إلى تل أبيب تُمثِّل في حد ذاتها مجموع تجليات تهرؤ أركان الدولة بسبب سيطرة كارتيل إجرامي على مصيرها، كارتيل هو اتحاد بين ثلاث منظومات إجرامية بكل ما تحمل الكلمة من معاني، قيادات الجيش وقيادات الدعم السريع والمركز الأمني العسكري للحركة الإسلامية.

الزيارة المذكورة، وحسب ما رشح عنها من معلومات مؤكدة بصورة لا يرقى إليها أي مجال للشك بتاتا، تمحورت حول إمكانية لعب إسرائيل لدور في عمليات تسويق الانقلاب المزمع لدى القوى الغربية الكبرى الداعمة للانتقال الديمقراطي. وكان مكمن ضُعف خطة التسويق تلك، إن جاز التعبير، هو اعتمادها على كذبة مركزية بلقاء أهم عناصرها هو ادعاء دعم بعض الشخصيات السياسية المدنية القوية المؤثرة لهذا الانقلاب كمخرج أوحد لما سمي حينها ب “الأزمة السياسية”، ما أدى إلى فشل الخطة بعد أيام قلائل عقب الرد على بعض الاستيضاحات العاجلة التي قدمت عبر القنوات غير الرسمية، وما أدى لاحقا أيضا، وبعد الانقلاب لإحكام العزلة الدولية على شريكي المؤامرة، الجيش والدعم السريع.

من الطبيعي أن يتبادر إلى ذهن القارئ/ة سؤال بديهي مشروع أرى أن أقوم بالرد المختصر عليه مباشرة قبل الدخول في متن المقال وهو من شقين.

“كيف تلعب إسرائيل مثل هذا الدور؟ وما مصلحتها في ذلك؟.”

تؤكد معطيات الواقع التي لا ينتطح حولها عنزان أن موقف عديد القوى العظمى “الغربية” من قضية وجود إسرائيل وضمان أمنها هو موقف تاريخي استراتيجي ثابت لا يتزحزح – بغض النظر عن مدى صوابه أو خطئه، فذلك مبحث مختلف – ويمثل لها أولوية قصوى تسبق أي أجندات أخرى، وهو ما يوفر للأخيرة سهولة استغلال القنوات الدبلوماسية المفتوحة والثقة المتبادلة مع تلك الدول القوية لتمرير أي رسالة تريدها، هذا فيما يتعلق بالشق الأول من السؤال. أما في الشق الثاني، فإن ارتباط مصلحة إسرائيل المباشرة بوجود نظم استبدادية خاضعة في محيطها العربي الإسلامي المعادي، مستعدة وقادرة عبر أدوات القمع المختلفة على فرض موقف رسمي ومتصالح مع التطبيع ضد تيار شعبي عارم وغير قابل لأن يتبدل بصورة كبيرة في المدى المنظور يجعل منها داعمة لأي خطوة في سبيل ترسيخ هكذا ديكتاتوريات، ذلك بالطبع على حساب أي تيارات ساعية لترسيخ نظم حكم ديمقراطية تعكس الإرادة الجماهيرية الحرة، وهو ما يفسر دعمها للجنرالين البرهان/حميدتي منذ وقت مبكر جدا، وبالمقابل استعداؤها للمدنيين الديموقراطيين. وليس أدل علي ذلك، وأبلغ من تصريح وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية الأولى، السيدة أسماء عبدالله، معترفة بجهلها التام عن لقاء البرهان ونتنياهو في عنتيبي فبراير 2020م، برعاية من الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني.

باختصار بالغ، فإن الصفقة التي مهدت لزيارة تل أبيب المذكورة تتمحور حول تحقيق السلطة الديكتاتورية الجديدة المزمعة بقيادة البرهان وحميدتي لمصلحة إسرائيل في تنفيذ ما سمي حينها “صفقة القرن” أو اتفاقيات أبراهام الهادفة للتطبيع مع عديد الدول المصنفة عربية وإسلامية مقابل دعم انقلابهما على الفترة الانتقالية وتثبيت أركان حكمهما لاحقا.

إن عديد الأسئلة المهمة الأخرى المتفرعة من هذا الحدث ذي الدلالات الهامة وما أعقبه من أحداث جسيمة قد لا نجد لها إجابة مفصلة مطلقا مستقبلا نسبة للطبيعة السرية للتدخلات الخارجية في المشهد السياسي والأمني السوداني، كدور بعض الدول “الشقيقة” في هذه الزيارة مثلا، وهي دول علي علاقة وثيقة بإسرائيل، وعملت سوية أحيانا أو منفردة في أحيان أخرى وبصورة نشطة علي عرقلة الانتقال المدني، وعلى محاولات تثبيت نظم حكم عسكرية في السودان تدين لها بالولاء التام ثم لاحقا علي اشتعال الحرب واستمرارها، وما الزيارات الخارجية المختلفة التي قام بها كل من البرهان وحميدتي، أو من ينوب عنهما قبل ساعات من مجزرة الاعتصام المروعة في يونيو 2019م الذي يعد المحاولة الانقلابية الأولى، أو من الانقلاب الثاني في أكتوبر 2021م أو أخيرا حرب أبريل 2023م التي تعد محاولة الانقلاب الثالثة بخافية عن أحد، رغم ما وسعها من جهود مستميتة للاحتفاظ بها بعيدا عن أعين الرقابة الشعبية المتحفزة اليقظة. وما أقصده هنا بالانقلاب هو فرض واقع سياسي جديد بقوة السلاح.

ليس من العسير الوصول إلى الاستنتاج القائل بأن ما قام به شريكا الانقلاب سابقا وطرفي الحرب الحالية يعد عمالة في تعريفها البسيط أي سعي فرد أو مجموعة أشخاص صغيرة لتحقيق مصالحها الضيقة علي حساب المصلحة العامة، وعلى حساب أمن الوطن والمواطن عبر تنفيذ أجندات دول أجنبية، لكن الأهم من ذلك هو أن ذلك كان استمرارا لنمط تاريخي من تفريط النخب المتحكمة عبر أدوات القمع والعنف في سيادة البلاد علي قرارها وعلى أراضيها، وما أدل علي ذلك من الحقيقة التاريخية المثبتة بأن فقدان السودان لأجزاء من أراضيه لم يحدث إلا تحت حكم أحد الجنرالات، حلفا القديمة وآلاف الأميال المغمورة تحت مياه بحيرة ناصر إبان حكم الجنرال عبود، مثلث أليمي خلال حكم الجنرال النميري ثم الطامة الكبرى خلال حكم الجنرال البشير والإسلاميين، ما بين حلايب وشلاتين والفشقة وانفصال أشقائنا في جنوب السودان. في حقيقة الأمر وتحريا للإنصاف بين الأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت في حكم 55 عاما من تاريخ السودان، فإن البلاد لم تبلغ خصيصا في فقدانها لسيادتها وارتهانها للأجنبي، بعد الحضيض الأقصى التي بلغته عقب انقلاب برهان/حميدتي طبعا في 2021م، إلا خلال حكم البشير والمركز الأمني للحركة الإسلامية خلال فترة “ثورة الإنقاذ الوطني”.

لكن قبل أن أختم المقالة الأولى لهذه السلسلة ارجع بذاكرة القارئ قليلا لزيارة البشير “أسد افريقيا” المهينة والكئيبة لمدينة سوتشي في روسيا في ال 23 من نوفمبر 2017م، والتي طلب فيها الحماية من الرئيس بوتين، بصورة مقززة وذليلة شكلا ومضمون، مقدما الأراضي السودانية علي شواطئ البحر الأحمر عربونا لاستخدامها كقاعدة عسكرية مقابل مساندة روسيا له للاستمرار في الحكم.. فتأمّل.

الوسوممهدي رابح

مقالات مشابهة

  • وزير الداخلية يشرف على إطلاق برنامج إدارة أتمتة مراكز الشرطة
  • أزمة السيادة الوطنية، الفيل الذي في الغرفة… (1)
  • ‏وزير الشباب والرياضة يعلن اكمال التحضيرات لمباراة الشرطة والنصر
  • وزير الصناعة: حريصون على دعم جهود الدولة نحو الاقتصاد الأخضر
  • وزير الخدمة المدنية يدعو موظفي الدولة للمشاركة الفاعلة والحضور المشرف لإحياء ذكرى المولد النبوي
  • ساعات تفصله عن التنفيذ.. حكم بالإعدام من قاتل غير متعمد.. وأولياء الدم يقبلون بدية يصعب دفعها
  • بعد أن وصل الحد البرهان رئيسا حتى اللحد
  • وزير الدولة الصومالي للشؤون الخارجية: نتمنى أن تنتصر الحكومة السودانية الشرعية على المليشيات المسلحة
  • هل ينقذ مشروع وزير التعليم المغربي المدرسة من أزمتها المتفشية؟
  • ???? الجنرال البرهان .. ليس امامك سوى هذا الحل!!