"نتن نعلك لا يزال في أنفي".. صرخة في وجه نبي مزيف
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
ظهرت في فارس بين القرنين الخامس والسادس الميلادي عقيدة "المزدكية" الدينية بتعاليم مناهضة للزرادشتية السائدة. هذه العقيدة وصفت من قبل البعض بأنها جدة الشيوعية الأولى!
إقرأ المزيدتزعم "مزدك بن موبذان" هذه الحركة التي لا يزال يدور جدل حول أصولها ومدى ارتباطها بـ "المانوية"، وكانت بمثابة انقلاب في المفاهيم والسلوك هز المجتمع والدولة في فارس في تلك الحقبة بعنف.
كانت هذه الحركة الدينية "الدنيوية" انقلابا ضد الأوضاع السائدة وكانت موجهة بشكل خاص ضد كبار ملاك الأراضي والسلطة الكهنوتية الزرادشتية وروافدها.
مزدك بن موبذان الذي كان يوصف بأنه "رجل بلاغة وحكمة"، أعلن نفسه نبيا ودعا إلى اتباع مذهبه.
عقيدة مزدك كانت ترى أن "الرب أرسل وسائل العيش إلى الأرض كي يقتسمها الناس بالتساوي فيما بينهم، وألا يكون لأحد نصيب أكثر من الآخر"، ولم يكتف بذلك بل دعا إلى "مشاعية" كل شيء بما في ذلك النساء المتزوجات!
وجدت هذه التعاليم هوا في نفس قباذ الأول"488-531"، وهو أحد ملوك الساسانيين الكبار، وكان حكم بلاد فارس لمدة 43 عاما، فاعتنق المذهب وأصبحت تعاليم مزدك "دينا" رسميا.
في ذلك الانقلاب "الديني" الكبير جرى القضاء على العديد من النبلاء والوجهاء، واستولى الفلاحون والفقراء على أراضيهم وممتلكاتهم.
بدا الأمر كما لو أن المقام طاب لمزدك ولتعاليم "المساواة" الغريبة القائمة على تقاسم الأموال والأراضي والبيوت وحتى والنساء، واستفاد الملك قباذ الأول من ذلك بتوطيد أركان حكمه وضرب مراكز القوى التقليدية المنافسة.
لكن من سوء حظ مزدك أن أفكاره لم يستسغها الأمير كسرى أنوشيروان نجل الملك قباذ الأول الذي كان تعرض لإهانة لا تغتفر من قبل.
أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير الأغاني يروي القصة التي زرعت كراهية "مزدك" في وجدان كسرى.
يروى الاصفهاني أن الملك قباذ الأول كان ذات يوم حاضرا وأمامه زوجته والأمير كسرى أنوشيروان. دخل إلى المجلس مزدك وحين لمح زوجة الملك، طلب منه أن يمنحها له كي يشبع رغباته، ويكون قدوة في تطبيق "التعاليم" التي يؤمن بها.
الملك لم يمانع ووافقه على الفور، إلا أن الأمير كسرى هب مذعورا وتوسل بإلحاح إلى مزدك أن يستثني والدته من "هذا المصير"، بل وجثا أمامه وقبل قدميه. مزدك تخلى عن الفكرة ومنح والدة ولي العهد استثناء من قواعده في "المساواة"!
ما أن اعتلى كسرى الأول العرش حتى حضر إليه مزدك بتعاليم جديدة عن كيفية التصرف في الفائض من الأموال والممتلكات!
لم يتمالك الملك الجديد كسرى الأول نفسه ورد واصفا "النبي" المزيف بابن العاهرة، وصرخ في وجهه قائلا: "نتن نعلك لا يزال في أنفي"!
أمر كسرى بتعليق مزدك من ساقيه وجعله هدفا للسهام، كما دفن المزدكيين حتى الخصر وأعدم وصلب الآلاف من هؤلاء الذين عرفوا فيما بعد بـ"الزنادقة".
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
وصيّة مهرة بنت فارس النعمانيّة الساكنة قرية الأفلاج
قد تكون نظرية المركز والأطراف حاضرة فـيما أبقته لنا المدونة التاريخية العُمانية، ونعني بذلك أن مراكز الحكم من الحواضر الكبرى وجوارها هي التي نالت شيئًا من التدوين التاريخي، بينما بقيت القرى والبلدات النائية عن تلك الحواضر طيَّ النسيان، فلا تكاد تجد ذكرًا لبعضها حتى بمجرد الإشارة ولو فـي بيت من الشعر أو فـي نص من غير كتب التاريخ.
يطالعنا كتاب (قاموس الشريعة) - وهو كتاب موسوعي فـي الفقه ألفه أبو محمد جُمَيِّل بن خميس بن لافـي السعدي (ت:1278هـ) - بجواب طويل منقول عن الفقيه العالم سعيد بن بشير الصبحي (ت:1150هـ) أحد أبرز الفقهاء فـي عهد اليعاربة، وصورة الجواب تعليقاتٌ منه على نص وصية لامرأة من بلدة الأفلاج التي تتبع اليوم ولاية المضيبي بالشرقية من عمان. ويظهر أن الوصية عُرِضت عليه فـي صيغتين سابقة ولاحقة، فجاءت بعض تعليقاته على ما فـي الصيغتين أحيانًا إن كان بينهما اختلاف، وأول تعليقاته على اسم الموصية الذي جاء مختلفًا بين «مهرة» و«سلامة» وأول نص جواب الصبحي: «(أوصت مهرة) - وفـي موضع: (سالمة)- وهي امرأة واحدة، فهذا لا يضرّ إذا صحّ أنّها تدعى بهما جميعا، ولا يبين لي فـي هذا الموضع اختلاف، (بنت فارس بن سعيد النعمانيّة، الساكنة الأفلاج)». ولئن كانت وصية مهرة أو سالمة بنت فارس بن سعيد النعمانية معروضة على الفقيه الصبحي الذي عاش فـي آخر القرن الحادي عشر حتى نحو سنة 1150هـ فهذا يؤكد أن بلدة الأفلاج عامرة قبل ذلك الزمان، وأن الموصية وقومها هم سُكّان تلك البلدة حينذاك.
وخلاصة ما جاء فـي الوصية ما يوصى به للجَهاز حتى الدفن، ثم وصية الأقربين الذين لا يرثون، ثم الحقوق والواجبات، والكفارات، والضمانات. والنقد المتداول المذكور فـي الوصية: اللاريّة، والمحمديّة، والشاخة، وقد تقدم فـي مقالة سابقة أن اللاريّة نقد فارسي من الفضة سُمِّي نسبة إلى مملكة لار بسواحل فارس، ولعل المحمدية نقدٌ أصغر وأقلَّ قيمة، والشاخة أصغرها كلها، ومما جاء فـي الوصية: «وبثماني محمديات فضة لربيبيها سالم ومسعود ابني سعيد بن مسعود النعمانيين من ضمان عليها لهما»، «وبمحمدية فضة من مالها لإصلاح فلج بوحمار من قرية الأفلاج، من ضمان لزمها منه»، «وبِسِتِّ شاخات لإصلاح فلج بوحمار، والمسجد الجامع، والمسجد الحدري»، «وبمحمدية فضّة من مالها؛ لإصلاح الفلج الحنظلي من قرية سناو من ضمان لزمها منه». أما الربيبان هنا فهما ابنا زوجها من غيرها، وأما الأفلاج والأماكن المذكورة فهي معروفة، إذ فلج بوحمار بقرية الأفلاج معروفٌ باسمه حتى اليوم، وتنص عليه جملة من صكوك البيع والشراء القديمة، وكذا فلج الحنظلي فـي سناو. ولفظ: «الحدري» المضاف إلى أحد المسجدين معناه عند أهل الشرقية: الجنوبي، أي هو واقع فـي القرية من الجنوب، وممن جاء ذكره فـي آخر الوصية زوجها سيف بن عامر بن عبدالله، ووصيها سعيد بن مسعود، ويُحتمَل أن هذا الأخير أحد ربيبَيْها المذكورَين: سالم ومسعود ابني سعيد بن مسعود النعمانيين.