أحسب أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، "المُعطى مجد لبنان"، سيطأ أرض الجبل هذه المرّة لا كما وطأها في المرّات السابقة. فما بين الزيارتين مسافة قد تُقاس بالدقائق بالنسبة إلى بعض الذين لم يصدّقوا يوم رأوا المثلث الرحمات البطريرك التاريخي مار نصرالله بطرس صفير يترجّل من سيارة قادته من مقرّه الصيفي في الديمان إلى بيت الدين والمختارة، وقد أعياه التعب وأثقلت الهموم كاهله.

أمّا الذين لم يعتبروا كثيرًا من معاني الزيارات البطريركية للجبل فالمسافة الزمنية بالنسبة إليهم تُقاس ضوئيًا.        وما بين هؤلاء وأولئك هوّة سحيقة، لا جسور بين ضفتيها. الفواصل والفوارق كثيرة. وما بين الأمس واليوم فصل من فصول تاريخ سيُكتب في يوم من الأيام. وسيقرأه فقط الذين لا يزالون يؤمنون بأن ما بين أهل الجبل أكثر من عيش مشترك. ومن ليس من هذا الجبل لا يمكنه أن يعي ما يعنيه التاريخ المشترك بين مكوناته الطائفية، على رغم بشاعة وفظاعة ما شهده هذا الجبل من مآسٍ وكوارث والآم، وما كلّفته من دماء ودموع.    البطريرك الراعي، الذي يقصد هذا الجبل اليوم لتثبيت مصالحة لم تكن لتحصل لولا شجاعة وحكمة البطريرك صفير، يدرك ما تعنيه هذه الزيارة لبيت الدين وبعقلين والمختارة. هو يعرف كما كان البطريرك صفير يعرف أيضًا، أنه لم يكن هيّنًا على أبناء الجبل، دروزًا ومسيحيين، أن يتصالحوا. لم يكن من السهل عليهم أن يتصافحوا. لم يكن طبيعيًا أن يتسامحوا ويتصارحوا. لم يكن متوقعًا أن يعود إلى قريته من هُجّر منها بالقوة. لم يكن أمرًا عادّيًا أن نسمع الزغاريد، ونرى نثر الأرز والورود والرياحين، ونشمّ رائحة العطور وماء الورد وماء الزهر، وأن تعلو صيحات الترحيب بالضيف، وهو من أهل البيت. 
 يحّل البطريرك الراعي اليوم على الجبل ضيفًا، وهو ليس بضيف. يحّل راعيًا بين أهله، دروزًا ومسيحيين. يحلّ وفي نفسه شيء من عصارة ألم، والكثير من الحزن على وطن يكاد يضيع، وفي نظراته الكثير الكثير من الحسرة.    وهو جالس بين أهله سيتطلع في وجوه من حوله، وسيلوح بيديه للذين يلوحون له، وسيبادلهم التحية، وسيعلو على وجهه فرح اللقاء، ولكنه فرح ناقص وغير مكتمل.  
كان يأمل في أن تأتي هذه الزيارة اليوم وعلى رأس البلاد رئيس. كان يأمل في أن يرى بين مستقبليه أبناء رعيته مجتمعين وموحدّين. في هذه اللحظات السريعة والخاطفة تمرّ أمام عينيه وفي شكل تسلسلي ما يعانيه أهل الجبل، ومعهم جميع اللبنانيين، في الجنوب والشمال والبقاع وفي العاصمة، منذ أكثر من ثلاث سنوات متتالية. فالأزمات تتوالد وتتعمّق وتتكاثر. المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية أكبر من قدرة أي انسان على تحمّلها. كيفما تطّلع سيرى ما في عيون مستقبليه من قلق ممزوج بفرحة اللقاء، ولو مؤقتة. وسيقرأ ما تقوله شفاههم، وإن لم تُسمع الأنّات.   كيف يمكن الاطمئنان إلى المستقبل مع ما يُشاع عن تزايد أعداد النازحين السوريين؟  
كيف يمكن الركون إلى الوضع الأمني مع توالي الأخبار الأمنية الواردة من مخيم عين الحلوة؟  
كيف يمكن أن يستقرّ الحال في غياب أي رؤية حول مصير العام الدراسي، مع ما يرافق هذا الضياع من همّ الأقساط، الذي يفوق بأهميته سائر الهموم، وهي أيضًا مهمّة؟ 
كيف يمكن الاستكانة لعدم توافر الإمكانات الضرورية لعناصر القوى الأمنية لكي تستطيع الاستمرار بالقيام بمهامها الأمنية على أكمل وجه؟ 
فمصالحة الجبل ليست مصالحة موسمية يتمّ الاحتفال بها مرّة كل سنة أو سنتين. ليست مجرد ذكرى. إنها نمط عيش كان واقعًا في يوم من الأيام. صحيح أنه إذا كان الجبل بخير فكل لبنان يصبح بخير. ولكن الأصح من هذا الواقع التاريخي هو أنه إذا كان جميع اللبنانيين بخير، ومن بينهم على وجه الخصوص المسيحيون منهم، فإن لبنان يصبح بألف خير. 
فلو كان هؤلاء المسيحيون بخير فكان لهم ولجميع اللبنانيين اليوم رئيس على رأس جمهورية غير مشّلعة ومفتتة ومنهارة ومهترئة. فكيف يكون لبنان بخير فيما كل بيت فيه خراب بسبب انقسام أهله. 
فمصالحة الجبل ستبقى ناقصة ما لم تتم مصالحة مسيحية – مسيحية حقيقية.    المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: کیف یمکن ما بین لم یکن

إقرأ أيضاً:

نشاط مكثف لعصابات تهريب المخدرات وسط تحذيرات من كارثة حقيقية تتهدد أبناء عدن

 

الثورة  /

يساهم انتشار تجارة المخدرات في تفاقم المشكلات الاجتماعية وزيادة معدلات الجريمة في المحافظات اليمنية المحتلة ومنها محافظة عدن الخاضعة لسيطرة مليشيا الانتقالي المدعومة إماراتيا.

وفي مؤشر جديد على تفاقم الانفلات الأمني وانتشار الجريمة المنظمة عثر عدد من المواطنين في مدينة عدن على كمية كبيرة من مادة الحشيش جرفتها الأمواج إلى ساحل أبين.

وبحسب المواطنين فقد كانت الكمية معبأة داخل أكياس عازلة للمياه مما يشير إلى محاولات متعمدة لتهريبها إلى داخل المدينة ونشاط مكثف لعصابات تجارة المخدرات داخل مدينة عدن المحتلة.

وتأتي هذه الحادثة في ظل تزايد انتشار الجريمة ونشاط مكثف لتجار المخدرات في المحافظة المحتلة مما يعكس التدهور الأمني الخطير الذي تعيشه هذه المحافظة في ظل تغاضي الأجهزة الأمنية عن تنامي تجارة المخدرات واتهامات لمليشيا العدوان بالمشاركة في تهريب وتجارة المخدرات.

ويؤكد العديد من الأهالي في مدينة عدن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وبشكل كبير في أوساط الشباب في المدينة حيث يتم العثور على أكياس الحشيش وبقايا أشرطة الأدوية المخدرة في الأسواق وبالقرب من المنازل.

وحسب ناشطين حقوقيين في المحافظات المحتلة فان مخطّط تحالف العدوان السعوديّ الإماراتي يسعى إلى إغراق عدن والمناطق المحتلّة بالمخدرات والحشيش والممنوعات والخمور حتى وصلت هذه التجارة إلى داخل المدارس والجامعات، في محاولة لتدمير المجتمع ونشر الانحلال الأخلاقي، موضحين أن تفشّي المخدرات يتم عن طريق مرتزِقة العدوان ممن يتخذهم الاحتلال السعوديّ الإماراتي أدَاة لتنفيذ أهدافه.

وبيّن الناشطون أن انتشار تعاطي المخدرات والحشيش في عدن المحتلّة يعد كارثة حقيقية، لافتين إلى المخدرات هي جزء من الحرب الناعمة التي يشنها تحالف العدوان؛ مِن أجل نشر الفوضى الأخلاقية وتدمير الشباب وتمييعه.

 

مقالات مشابهة

  • الأرصاد: احتمال سقوط أمطار في الشمال الغربي وارتفاع في درجات الحرارة شرقاً
  • الشوكولاتة الإيرانية بأزمة حقيقية.. المستهلك العراقي يُفضِّل التركية
  • وزير الشئون النيابية: قانون المسئولية الطبية متوازن والطب المصري بخير
  • القوانين الانتخابيّة الىمقبرة اللجان بعد اعتراضات مسيحية على مشروع خليل
  • البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق يهنئ محافظ القاهرة بعيد الفطر المبارك| صور
  • البطريرك الكردينال مار باسيليوس اقليميس يزوران دير مار مارون وضريح القديس شربل، عنّايا - لبنان
  • لقاء سيدة الجبل: نطالب بالإعلان عن الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ
  • البطريرك والكاردينال إقليميس يزوران كاتدرائية مار جرجس في بيروت
  • موروثنا بخير.. مجوهرات مستوحاة من الموروث البحري
  • نشاط مكثف لعصابات تهريب المخدرات وسط تحذيرات من كارثة حقيقية تتهدد أبناء عدن