“محور الممانعة” .. التسمية والأهداف
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
يطلق نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران ومعه أذرعه في المنطقة العربية، على نفسه “محور الممانعة”، وككل صاحب مشروع، فقد اختار النظام الإيراني لمشروعه هذه التسمية لتعبر عن طبيعة المشروع، وتدل على وظيفته وأهدافه..
ولكي نتعرف على حقيقة هذا المشروع وطبيعته يلزمنا التوقف عند التسمية ودراسة لفظ/ مفردة “الممانعة” وبحث معانيها ودلالاتها واستعمالاتها في اللغة العربية، ثم نقارنها بالممارسات ونرى مدى التقارب بين التسمية والممارسة، وهكذا سنتبين ما إذا كان النظام الإيراني وأذرعه يشكل محور “ممانعة” بالفعل، أم أن التسمية في واد والممارسات على الواقع في وادٍ آخر.
رجعتُ للقرآن الكريم (أقوى المصادر فيما يتعلق باللغة العربية ومفرداتها واستخداماتها) لبحث وتأمل معنى ودلالة واستعمالات مادة “مَ نَ عَ” واشتقاقاتها، فعثرت على 16 نتيجة/ آية ورد فيها لفظ “مَنَعَ” أو أحد اشتقاقاتها، وهي على النحو الآتي:
1. “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن (مَّنَعَ) مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.
اقرأ أيضاً أول ظهور للناشط العماني ‘‘حارث الشريفي’’ بعد الإفراج عنه من قبل السلطات الأمنية بمارب (فيديو) قناة حوثية: انتشار عسكري لمؤتمر صنعاء في مربعات العاصمة واستعداد للانقضاض على الحوثيين.. وخبير عسكري يوجه دعوة لقبائل بكيل شاهد: نساء يمنيات تتصدى لحملة عسكرية حوثية بصعدة ويجبرن الحوثيين على الهروب ”فيديو” البيض يحذر من عواقب وخيمة مع دخول حرب اليمن عامها العاشر وينصح الانتقالي والحوثي والشرعية بـ5 أمور شباب اليمن يكسرون الحظر الحوثي ويطلقون مبادرات للاحتفاء بثورة 26 سبتمبر في صنعاء وإب.. تعرف عليها طلاب العلوم السياسية بجامعة صنعاء يضربون عن الدراسة احتجاجا على إستبدال الأكاديميين بسلاليين شاهد .. جماعة الحوثي تحول ذكرى المولد النبوي للنهب وتشويه صورة الإسلام (وثائق) إضراب في جامعة صنعاء احتجاجًا على تعسفات الحوثيين ماهي الصفعة التي وجهها الشيخ صادق أبوراس لمهدي المشاط عندما التقى به بحضور محمد الحوثي وكيف كانت ردة فعل الأخير؟ أصنام تُعبد من دون الله.. شاهد كيف تم نصب ”تمثال” لـ”عبدالملك الحوثي” بجانب ”قيادات إيرانية” مصرع مشرف في المليشيا بنيران نجل شقيقه وسط اليمن مصدر حكومي يكشف إلى أين وصلت المفاوضات مع الحوثيين لاسيما الملفات الإنسانية والاقتصاديةالبقرة – 114
بالنظر إلى كلمة (منع) في الآية الكريمة، أين وردت، وعلام دلت،وموضوع الآية وسياقه..والممارسات المشار إليها التي لا تصدر إلا من عصابات إجرامية عدوانية فاجرة ومنفلتة!!
ثم لنقارن ذلك بممارسات مليشيا الحوثي تجاه المساجد وانتهاكاتها بهذا الخصوص، والحوثي بالطبع واحد من تشكيلات “محور الممانعة” التي تنتهج جميعها الأسلوب نفسه وإن بدرجات متفاوتة!!
2. “الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ (وَنَمْنَعْكُم) مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” النساء – 141
الآية الكريمة تتناول المنافقين كفئة تعمل من داخل المجتمع المسلم وباسم الإسلام لإلحاق أشد الأذى بهم وهدمهم من الداخل والتآمر مع أعدائهم خلافا لما تعلنه في الظاهر، بل و(تمنعهم) من المؤمنين..
أوليس هذا ما نعانيه ونعيشه في بلداننا العراق، اليمن، سوريا، لبنان على يد إيران وأذرعها تحت عنوان “محور الممانعة”؟!
3. “قَالَ مَا (مَنَعَكَ) أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” الأعراف – 12
4. “قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا (مَنَعَكَ) أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ”
(ص – 75)
وفي الآيتين ورد لفظ المنع في وصف عصيان إبليس وتمرده على الخالق سبحانه، ثم إن ما (منعه) هو استكباره واستعلاؤه وادعاؤه الأفضلية..
وإذن فالممانعة هنا جاءت في وصف عصيان وتمرد إبليس، واستعلائه وادعائه الأفضلية..
وهذا ما يتجسد تماما مع سلوك “محور الممانعة”، عصيان وفجور.. وتعال واستكبار واستعباد وعنصرية سلالية وادعاء للأفضلية بسبب العرق والنطفة “آل البيت”!!
وهكذا في بقية الشواهد القرآنية، والسياقات والموضوعات التي وردت فيها مفردة “منع” أو مشتقاتها، وحتى لا أطيل سأكتفي بإيراد بقية الآيات الكريمة على التوالي، ثم التعليق عليها إجمالا..
5. “وَمَا (مَنَعَهُمْ) أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ” التوبة – 54
6. “فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا (مُنِعَ) مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” يوسف – 63
7. “وَمَا (مَنَعَنَا) أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا”
الإسراء -59
8. “وَمَا (مَنَعَ) النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا”
الإسراء -94
9. “وَمَا (مَنَعَ) النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا” الكهف – 55
10. “قَالَ يَا هَارُونُ مَا (مَنَعَكَ) إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا” طه – 92
11. “أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ (تَمْنَعُهُم) مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ” الأنبياء – 43
12. “وَ(يَمْنَعُونَ) الْمَاعُونَ” الماعون – 7
13. “لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا (مَمْنُوعَةٍ)” الواقعة 33
14. “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ 10 هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ 11 (مَّنَّاعٍ) لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ 12 عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ 13” القلم: 10-13
15. “أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ 24 (مَّنَّاعٍ) لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ 25 الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ26” ق: 24-26
16. “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم (مَّانِعَتُهُمْ) حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ” الحشر – 2.
وإذن؛
لم ترد مفردة “منع” أو أي من اشتقاقاتها ولا مرة واحدة في كتاب الله، لتدل على مواجهة شر أو رذيلة أو لنشر فضيلة أو قيمة إيجابية من أي نوع، ولا جاءت في سياق يتناول فردا أو فئة أو جماعة سوية أو صاحبة رسالة سامية أو تحمل مثلا عليا أو يرجى منها خير لنفسها أو لغيرها..
أوَليس “محور الممانعة” كما نشهده عيانا على أرض الواقع في إيران، العراق، سوريا، لبنان، اليمن.. هو بالضبط التجسيد الأبشع لكل ما هو نقيض لقيم الخير والحق والعدل والصدق؟
أليس “محور الممانعة” تجسيدا لكل من هو وما هو شر، باطل، كفر، شرك، نفاق، معصية، كيد، غدر، خيانة،احتيال، تآمر، جُبن، وهروب، عدوان، أنانية، لؤم، حرمان، إفساد، انحراف، غي، ضلال، وتضليل، استعلاء، استعباد، عنصرية، تزييف، تدليس، هدم، وتخريب..
وكما لاحظنا فقد ارتبط استخدام المفردة مع كل ما هو ومن هو عدو لله وللمسلمين وللحق وللقيم الإنسانية السوية وللمثل العليا..
فهل نستطيع القول بأن إطلاق نظام دولة الولي الفقية في إيران وأذرعها في بلاد العرب والمسلمين على كيانها هذا اسم “محور الممانعة” جاء معبرا تمامًا ومطابقا لحقيقة مشروعها ووظيفتها وأهدافها وممارساتها على الواقع، وبشهادة القرآن الكريم؟
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: محور الممانعة
إقرأ أيضاً:
رسالة إلى السيد عبد الملك الحوثي
أكتب إليكم اليوم لا لأحملّكم ذنبا، ولا لألقي بظلال الماضي على حاضركم، بل لأتحدث عن الزميل المعتقل في سجون صنعاء محمد المياحي، ذلك الإنسان الذي اختلفت السلطات مع حروفه ورأتها خطأ يجرح اليقين، لكن أليس هذا هو الإرث الإنساني الذي ورثناه؟ أن نخطئ ونصيب، ونحاسب بالعدل لا بالسطوة؟
نعلم أن الرأي المخالف جمرة تحرق يد من يمسكها، لكن الإمام عليا -عليه السلام- علمنا أن "الناس عدّوا ما أخطأوا، وأعانوا على ما اجترحوا". فإذا كان المياحي قد اجترح خطأ -بحسب السلطات - فهل يعاقب بالحديد أم يعان بالحكمة؟ أليس الأجدر بنا أن نذكر أنفسنا بأن أنصار الله نفسهم عانوا مرارة السجون ذات يوم لأن حروفهم أزعجت سلطة رأت في الصوت المختلف "عدوا"؟
المياحي مواطن يمني قبل أن يكون ناقدا، وابن لهذا التراب قبل أن يكون رأيا. أليس من حق الوطن أن يجمع أبناءه -حتى المختلفين- تحت سقف العدالة التي تعتذر قبل أن تعاقب؟
صنعاء يا سيدي ليست شوارع ترصف بالأسفلت، ولا أبراجا تتحدى السحاب، إنها "الجامع الكبير" الذي تتعانق تحت قبته أرواح الأئمة والشعراء، والمقاومين والمتصوفين، هي الذاكرة التي تحمي اليمن من أن يضيع في متاهات التقسيم. فكيف نحولها -ونحن ندعي الدفاع عنها- إلى سجن كبير يسجن أبناءها بحجج "الخيانة" و"الاختلاف"؟
نعلم أن الأعداء ينسجون حولها شباكا من نار، ويريدونها أن تسقط كي يقولوا: "انظروا.. حتى صنعاء لم تسلم!". لكن صنعاء التي صمدت ألف عام أمام غزوات الأعادي، لن يكسرها اليوم إلا شيء واحد: أن ننسى أنها "مظلة الجميع". فهل نسلمهم النصر المجاني بأن نفرغها من معناها، ونحولها إلى قلعة للطائفة الواحدة، أو الحزب الواحد؟
العدل الحقيقي ليس في أن نصدق كل ما يكتبه الآخر، بل في أن نعطيه فرصة. والعفو ليس اعترافا بضعف الموقف، بل إعلاء لقيمة الإنسان على تفاصيل الخلاف. هل نخشى -حقا- من حروف تكتب في زاوية ما؟
اليوم، بينما ينتظر المياحي خلف القضبان، يذكرنا بأن اليمن الذي حاربنا من أجله لا يسع الجميع إلا إذا غلبنا "الإنسان" على "التهمة"، و"المواطن" على "الخلاف". فهل نريد أن يروي التاريخ أنا انتصرنا على الخصوم وخسرنا الإنسان؟
محمد المياحي لم يكن يوما في خندق من حاربكم بالسلاح، أليس الأجدر بنا، ونحن نمسك بمفاتيح السجون، أن نتذكر الإمام عليا -عليه السلام- حين قال: "إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه"؟ فالعفو ليس تنازلا، بل اعتراف بأن القوة الحقيقية هي التي تسمو فوق الانتقام.
نعلم أن قرار الإفراج عن إنسان هو اختبار لرحابة السلطة قبل اختبار لبراءة السجين. اليوم، وأنتم تواجهون أعتى التحديات، أليس من الحكمة أن تعلنوا للعالم أن صنعاء -قلب اليمن النابض- قادرة أن تحتضن أبناءها؟
الإمام علي -عليه السلام- يقول: "العفو تثبته القدرة، والحلم يدركه العقل" فامنحونا، كيمنيين، دليلا على أن ثورتكم ولدت لتحرير الإنسان، لا لتسليط عليه سياط التحريض.
أطلقوا سراح المياحي.. اليمن يستحق أن نجرب معه لغة جديدة: لغة تبدأ بالإفراج عن السجين السياسي، وتنتهي بتحرير الوطن من ثقافة السجون.