الهلال الإيراني: انتهت "زيارة الأربعين" واشتباكات شرق الفرات.. فهل تبدأ عمليّة عزل سوريا؟
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
هدف قطع طريق الهلال الإيراني عند الحدود السورية العراقية لم يعد سراً
كل المعلومات الآتية من العراق تشير إلى أن الأمريكيين رفعوا من جهوزيتهم العسكرية في قواعدهم، لا سيما في قاعدة "عين الأسد" في الأنبار التي تقع عند نقطة استراتيجية على طريق بغداد – القائم ثم سوريا. للتذكير، فإن وفداً عسكرياً عراقياً ترأسه وزير الدفاع ثابت العباسي دُعي في منتصف شهر آب (أغسطس) الماضي إلى العاصمة الأمريكية، وقابل مسؤولين أمريكيين كباراً في البنتاغون ووزارة الدفاع، وجرى إطلاعه على خطة أمريكية تقضي بتبديل قوات مرابطة في العراق، بأخرى جديدة، وبنيّة واشنطن العمل على إقفال الحدود العراقية السورية عند المعابر الرئيسية التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة لإيران على جانبي الحدود، لا سيما عند نقطة القائم- البوكمال.
ولدى عودة الوفد إلى بغداد، جرى إطلاع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على فحوى اللقاءات، كما جرى إطلاع قيادات "الإطار التنسيقي"، أي التكتل الموالي لإيران في البرلمان، الذي يمثل الذراع السياسية للميليشيات المنضوية ضمن "الحشد الشعبي". وفي الوقت عينه، حصل لقاء بين السوداني وسفيرة الولايات المتحدة في بغداد إلينا رومانوفسكي، حيث نقلت الأخيرة تأكيدات على مضمون اللقاءات التي جرت في واشنطن، مشفوعة بطلب رسمي من القوات الأمريكية بأن تبتعد ميليشيات الحشد الشعبي من الحدود مع سوريا إلى مسافة 100 إلى 150 كيلومتراً. وبعدها بأيام بدأت أمريكا في استعراض نادر في الأعوام الأخيرة بإجراء تبديلات في قواتها المرابطة في العراق تحت عنوان "مستشارين"، يبلغ عددهم 2500 جندي (مستشار). وجرى نشر الفرقة العاشرة الجبلية القتالية، وارتفع عديد القوات الأمريكية إلى ما يفوق 4000 جندي. وأدخلت بالمناسبة آليات جديدة تحركت ضمن قوافل كبيرة في العديد من المناطق المؤدية إلى القواعد التي ترابط فيها القوات الأمريكية. وقد أعطيت تعلميات صارمة لـ"الحشد الشعبي" بعدم الاحتكاك مع هذه القوات، وبالتخفيف من التحركات في المناطق الحدودية مع سوريا، وقيل إن وحدات من الميليشيات انسحبت بالفعل، فيما أشارت معلومات إلى أن المسألة لم تصل بعد إلى حد الانسحاب، بل إلى الانكفاء ضمن مواقع الميليشيات والتقليل من التحركات مخافة الاحتكاك.
كل هذا حصل في وقت كان قائد "فيلق القدس" إسماعيل قآني يرابط بين بغداد والنجف وينسق بين القوى السياسية العراقية الموالية لطهران. وكانت التعليمات تقضي بالانكفاء، وخصوصاً أن الأمريكيين أحدثوا ضجة خلال عمليات التبديل التي تزامنت مع نشر حاملتي طائرات في المتوسط والخليج العربي ومقاتلات من الجيلين الرابع والخامس في قواعد المنطقة وتعزيز قاعدة التنف بالسلاح والقوات، فضلاً عن القوى المسلحة العربية العاملة مع الأمريكيين عند المثلث الحدودي العراقي – السوري – الأردني. ولعل الحديث الذي أدلى به رئيس الوزراء السابق وزعيم كتلة "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي المقرب جداً من إيران، إلى إحدى القنوات التلفزيونية، أشار بصراحة إلى المعلومات التي سقناها، ولكنه لم يضعها في سياق قلب موازين القوى في العراق، بل في سياق قلبها في سوريا، وربما إسقاط نظام بشار الأسد. فكل المعلومات تقاطعت عند التأكيد أن التعزيزات الأمريكية حقيقية، وأنها تؤشر إلى احتمال كبير بقرب إطلاق عملية تستظل عنوان عملية "العزم الصلب" بقيادة الجنرال ماثيو ماكفارلين التي ترمز أساساً إلى محاربة تنظيم "داعش". حتى الآن لم يطلق على العملية الفرعية أي اسم. وربما أطلق عليها اسم بقي طي الكتمان، لأنها تتعدى الإطار الأساسي لـ"العزم الصلب". فهدف قطع طريق الهلال الإيراني عند الحدود السورية العراقية، لم يعد سراً. وبالرغم من النزاع المسلح الذي انفجر شرقي نهر الفرات في سوريا، بين قوات "قسد" وبعض العشائر العربية، وجرى استغلاله من قبل الإيرانيين والنظام في دمشق، فإن خطة التضييق على الهلال الإيراني، أي "الكوريدور" الإيراني الذي يربط بين طهران وبيروت عبر بغداد ودمشق، لا تزال قائمة. والأمريكيون يعملون على أكثر من مستوى عند الحدود العراقية - السورية، وبالتوازي عند الحدود الأردنية – السورية التي تمثل أحد التحديات الأمنية الكبيرة لكل المنطقة بفعل تنامي حركة تهريب المخدرات المنتجة في سوريا برعاية رسمية شبه معلنة، إضافة إلى تهريب السلاح الذي يصل إلى قلب الأردن، والضفة الغربية، وصولاً إلى سيناء وانتهاءً بشبه الجزيرة العربية عبر الصحراء السعودية المترامية الأطراف.
والسؤال المطروح بعد انتهاء مناسبة "زيارة الأربعين" في العراق التي شهدت دخول ملايين الحجاج الإيرانيين، وانتهاء الصراع المسلح شرقي الفرات هو: هل ستعود خطة عزل سوريا عن العراق إلى السكة؟ وكيف؟ ومتى؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني سوريا سوريا الهلال الإیرانی عند الحدود فی العراق
إقرأ أيضاً:
كيف فعلتَ كل هذا أيها الصابئي المجنون ؟!
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
على قلة عددها- قياساً إلى اعداد الطوائف العراقية الأخرى – قدمت الطائفة المندائية الصابئية نماذج استثنائية ومتقدمة جداً في مجالات العلوم والثقافة والشعر والفنون، والإبداع المهني في العراق، ناهيك من نماذجها الساطعة في مسيرة النضال الوطني، ويكفي أن تذكر اسم الشيوعي الصابئي الفذ، الشهيد ستار خضير، وكوكبة الشهيدات والشهداء المندائيين الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الوطن الحر والشعب السعيد، حتى تقف بكامل هيئة الامتنان والاحترام والتقدير لهذه الطائفة العراقية جذراً وانتماءً وحباً وعطاءً وإخلاصاً ..
نعم، فهذه الطائفة التي أعرف ناسها وأرضها وتضاريسها وثمارها ونخيلها، وتقاليدها ورموزها وأغلب تفاصيلها الجنوبية الطيبة، رغم علو جدرانها، وأبوابها السميكة المغلقة التي تمنع على ( الآخر) معرفة طقوسها وسماع شدو طيورها، ورغم كل السرّيّة التي تحيط بحياتها، كنت أعرف الكثير عنها، بسبب وشيجة المواطنة، والمعايشة الطويلة.. فضلاً عن عمق العلاقة التاريخية التي تجمع بين بيئتينا، وشخوصنا أيضاً ..
ومن خلال هذه المعرفة أستطيع القول بضرس قاطع، إن خلف كل قمر صابئي، ونجمة صابئية، و ضوء مندائي لامع، تاريخاً طويلاً من الليالي والصبر والدموع والأحزان والسهر وقصصاً موجعة عن ظلم التمييز، والتحريم والعزل المذل، والمعاناة المرّة، مصحوباً بنضال وصمود و مقاومة شديدة إضافية أبداها هؤلاء القوم، لكل ما يعترض طريق نجاحهم من عوارض وموانع قاسية مضافة إلى العوارض التي تقف عادة في طريق كل عراقي ناجح ومضيء آخر..
وطبعاً فإن السبب يعود لكونهم صابئيين أولاً، وجنوبيين، عماريين ثانياً، حتى أن الكثير من الأخوة المندائيين القادمين من الجنوب الى بغداد اضطر مكرهاً إلى استخدام ألقاب بغدادية، أو قبائل (غربية)، تفادياً من الوقوع في المحظور !
أنا متيقن من أن معاناة هذه الطائفة لا تختلف عن معاناة المهاجرين الآخرين إلى العاصمة بغداد، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فهم جميعاً يواجهون الضغوطات الناتجة عن الحساسية الطائفية، والمناطقية، والعروبية بل والشوفينية أحياناً في ذلك الوقت، لكن الصابئة – وهذه حقيقة- يعانون بدرجة أكبر من غيرهم، باعتبارهم مندائيين (صبٌة)، ومهاجرين أيضاً !!
وهنا قد يعترض البعض ويقول: إن الصابئة كانوا يعملون في شارع النهر وأسواق بغداد معززين مكرمين !
وأنا أقول : نعم هم كانوا يملكون محلات في شارع النهر ومناطق بغداد، وهذا يعود لأنهم يملكون مواهب عالية في فن الصياغة الذي لم يكن يعرفه غيرهم آنذاك، عدا أنهم أناس مسالمون، طيبون، أمينون، يتمنى كل عراقي أن يتعامل معهم، لكني اسأل هنا وأقول: كم وزير صابئي في حكومات العراق منذ حكومة عبد الرحمن الكيلاني النقيب حتى حكومة محمد شياع السوداني ؟!
الجواب: لايوجد قطعاً، رغم قدراتهم وإمكاناتهم الإدارية والعلمية العالية !
والشيء نفسه يقال عن عدم وجودهم في جميع المناصب العليا الأخرى..!
إن الصابئي العراقي لا يحصل على منصب رفيع إلا إذا غادر بلده العراق، لأن ( الشوفينيين ) لن يسمحوا بذلك .. وأظن أن ما حصل مع عالم الأنواء العالمي، الدكتور عبد الجبار عبد الله في قضية تعيينه رئيساً لجامعة بغداد، وإصرار عدد من القادة القوميين والعناصر البغدادية المتعصبة، على رفض قرار الزعيم قاسم بتعيين هذه القامة العلمية العالية، أصدق مثال على عدم منح الصابئة حقوقهم الوطنية التي يكفلها لهم الدستور وتقرها القوانين العراقية.
وإذا كان العالم عبد الجبار عبد الله قد هرب من العراق إلى الولايات المتحدة مكرهاً ، بعد انقلاب شباط الأسود العام 1963، ونجح في أن يحقق بعلومه واكتشافاته ما لم يحققه علماء أمريكا نفسها، ويضيء الميادين الفيزياوية بنور علمه، فيصنع في أمريكا معروفاً إنسانياً وعلمياً لن تنساه أبداً، ويحصل على منصب مهم يسيل له لعاب علماء أمريكا قاطبة، فإن الطبيب العماري الصابئي، الجراح جبار ياسر صگر الحيدر، المولود في قضاء الكحلاء بمحافظة ميسان قبل تسعين عاماً.. والمتوفى في كندا قبل عدة أيام .. أقول إن هذا الطبيب الفذ صنع ما لم يصنعه غيره من الصابئة والمسلمين والطوائف الأخرى.
فهذا المناضل الوطني، والشيوعي الباسل، الذي أتعب الجلادين، وأذل الحديد الذي كان يوضع في يده وهو يتنقل من سجن إلى آخر، والذي صمد بوجه عصابات الحرس القومي وأمثالهم، وظل ثابتاً على مبادئه وقيمه الوطنية التقدمية دون تراجع.. أقول إن هذا البطل لم يغادر العراق رغم كل العذابات والدمار الذي عاشه في حياته.. نعم فقد بقي ( أبو أسيل) قوياً ومثمراً مثل نخلة البرحي، حتى مغادرته بلاده، بعد أن وصلت سكين الطائفية إلى أعناق أسرته، فغادر مجبراً في نهاية العام 2004 ،بعد أن عمل طبيباً وجراحاً منذ العام 1960 في أرياف وأهوار العمارة والبصرة والناصرية والكوفة والنجف وبغداد، وظل يعمل حتى يوم سفره الطويل.. كما عمل طبيباً مقيماً في الناصرية، ورئيساً للاطباء المقيمين في مستشفى الفرات الاوسط في الكوفة، قبل أن يعزل عن الخدمة بعد اعتقاله إثر انقلاب شباط الاسود العام 1963، ثم ينتقل بعد خروجه من السجن الى بغداد، ويعمل في عيادته الخاصة طبيباً ممارساً. لكنه أعيد للخدمة في وزارة الصحة بعد عام واحد، حيث تم تعيينه (طبيباً مركزياً) في قضاء الميمونة، ليسافر بعدها الى بريطانيا للدراسة في العام 1969 ملتحقاً بكلية الجراحين الملكية البريطانية، ويحصل العام 1974 على شهادة زميل كلية الجراحين الملكية البريطانية.. ويعود بعدها الى العراق، ليعمل جراحاً اختصاصياً في المستشفى الجمهوري في البصرة، ثم رئيساً لقسم الجراحة، واستاذاً محاضراً في كلية طب البصرة. وفي العام 1976 أوكلت اليه مهمة فتح مستشفى الضمان الاجتماعي للعمال في الرصافة التابع ادارياً الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فعمل على تطويره، وإعادة تبعيته الى وزارة الصحة، باسم مستشفى الكندي العام.. وقد استمرت خدمته في هذا المستشفى جراحاً اختصاصياً، ورئيساً لقسم الجراحة أيضاً.. حتى أصبح مستشفى تعليمياً.. ولعل من المفيد ذكره هنا أن الدكتور جبار ياسر الحيدر أصبح مشرفاً على الدراسات التخصصية العليا في الجراحة العامة، وجراحة المسالك البولية، ورئيساً للجنة العلمية، فقدم في ذلك رغم تعدد مشاغله، بحوثاً علمية قيمة، نشرت في كبريات المجلات العلمية الرصينة وقد استمر عمله مديراً لمستشفى الكندي حتى العام 1994.. حيث اصبح المستشفى تعليمياً بفضل الجهود التنسيقية التي بذلها شخصياً مع وزارة التعليم العالي، وكلية طب بغداد آنذاك، والتي أدت إلى تأسيس كلية طب الكندي..وهذه الكلية واحدة من إنجازاته الفذة.
لقد تقاعد الدكتور جبار ياسر من العمل الطبي الحكومي العام 1994، بعد أن أجرى ما يقارب 25 ألف عملية جراحية كبرى وفوق الكبرى، ووسطى أيضاً- أكرر 25 الف عملية.. ولم يسترح حتى بعد تقاعده الوظيفي إذ قام بإنشاء (مستشفى الفردوس الاهلى) للجراحات التخصصية في بغداد العام 1993، وقد تولى العمل فيه جراحاً استشارياً، ومديراً له أيضاً.. وللحق فإن هذا المستشفى صار عوناً للمرضى الفقراء من العراقيين بلا استثناء ..
هل رأيتم سيرة مجنونة، وتاريخاً باهراً مثل سيرة وتاريخ هذا الصابئي الجنوبي الجميل؟.
لقد كتبت خلال العقدين الماضيين ثلاث مقالات اطالب فيها ثلاثة رؤساء حكومات عراقية بتعيين هذا الرجل العبقري بمنصب وزير الصحة.. ولم يجب رئيسان على مقالاتي، لكن رئيساً واحداً – وهو صديقي- استقبلني في بيته، وقال لي: إذا كان الزعيم عبد الكريم وهو قائد الثورة وزعيم تنظيم عسكري، قد عين الصابئي العالم الكبير عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد بشق الأنفس، فكيف تريدني أنا الذي لا يملك تنظيماً عسكرياً ولا بقائد ثورة، أن أعيّن اليوم طبيباً صابئياً وزيراً للصحة، خاصة والجميع يقاتل على المنصب؟!.
فالح حسون الدراجي