عربي21:
2024-11-24@09:02:26 GMT

في تقويض الدولة العراقية

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

القضاء هو المؤسسة الأكثر فاعلية في بناء الدولة، وهو، في الوقت نفسه، الأداة الأخطر في تقويضها. إن مراجعة لسلوك القضاء العراقي كفيلة بالكشف، بما لا يدع مجالا للشك، عن حقيقة أن هذا القضاء تحول إلى عامل رئيس في تقويض الدولة!
فالمحكمة الاتحادية العليا الحالية، وهي محكمة غير شرعية تشكلت من خلال صفقة بين مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى عام 2021 حين تواطأ الطرفان على انتهاك أحكام قرار باتٍ وملزم للسلطات كافة، هو القرار (38/ اتحادية/ 2019) الذي يقضى بعدم دستورية المادة 3 من قانون مجلس القضاء الأعلى الذي أعطى للمجلس صلاحية ترشيح رئيس المحكمة الاتحادية وأعضائها، وذلك لمخالفته أحكام المادتين 91/ ثانيا و92 من الدستور العراقي.

لكن مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى ضربا قرار المحكمة الاتحادية هذا بعرض الحائط، ومرّرا قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية؛ وهو قانون يعطى لمجلس القضاء الأعلى صلاحية ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية الحالية!
وقد أصدرت هذه المحكمة في الأيام العشرة الماضية ثلاثة قرارات مسيسة تنتهك أحكام الدستور، وتنتهك أحكام نظامها الداخلي أصلا، في إصرار غريب على تقويض الدولة والدستور والقانون والمنطق معا!
القرار الأول صدر بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2023 بشأن الطعون على قانون الانتخابات، قررت فيه عدم دستورية مواد وفقرات في هذا القانون، وبعيدا عن الإشكاليات المتعلقة بحيثيات هذا القرار، وحجم التسييس فيها، وتجاوز صلاحيتها وتحولها الارتجالي من التفسير إلى التشريع، وتحويل قراراتها من كاشفة إلى منشئة بمزاجها، فإن المحكمة الاتحادية، بقرارها هذا، قد انتهكت أحكام النظام الداخلي لها الذي يقرر في المادة 23 أنه «لا يقبل الطعن بدستورية قانون الانتخابات والنصوص الواردة فيه، قبل ستة أشهر من التاريخ المحدد لإجراء الانتخابات في كل دورة انتخابية». وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت في 20 حزيران/ يونيو قرارا بتحديد يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023 موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وكان هذا يقضي أن لا تقبل المحكمة الاتحادية أي طعن على قانون الانتخابات بعد يوم 20 حزيران/يونيو 2023!
لكن المحكمة الاتحادية لم تلتزم بذلك، وجميع القرارات التي قبلت فيها الطعون قُدمت بعد ذلك التاريخ، وهو ما يثبت أن ثمة إرادة سياسية لتأجيل الانتخابات، وأن المحكمة الاتحادية أعطت الحجة المناسبة لتأجيل تلك الانتخابات في حال حصل الاتفاق السياسي على تأجيلها!
وبتاريخ يوم 3 أيلول/ سبتمبر، أصدرت المحكمة الاتحادية أمرا ولائيا قررت فيه إيقاف تنفيذ أمر رئيس مجلس الوزراء، بخصوص تسليم مقر قيادة عمليات كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ليعود مقرا للحزب في مدينة كركوك كما كان عليه الأمر قبل استفتاء عام 2017 على استقلال إقليم كردستان، وقد صدر الأمر الولائي في اليوم الذي قُدِّم طلب بإصدار أمر ولائي، وهذه السرعة في إصدار القرار عند مقارنتها بطلبات أخرى لاستصدار أوامر ولائية تكشف عن طبيعة التسييس في هذا القرار!
بالعودة إلى القرار، سنجد أن ثمة نائبا قد سوّغ دعواه هذه بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان غاصبا لهذه الأرض التابعة لوزارة المالية، وأنه شيّد عليها مقرا له وشغله دون وجه حق دون أو مسوّغ قانوني، وأن البرنامج الحكومي قد تضمن السماح للأحزاب الكردستانية الحق بممارسة نشاطاتها السياسية في كركوك وإخلاء مقراتها التي شُغلت من الآخرين، وأن هذا الإجراء يخالف قانون الأحزاب الذي لا يتيح للأحزاب شغل مقرات، أي مؤسسات تابعة للدولة، دون أن يشير إلى أي مخالفة دستورية محددة!
وكما هو واضح لا تقع أي من هذه الطعون ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية، فليس من اختصاصات المحكمة الاتحادية النظر في اغتصاب أراضي الدولة، وليس من اختصاصها النظر في المخالفات القانونية، بل تنحصر مهمتها في المخالفات الدستورية، وسبق للمحكمة الاتحادية أن ردت عشرات الدعاوى المتعلقة بانتهاكات قانونية لأن «تفسير نصوص القوانين وإعطاء الرأي فيها لا يدخل ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا»!
ولكن قراءة نص الأمر الولائي يكشف أن المحكمة الاتحادية قد سوّغت قبولها الدعوى بنصوص لا علاقة لها بالمطلق بعريضة الدعوى! بل إنها كتبت بنفسها عريضة دعوى لا علاقة لها بالدعوى الأصلة! وهي عريضة إنشائية تبدأ من ديباجة الدستور الإنشائية أيضا، ثم بالمادة 1 من الدستور المتعلقة بطبيعة النظام السياسي في العراق، ثم بالمادة 3 المتعلقة بأن «العراق بلد القوميات والأديان والمذاهب» ثم بالمادة 7/ أولا المتعلقة بحظر الكيانات التي تتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير، ثم استدلت بقانون الأحزاب الذي يكفل المشاركة السياسية وتأسيس الأحزاب، ثم المادة 109 من الدستور التي توجب على السلطات الاتحادية الحفاظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي!
وكما هو واضح لا علاقة بين هذه المواد العامة وعريضة الدعوى، وكان واضحا أنها مجرد تعمية لجأت اليها المحكمة الاتحادية لتسويغ قرارها المسيس الخارج اختصاصاتها من الأصل!
في 4 أيلول/ سبتمبر 2023 أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا بعدم دستورية قانون رقم 42 لسنة 2023 المتعلق بالتصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله الموقعة بين الحكومتين العراقية والكويتية، لمخالفته أحكام المادة (61/ رابعا) من الدستور!
بالعودة إلى نص هذه المادة سنجد أنها تنص على أن: «تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب العراقي». وكما هو واضح وغير قابل للتأويل، فإن المادة تتعلق بتشريع قانون بأغلبية الثلثين، وليس بأن التصديق على الاتفاقية يتطلب الثلثين!
ففي العام 2013 كان يحكم تصديق الاتفاقيات والمعاهدات، القانون رقم 111 لسنة 1979 المعنون: «قانون عقد المعاهدات» وهو القانون نفسه الذي حكم التصديق على اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2008، وحكم بانضمام العراق إلى عشرات المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد العام 2003، لاسيما أن الدستور العراقي كان قد نص في المادة 30 منه على أن «تبقى التشريعات النافذة معمولا بها، ما لم تلغ أو تعدل وفقا لأحكام هذا الدستور». وهذا القانون ظل نافذا ولم يلغ إلا في العام 2015 بعد تشريع «قانون عقد المعاهدات» رقم 35 لسنة 2015!
ولا يمكن فهم هذا التدليس الصريح في قرار المحكمة الاتحادية باستنادها إلى المادة 61/ رابعا من الدستور إلا على أنه جزء من عدم مهنية المحكمة، وعدم احترامها ليس للدستور وحسب، وإنما عدم احترامها للمجتمع ككل!
والمفارقة هنا أن المحكمة الاتحادية نفسها، بقضاة مختلفين، سبق لها أن تلقت دعوى تطعن في الاتفاقية نفسها عام 2014 ووجدت الدعوى «غير مستندة على أساس من الدستور أو القانون»! وأن الطعن بأن الاتفاقية قد أضرت بالجانب العراقي وأن الأمر “لا يدخل ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية العليا»!
حين تتحول فكرة العدالة إلى مجرد «وجهة نظر» وتغيب المهنية، وعندما تكون علاقات القوة، ومصالح الفاعلين السياسيين هي الحاكمة، ويصبح الدستور والقانون مجرد أدوات سياسية تستخدم وفقا لإدارة المستخدم، او من يستخدمه، سيكون القضاء، بالضرورة، الفاعل الرئيسي في تقويض الدولة!
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القضاء الدولة العراقي العراق القضاء الدولة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات رياضة صحة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس القضاء الأعلى المحکمة الاتحادیة من الدستور فی تقویض

إقرأ أيضاً:

تعدى على طالبة وتنمر عليها.. مدرس بالجيزة يواجه عقوبات بالجملة

مع بدء عودة المدارس شهدت العملية التعليمية عدد من الحوادث المؤسفة تمثلت في اعتداءات عدد من المدرسين على الطلاب في المدارس ، وكان آخر هذه الحوادث قيام مدرس بالجيزة بالاعتداء على الطالبات.

أحالت النيابة الإدارية معلمًا بإحدى مدارس محافظة الجيزة إلى المحاكمة التأديبية العاجلة، عقب ثبوت تعديه لفظيًا وجسديًا على طالبة في المرحلة الإعدادية، إضافة إلى اعتياده التنمر والاعتداء على عدد من زميلاتها.

جاء ذلك بعد أن رصد مركز الإعلام والرصد بالنيابة الإدارية الواقعة على عدد من المواقع الإخبارية، حيث باشرت نيابة التعليم الإدارية بالجيزة التحقيقات برئاسة المستشارة هبة الله وفيق.

واستمعت النيابة إلى أقوال ولي أمر الطالبة، الذي أفاد بأن المعلم قام خلال حصة العلوم بتمزيق كراسة المادة الخاصة بابنته، وضربها بها على رأسها، إضافة إلى صفعها ولكمها وطردها مع زميلتين خارج الفصل. كما طلب المدرس من إحدى الطالبات تصويرهن بهاتفه الشخصي أثناء وقوفهن خارج الفصل.

وأكدت شهادات الطالبات صحة تلك الوقائع، مشيرات إلى اعتياد المعلم استخدام عصا خشبية للإشارة إلى أجسادهن أثناء شرح مادة الأحياء، فضلًا عن سخريته من مظهر الطالبة أثناء الاعتداء عليها.

وأوضحت النيابة أن سلوك المعلم يخالف القواعد التربوية والتعليمية، مؤكدة إحالة المتهم للمحاكمة لضمان حماية الطلاب ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.

ارتكب جريمته داخل الفصل.. عقوبة مدرس تعدى على تلميذة بالجيزة خرج أصحابي وقعدني معاه لوحدنا.. تلميذة العمرانية تروي تفاصيل تعدي مدرس عليها انتهك براءتها.. أقوال صادمة من والد تلميذة ضحية مدرس العمرانية استغل ضعف حيلتها.. قرار عاجل بشأن تعدى مدرس على تلميذة بالعمرانية

ويستعرض “صدى البلد” من خلال هذا التقرير عقوبة مدرس الجيزة في جريمة الضرب.

عقوبة الضرب

وتنص المادة  ٢٣٦ من قانون العقوبات على أن  كل من جرح أو ضرب أحدا عمدا أو إعطاء مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع، وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن،  وهذه العقوبة تنطبق أيضا على الجرائم التي تنتهك بحق الأطفال.

كما نصت  المادة ٢٤٠ من قانون العقوبات لجريمة الجرح أو الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، على عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وتشدد العقوبة في حالة ما إذا كانت الجريمة مقترنة بسبق الإصرار أو الترصد، فتكون السجن المشدد من ثلاث سنين إلى عشر سنين.

ويستعرض “صدى البلد” أيضا من خلال هذا التقرير عقوبة مدرس الجيزة في جريمة التنمر.

عقوبة التنمر

ويعاقب المتنمر، حسب المادة، فإنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون اخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سته أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتكون العقوبة لجريمة التنمر، الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، وذلك إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الفاعل من أصول المجنى عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مسلما إليه بمقتضي القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادما لدي الجاني أما إذا اجتمع الطرفان يضاعف الحد الأدني للعقوبة، ونصت المادة ذاتها، علي أنه في حالة العود ( اي تكرار نفس الفعلة) تضاعف العقوبة في حديها الأدني والأقصي.

وكان قد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي تعديلات تشريعية على القانون رقم ١٨٩ لسنة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لوضع جزاء عقابي لجرائم التنمر، بعد أن أقرها مجلس النواب مع تزايد هذه الظاهرة وردع القائمين عليها، حيث تضمنت التعديلات الصادرة مؤخرا بأن يُعد تنمرًا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي".

مقالات مشابهة

  • بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهمين في قضية «داعش قنا»
  • سماع الشهود فى محاكمة متهمين بقضية «داعش قنا».. اليوم
  • اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية "خلية داعش قنا"
  • «المؤتمر»: الشائعات تهدف إلى تقويض مسيرة التنمية والتقدم في مصر
  • 500 ألف جنيه غرامة للاجئين حال القيام بهذه الأفعال | مشروع قانون
  • جعجع: الدولة لا يمكنها أن تستمرّ من دون إيجاد حلّ للتركيبة الحالية
  • الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت قرار تاريخي
  • الحكومة العراقية تعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه
  • لأول مرة.. رئيس المحكمة الدستورية يحاضر في لقاء مفتوح
  • تعدى على طالبة وتنمر عليها.. مدرس بالجيزة يواجه عقوبات بالجملة