العبث باتحاد عربي آخر
أية عقلية تلك، التي تضحي بالأهم من أجل المماحكات والعنتريات حول الأقل أهمية؟
هل يعقل أن تضيع فرصة قيام كتلة سياسية اقتصادية أمنية هائلة وواعدة من مئة مليون عربي، وبمساحة 6 ملايين كيلومترا؟
كتب الكثير عن ما يسمى بالعقلية العربية، وعن ما أضاعت من فرص تاريخية، وعن دورانها العابث حول المواضيع، بدلاً من الدخول في صلبها وحلها.
أشكال لا تعد ولا تحصى من الخلافات العربية الرسمية نراها الآن أمامنا في كل أرض العرب، وتفتح الأبواب أمام تدخل الغريب والعدو في كل مكان وفي كل الأوقات؟
عظم المأساة في هذه المناظر المؤلمة أن الشعوب العربية معزولة عن إعطاء رأيها في كل ذلك، مع أن مصالحها الحيوية هي المتضررة من كل هذا العبث السياسي.
لو ترك الأمر لعفوية وأخوية الشعوب، لما بقيت قضية خلاف واحدة. هذا درس آخر لشباب العرب بمواجهة إرث مريض في المستقبل ويطلب منهم دون وجه حق أن يجدوا له الحلول.
* * *
منذ بضع سنوات كادت المماحكات العبثية أن تعصف بكيان، بل بوجود مجلس التعاون الخليجي، لولا استعادة قياداته لفضيلة الحكمة، ولتغليب المصالح الوحدوية المشتركة، على عادة الانشقاقات والتحزبات ما بين أقليات الحكم، التي طبعت مع الأسف تاريخ هذه الأمة عبر القرون.
اليوم تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ولكن في ساحة الاتحاد المغاربي هذه المرة، وبدلاً من أن تكون الأولوية القصوى والأعلى لبقاء هذا الجسم الوحدوي، حتى لو كان عليلاً ومستباحاً في العديد من مكوناته، تعلو صيحة الشعار البدوي التاريخي الشهير: «ألا لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا».
ها نحن أمام قيمة العصبية البدوية الشهيرة، لا كقيمة التعاضد والتماسك والمروءة، ولكن كقيمة الثأر والتفاخر في المزايدة على البطش والعناد، أمام تلك القيم السلبية تغيب قيمة الحشمة والتعقل والكرم في التعامل مع الأخ والجار.
دعنا نذكّر الحكومتين المعنيتين، المغرب والجزائر، ببعض ما جاء في الإعلان عن قيام الاتحاد المغاربي بمدينة مراكش، عام 1989:
- تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا).
- فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها.
- التنسيق الأمني والعسكري، ونهج سياسة مشتركة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كان الهدف إقامة اتحاد تزيد مساحته عن مساحة الاتحاد الأوروبي آنذاك (ما يزيد على الست ملايين كيلومتر مربع)، ويضم أكثر من مئة مليون مواطن، ويزخر بالإمكانيات الاقتصادية الهائلة. ووصل الحماس لقيام ذلك الاتحاد عند تونس عندما نصت في دستورها على أن «الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته»، بل اقتراح نشيد للاتحاد يصف في أول بيت له الاتحاد بأنه «حلم جدي، حلم أمي، وأبي، حلم من ماتوا وحلم الحقب… فاهتفوا يحيى اتحاد المغرب».
لكن ما إن، هلل كل العرب بقيام ذلك الاتحاد، مثلما هللوا لقيام اتحاد مجلس التعاون الخليجي، حتى عرف الاستعمار وعرفت البلادات والعنجهيات الداخلية طريق زج نزاع الصحراء المغربية، ليكون خنجراً في قلب ذلك الاتحاد ويوصله إلى النعش الذي يرقد فيه حالياً، وأضافوا مؤخراً فاجعة التطبيع الكامل بين المملكة المغربية مع الكيان الصهيوني.
واليوم ينفجر موضوع قتل اثنين من السائحين المغاربة في أرض الجزائر، ويتسع التلاسن الجنوني ما بين أكبر دولتين في هذا الاتحاد، الذي سيهيئ لإمكانية وسهولة التلاعب والتدخل وبذر السموم من قبل أعداء قيام اتحاد دول المغرب العربي، سواء من قبل العديد من الدول الاستعمارية الغربية، أو من قبل عدوة كل وحدة عربية من أي نوع كانت أو تكون، تلك الرابضة في فلسطين المحتلة.
يسأل الإنسان نفسه: أية عقلية تلك، التي تضحي بالأهم من أجل المماحكات والعنتريات حول الأقل أهمية؟
وإلا فهل يعقل أن تضيع فرصة قيام كتلة سياسية ـ اقتصادية ـ أمنية هائلة وواعدة من مئة مليون عربي، وفي مساحة ستة ملايين من الكيلومترات، ومرشحة لأن تلعب أدواراً كبيرة بالغة التأثير في الحياة العربية والافريقية والأوروبية، من أجل قيام دويلة صحراوية من سبعين ألف شخص يمكن حل رغبة ساكنيها في استقلال ذاتي بألف طريقة وطريقة قانونية وسياسية؟
لقد كتب الكثير عن ما يسمى بالعقلية العربية، وعن ما أضاعت من فرص تاريخية، وعن دورانها العابث حول المواضيع، بدلاً من الدخول في صلبها وحلها، فهلا تثبت ذلك الإدعاء أشكال لا تعد ولا تحصى من الخلافات العربية الرسمية التي نراها الآن أمامنا في كل أرض العرب، والتي تفتح الأبواب أمام تدخل الغريب والعدو في كل مكان وفي كل الأوقات؟
عظم المأساة في هذه المناظر المؤلمة أن الشعوب العربية معزولة عن إعطاء رأيها في كل ذلك، مع أن مصالحها الحيوية هي المتضررة من كل هذا العبث السياسي.
ويعلم الله أن لو ترك الأمر لعفوية وأخوية الشعوب في ما بينها، لما بقيت قضية خلاف واحدة. هذا درس آخر لشابات وشباب العرب الذين سيواجهون هذا الإرث المريض في المستقبل، ويطلب منهم، من دون وجه حق، أن يجدوا له الحلول.
*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، مفكر قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب العبث التطبيع الكيان الصهيوني اتحاد عربي الصحراء الغربية مجلس التعاون الخليجي الدول الاستعمارية ما بین
إقرأ أيضاً:
“الصحفيين العرب” يرسل برقية شكر للرئيس.. ودعوته لرعاية احتفالية العيد الـ60
بعث رئيس اتحاد الصحفيين العرب مؤيد اللامي، برقية شكر للرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة تسلّمه مقر الاتحاد الجديد بوسط القاهرة.
أكدت البرقية تقدير المجلس حرص الرئيس على دعم الصحافة والأعلام، ووجّه المجلس خلالها الدعوة للرئيس، لرعاية الاحتفالية الكبرى بمرور 60 عامًا على إنشاء الاتحاد كأحد قرارات القمة العربية الطارئة بالإسكندرية عام 1964، وهو ما يؤكد حرص مصر على دعم التعاون الإعلامي العربي، من بلد الحضارة والثقافة والسياسة.
وقالت البرقية إن الاتحاد الذي يضم في عضويته كل نقابات، وهيئات، وجمعيات الصحافة والإعلام، بكل الدول العربية، سيقوم بدوره في الدفاع عن القضايا العربية، ووحدة الصف العربي، ومواجهة المنظمات الأجنبية التي تحاول النيل من مواقف الدول العربية.
وأشاد مؤيد اللامي رئيس الاتحاد، بالدور الاستراتيجي والمحوري الذي تقوم به مصر تحت قيادة الرئيس السيسي، في الدفاع عن كافة قضايا الأمة العربية، وأثنى على مواقفه، ودعوته الدائمة لوحدة الصف، وتعزيز التضامن العربي، ويعتبره نهجًا استراتيجيًا أصيلًا.