بلومبيرغ: أزمة الديون في الصين تفاقم تعثر ثاني أكبر اقتصاد عالمي
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
تلقي أزمة الديون بظلالها على الاقتصاد الصيني، مع تزايد عدد الشركات التي تعاني من تراكم ديونها، ما يخلق شعورا بالخوف لدى المستثمرين الخارجيين من الدخول إلى السوق الصيني.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" في تقرير ترجمته "عربي21" إن مشكلة الديون باتت شائعة بصورة متزايدة في المجتمع المالي، في ظل كفاح عشرات الشركات العقارية المثقلة بالديون، بما فيها شركة كانتري غاردن الصناعية العملاقة، لتجنب التخلف عن سداد الديون.
وأشارت إلى أن مديري الأموال الدوليين، يشكون من ممارسات "الحكومة" الصينية، واتهموها بالضعف، وأشار الكثيرون إلى أنها تزداد سوءا وتضعهم في موقف صعب، ونقلت عن خبراء تحذيرهم من أن الممارسات الحكومية، قد تؤدي إلى تضاؤل فرص الحصول على تمويل، وارتفاع تكالف الاقتراض لسنوات قادمة، ما يزيد من عرقلة اقتصاد الصين المتعثر بشكل فعلي.
ونقلت الوكالة عن ديراج باجاج، رئيس الائتمان الآسيوي في لومبارد أودييه بسنغافورة، قوله: إن "هناك تدهورا واضحا في المعايير، وهذا لن يتسامح معه مجتمع الاستثمار العالمي بعد الآن".
وشدد على أن شركته أصبحت أقل تسامحا مع العديد من الشركات الصينية، ذات العائد المرتفع بسبب الافتقار لمعايير الإفصاح والتواصل المباشر.
وقالت الوكالة إن الصين، لم تكن مثالا ساطعا للحوكمة الرشيدة، للشركات في المقام الأول، وتعاني الكثير من الشركات من ديون خفية وأخطاء محاسبية كبيرة منذ سنوات.
ولفتت إلى أنه مع عائدات سندات دولارية ذات تصنيف عالي المخاطرة، في الصين، بمعدل يزيد عن 9 بالمئة سنويا، بين 2012-2020، مقابل أقل من 7 بالمئة للديون المماثلة بالولايات المتحدة، فإن مديري الأموال، ينظرون بجدية أكثر للوضع الحالي في الصين.
وأشارت الوكالة إلى أن المكاسب باتت ذكرى بعيدة الآن، بعد أن فقدت السندات غير المرغوب بها خارج الصين، والصادر معظمها عن شركات بناء عقارات، أكثر من 127 مليار دولار من قيمتها منذ بلوغها ذروتها قبل نحو عامين ونصف، حين قدمت بكين ما يسمى بالخطوط الحمراء الثلاثة لإبطاء الاقتراض.
ولفتت إلى أن هدف السياسات الصينية، المساعدة في كبح سنوات من التوسع المفرط في تغذية ديون شركات البناء والمضاربة العقارية، من قبل مشتري المنازل، لكن الأمر انتهى اليوم غلى دفع عدد قياسي من الشركات إلى التخلف عن السداد مع ارتفاع تكاليف إعادة التمويل وإجراء سلسلة من عمليات إعادة الهيكلة.
وقال العديد من مديري الأموال العالميين، إنه رغم إدراكهم أن ضعف حوكمة الشركات كان عاملا من عوامل الخطورة عند الاستثمار في الصين، لكن المعايير المتعلقة بالتواصل المستمر مع الدائنين، باتت أسوأ وسط الضائقة المتزايدة.
ولفتت الوكالة إلى أن شركة التطوير "تشاينا أويوان المحدودة"، قدمت ملفا تنظيميا أعلنت فيه، أن ثلاثة أرباع حاملي الأوراق المالية الحالية، يدعمون إعادة الهيكلة الخاصة بها، واعتقد البعض أن الشركة تجاوزت الحد الأدنى للحصول على موافقة على الصفقة، لكن الدعم كان مشروطا بحاملي ورقة مالية واحدة معينة، ما أدى إلى تذمر واسع، بأن المطور لم يقدم صورة واضحة حتى يدعم المستثمرون الخطة.
وهزت شركة العقارات المدعومة من الحكومة الصينية، جرين لاند هولندغ، العام الماضي، السوق بطلب مفاجئ لتأخير سداد أحد سنداتها الدولارية لمدة عام واحد، لتتمكن بعد ذلك من سداد سندات منفصلة مستحقة بعد بضعة أشهر.
كما تسبب شركة "مجموعة فانتازيا هولندغ"، بصدمة للمستثمرين عام2021، بعد تخلفها عن سداد سندات بالدولار بعد أسابيع من رسائل طمأنة لدائنيها، بعدم وجود مشاكل في السيولة، وبعد أيام من سداد مذكرة مقدمة من القطاع الخاص.
وأثارت الممارسات الصينية، غضب أسواق الائتمان، وقال لورانس لو، المدير الأول لتصنيف الشركات في وكالة "غلوبال ريتنغ أس آند بي"، لقد حان الوقت بالنسبة للمصدرين الصينيين، لتغيير عقليتهم، إذا كانوا يريدون العودة في نهاية المطاف، إلى سوق رأس المال.
وأشارت "بلومبيرغ" إلى أن وكالة "ستاندرد آند بورز، تقوم بتقييم الشركات على أساس جودة إدارتها وحوكمتها، كجزء من تقييماتها الائتمانية، كما تصنف عوامل الحكومة وفقا لثقافة الإدارة والمخالفات التنظيمية، أو القانونية واتساق الاتصالات وجودة التقارير المالية، وتمنح الشركات درجات إجمالية قوية أو مرضية أو مقبولة أو ضعيفة.
وقال "لو": إن "معظم المقترضين من الدرجة المضاربة في الصين يتم تصنيفهم على أنهم ضعفاء، وسط تدهور ملحوظ في الأداء في السنوات الأخيرة والذي تزامن مع أزمة السيولة في قطاع العقارات".
ونقلت الوكالة عن مصدر صيني قوله، إن الأوضاع النقدية للشركات، غالبا ما تكون في حالة تغير مستمر، أثناء سعيها لاستكمال المشاريع، وأحيانا تستخدم الأموال المخصصة لمدفوعات الفائدة، لصالح تمويل العمليات، في ظل الضغط على السيولة.
وأضاف أن بعض المطورين، يفضلون الابتعاد عن الأضواء، بدلا من تقديم التزامات للدائنين، ولا يمكنهم الوفاء بها.
من جانبها قالت نانا لي، رئيسة الاستدامة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في مجموعة إمباكس لإدارة الأصول، ومدير أبحاث الصين سابقا، في جمعية حوكمة الشركات الآسيوية، إن مشتري السندات العالميين، يعيدون بالفعل تقييم مخصصات الائتمان الصينية.
ولفتت إلى أن مديري الأموال الأجنبية، يرغبون بالاستثمار في الصين، لكن حجم الاستثمار في حالة تغير مستمرة، ونواجه سوقا مليئا بعدم اليقين، ويفتقر إلى الشفافية، ومن الصعب وضع توقعات، وبدون التوقعات لا يمكن الاستثمار.
وشدد "تومي وو"، كبير الاقتصاديين في "كوميرتس بنك إيه جي"، على أنه سيكون لذلك تداعيات كبيرة جدا على الشركات التي تسعى للحصول على التمويل.
وقال وو: "سيتعين على جميع الشركات اللجوء إلى التمويل الداخلي، مما يزيد من الضغط على البنوك والسلطات المحلية، المنشغلة بالفعل بتسوية مشكلات الديون المتصاعدة، وسيؤدي ذلك أيضا إلى رفع تكاليف تمويل الشركات الصينية وتآكل ربحيتها، أو إضعاف رغبتها في توسيع أعمالها، أو حتى يؤدي إلى تسريح العمال، وكل ذلك من شأنه أن يزيد من الضغط على الاقتصاد الصيني".
وقالت "بلومبيرغ" إن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا يحتاج إلى تحديات إضافية، وأظهر مسح خاص لقطاع الخدمات في الصين، أن النشاط توسع بأبطأ معدل هذا العام في آب/أغسطس، والتوقعات باتت قاتمة، كما أدى الاضطراب العقاري إلى إحجام الناس عن الإنفاق.
ولفتت إلى أن بكين تحاول إنعاش الثقة، بعد أن أظهرت البيانات تراجع مبيعات المنازل للشهر الثالث على التوالي، مما يزيد من ضغوط الانكماش، وقامت بخفض المدفوعات لمشتري المنازل بأكبر مدنها، فضلا عن تشجيع المقرضين على خفض أسعار الفائدة على القروض العقارية القائمة.
وقال باجاج: "يجب أن يفعل المنظمون في الصين شيئا ما، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فأنا أخشى أن تتقلص قاعدة المستثمرين العالميين بالنسبة لسندات الشركات الصينية".
ورأت الوكالة، أن هذا الأمر سيكون بمثابة ضربة أخرى لاقتصاد الصين، الذي يكافح لجذب مستثمرين أجانب، في الوقت الذي قالت فيه وزيرة التجارة الأمريكية، جينا ريموندو، إن الشركات الأمريكية، تعتبر الصين، غير قابلة للاستثمار، على نحو متزايد، رغم وعود بكين بمعاملة المستثمرين الدوليين بشكل أفضل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الصيني الائتمان العقارات الصين استثمارات ائتمان العقارات صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الصین یزید من
إقرأ أيضاً:
هل يكون الجنوب العالمي بوابة الصين لبناء نظام عالمي جديد؟
لا تُخفي الصين منذ سنوات امتعاضها من النظام العالمي القائم، الذي تصفه بأنه نظام مبني على الهيمنة الغربية ويعامل الدول الأخرى بازدواجية ونظرة فوقية، وتؤكد أن هذا النظام فشل في حل الأزمات الدولية، مشددة على الحاجة إلى نظام جديد أكثر عدالة وفعالية.
وتشير الصين إلى أن النظام العالمي الحالي، "غير عادل ويُقصي مصالح الدول النامية" حسب وصفها، مستدلة بالتفاوتات الاقتصادية، والتدخلات السياسية، وفرض المعايير الغربية على غالبية دول العالم.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت تصريحات الصين التي تدعو إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتناسب مع قيمها ومصالحها، ويعمل على حل الأزمات الدولية بشكل أكثر عدلا وفعالية.
وهو ما تدركه الولايات المتحدة، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في سبتمبر/أيلول 2022، إن العالم يقف على أعتاب حقبة جديدة من العلاقات والمنافسة على تحديد شكل النظام العالمي، وإن روابط الدول أصبحت متشابكة أكثر من أي وقت مضى.
وأوضح المستشار سوليفان في كلمته أمام المنتدى العالمي في دافوس، أن هناك منافسة حامية الوطيس انطلقت وعنوانها "الحق في تحديد شكل النظام العالمي الجديد"، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتعبئة العالم لعدم التخلي عن النظام الاقتصادي العالمي، وإنما تكييفه مع "تحديات اليوم والغد".
سوليفان: الولايات المتحدة تقوم بتعبئة العالم لعدم التخلي عن النظام الاقتصادي العالمي وإنما تكييفه مع التحديات (الفرنسية) الجنوب العالميظهر مصطلح "الجنوب العالمي" في ستينيات القرن العشرين كبديل لمصطلحات مثل "العالم الثالث" و"البلدان النامية"، واستخدم للتأكيد على استقلالية هذه الدول وتحدي هيمنة الدول الغربية في السياسة الدولية والاقتصاد، ويُستخدم اليوم للإشارة إلى الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويشمل بلدانًا في أفريقيا، أميركا اللاتينية، وآسيا، وأيضا لتسليط الضوء على التفاوتات العالمية بين الشمال والجنوب.
إعلانويعتبر كذلك مرادفا حاليا لمجموعة الـ77 التي يبلغ عددها الآن 134 دولة، وهي مجموعة من البلدان ما بعد الاستعمارية والبلدان النامية التي اتحدت في عام 1964 للدفاع المشترك عن مصالحها الاقتصادية وتعزيز قدرتها التفاوضية في الأمم المتحدة.
ويواجه هذا المصطلح تحديات بسبب اختلاف المصالح والتنوع بين أعضائه وهي دول تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، من الناحية الاقتصادية والسياسية، مما يجعل من الصعب صياغة سياسات ورؤية موحدة تمثلها، إضافة للتهديدات الأميركية والتحذيرات الأوروبية.
كما ينظر إلى مصطلح "الجنوب العالمي" على كونه عامًا، يُغفل التنوع والتعقيدات الداخلية لكل دولة، ويفترض أن دوله كتلة واحدة يفترض أن تدعم مجموعة من القضايا الليبرالية الغربية، سواء تبنتها البلدان المصنّفة بالفعل أم لا.
الصين والجنوب العالميتسعى بكين إلى تجاوز العداء الغربي ومخططات إيقاف صعودها، معتمدة على قوتها الاقتصادية ونفوذها المتزايد في "الجنوب العالمي"، الذي يمثل 85% من سكان العالم ونحو 39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتعد الصين الدولة الوحيدة حاليا التي تُظهر طموحًا وقدرة على إعادة تشكيل النظام وهي لم تُخف طموحاتها.
ولتحقيق هذه الأهداف، طرحت سلسلة من المبادرات الكبرى على صعيد الاقتصاد والسياسة والتنمية والعلاقات الدولية ومشاريع متعددة، مثل مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية والتجارة العالمية، و"مبادرة الأمن العالمي" لتعزيز السلام والاستقرار، و"مبادرة أصدقاء السلام" التي تركز على حل النزاعات السياسية.
ومبادرات التنمية والأمن والحضارة ومبادرات لحل الأزمات السياسية وخاصة الأزمة بين إيران والمملكة العربية السعودية والحرب الروسية الأوكرانية، انطلاقا من شعار "مجتمع من أجل مستقبل مشترك"، وهو الشعار الذي تتبناه بكين لتقديم نفسها كقوة دافعة للسلام والاستقرار العالميين.
إعلانترى الصين أنها أصبحت قوة عالمية عظمى، وبالتالي تريد أن تنعكس طموحاتها وسياستها وقيمها على النظام الدولي بالطريقة نفسها التي فرضت من خلالها الولايات المتحدة بصماتها على المؤسسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وشركاؤها في هذا المشروع يشملون دول الجنوب العالمي، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، إضافة إلى روسيا ودول الخليج.
شي جين بينغ استخدم مصطلح الجنوب العالمي 13 مرة خلال خطابه في قمة بريكس بلس 2024 (الفرنسية)ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات عقبات كبيرة، أبرزها التناقضات بين المصالح الاقتصادية والسياسية لشركائها، خاصة داخل دول الجنوب العالمي، وتزايد الضغوط الأميركية والأوروبية، حيث تُظهر هذه الدول معارضة واضحة لأي مَساع لتقويض النظام القائم من قبل الصين، وعدم وجود رؤية وسياسة واضحة لهذا النظام الجديد وعدم قدرة الصين على تقديم نموذج شامل له.
وتحاول الصين تصدير صورة باعتبارها بطلة للجنوب العالمي، ولا تفوت فرصة للتأكيد على أنها "دولة نامية"، وهو ما أكده "لي شي" الممثل الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ، في قمة مجموعة الـ77 والصين التي عقدت في هافانا عاصمة كوبا سبتمبر/أيلول 2023، حيث قال "الصين هي أكبر دولة نامية في العالم وعضو طبيعي في الجنوب العالمي وستظل الصين باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم عضوا بعائلة الدول النامية وعضوا بدول الجنوب العالمي إلى الأبد، مهما وصلت من مرحلة تنموية".
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ استخدم المصطلح 13 مرة خلال خطابه في قمة "بريكس بلس" بأكتوبر/تشرين الأول 2024، في الترويج للنظام العالمي الجديد عبر الدعوة لتعزيز صوت الدول النامية، مشيرة إلى أهمية هذه الدول في تشكيل المستقبل العالمي، ورفض سياسات الهيمنة التي وصفها بأنها تعيق التعاون الدولي.
وتعمل الصين على تعزيز حضورها في المؤسسات الدولية، حيث نجحت الصين في توسيع نفوذها داخل الأمم المتحدة، لتصبح ثاني أكبر مساهم مالي في ميزانيتها، وفي مجلس الأمن، تستخدم نفوذها وحق النقض لتعزيز مواقف معينة وحشد الدول الأعضاء لدعم مواقفها.
مندوبو الحكومات وممثلوها في الجلسة الافتتاحية لقمة الجنوب الثالثة لمجموعة الـ77 والصين (الفرنسية) بريكسكما تستغل بكين مؤسسات مثل "منظمة شنغهاي، ومجموعة "بريكس" التي تمثل أكثر من 40% من سكان العالم، لتوسيع دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي، حيث ضمت مؤخرًا دولًا جديدة مثل الأرجنتين ومصر وإيران إليها، إضافة لوجود البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا، كوسيلة لتعزيز رؤيتها للنظام الجديد، وتقديم بديل للنظام الاقتصادي والسياسي الحالي.
إعلانوترى الصين في بريكس -الذي تعد لاعبا رئيسيا فيها- أداة لتحقيق نظام عالمي جديد، وتعمل على دعم توسعها وضم دول جديدة مثل الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضمن رؤيتها لتعزيز التحالفات الاقتصادية والسياسية التي تدعم رؤيتها لنظام عالمي متوازن، ومسعى إلى "تسريع جهود إعادة ترتيب النظام العالمي"، حسب ما وصفته وكالة رويترز للأنباء.
كما تعمل على زيادة الاستثمارات في البنية التحتية عبر مبادرة "الحزام والطريق"، وتعزيز التجارة الثنائية مع الدول الأعضاء، إضافة إلى تقديم بدائل اقتصادية للمؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، وكان الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا وعد أن الصين والبرازيل تستطيعان معًا "تغيير الحوكمة العالمية".
واستثمرت وأقرضت ما يقدر بنحو تريليون دولار في مختلف دول "الجنوب العالمي"، وذلك بشكل رئيسي من خلال مبادرة الحزام والطريق ولكن أيضا من خلال مبادرة التنمية العالمية (التي بدأت في عام 2021)، ومبادرة الأمن العالمي (2022)، ومبادرة الحضارة العالمية (2023)، وهي مبادرات تشمل حوالي 150 دولة.
ويلقى طرح إنشاء نظام عالمي جديد أو إصلاح النظام الحالي من قبل الصين تأييدا من بعض الدول العربية والأفريقية، حيث قال الرئيس السنغالي السابق ماكي سال خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، في بكين، نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "أفريقيا تدعم التعاون مع الصين في إطار نظام عالمي أكثر تعددية، يعكس مصالح الجميع وليس هيمنة فئة بعينها".
ومن جانبه قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال القمة الصينية العربية، التي أقيمت في الرياض، ديسمبر/كانون الأول 2022 إن "الشراكة مع الصين تمثل خطوة نحو تحقيق نظام دولي أكثر عدلا وشمولا للجميع".
وربما أكثر التصريحات العربية صراحة في دعم الطرح الصيني، هو تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال القمة الصينية الأفريقية الافتراضية حول التضامن ضد الجائحة، في يونيو/حزيران 2020: "الصين شريك حقيقي لأفريقيا في مواجهة التحديات الدولية، ونؤيد رؤيتها لنظام عالمي يخدم مصالح الجميع".
عبد المجيد تبون (يسار): الصين شريك حقيقي لأفريقيا في مواجهة التحديات الدولية ونؤيد رؤيتها لنظام عالمي يخدم مصالح الجميع (رويترز) الموقف الأميركيتواجه مبادرات الصين مقاومة شديدة من الولايات المتحدة، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي وصف "بريكس" بأنها تهديد للأمن القومي الأميركي، وتشكل تحديًا لهيمنة الدولار في التجارة العالمية، خاصة مع مناقشات المجموعة حول إنشاء عملة موحدة كبديل للدولار.
إعلانوهدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الواردات من دول "بريكس" إذا ما أقدمت على إنشاء عملة موحدة كبديل للدولار، وقال في منشور على شبكته الاجتماعية "تروث سوشيال" إن "فكرة أن تحاول دول بريكس الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب قد انتهت.. نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لها، أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي العظيم، وإلا فإنها ستواجه تعرفات جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع وداعًا للبيع بالاقتصاد الأميركي الرائع".
كما أكد ترامب في مقابلة مع "سي إن بي سي" -في مارس/آذار 2024- أن الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية أمر لا يمكن التنازل عنه، محذرًا من أن التخلي عن الدولار يمثل ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي، كما توعد بأن يظل الدولار العملة الاحتياطية العالمية، وأنه لن يسمح للدول بالتخلي عن الدولار لأن ذلك سيكون "ضربة لبلدنا".
إضافة إلى التهديدات الأميركية، تواجه "بريكس" تحديات كبرى بسبب التنوع الاقتصادي والسياسي بين أعضائها، بالإضافة إلى ذلك، التوترات الجيوسياسية بين الصين والهند.
ترامب: الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية أمر لا يمكن التنازل عنه 2024 (شترستوك) التخوفات الأوروبية من النظام الجديدمن جهة أخرى، تشارك دول الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة مخاوفها من الصعود الصيني، وكذلك في الخطوات لمحاصرتها وفرض عقوبات تجارية عليها، وتنظر بتخوف إلى طرح بكين مبادرات تهدف إلى تغيير النظام الدولي القائم، وتعتقد أن سعي الصين لاستبدال النظام القائم بنموذج يضعها في المركز، قد يُضعف ويُهدد المصالح الأوروبية.
وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن على الدول الأوروبية الحذر من سعي الصين إلى "تغيير منهجي" للنظام الدولي، لتصبح هي من تترأسه.
ولدى الدول الأوروبية قلق من طرح الصين لمشروع "الجنوب العالمي" وتعزيز الشراكات الصينية مع روسيا ودول الجنوب، مما يُعتبر تحديًا للنفوذ الأوروبي على الساحة الدولية.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، تخشى أوروبا من تأثير النفوذ الصيني المتزايد على الاقتصادات الناشئة التي تُعد سوقا تقليدية للاتحاد الأوروبي، كما أنها ترى أن الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتكنولوجيا في دول مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية قد تؤدي إلى تقليل الاعتماد على الشركات والمؤسسات الأوروبية، وبالتالي إضعاف النفوذ الاقتصادي والسياسي لأوروبا على المستوى الدولي.
تحديات النظام الجديدرغم الطرح والطموحات الصينية في إنشاء نظام دولي جديد، تواجه جهودها عقبات عديدة، منها التناقضات الكبيرة بين الأعضاء في منظمة "شنغهاي" ومجموعة بريكس وعدم وجود رؤية أو سياسة متفق عليها بين الأعضاء، وتناقضات في السياسات الدبلوماسية.
ففي الوقت التي تدعو فيه بكين إلى تعزيز التعددية وزيادة دور المؤسسات الدولية والأمم المتحدة، تتجاهل قممًا دولية كبرى مثل قمة مجموعة العشرين وترسل مسؤولين من رتب متدنية لحضور اجتماعات الجمعية العامة، وهو ما يثير تساؤلات حول التزامها بالتعاون الدولي.
وفي عام 2023، أصدرت الصين "اقتراحا بشأن إصلاح وتطوير الحوكمة العالمية"، من خلال دعم الأمم المتحدة "في لعب دور مركزي في الشؤون الدولية" و"زيادة صوت البلدان النامية"، ولكنها أرسلت في اجتماع الجمعية العامة، مسؤولا من الدرجة الثالثة فقط، في حين كان كبير دبلوماسييها وزير خارجيتها وانغ يي مشغولا برحلة رفيعة المستوى إلى روسيا، التقى خلالها فلاديمير بوتين.
وتكرر الصين تصريحاتها حول الشراكة مع روسيا في إنشاء نظام عالمي جديد وهو ما يتعارض مع وعودها حول بناء نظام عالمي جديد تشاركي ومتعدد الأطراف مع الجنوب العالمي، كما أنها تناقض إداناتها المتكررة لكيفية "تفشي الأحادية والهيمنة" في النظام الحالي.
وكان الرئيس الصيني قال خلال مؤتمر صحفي مع بوتين في ختام زيارته الرسمية إلى الكرملين في مارس/آذار 2023 إنه "في الوقت الحالي، هناك تغييرات لم نشهد مثلها منذ 100 عام، عندما نكون معًا، يمكننا قيادة هذه التغييرات"، وهو ما يتعارض مع دعوته الدول للمشاركة في "قيادة عملية إصلاح النظام الدولي".
وعلاوة على ذلك، يفتقر مشروع الصين إلى رؤية واضحة ومتماسكة، مما يثير مخاوف لدى الدول الداعمة لهذا المشروع من إمكانية خلق فوضى بدلا من نظام جديد، كما أن التهديدات السياسية والاقتصادية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجعل إقدام تلك الدول على المجازفة أمرًا صعبًا، خاصة مع سيطرتها على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إعلانوفي ظل هذه الطموحات والتحديات، يبقى السؤال مطروحًا: هل تستطيع الصين بناء نظام عالمي جديد يتحدى النظام الحالي؟ الإجابة تعتمد على قدرة بكين على تقديم رؤية شاملة ومقبولة دوليًا، وتجاوز العقبات الداخلية والخارجية التي تعترض طريقها.
الصدام بين الصين والولايات المتحدةيشهد العالم اليوم تحوّلا جذريا في النظام الدولي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة، فالديناميكيات التي أسست هذا النظام بدأت بالتآكل، في وقت تتحدى فيه القوى الصاعدة، مثل الصين، الأسس المادية والمعيارية لهذا النظام.
وبصفتها قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، باتت الصين تُشكّل قطبًا عالميًا منافسًا للولايات المتحدة، مع مراعاة أن العلاقات بينهما ليست كحالة تقليدية للثنائية القطبية كما كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.
فحتى حلفاء أميركا التقليديون ودول "الجنوب العالمي" يرفضون الانحياز الكامل لأي طرف، مفضلين تبني سياسات أكثر استقلالية وتجنب -قدر الإمكان- الوصول للمواجهة المباشرة، في وقت تسعى فيه واشنطن لإقناع العالم بوجود صراع جوهري بينهما، وزيادة الضغط على "الجنوب العالمي" لاختيار جانب.
وتصاعد التوتر والمنافسة بين القوتين، من سباق التسلح إلى التوترات الإقليمية، مثل أوكرانيا، تايوان، وحتى في القضايا العالمية مثل المناخ والأوبئة، يجعل الحوار والتعاون بينهما أكثر صعوبة، ويعزز الاستقطاب في النظام الدولي.
ومع استحواذ القوتين العظميين على قدرات هائلة اقتصاديًا وعسكريًا، تتعمق المخاوف من أن هذا الصراع قد يؤدي إلى مزيد من عسكرة السياسة العالمية وتصعيد سباق التسلح، مما يهدد الأمن الدولي ويزيد من احتمالية نشوب نزاعات كبرى.