اندلعت مواجهات واشتباكات عنيفة بين آلاف اللاجئين الإريتريين وشرطة الاحتلال الإسرائيلي مساء السبت الماضي، وللوهلة الأولى بدت الأحداث وكأنها احتجاجات تقليدية للاجئين للمطالبة بتحسين أوضاعهم، إلا أنها في الحقيقة أعمق وأبعد بكثير من مجرد اعتراض اللاجئين على المعاملة العنصرية التي يتلقونها بعد هروبهم من نظام أسياس أفورقي الاستبدادي، الذي بدا أقرب أو للحق انحازت إليه الحكومة الإسرائيلية على حساب اللاجئين وحقوقهم حسب القوانين والمواثيق الدولية.



القصة باختصار، أن سلطات الاحتلال سمحت لسفارة نظام أفورقي بتنظيم مؤتمر داعم للنظام بمشاركة بعض اللاجئين الذين يعملون كمخبرين ضد زملائهم ورفاقهم؛ ليس فقط لصالح النظام وإنما أيضاً لصالح السلطات الإسرائيلية وسياستها العنصرية التمييزية ضدهم.

استشاط اللاجئون بغالبيتهم العظمى غضباً لكونهم لم يعيشوا في بلادهم أجواء الديمقراطية وحرية التعبير التي أغلقها أفورقي مقابل فتح المقابر والسجون أمامهم، بينما جدد الحدث عليهم مواجع الاضطهاد والتهجير واللجوء، فلم يكتفوا بوقفة أو اعتصامات واحتجاجات سلمية أمام رؤية جلادهم ومطاردهم متحالفاً مع مضطهديهم في إسرائيل وعملائها، فاجتاح آلاف المظلومين والمستضعفين حواجز شرطة الاحتلال التي أقامت ساتراً او فاصلاً بين الجانبين.

نجح اللاجئون الغاضبون في تجاوز حواجز الشرطة فعلاً، ومنعوا عقد المؤتمر، وبعثروا محتويات القاعة وشعارات وبرنامج اللقاء، وفجروا غضبهم ومظلوميتهم قدر استطاعتهم تجاه عملاء وأدوات ومرتزقة النظام الاستبدادي كما تجاه الشرطة نفسها.

يتعرض اللاجئون الإريتريون والأفارقة عموماً لمعاملة مجحفة وظالمة، بينما تقول منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية إنها عنصرية بامتياز، حيث تضعهم حكومة نتنياهو أمام ثلاثة خيارات صعبة ومناقضة للقانون الدولي، وهي العودة إلى بلادهم حيث نظامها الاستبدادي الذي حوّل البلاد إلى نسخة ثانية من كوريا الشمالية، أو القبول باللجوء وضد إرادتهم إلى دولة ثالثة أفريقية غالباً، أو البقاء في السجون والمعتقلات الإسرائيلية
أدت الاشتباكات إلى وقوع مئات الجرحى في صفوف اللاجئين بينهم 13 بحالة الخطر، بعدما استخدمت الشرطة الرصاص الحي ضدهم بحجة تعريض حياة أفرادها للخطر، ولتبييض صفحتها قررت وحدة التحقيق "ماحاش" التابعة للشرطة إجراء تحقيق داخلي للنظر في أسباب وخلفيات استخدام عناصرها الذخيرة الحية ضد متظاهرين غاضبين لكن عزّل.

استغل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الأكثر تطرّفاً الحدث، وبادر لعقد اجتماع خاص صباح اليوم التالي مباشرة، قرر فيه قبول توصية وزير الأمن القومي الأكثر تطرفاً (والمُدان بالعنصرية ودعم الإرهاب) إيتمار بن غفير لفرض الاعتقال الإداري على بعض اللاجئين (50 تقريباً)، والنظر في طرد ألف آخرين ممن شاركوا بالتظاهرة.

في الحقيقة وكما كتبت صحيفة هآرتس عن حق الأحد الماضي، يتعرض اللاجئون الإريتريون والأفارقة عموماً لمعاملة مجحفة وظالمة، بينما تقول منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية إنها عنصرية بامتياز، حيث تضعهم حكومة نتنياهو أمام ثلاثة خيارات صعبة ومناقضة للقانون الدولي، وهي العودة إلى بلادهم حيث نظامها الاستبدادي الذي حوّل البلاد إلى نسخة ثانية من كوريا الشمالية، أو القبول باللجوء وضد إرادتهم إلى دولة ثالثة أفريقية غالباً، أو البقاء في السجون والمعتقلات الإسرائيلية دون الحد الأدنى من الحقوق.

في مقاربته للأحداث استخدم نتنياهو لغة عنصرية فجة، مع التباهي بالسور مع مصر الذي منع تدفق مزيد من اللاجئين الأفارقة حسب تعبيره، بينما اعتاد القول بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم الأول التي يصل إليها رعايا العالم الثالث سيراً على الأقدام.

في استغلال واستثمار الحدث لصالح عقيدته الأمنية المتطرفة، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إقامة سور آخر مع الأردن -رغم وجود واحد أمني- بحجة أن اللاجئين يأتون أو قد يأتون من هناك، كذلك بعد إغلاق طريق مصر أمامهم.

عشرات آلاف من اللاجئين الإريتريين والأفارقة الذين يتلقون معاملة عنصرية فجة من السلطات بينما تدعي إسرائيل انتماءها إلى العالم الأول "المتحضر والديمقراطي"، إلا أنها ترفض تبني تلك قواعد ومبادئ وشعارات هذا العالم بحق اللاجئين الذين نجحوا بالوصول فعلاً إلى فلسطين المحتلة
نتنياهو قال حرفياً كذلك إنه لا يفهم لماذا يتخذ الإسرائيليون موقفاً سلبياً من اللاجئين المؤيدين لنظام بلادهم رغم استخدام السفارة وحتى السلطات الإسرائيلية لهم كمخبرين ضد رفاقه، علماً أننا نتحدث عن عشرات آلاف من اللاجئين الإريتريين والأفارقة الذين يتلقون معاملة عنصرية فجة من السلطات بينما تدعي إسرائيل انتماءها إلى العالم الأول "المتحضر والديمقراطي"، إلا أنها ترفض تبني تلك قواعد ومبادئ وشعارات هذا العالم بحق اللاجئين الذين نجحوا بالوصول فعلاً إلى فلسطين المحتلة.

بصورة أوسع، لا تكمن المشكلة فقط بالمعطيات السابقة على أهميتها، إنما فيما كشفته الأحداث عن تواطؤ بين الدولة العبرية ونظام أفورقي الاستبدادي الذي يدعي أنه شيوعي وتقدمي يواجه قوى الإمبريالية والاستعمار بالعالم.

في السياق كشف مركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والأمنية الوثيق الصلة بوكالة المخابرات الأمريكية عن علاقات أمنية بين الجانبين، حيث تنتشر وحدات إسرائيلية خاصة بحرية وبرية في ميناء مصوع الاستراتيجي وجبال أمبا سويرا، لمراقبة الحركة بمضيق باب المندب بالبحر الأحمر، كما التجسس على الدول العربية والإسلامية المجاورة.

تبدو العلاقات الإسرائيلية الإريترية حسب الموقع الأمريكي وثيق الصلة وحسن الاطلاع أقرب إلى الصفقة بين الطرفين حتى لا تنحاز إسرائيل أكثر إلى إثيوبيا في توزان القوى المعقد مع إريتريا، كما استخدام نفوذها وأصدقائها وحلفائها في أمريكا والغرب لتخفيف حدة اللغة والمواقف تجاه نظام أفورقي الاستبدادي الذي استنسخ نموذج كوريا الشمالية في البلاد؛ ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بثرواتها وقدراتها وخبرات شعبها بالداخل والمهجر، وكان بإمكانها بالتأكيد التحول إلى سنغافورة لا كوريا الشمالية في أفريقيا.

يسعى اللاجئون المضطهدون ومعهم منظمات حقوق إنسان إسرائيلية بدعم من منظمات دولية والأمم المتحدة التي حذرت من طردهم بذريعة الأحداث الأخيرة النضال؛ لنيل أبسط حقوقهم، ما يكشف من جهة أخرى الدولة العبرية على طبيعتها رغم تشدقها بمصطلحات التحضر والتنوير والانتماء إلى المعسكر الغربي، فهي ديمقراطية فقط لليهود ويهودية وعنصرية للعرب والآخرين
وهذا مقابل امتيازات أمنية لإسرائيل في البلاد التي يدعى نظامها الثورية، والمفارقة أنه أعطى كذلك لإيران تسهيلات مماثلة ولكن مقابل دعم نظامه بشكل مباشر خاصة اقتصادياً، حيث نتأكد مرة أخرى أن لا مشكلة لإسرائيل مع أنظمة الاستبداد ولا لإيران بالطبع.

بالعموم كنا أمام مشهد التنكيل الإسرائيلي باللاجئين ومنعهم من أبسط مقومات الحياة وأسرهم في مخيمات أشبه بمعسكرات اعتقال، وبالسياق أمام دليل إضافي على التناقض الجوهري والجدي بين الاحتلال والديمقراطية رغم كل المزاعم وحملات الدعاية الموجهة للمنطقة والعالم.

وكما تنبأ الفيلسوف يشيعياهو ليفوفييتش منذ نهاية الستينيات فإن الاحتلال سيدمر المجتمع الإسرائيلي من الداخل، ويؤدي إلى صعود متطرفين وحتى نازيين إلى السلطة، وهو ما قاله حرفياً رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ، ابن مؤسس تيار الصهيونية الدينية يوسف بورج، الذي تنبأ أيضاً منذ 20 عام تقريباً بنفس الأمر في كتابه "الانتصار على هتلر" والذي اعتبر فيه أن إسرائيل باتت تشبه ألمانيا قبل صعود النازية، ويبدو الآن أنها وصلت فعلاً كما نرى من التعاطي غير المفاجئ مع اللاجئين والمضطهدين؛ ضمن نظام فصل عنصري موصوف ليس فقط بشهادة منظمات حقوقية محلية وأممية وإنما من قائد جهاز الموساد السابق تامير باردو نفسه.

أخيرا، يسعى اللاجئون المضطهدون ومعهم منظمات حقوق إنسان إسرائيلية بدعم من منظمات دولية والأمم المتحدة التي حذرت من طردهم بذريعة الأحداث الأخيرة النضال؛ لنيل أبسط حقوقهم، ما يكشف من جهة أخرى الدولة العبرية على طبيعتها رغم تشدقها بمصطلحات التحضر والتنوير والانتماء إلى المعسكر الغربي، فهي ديمقراطية فقط لليهود ويهودية وعنصرية للعرب والآخرين، كما يقول عن حق أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اللاجئين الإسرائيلي العنصرية الاستبدادي إسرائيل اريتريا لاجئين العنصرية الاستبداد مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة صحة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کوریا الشمالیة من اللاجئین

إقرأ أيضاً:

اشتباكات مسلحة إثر اقتحام جيش الاحتلال شمال الضفة الغربية

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الأحد عدة مدن وبلدات في الضفة الغربية المحتلة ووقعت اشتباكات بينها وبين والمقاومين.

وأعلنت "سرايا القدس – كتيبة جنين" أن مقاتليها أطلقوا النار على قوات الاحتلال أثناء مرورها من مداخل المدينة بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات الناسفة.

كما أعلنت المقاومة استهداف قوات الاحتلال بعبوة متفجرة قرب دوار الأحمدين بالمدينة.

في الأثناء، اعتقلت قوات الاحتلال شابا في بلدة اليامون، واقتحمت بلدتي جبع وعرابة قرب جنين.

وفي نابلس شمال الضفة أعلنت كتائب شهداء الأقصى، أن مقاتليها "استهدفوا القوات الصهيونية في محيط باب الساحة بعبوة ناسفة شديدة الانفجار"، وأشارت إلى أنهم تصدوا "لقوات العدو الصهيوني المقتحمة للبلدة القديمة".

وفي جنوب الضفة الغربية اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد انسحبت من مدينة جنين ومخيمها بعدما اجتاحتها على مدى 10 أيام في عملية أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، وخلّفت دمارا واسعا في البنية التحتية.

ولم يؤكد جيش الاحتلال انسحابه من مناطق الضفة، لكنه اكتفى بالقول إن "القوات الإسرائيلية لا تزال نشطة من أجل تحقيق أهداف عملية مكافحة الإرهاب".

وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد خلفت العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة 36 شهيدا و150 جريحا، كما تسببت في أضرار كبيرة في البنى التحتية والمنازل.

وبموازاة حربه على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته في الضفة وصعّد المستوطنون اعتداءاتهم، وهذا أسفر عن استشهاد أكثر من 690 فلسطينيا بينهم أكثر من 150 طفلا، وإصابة آلاف آخرين، واعتقال ما يزيد على 10 آلاف و400، وفق مؤسسات رسمية فلسطينية.

 

مقالات مشابهة

  • منظمات أمريكية تطالب بالتحقيق في مقتل الناشطة عائشة إيجي
  • ‏الجيش الإسرائيلي: مسلح جاء من الأردن بشاحنة وفتح النار على القوات الإسرائيلية التي تعمل في معبر اللنبي
  • ‏إذاعة الجيش الإسرائيلي: إطلاق نحو 15 صاروخا من الأراضي اللبنانية باتجاه شمال إسرائيل خلال ساعات الليل
  • اشتباكات مسلحة إثر اقتحام جيش الاحتلال شمال الضفة الغربية
  • هيئة البث الإسرائيلية: مقترح الصفقة الذي تجري صياغته قد يعرض غدا أو خلال أيام
  • «الدويري»: مصر أشرفت على انسحاب إسرائيل من غزة دون اشتباكات عام 2005
  • منظمات حقوقية: استضافة السعودية لمنتدى حوكمة الإنترنت بينما تسجن المنتقدين لها يكشف عن "نفاق عميق"
  • في رسالة قبيل مقتله.. الأسير الإسرائيلي “ألموج ساروسي”: الاستهدافات الإسرائيلية كان هدفها أنا والمخطوفين الآخرين
  • القناة 13 الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي شن سلسلة غارات على جنوبي لبنان
  • إصابات خلال اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب