ليس غذاء وحسب.. القمح يتحول إلى سلاح في الصراع الروسي الأميركي
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
لم تعد الدبابات والطائرات والصواريخ وحدها قادرة على حسم الحرب الروسية الأوكرانية على ما يبدو، بعدما تحول القمح أيضا إلى سلاح مؤثر في المواجهة المحتدمة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي اتسعت لتشمل التنافس على النفوذ في أفريقيا والشرق الأوسط، كما يقول خبراء.
ففي ظل إصرار روسيا على عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، يرى خبراء أن موسكو حوّلت القمح إلى سلاح في معركتها ضد أوكرانيا، وأنها تحاول من خلاله تحقيق مزيد من المكاسب على حساب الولايات المتحدة.
وفي مسعى للتقليل من آثار الموقف الروسي تسعى أطراف دولية مثل تركيا والأمم المتحدة وقطر لإيجاد آلية لإحياء الاتفاق الذي علقت موسكو العمل به أواخر يوليو/تموز الماضي، بعد عام من دخوله حيز التنفيذ، أو توفير سبل بديلة تضمن عدم توقف الإمدادات الروسية والأوكرانية من الحبوب والتي تغطي جزءا كبيرا من احتياجات العالم.
اتهامات متبادلةالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن وقف الاتفاق بسبب ما وصفه بأنه "خداع لبلاده" و"عدم تنفيذ البنود المتفق عليها".
لكن نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدينت باتيل أكد أن قرار روسيا وقف العمل بالاتفاق يضر بكثير من الدول حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، أكد باتيل عزم واشنطن مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا، والعمل مع تركيا والأمم المتحدة من أجل إعادة العمل بالاتفاق.
الأمم المتحدة حذرت من أن عدم تجديد العمل بالاتفاق قد يضر بكثير من الدول الأفريقية التي تعاني الجفاف وتعتمد على الاستيراد بشكل شبه كامل لتوفير القمح.
وقد سلط التحذير الأممي الضوء على حجم الأزمة التي قد تواجهها الدول المعتمدة على واردات القمح وخصوصا في القارة الأفريقية، كما أثار تساؤلات بشأن ما يمكن للقمح فعله في الحرب الروسية الأوكرانية حال تحوله إلى سلاح.
ورغم تأكيدات موسكو على لسان كبار المسؤولين فيها بأنها لن تسمح بتضرر الدول الفقيرة، وأنها ستعمل على توريد قمح مجاني للدول الأفريقية المحتاجة بواقع 50 ألف طن لكل بلد، وتعهد موسكو بتحمل تكاليف النقل، فإن الخبراء أكدوا أن روسيا ليست مهتمة فعليا بالدول الفقيرة بدليل أنها لم تقدم شيئا عمليا لهذه الدول، لكنهم يرون أيضا أن على الولايات المتحدة إيجاد حلول لهذه الأزمة التي تحاول موسكو من خلالها توسيع نفوذها في القارة السمراء وعدد من دول الشرق الأوسط.
روسيا تملك الحلوبحسب تصريحات الخبير الاقتصادي شريف عثمان لبرنامج "من واشنطن" بتاريخ 2023/9/7 فإن دولا عربية وشرق أوسطية تعاني بشدة من تداعيات الحرب رغم أنها بعيدة جغرافيا.
ووفقا لعثمان، فإن دولا مثل مصر وتونس وموريتانيا والجزائر على سبيل المثال تضررت بشدة جراء ارتفاع أسعار الغذاء كونها مستوردة بالكامل للحبوب وخصوصا من روسيا وأوكرانيا.
وعن الطرف الذي يمكنه حل مشكلة نقص القمح عالميا، يعتقد الخبير الاقتصادي أن الحل كله حاليا بيد روسيا التي تحاول من وجهة نظره استغلال القمح كسلاح للتقارب مع دول في أفريقيا والشرق الأوسط أو لفرض شروط أفضل فيما يتعلق بتصدير حبوبها وأسمدتها الزراعية.
على الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة ومنذ منتصف يوليو/تموز الماضي تعمل على إيجاد بدائل في أوروبا عبر نهر الدانوب، بل وتحاول توفير حماية عسكرية للشحنات التي يتم نقلها فيه وفرص جديدة لنقلها داخل أوروبا بعيدا عن البحر الأسود، كما يقول عثمان.
ما يحدث حاليا، برأي عثمان، هو أن روسيا تحاول تحقيق أهداف اقتصادية من خلال عمليات التصدير، وواشنطن تحاول منعها من ذلك، لأن الولايات المتحدة لا تواجه مشاكل حقيقية في مسألة القمح سوى ما سيصل إلى روسيا من أموال عبر بيعه.
بدوره، تحدث عثمان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن قلق المنظمة الدولية من عدم تمديد العمل باتفاق تصدير الحبوب، وقال إن المنظمة الدولية تعمل مع تركيا وبطرق أخرى من أجل استئناف العمل أو إيجاد طريقة لتصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
وبحسب المسؤول الأممي فإن الاتفاق ساعد على تقليل أسعار الغذاء، وأن تدفق كميات كبيرة من الحبوب الروسية والأوكرانية يحول دون أزمة أسعار عالمية، داعيا إلى التعامل بطريقة مختلفة مع "حقوق روسيا المشروعة في تصدير الحبوب والأغذية بشروط جيدة".
فيما عبر دونالد جينسن كبير مستشاري شؤون روسيا وأوروبا في معهد الولايات المتحدة للسلام، عن قناعته بأن واشنطن قلقة بشأن الأزمة، واصفا المبادرات الروسية بأنها "تضليل إعلامي".
ويرى أن موسكو تستخدم القمح كسلاح وأنها تستعد حاليا لترك الناس يموتون جوعا من أجل تدمير أوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه يعول على نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحقيق تقدم لإحياء الاتفاق.
غير أن جينسن يعترف في الوقت ذاته بأن محاولات روسيا وأميركا مؤخرا كسب قلوب الأفارقة والشرق أوسطيين، يمثل جزءا جديدا من الحرب الأوكرانية.
السفير اللبناني السابق في كندا وتشيلي وبولندا مسعود معلوف، يتفق مع كثير مما قاله جينسن، ويرى أن موسكو تمارس تضليلا إعلاميا، وأن على واشنطن التصدي لهذا التضليل الروسي.
فإيجاد حل لأزمة الحبوب يجنب واشنطن خسارة أصدقائها في الدول المتضررة، كما قد يدعم نفوذ واشنطن في أفريقيا خصوصا مع تراجع الدور الفرنسي مؤخرا، ولا سيما أن حلفاء مثل أستراليا يمكنها توفير الكثير من القمح للدول المحتاجة، برأي معلوف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة إلى سلاح
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن مع تصاعد الصراع وإنهيار العملة الوطنية
أكد برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من نصف الأسر في جميع أنحاء اليمن لم تتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية خلال شهر آذار/مارس، محذرا من تفاقم الأزمة الإنسانية وسط تصاعد الصراع ونقص التمويل.
وقال البرنامج في أحدث تقرير له، إن اليمن شهد ارتفاعا حادا وملحوظا في "الحرمان الغذائي" على أساس سنوي، مشيرا لاستمرار التدهور وتزايد الصعوبات التي تواجه الأسر في تلبية احتياجاتها الأساسية.
وأوضح البرنامج أن شهر رمضان ودفع الرواتب الجزئية قد وفرا بعض الراحة المؤقتة للأسر، إلا أن التحسن الموسمي الذي لوحظ كان أضعف مقارنة بالسنوات السابقة.
وأرجع البرنامج، هذه الحالة إلى عدة عوامل رئيسية، من بينها التدهور الاقتصادي المطول الذي تشهده البلاد، بالإضافة إلى النقص الحاد في التمويل الإنساني. كما تساهم محدودية سبل العيش والظروف الشبيهة بالجفاف التي تؤثر سلبا على القطاع الزراعي في تفاقم الأزمة.
ولفت تقرير البرنامج، إلى تصاعد الصراع كعامل مؤثر، وخاصة الغارات الجوية الأمريكية والعقوبات المتعلقة بـ "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، مؤكدا أن النازحين يعتمدون بشكل كبير على استراتيجيات تكيف قاسية لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة، بما فيها الاستغناء عن بعض الوجبات اليومية واللجوء إلى التسول.
وقال البرنامج، إن الريال اليمني يواصل في الانخفاض مقابل العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، مشيرا إلى أن أسعار الوقود وصلت إلى مستويات قياسية، مما يساهم بشكل مباشر في زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية.
وأوضح أن تكلفة سلة الغذاء الأساسية في مناطق سيطرة الحكومة مستوى قياسيا في شهر آذار /مارس، مسجلة زيادة قدرها 28% مقارنة بالعام الماضي.
وفي المقابل، لا تزال أسعار المواد الغذائية في مناطق السلطات في صنعاء أكثر استقرارا نسبيا، إلا أن نشاط السوق فيها لا يزال منخفضا بسبب ضعف القدرة الشرائية للسكان، وفقا للبرنامج.
وبحسب التقرير، فإن ما يقرب من نصف الأطفال اليمنيين دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، ويواجه ما مجموعه 3.5 مليون طفل وامرأة خطر سوء التغذية الحاد.
ولفت إلى أن هذا التدهور يأتي في ظل الضغوط الكبيرة التي تواجه المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن، حيث لم يتم تمويل سوى 8% فقط من خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 حتى الآن.