لم تعد الدبابات والطائرات والصواريخ وحدها قادرة على حسم الحرب الروسية الأوكرانية على ما يبدو، بعدما تحول القمح أيضا إلى سلاح مؤثر في المواجهة المحتدمة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي اتسعت لتشمل التنافس على النفوذ في أفريقيا والشرق الأوسط، كما يقول خبراء.

ففي ظل إصرار روسيا على عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، يرى خبراء أن موسكو حوّلت القمح إلى سلاح في معركتها ضد أوكرانيا، وأنها تحاول من خلاله تحقيق مزيد من المكاسب على حساب الولايات المتحدة.

وفي مسعى للتقليل من آثار الموقف الروسي تسعى أطراف دولية مثل تركيا والأمم المتحدة وقطر لإيجاد آلية لإحياء الاتفاق الذي علقت موسكو العمل به أواخر يوليو/تموز الماضي، بعد عام من دخوله حيز التنفيذ، أو توفير سبل بديلة تضمن عدم توقف الإمدادات الروسية والأوكرانية من الحبوب والتي تغطي جزءا كبيرا من احتياجات العالم.

اتهامات متبادلة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن وقف الاتفاق بسبب ما وصفه بأنه "خداع لبلاده" و"عدم تنفيذ البنود المتفق عليها".

لكن نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدينت باتيل أكد أن قرار روسيا وقف العمل بالاتفاق يضر بكثير من الدول حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، أكد باتيل عزم واشنطن مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا، والعمل مع تركيا والأمم المتحدة من أجل إعادة العمل بالاتفاق.

الأمم المتحدة حذرت من أن عدم تجديد العمل بالاتفاق قد يضر بكثير من الدول الأفريقية التي تعاني الجفاف وتعتمد على الاستيراد بشكل شبه كامل لتوفير القمح.

وقد سلط التحذير الأممي الضوء على حجم الأزمة التي قد تواجهها الدول المعتمدة على واردات القمح وخصوصا في القارة الأفريقية، كما أثار تساؤلات بشأن ما يمكن للقمح فعله في الحرب الروسية الأوكرانية حال تحوله إلى سلاح.

ورغم تأكيدات موسكو على لسان كبار المسؤولين فيها بأنها لن تسمح بتضرر الدول الفقيرة، وأنها ستعمل على توريد قمح مجاني للدول الأفريقية المحتاجة بواقع 50 ألف طن لكل بلد، وتعهد موسكو بتحمل تكاليف النقل، فإن الخبراء أكدوا أن روسيا ليست مهتمة فعليا بالدول الفقيرة بدليل أنها لم تقدم شيئا عمليا لهذه الدول، لكنهم يرون أيضا أن على الولايات المتحدة إيجاد حلول لهذه الأزمة التي تحاول موسكو من خلالها توسيع نفوذها في القارة السمراء وعدد من دول الشرق الأوسط.

روسيا تملك الحل

وبحسب تصريحات الخبير الاقتصادي شريف عثمان لبرنامج "من واشنطن" بتاريخ 2023/9/7 فإن دولا عربية وشرق أوسطية تعاني بشدة من تداعيات الحرب رغم أنها بعيدة جغرافيا.

ووفقا لعثمان، فإن دولا مثل مصر وتونس وموريتانيا والجزائر على سبيل المثال تضررت بشدة جراء ارتفاع أسعار الغذاء كونها مستوردة بالكامل للحبوب وخصوصا من روسيا وأوكرانيا.

وعن الطرف الذي يمكنه حل مشكلة نقص القمح عالميا، يعتقد الخبير الاقتصادي أن الحل كله حاليا بيد روسيا التي تحاول من وجهة نظره استغلال القمح كسلاح للتقارب مع دول في أفريقيا والشرق الأوسط أو لفرض شروط أفضل فيما يتعلق بتصدير حبوبها وأسمدتها الزراعية.

على الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة ومنذ منتصف يوليو/تموز الماضي تعمل على إيجاد بدائل في أوروبا عبر نهر الدانوب، بل وتحاول توفير حماية عسكرية للشحنات التي يتم نقلها فيه وفرص جديدة لنقلها داخل أوروبا بعيدا عن البحر الأسود، كما يقول عثمان.

ما يحدث حاليا، برأي عثمان، هو أن روسيا تحاول تحقيق أهداف اقتصادية من خلال عمليات التصدير، وواشنطن تحاول منعها من ذلك، لأن الولايات المتحدة لا تواجه مشاكل حقيقية في مسألة القمح سوى ما سيصل إلى روسيا من أموال عبر بيعه.

بدوره، تحدث عثمان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن قلق المنظمة الدولية من عدم تمديد العمل باتفاق تصدير الحبوب، وقال إن المنظمة الدولية تعمل مع تركيا وبطرق أخرى من أجل استئناف العمل أو إيجاد طريقة لتصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا.

وبحسب المسؤول الأممي فإن الاتفاق ساعد على تقليل أسعار الغذاء، وأن تدفق كميات كبيرة من الحبوب الروسية والأوكرانية يحول دون أزمة أسعار عالمية، داعيا إلى التعامل بطريقة مختلفة مع "حقوق روسيا المشروعة في تصدير الحبوب والأغذية بشروط جيدة".

فيما عبر دونالد جينسن كبير مستشاري شؤون روسيا وأوروبا في معهد الولايات المتحدة للسلام، عن قناعته بأن واشنطن قلقة بشأن الأزمة، واصفا المبادرات الروسية بأنها "تضليل إعلامي".

ويرى أن موسكو تستخدم القمح كسلاح وأنها تستعد حاليا لترك الناس يموتون جوعا من أجل تدمير أوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه يعول على نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحقيق تقدم لإحياء الاتفاق.

غير أن جينسن يعترف في الوقت ذاته بأن محاولات روسيا وأميركا مؤخرا كسب قلوب الأفارقة والشرق أوسطيين، يمثل جزءا جديدا من الحرب الأوكرانية.

السفير اللبناني السابق في كندا وتشيلي وبولندا مسعود معلوف، يتفق مع كثير مما قاله جينسن، ويرى أن موسكو تمارس تضليلا إعلاميا، وأن على واشنطن التصدي لهذا التضليل الروسي.

فإيجاد حل لأزمة الحبوب يجنب واشنطن خسارة أصدقائها في الدول المتضررة، كما قد يدعم نفوذ واشنطن في أفريقيا خصوصا مع تراجع الدور الفرنسي مؤخرا، ولا سيما أن حلفاء مثل أستراليا يمكنها توفير الكثير من القمح للدول المحتاجة، برأي معلوف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة إلى سلاح

إقرأ أيضاً:

من واشنطن يبحث مستقبل مفاوضات الولايات المتحدة المباشرة مع حماس

ووفقا للبرنامج، فإن هذه المفاوضات التي جرت بأمر مباشر من ترامب، قد تكون نوعا من الميكافيلية السياسية، رغم أن إسرائيل أبدت استياءها منها.

وبحث البرنامج ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل هذه المفاوضات رغم الرفض الإسرائيلي، أم أنها ستتراجع عنها إرضاء لتل أبيب.

وهذه المفاوضات ليست الأولى التي تجريها الولايات المتحدة مع حركة تصنفها "إرهابية"، فقد كسرت مبدأ سابقا بعدم تفاوض واشنطن مع من يبتزها.

فقد سبق أن تفاوضت مع حركة "أيلول الأسود" عندما احتجزت عددا من الرهائن الأميركيين بمن فيهم السفير الأمير ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية بالخرطوم عام 1973.

وقد طلبت الحركة آنذاك الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين في عدد من الدول بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن الرئيس ريتشارد نيكسون أعلن آنذاك أن واشنطن لا تتفاوض مع من يبتزها، وبعدها بساعات قتل الدبلوماسيان الأميركيان اللذان كانا محتجزين لدى الحركة.

لسنا وكيلا لإسرائيل

ووفقا للمبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر، فقد تناولت المباحثات مع حماس الإفراج عن الأسير الأميركي الحي آلي ألكسندر وأربعة آخرين موتى.

وشملت النقاشات أيضا ما يمكن التوصل إليه في نهاية المطاف، كما قال بولر إن حماس أبدت استعدادا لهدنة طويلة الأمد تضمن نزع سلاحها وعدم تعريض إسرائيل للخطر وإعادة إعمار القطاع.

إعلان

لكن تل أبيب لم تخف انزعاجها من هذه المفاوضات التي جرت بعيدا عنها، وقد كتب رئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ديفيد ماكوفسكي مقالا قال فيه إن الضغط على حماس واستمرار الردع الأميركي يتطلبان تنسيقا أميركا مع إسرائيل في المفاوضات والمواقف.

ولم تقف إسرائيل صامتة إزاء هذه المفاوضات، فقد شنت حملة انتقادات واسعة لبولر الذي أكد مرارا اهتمامه بمصير الأسرى الإسرائيليين. لكن المبعوث الأميركي خالف المعتاد أيضا ورد بقوة على هذه الانتقادات قائلا إن الولايات المتحدة ليست وكيلا لتل أبيب وإن لديها معايير محددة تلتزم بها.

المحامي والمؤرخ جيمس روبينوت قال إن ما حصل مؤخرا يشير إلى أن ترامب يواصل الإدارة من خلال الفوضى من أجل الوصول لأمر ما، مشيرا إلى أن الشارع الأميركي "لا يقبل التفاوض مع الإرهابيين لكن هذه الأمور تجري خلف الأبواب المغلقة حتى لو صرح الرئيس بعكس ذلك".

أما الكاتب ومستطلع الرأي جون زغبي فقال إن غالبية العالم العربي لا تعتبر حماس إرهابية، وترى أنها ممثل شرعي لغزة، في حين أن الولايات المتحدة وآخرين لا يرونها كذلك، وهذا أمر يؤثر في تقييم هذه المفاوضات.

لذلك، فإن الحكم على مواقف المواطنين الأميركيين والإسرائيليين أيضا من هذه المفاوضات يبدو معقدا لأن هناك من سئم الحرب ويرى أن على ترامب فعل ما من شأنه وقفها أيا كان. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة سبق لها التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية التي كانت تصنفها إرهابية أيضا.

ترامب لن يتخلى عن إسرائيل

أما السفير جيمس جيفري -المبعوث الأميركي السابق لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية– فقال إن الرؤساء الأميركيين بخلاء ولا يتشاركون القرارات التي يتخذونها بشأن بعض الدول كما هي الحال مع أوكرانيا حاليا.

ويرى جيفري أن ترامب يحاول توسيع اتفاقات أبراهام خصوصا مع المملكة العربية السعودية، ومن ثم فإنه قد يتخذ خطوات تؤدي إلى حدوث توترات مع إسرائيل، وهو ما يحدث الآن.

إعلان

وخلص إلى أن ترامب سيواصل فعل كل ما من شأنه توسيع التطبيع، لكنه لن يدير ظهره لإسرائيل ولن يقبل بعدم تخلي حماس عن سلاحها حتى لو أدى ذلك لعدم عودة الأسرى.

وأضاف "الأمر يتوقف على حجم التنازلات التي سيقبل الإسرائيليون بتقديمها، لكن ترامب لن يقبل في النهاية بتعرض إسرائيل لهجوم آخر".

أما الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فقال إن تفاوض الولايات المتحدة المباشر مع حماس ليس إلا تغييرا في طريقة التفاوض لأنها تتفاوض معها بالفعل بشكل غير مباشر منذ بداية الحرب.

ووفقا للبرغوثي، فإن فشل إسرائيل في القضاء على حماس واسترداد الأسرى بالقوة والسيطرة على قطاع غزة دفع واشنطن للتفاوض مع الحركة في محاولة لمساعدة بنيامين نتنياهو في تحقيق ما فشل فيه.

وهناك سبب آخر دفع ترامب لهذه الخطوة -برأي البرغوثي- وهو عدم ثقته في رغبة نتنياهو التوصل إلى صفقة تعيد بقية الأسرى الموجودين في غزة خوفا على حكومته.

ويعتقد البرغوثي أن الاتصال مع حماس أصبح أكثر عمقا لأنهم أدركوا عدم قدرة إسرائيل على تحقيق الأهداف المطلوبة، وقال إنه لا يعتقد أن هذه الاتصالات ستتوقف.

وختم بأن ترامب يريد الحصول على أموال واستثمارات من دول المنطقة ولا يريد إنفاق أموال على حروب غيره، ومن ثم فهو يتحرك بالطريقة التي تحقق مصالحه أيا كانت.

13/3/2025-|آخر تحديث: 13/3/202511:11 م (توقيت مكة)

مقالات مشابهة

  • إدارة ترامب تجهز قائمة بعشرات الدول ستخضع لحظر دخول الولايات المتحدة
  • السلطات الأمريكية تحظر مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • واشنطن بوست: على الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا
  • تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين منظمة إرهابية يكشف استراتيجية روسيا في اليمن
  • بوتين يحدد مهام السفير الروسي لدى واشنطن
  • من واشنطن يبحث مستقبل مفاوضات الولايات المتحدة المباشرة مع حماس
  • روسيا: مستعدون لمحادثات مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا
  • وفد أمريكي إلى روسيا.. اتصالات ولقاءات لإقناع موسكو بمقترح وقف إطلاق النار
  • واشنطن تدعو مجلس الأمن لإدانة برنامج إيران النووي
  • الكرملين : موسكو تتطلع لتسوية متزنة مع أوكرانيا