صحيفة الاتحاد:
2024-12-22@16:41:12 GMT

الفن الياباني المعاصر.. صوت الحياة اليومية

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

نوف الموسى (دبي)
تبرز قيمة المعارض الفنية ذات الدلالات الثقافية؛ مثلما هو معرض «الوجود اللطيف» للفنان الياباني تسويوشي هيساكادو، الذي يُقام في مركز جميل للفنون بدبي، في أنها تستوحي من البيئة المحلية في دولة الإمارات، مساحات اجتماعية مشتركة، باعتبارها منصات حوارية عالمية مفتوحة على مختلف الأفكار والذهنيات التي من شأنها أن تنتج أشكالاً إبداعية تتناول القضايا الراهنة، بحس إنساني قادر على التفهم وإدراك التجارب الإنسانية، أمام نمطية الصور المباشرة والمعتقدات الثابتة والسائدة حول مجتمع معين.


ما قدمه الفنان الياباني تسويوشي هيساكادو، من خلال عمله «قطرة ماء»، أحد الأعمال المشاركة في معرض «الوجود اللّطيف» أحدث تمازجاً حسياً، عبر مجموعة من الأصوات اليومية التي سجلها في دولة الإمارات واليابان، مثل أصوات حركة المترو وتساقط المطر وأجهزة التكييف، ويجمعها بأضواء كاشفة ساطعة في غرفة بيضاء مظللة، لتتناغم في تجربة حسية غنية تذكرنا بالمشهد الصوتي للحياة اليومية الذي غالباً ما نتجاهله في خضم مشاغل حياتنا اليومية. ورغم وضوح فكرة العمل وأبعاده في التجسيد المرئي والمسموع، إلا أن مخرجاته الآنية والكيفية التي يستقبل بها المتلقي تلك التداخلات للبيئة المحلية في الإمارات واليابان، تبقى منطقة لافتة، وباعثة لسؤال فيما إذا كانت لكل ثقافة محلية طريقتها في تلقي صوت المدينة، وأين سيكمن التشابه العابر في طبيعة التفاعلات اليومية بين مختلف البيئات المحلية العالمية، وهل التمازج يُقرب المسافة البينية فيما بين التجارب الحسية؟!

أخبار ذات صلة بتوجيهات أحمد بن محمد.. «دولي الصقور» يعلن المشاركين في كأس الاتحاد شرطة دبي تنظم «درع الأكاديمية»

الضوء الخافت
وتكمن أهمية معرض «الوجود اللّطيف»؛ في أنه دعوة فنية للبحث في الفن الياباني المعاصر، وإعادة التفكير في المحاور التاريخية والاجتماعية، وتأثيرها على طبيعة الهويات التي شكلتها التبادلات الثقافية في المجتمع الياباني، وعدم التوقف فقط عند الصورة النمطية المعتادة للتجربة اليابانية عموماً، بل الغوص في رسالة هذا الفن الرئيسية، وإدراك أساليبه المبتكرة ومنهجياته الفنية للتعبير عن إشكالياته المجتمعية، فالتأكيد على التجربة الحسية طوال المعرض الفني إنما هو لغة متباينة بين رغبة الحوار وقوة المشاركة، ففي العمل الفني «قوة» حيث استخدم الفنان تسويوشي هيساكادو، المصابيح الكهربائية والأوراق، والأسلاك الكهربائية، والزجاج، وهي مواد نألفها في حياتنا اليومية، وخصوصاً في أماكن العمل والدراسة، لخلق شعور من عدم الاتساق، إذ تواجهنا أذرع معدنية ممتدة من الأرض حتى السقف وهي ترمي بين الفينة والأخرى قصاصات ورقية، تصحبها ضوضاء منخفضة التردد، وعلى الجانب الآخر من القاعة نجد أيضاً طاولة زجاجية مائلة تتقاطع معها مجموعة من المصابيح ذات الضوء الخافت والمتقطع  في محاولة من الفنان لتجسيد القلق المستمر من انهيار عالمنا المعاصر وهشاشته، وإن كان ظاهره مستقراً وثابتاً. 
لماذا الإصرار على خلق حالة من «الانتباه» لمحيطنا اليومي؛ في جّل أعمال الفنان تسويوشي هيساكادو؟! لعل هذا يعيدنا إلى بعض أهم الفنانين اليابانيين الذين قدموا أعمالاً تركيبية معاصرة في ذات السياق، ومنهم الفنانة اليابانية يوكو موهري «Yuko Mohri»، التي تركز في أعمالها على مفهوم «الظواهر» التي قد تتغير باستمرار في البيئة المحيطة وفقاً لظروف مختلفة، وبذلك فهم يصنعون آلية تأملية، في المساحات الإبداعية، تتبنى الحركة ومنهجية دوائر الطاقة، ضمن ظروف غير ملموسة، فنحن نتحدث هنا عن الضوء، والصوت، والرياح، والجاذبية، والزمن، وعلاقتها بالفضاء العام، وكيف ينتجون تراكيب غير متوقعة لتلك اللقاءات الظرفية، وفق الأعمال التركيبية المعدة للتجربة، لأنهم بذلك يضعون ملامح عامة يستوعبها المتلقي حول القوى غير القابلة للسيطرة عليها، وأيضاً تأثيرها على السلوك والمجرى الإنساني، ما يمدنا بإدراك واسع أن مخرجات الحياة اليومية لا يمكن التنبؤ بها فعلياً، و«الانتباه» هنا وسيلة ضمنية لقياس مستوى نضج اتصالنا مع ما يشكل حرفياً وعينا بالعالم من حولنا في كل لحظة. 

الوجود اللّطيف
وفي محاولة لاستكشاف القوى الطبيعية غير المرئية، التي قد تنتظم حياتنا وتعاملاتنا اليومية، تعامل الفنان تسويوشي هيساكادو، مع ثلاثة أعمال حضرت في معرض «الوجود اللّطيف»، هي: «نهر» و«ضباب» و«هزة أرضية»، مثلت أعمالاً تركيبية على الورق، واعتمدت فكرتها على مسألة التسلسل المنطقي والنسب الثابتة، فبمجرد أن يقترب الإنسان من العمل، يجد أرقاماً صغيرة متداخلة، يختلف إيقاعها بشكل ما -إن صح التعبير- وفقاً للحركة داخل العمل التركيبي، ففي «هزة أرضية»، نجد مقطعاً أفقياً يخترق العمل عرضياً، إشارة لحدوث زلزال. 
أما في «ضباب»، فنرى بقعاً من الحبر الأسود في طيف من الظلال. وفي «نهر» يلاحظ المشاهد ما يشبه الدموع وهي تتخذ شكلاً متصلاً على الورق، وهنا الاضطراب الذي يحدث للمنظومة الطبيعية، إنما هو آلية تعبير جمالية لإدراك متغيرات الأرقام والنسب الكونية في تجسيد أشكال الحياة على الأرض، والتي تبقى مهما بدت قابلة للقياس، صعبة التكهن والرصد والتوقع.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: اليابان دبي

إقرأ أيضاً:

أزمة العقل السياسي الليبي المعاصر.. التاريخ والجذور

يمكن التأريخ للعقل السياسي الليبي في التاريخ المعاصر مع قيام الدولة القرمانلية سنة 1711، على يد مؤسسها أحمد باشا القرمانلي، الذي ينحدر من أصول عثمانية (قرمان)، وهي كلمة تشير إلى سلاح الفرسان، وهو اللقب الذي يعود إلى جده الثالث، الذي كان يعمل جنديًا في البحرية العثمانية.

عاش أحمد القرمانلي كضابط كبير في الحامية العثمانية، وتميز بالقوة والشجاعة، إلى جانب شخصية عسكرية قيادية نالت احترام القيادة العثمانية. في الوقت نفسه، أثار الخشية من قِبل الضباط الكبار المتصارعين على السلطة في الولاية (ولاية طرابلس الغرب).

صراع الباشوات في ولاية طرابلس

كان الصراع السياسي محتدمًا بين الباشوات العثمانيين في طرابلس، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي انعكست سلبًا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأثرت في شعور السكان المحليين من تجار وشيوخ قبائل ووجهاء وعلماء الدين. دفعهم ذلك إلى الانخراط في المعترك السياسي والمشاركة بصورة أو بأخرى لتحسين الوضع السياسي في الولاية، لتسود حالة من الهدوء والاستقرار في بلاد تعيش مرحلة فوضى كبيرة أثرت على الحياة العامة في كل مجالاتها.

قام أهالي المنشية والساحل، من الموالين لأحمد باشا، بالدعوة إلى تنصيبه حاكمًا على الولاية. وساعدوه على محاصرة المدينة التي كان له فيها مؤيدون ومناصرون، ما مكّنه من دخول قلعة المدينة. بعد ذلك، عقد الديوان اجتماعًا قرر فيه الطرابلسيون عدم قبول الباشا الموفد من السلطان العثماني، وأبلغوا السلطان رغبتهم في تنصيب أحمد باشا حاكمًا، ورفضهم ولاية خليل باشا عليهم.

إعلان

وهذا التحرك السياسي، الذي قام به أهالي طرابلس بدعم من الديوان والأعيان، يعد الخطوة السياسية الأولى في تاريخ الفكر والعمل السياسي في ليبيا الحديثة، وأول لبنات تكوين العقل السياسي الليبي.

تمخض ذلك عن اختيار حاكم وفرضه على الحكومة المركزية في إسطنبول، التي استسلمت للأمر الواقع واضطرت في وقت لاحق إلى الاعتراف باختيار الساسة الليبيين لحاكم البلاد، وإن كان على غير رغبة منها. وبذلك فرض الليبيون إرادتهم السياسية على السلطة العثمانية، وهو ما يُعدّ نجاحًا سياسيًا وتقدمًا كبيرًا بمعايير السياسة والسلطة في ذلك الوقت (1711)، استمر حكم ولاية طرابلس الغرب وراثيًا في سلالة أحمد باشا إلى سنة (1835)، بعودة الحكم العثماني المباشر للولاية.

الدستور العثماني ومجلس (المبعوثان)

بعد صدور الدستور العثماني سنة 1876، مُنحت طرابلس حق التمثيل النيابي الذي عرف بمجلس (المبعوثان). ونظرًا لضيق الوقت وعدم القدرة على إقامة الانتخابات، جرى تعيين نائبين عن طرابلس من قِبل الوالي ومجلس إدارة الولاية في الدورة الأولى.

وفي الدورة الثانية سنة 1877، تم استبدال أحد النائبين وبقي الآخر. وجرى الطعن في هذا الإجراء وقُبل الطعن من الأستانة، مع الموافقة على إجراء الانتخابات، التي أيدها المواطنون بعريضة موقعة من ألفي شخص تحت إشراف المجلس البلدي. وعلق الكاتب الإيطالي إتوري روسي في كتابه ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911: "وتستحق هذه الواقعة أن نقف عندها، لأنها تدل على الحرية التي كانت تُجرى بها الانتخابات".

أول جمعية سياسية سرية

في أواخر العهد العثماني وقبيل الغزو الإيطالي لليبيا، ومع احتلال فرنسا لتونس، تصاعدت مشاعر القلق في ولاية طرابلس. أنشأ مجموعة من الشباب، يزيد عددهم عن عشرة أفراد من شرق الولاية وغربها (طرابلس وبرقة) جمعية سياسية سرية.

كان لهذه الجمعية برنامج عمل واضح حمل اسم "فوائد ونصائح"، شرح أهداف الجمعية، ومنها:

إعلان إصلاح أوضاع الولاية من خلال تطوير نظام التعليم. توعية الأهالي بمخاطر الاستعمار الأوروبي، وخاصة الأطماع الفرنسية والإيطالية في الاستيلاء على الولاية. دعوة القبائل في ربوع البلاد إلى التصالح ونبذ الفرقة. تجنب الصدام مع الدولة العثمانية للاتحاد في مواجهة الخطر المحدق بالبلاد.

استخدم أعضاء الجمعية كل الوسائل المتاحة في ذلك الوقت من مساجد وصحافة وتجمعات ثقافية للتعريف بأهدافها ونشر الوعي لدى الأهالي. وهذا ما سهَّل على الحكومة اكتشاف نشاط الجمعية السياسي، واقتياد أعضائها إلى المحكمة بتهمة تشكيل "جمعية فساد في البلاد وتعريض نظامها للخطر". وصُدرت في حقهم أحكام تتفاوت بين النفي من البلاد والسجن، وأُفرج عن بعضهم.

يُعدّ نشاط هذه الجمعية أول تجربة للعمل السياسي السلمي في تاريخ ليبيا الحديث، وقد أخذ الطابع السري نتيجة لطبيعة النظام وما يفرضه من قيود على العمل السياسي، وما يتعرض له من يمارسه من سجن ونفي وتضييق. وقد ساهمت هذه التجربة في تكوين العقل السياسي الليبي، سواء من الحكام أو من النخب الثقافية التي اعتنت بالسياسة وسعت للإصلاح والتغيير، وقد أصبح القمع والتضييق سمة بارزة للتعامل مع العقل السياسي الليبي، وهو المنهج الذي استمر بصورة متفاوتة نسبيًا وأثر في مسارات تطور العقل السياسي الليبي.

العمل السياسي ومقاومة الغزو الإيطالي

ظهرت بوادر العمل الذي تفتق عنه العقل السياسي الليبي الجمعي من خلال بروز قادة سياسيين في ولاية طرابلس، الذين تفطنوا مبكرًا للأطماع الإيطالية في طرابلس. تمثلت تلك الأطماع في التمهيد لغزوها مع بدايات العقد الأول من القرن العشرين، من خلال البعثات الاستكشافية والإرساليات الاستخباراتية تحت غطاء الجمعيات الاستكشافية، ومن خلال مشاريع اقتصادية، مثل فروع بنك روما في طرابلس وبنغازي.

كانت ردة فعل الساسة في ولاية طرابلس من خلال تقديم عرائض تحذير وتنبيه لوالي طرابلس العثماني، وعقد اجتماعات مكثفة في بعض المدن للتحذير من نشاط البنك ودوره في الاستحواذ على الأراضي. كان البنك يقدم القروض بشروط مجحفة تؤدي إلى عجز المقترض المحلي عن السداد، فتقع الأرض المرهونة تحت ملكية البنك الإيطالي.

إعلان

كما نشط الساسة الليبيون في مقاومة التغلغل الإيطالي من خلال الكتابة في الصحف المحلية والعربية للتحذير من مغبته، وإعداد المواطنين وإدارة الولاية للاستعداد لمقاومة الغزو العسكري الوشيك الذي كانت تُعد له الحكومة الإيطالية، والذي بدأ بإعلان الحرب على الدولة العثمانية في سبتمبر/ أيلول 1911، ثم غزو طرابلس في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.

تحول نمط العمل في العقل السياسي الليبي إلى مرحلة جديدة، تمثلت في مقاومة الاستعمار وفق سياسة الجمع بين خطين متوازيين ومتلازمين، هما: المقاومة العسكرية، والعمل السياسي المستفيد من نتائج العمل العسكري، خلال فترة الاحتلال الإيطالي التي امتدت من عام 1911 إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وخروج الطليان من ليبيا، ودخول قوات الحلفاء عام 1942، برفقة جيش التحرير المصاحب لهم من أبناء المهجرين الليبيين في مصر، تحت قيادة الأمير محمد إدريس السنوسي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أزمة العقل السياسي الليبي المعاصر.. التاريخ والجذور
  • أخبار الفن| وفاة محمد الخلفي .. وجمال سليمان يكشف تفاصيل مسلسله الجديد عن سجن صيدنايا
  • حصاد 2024| تكريم محمود حميدة بالدورة الـ 7 لمهرجان الجونة السينمائي
  • في ذكرى ميلاده.. الفنان محمد رضا من الهندسة لعالم الفن
  • صدفة قادت نجلاء فتحي إلى عالم الفن.. ما علاقة عبدالحليم حافظ؟
  • أخبار الفن| تفاصيل حفل روبي وحكيم .. دوللي شاهين: أنا أكثر موهبة من نيكول سابا
  • مهرجان الأفضل يكرم اسم نبيل الحلفاوي بـ جائزة العمر
  • السبت.. الفنان السورى جمال سليمان فى ضيافة الشئون العربية بنقابة الصحفيين فى حوار عن الفن والعروبة وسوريا
  • نيكي الياباني يتكبد خسارة أسبوعية رغم ضعف الين
  • السبت.. الفنان جمال سليمان ضيفا بنقابة الصحفيين للتحدث عن الفن والعروبة وسوريا