الثورة والتحول التاريخي العميق
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
التاريخ العربي يختلف عن غيره لأنه يخضع لمنطق مختلف ومتغاير عما سواه، ولذلك نقول باستحالة نقل التجارب الغربية أو غيرها، فالتاريخ لا يستورد كما نستورد السلع، والوعي بضرورة الإصلاح لا يعني بالضرورة الرجوع إلى صدر الإسلام كما تذهب بعض الفرق فذلك مستحيل وفي المقابل لا يعني نقل تجارب الغرب المتحضر فذلك مستحيل أيضا باعتبار الحداثة ليست تحديثا ولكنها نسق فكري ثقافي حضاري تقدمي تقدم عليه أمة أو جماعة لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل وفرض طابعها الخاص التي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث.
فالحياة في تطور مستمر والجمود هلاك وتحلل وتأسن وهو حالة غير لائقة بالتمدن البشري في كل مراحل التاريخ وفي المقابل الوقوف عند نقاط مضيئة في الماضي لا يعني تطورا وثورة بل يعني الاستسلام والهزيمة لشروط الواقع وأيضا فهما قاصرا للحدث وتموجاته وإرهاصاته، فقدرة أي حدث تقاس من خلال الأثر الذي تركه في البناءات وليس من خلال الموقف الوجداني والانفعالي منه .
وكل حركة ثورية حقيقية تطمح إلى تحول تاريخي عميق يجعل منها مركزا مهما في حركة التاريخ ويمكنها مع غيرها من صنع القرار والمبادرة والإسهام في الحضارة الكونية كند وليس كتابع وهذا ما كانت عليه حركات التحرر في القرن الماضي قبل أن تصاب بالثبات والجمود وقبل أن تتعرض للمؤامرات والاستهداف كالناصرية مثلا وهي تجربة يمكن الاستفادة من تفاعلها مع حركة التاريخ في زمنها ومثل ذلك من تمام الحكمة والعقل إذ لكل تجربة مراكز قوة ومراكز ضعف وقراءة التجارب تجعلنا أكثر تمكنا من التحكم في مقاليد الثورة والمستقبل.
ونحن في اليمن في متواليات احتفالية برموز ثوريين من آل البيت، بدأنا بثورة الإمام الحسين، ومررنا بثورة الإمام زيد، وها نحن نحتفي بالثورة اليمنية المعاصرة وهي محطات نأمل أن تصنع في إرادتنا طاقات تطمح إلى تحول تاريخي عميق يجعل من اليمن مركزا مهما في حركة التاريخ، فالثورة حركة ديناميكية ومتجددة ثقافيا واجتماعيا وليس نمطية ثابتة ولذلك فالتجدد سمة ثورة وصناعة حقيقية لواقع يتسم بالثورية ويتجدد ويحاول أن يفض إشكالات قضايا المجتمع المعقدة .
والثورة ضرورة اجتماعية لكن غايتها تظل محل خلاف ونقاش ولو حملت مشروعا سياسيا ناهضا، ذلك أن الطبيعة البشرية ذات نزوع إلى الأمجاد والمصالح، وفي طبائع العرب نزوع دوما إلى التمحور حول الذات، فالغاية عند العرب في مدى الأثر الذي تتركه الثورة على مناصريها وليس على جموع الناس، ومثل ذلك قناعة ثقافية عمل الإسلام على تشذيبها لكنها ظلت دائمة الحضور في تفاصيل التفاعل اليومي للثورات التي قامت في الديار الإسلامية عبر حقب التاريخ .
فالحسين عليه السلام لم يثر من أجل دنيا أو منافع أو مصالح بل ثار من أجل تعديل مسار كان يجب أن يعدل قبل أن يصبح ضرره كبيرا وأثره غير قابل للتعديل، وثورة الحسين عليه السلام تعلمنا روح التضحية من أجل الغايات الكبرى والأهداف العظيمة للأمة وهو المسار نفسه الذي رأينا عليه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي فقد بذل نفسه من أجل غايات كبرى ولم ينتظر غرضا من الدنيا زائل وكان بمقدوره أن يتفاوض عليه ويناله وقد عرض عليه يومذاك .
ومن هنا يمكن القول: إن أي انحراف يحدث في المسار العام لا يخدش نبل الهدف الذي قامت على أسسه الثورة اليمنية المعاصرة، فالقضية نسبية وهي خاضعة للاجتهاد، وحتى نستعيد وعينا بذاتنا وبالقيم الثورية الحسينية نحن مطالبون بالتقييم المستمر للتفاعل اليومي مع مفردات الواقع قبل أن يجرفنا تيار المصالح إلى مهاوٍ سحيقة.
ثمة ظاهرة تبرز في واقعنا نجد لها تعديلاً في القرآن ولا بد من الاحتكام إلى آياته ونصوصه القطعية التي لا تقبل التأويل، ونحن مطالبون كما يؤكد قائد الثورة في الكثير من خطاباته ومحاضراته التواصي بالحق، وقد وقف قائد الثورة كثيرا عند فكرة التواصي بالحق والصبر، وهو يدرك أثر التواصي بالحق والتواصي بالصبر في المسار السياسي والثقافي وأثرهما البالغ في المسار العسكري والاجتماعي، ولذلك لم أستغرب إسهابه وإطنابه في الحديث عنهما ومناقشة أبعادهما في التعديل وأثرهما في سلامة الطريقة والمنهج الذي نراه سبيلا للحياة الحرة والكريمة .
ما يحدث في واقعنا اليوم من تفاعلات تترك أثراً غير محمود في المسار، وهي في غالبها تفاعلات لا تمثل توجها عاما لكنها اجتهادات فردية غير محمودة العواقب وقد ضبطها القرآن الكريم في الآية رقم 94 من سورة النساء.
ومن باب التواصي بالحق الذي يؤكد عليه قائد المسيرة القرآنية قائد الثورة لا بد لنا من الوقوف أمام الظواهر ومعالجتها فور وقوعها حتى نحد من أثر الانحراف في المسار الثوري، ولنا في تاريخ الثورات عبرة إن أردنا لثورتنا نجاحا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فيوري وأوسيك.. «النزال التاريخي»
الرياض (د ب أ)
بحضور المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية، عُقد في منطقة «فيا رياض» المؤتمر الصحفي للملاكمين تايسون فيوري وأولكسندر أوسيك.
ومن المقرر أن يلتقي الطرفان السبت، ضمن فعاليات موسم الرياض 2024، وذلك في إطار أسبوع الملاكمة.
وشهد المؤتمر أجواءً حماسية واستعدادات كبيرة للنزال المرتقب بين فيوري وأوسيك، حيث تبادل الثنائي التصريحات في اللقاء الأخير قبل المواجهة، وفقا لبيان إعلامي. وأبدى تايسون فيوري حماسه الكبير، مؤكداً استعداده لتقديم أداء استثنائي في النزال، حيث قال: «سأقوم بإلحاق الكثير من الألم، هذه المرة أنا جاد، وسأتسبب في ضرر كبير، الحديث انتهى، والسبت سيكون موعد الإثارة».
من جانبه، وصف مدير أعماله، فرانك وارين، هذا النزال بأنه الأهم في عالم الملاكمة حالياً، حيث أضاف «موسم الرياض أصبح مركز الملاكمة في العالم، وأتوقع أن هذه المواجهة لن تصل إلى الجولة الأخيرة».
أضاف وارين، «تايسون في أفضل حالاته، بدنياً وذهنياً، ونحن على موعد مع حدث استثنائي».
أما أولكسندر أوسيك، الذي دخل على وقع أغنية أوكرانية، فقد أكد ثقته قائلاً: «ما نشهده الآن مجرد استعراض إعلامي، ولكن كل شيء سيحسم يوم السبت، الحادي والعشرين من الشهر، رسالتي لتايسون لا تخف، لن أتركك وشأنك، أراك يوم السبت».
وشهد اللقاء مواجهة مباشرة بين فيوري وأوسيك، حيث كادت أن تتطور لاشتباك بالأيدي نتيجة تصاعد حدة النقاش، ما يشير إلى نزال ثأري بامتياز.
وخلال المؤتمر، عبّر بقية الملاكمين عن شكرهم لموسم الرياض على تنظيم هذه المواجهات التي تحظى بترقب كبير من عشاق الملاكمة حول العالم.