بيان شديد اللهجة من السودان ضد منظمة "إيجاد" وتهدد بالانسحاب منها
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
أصدرت وزارة الخارجية السودانية اليوم الخميس، بيانا شديد ضد اللجنة الرباعية المنبثقة من منظمة "الإيجاد"، والتي أعلنت عن مبادرة جديدة للسلام في السودان.
وجددت الخارجية السودانية في بيانها رفضها لرئاسة كينيا للجنة الرباعية، بسبب انحياز نيروبي لمليشيات الدعم السريع، واستضافة قيادتها الصادر بحقها عقوبات دولية.
وتقاتل ميليشيات الدعم السريع ضد الجيش السوداني منذ منتصف أبريل الماضي، وأعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني أمس الأربعاء قرارا ينص على حل الميليشيات.
وأبدت الخارجية السودانية أسفها من خلو البيان الصادر من "إيجاد" لأي إشارة بشأن التشاور مع حكومة السودان أو الحصول على موافقتها بشأن المبادرة، مشيرة إلى أن هذا انتقاص من حقوق الخرطوم.
وأبدت الخارجية السوداني تحفظها على منح الاتحاد الأفريقي والإيجاد تفويضا لوضع أسس لعملية سياسية ووضع أجندة وتحديد المشاركين.
واختتمت الخارجية السودانية بالقول إن بيان اللجنة الرباعية المنبثة عن "الإيجاد" تجاهل بشكل مؤسف الفظائع المريعة التي ترتكبها ميليشيات الدعم السريع والتي أدانها العالم عدا "الإيجاد" والاتحاد الأفريقي.
وأكدت الخارجية السودانية أنه إذا لم تسجب الإيجاد لطبلها بتغيير رئاسة كينيا للجنة الرباعية فستعيد السودان النظر في جدوى استمرارها في عضوية المجموعة التي تأسست بمبادرة منها.
وأعلنت اللجنة الرباعية في منظمة "الإيجاد"، عن مبادرة سلام جديدة بشأن السودان تشمل تقديم دعم مادي للمساعدة في مواجهة أزمة اللاجئين، بعد 24 ساعة من قرار الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، بحل ميليشيات الدعم السريع.
واجتمعت اللجنة الرباعية في نيروبي والمكونة من كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي، على هامش قمة المناخ الأفريقية، للمرة الثانية منذ أن تم طرحها على نطاق مثير للجدل قبل شهرين.
وقالوا إن إيجاد، وهي كتلة من ثمانية أعضاء من دول القرن الأفريقي، يجب أن تعمل مع الاتحاد الأفريقي وتوحيد الجهود "مع الدول المجاورة للسودان، وتدعو كذلك الجهات الفاعلة الدولية إلى دعم اتحاد موحد وشامل بقيادة إيجاد والاتحاد الأفريقي".
وتقول إيجاد إنها ستعمل مع الاتحاد الأفريقي للتشاور على نطاق واسع وتحديد جدول الأعمال والمكان والمشاركين "لدعم حوار سياسي يحدد بوضوح عملية سياسية يملكها السودانيون ويقودها السودانيون".
واقترحت اللجنة الرباعية تقديم تبرع قدره مليون دولار من كل عضو في "إيجاد" للمساعدة في معالجة الأزمات الإنسانية المتصاعدة في مختلف أنحاء السودان، حيث نزح أكثر من مليوني شخص بسبب الحرب وقتل أكثر من 2000 شخص منذ أبريل.
وترأس الاجتماع الرئيس الكيني ويليام روتو، وحضره رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وهو أيضًا رئيس إيجاد، ورئيس جنوب السودان سلفا كير، نائب رئيس إيجاد ومثل إثيوبيا الدكتور أبراهام بيلاي، وزير الدفاع ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي.
يذكر أن السودان رفض الانخراط في جهود لجنة الإيجاد الرباعية بسبب اعتراضه على ترأس كينيا لها، مرجعا ذلك إلى انحياز الرئيس الكيني وليام روتو إلى قائد ميليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إيجاد السودان وزارة الخارجية السودانية اللجنة الرباعية كينيا الدعم السريع الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الاتحاد الافريقي الخارجیة السودانیة الخارجیة السودانی الاتحاد الأفریقی اللجنة الرباعیة
إقرأ أيضاً:
السودان… حرب تُدار بالذهب والولاءات لا بالبنادق
تتسم الأزمة السودانية بقدر هائل من التعقيد، ليس فقط بسبب الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل لأن جذورها تمتد إلى شبكة واسعة من الفساد والتحالفات غير المعلنة التي تشكّل المحرّك الحقيقي لاستمرار الحرب. في هذا المقال نُحلل الدور الخفي للفساد في تغذية الصراع، ونُقيّم تأثير التدخلات الإقليمية والدولية من خلال إشارات رمزية، لتقديم قراءة أعمق لما يجري.
أولًا: الفساد كعامل حاسم في إدامة الصراع
الجيش واقتصاد الظل
استحوذ الجيش السوداني خلال العقود الماضية على قطاعات اقتصادية استراتيجية، من التعدين إلى الخدمات، عبر شبكة شركات لا تخضع لرقابة الدولة. هذا "الاقتصاد العسكري" يُستخدم في تمويل الحرب، وشراء الولاءات، وإدارة شبكة نفوذ تمتد داخل وخارج مؤسسات الحكم.
قوات الدعم السريع وثروات الأطراف المهملة
بالمقابل، بنت قوات الدعم السريع قوتها الاقتصادية عبر السيطرة على مناجم المعادن النفيسة في غرب السودان، وارتباطها بشبكات تصدير خارجية، مما منحها استقلالًا ماليًا مكّنها من التوسّع عسكريًا وسياسيًا، بل والتحوّل إلى لاعب إقليمي.
الفساد كمنهج وليس استثناء
ما يجعل الصراع أكثر خطورة هو أن الفساد لم يعد سلوكًا فرديًا، بل تحول إلى منهج متجذّر في بنية الحكم. وهذا ما يفسّر تعنّت الأطراف في وقف الحرب، لأن السلام سيكشف البنية التي يقوم عليها اقتصاد السلطة، بما فيها المحسوبيات والنهب المؤسسي.
ثانيًا: التحالفات الإقليمية غير المعلنة وتأثيرها على الحرب
الداعم المالي البعيد جغرافيًا
ثمة طرف إقليمي ثري ذو نفوذ اقتصادي عالمي، لعب دورًا حاسمًا في دعم أحد طرفي الصراع من خلال قنوات تجارية واستثمارات مشبوهة في قطاعات التعدين والموارد الطبيعية. هذا الدعم لم يكن علنيًا، لكنه وفّر غطاءً اقتصاديًا لبقاء الحرب مشتعلة.
الجارة الشمالية ذات التأثير الأمني
الطرف الآخر في الصراع حظي بتأييد ضمني من جارٍ شمالي يتقاطع معه في ملفات الأمن الإقليمي، خاصة المرتبطة بالمياه والحدود. هذه الدولة ترى في القيادة العسكرية الرسمية حليفًا استراتيجيًا يضمن استقرار الجوار، لذا كانت أقل حماسة لأي تغيير قد يُربك التوازن الإقليمي.
الراعي المتردد للسلام
طرف ثالث – يتمتع بثقل دبلوماسي عالمي – حاول لعب دور الوسيط، لكنه تردد في ممارسة ضغوط حقيقية، ومال إلى حفظ توازن هشّ بين المتصارعين بدلًا من اتخاذ موقف مبدئي من الانتهاكات. ما جعل مبادراته للسلام تدور في حلقة مفرغة من الوعود دون نتائج ملموسة.
ثالثًا: تجاوز الحلقة المفرغة... هل من أفق؟
لا سلام دون تفكيك اقتصاد الحرب
أي اتفاق سياسي لا يعالج البنية الاقتصادية للصراع، ويضع حدًا لتحكم الأطراف العسكرية في الموارد، سيكون مجرّد هدنة مؤقتة. الحل يبدأ بإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وفرض الشفافية على قطاعي التعدين والاستثمار.
الضغط الرمزي على اللاعبين الإقليميين
لا بد من مقاربة دبلوماسية جديدة توجّه الرسائل للطرف الإقليمي الداعم بالمال، والجارة ذات الحس الأمني، والراعي الدولي المتردد، بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى زعزعة أوسع تشمل الإقليم كله. ويمكن للمجتمع المدني السوداني أن يلعب دورًا في توصيل هذه الرسائل
دون صدام مباشر مع المصالح السياسية.
ما يحدث في السودان ليس صراعًا أهليًا تقليديًا، بل هو حرب تُغذّى بالفساد والتحالفات الرمادية. تفكيك هذه الشبكة يتطلب وعيًا وطنيًا صارمًا، وجرأة في مساءلة النخبة، وشجاعة دولية في مواجهة الواقع، بدلًا من دفنه تحت شعارات فارغة عن "الاستقرار" و"التهدئة".
الطريق إلى السلام يبدأ من الاعتراف بأن الحرب لا تُدار فقط بالسلاح، بل أيضًا بالمصالح الخفية.
zuhair.osman@aol.com