أكد الأستاذ الدكتور أحمد الشرقاوي

رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية و الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.. فرق بين الأسوة والقدوة، فالقدوة اتباع الغير في بعض أعماله، ومجالها عمل الشخص دون ذاته، وقد تكون في الهدى وقد تكون في الضلال، فمن أمثله القدوة في الهدى قوله تعالي: ( فبهداهم اقتده)سورة الأنعام، الآية90، ومن أمثلتها في الضلال قوله تعالي: (.

. .إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)سورة الزخرف، الآية23، وأما الأسوة فهي موافقة الغير في جميع أعماله، أقوالا وأفعالًا وسلوكًا، ومجالها الأشخاص.

وبناء عليه يكون الإقتداء ببعض العمل مفصولاً عن ذاتية الشخص القدوة، في كونه أسوة أو لا، إذن التأسي يكون بالشخص في جميع أعماله وأحواله، والإقتداء يكون ببعض أفعاله، وقيل: إن القدوة تكون بأفعال الأموات، والأسوة تكون بأحوال الأحياء، وقيل أيضا أن الأسوة والقدوة هما لفظان مترادفان بمعني واحد، فكل منهما يطلق على الآخر.

والقدوة المقصودة في هذا السياق إنما هي القدوة الطيبة الحسنة، التى هي في مجال العلم والهدى، والنقاء والتقى، والعفاف والغنى، والبر والخير، وعموم المنافع والمصالح، وهي قدوة نابعة من خلق عظيم وعمل كريم في دنيا الناس، وهي تعم الرجال والنساء على حد سواء، وهي نوع قَسَم من الأخلاق معلوم، لكل عبد من عباد الله حظه المقسوم منها، قال - صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ اللهَ قسَم بينكم أخلاقَكم، كما قسَم بينكم أرزاقَكم، وإنَّ اللهَ - عز وجل - يُعطي الدُّنيا مَن يُحِبُّ ومَن لا يُحِبُّ، ولا يُعطي الدِّينَ إلَّا لمَن أحَبَّ، فمَن أعطاه اللهُ الدِّينَ فقد أحَبَّهُ، والذي نفسي بيدِهِ، لا يُسلِمُ عبدٌ حتى يَسْلَمَ قلبُهُ ولسانُهُ، ولا يُؤمِنُ حتى يأمَنَ جارُهُ بوائقَهُ، قالوا: وما بوائقُهُ يانبي الله؟ قال: غَشْمُهُ وظُلْمُهُ، ولا يَكسِبُ عبدٌ مالًا من حرامٍ فينفقَ منه، فيباركَ له فيه، ولا يتصدقُ به فيقبلَ منهُ، ولا يترُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إلَّا كان زادَهُ إلى النارِ، إنَّ اللهَ - عز وجل-لا يمحو السيِّئَ بالسيِّئِ، ولكن يمحو السيِّئَ بالحسَنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ(." أخرجه أحمد في مسنده ".

هذا، وإن تعظيم ثقافة الوعي بالقدوة يعد في ذاته قيمة تعليمية تسهم في احترام النظام العام في المجتمع، وذلك تأكيدًا على أداء االمؤسسات التعليمية لرسالتها الأصيلة في احترام أهل القدوة الحسنة من الناس، وتقدير دورهم الفعال في الواقع المعاش، ترسيخًا لقيم المجتمع النبيلة، وصونًا لآدابه العامة من الصغار والهوان، ومن ثم فإن المؤسسات التعليمية تحتاج إلى عمق توجه نحو تنمية نفوس المعنيين بالعملية التعليمية، لتحصيل مصادر القدوة الحسنة وتذكية أهلها ونشر قيمها بين الناس، توقيرًا لأصحابها، وإذكاءً لقلوب المستهدفين بثقافة الوعي بالقدوة، لذا، نرى أن من يتجاوز في حق صاحب القدوة يجب أن يكون محلًا للمحاسبة والمساءلة، فالتجاوز مع أهل القدوة يعد في ذاته إهانة للعلم، ونيلًا وتنقيصًا من وقار وهيبة العلماء، فضلا عن كونه تعديًا على قيم المجتمع المعتبرة، وقديمًا قالوا: " ليس الفقير من فَقَدَ الذهب إنما الفقير من فقد الأخلاق والأدب "، فالأدب ركن أساس في صلاح الأمر كله، فصلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقَوِّم النفس بالأخلاق تَسْتَقِم، يقول سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه-:

كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَبًا يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ

فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ بِــلا لـِــسانٍ لَـــهُ وَلـا أَدَبِ

فما جلس القدوة - رجلا كان أو إمرأة- إلا والتف الناس حوله، وتكاثرت الوفود عليه، لتأنس بالجلوس معه، والتحدث إليه، والنقل عنه، والإصغاء له، والاستفادة منه، وإحراز علمه، والتحلي بأدبه، والانتفاع بخبرته وتمرسه وتجاربه، فضلًا عن أحداث دهره وأحوال نوائبه، والتأسي بطيب سيرته وحسن مسيرته.

وهنا يجب أن نأخذ بسلطان القانون على أيدي العابثين بآداب القدوة في المجتمع والعَادِين على أهلها، صيانة لآداب المجتمع، وحفظًا لنظامه وقِيَمه المعتبرة، ومبادئه الرئيسة وتقاليده الأصيلة، لذا، كانت القدوة قيمة تعليمية عظيمة يجب نشرها في الأوساط المعنية بالعملية التعليمة كلها، ليسهم ذلك بفاعلية في صيانة الآداب العامة في المجتمع، فضلًا عن خلق بيئة تعليمية صحيحة وسليمة، تسهم في تعظيم دور المؤسسات التعليمية في أداء رسالتها الأصيلة، تذكية لقيم المجتمع الرئيسة فى أمر الدَّين والدنيا معًا، فعظمة الإنسان في علمه وأمنه، ورقيه في تحضره وخُلقه، إعمالًا لقول أهل العلم بأن مقاصد الحق من الخلق مجموعة في الدِّين والدنيا معًا، فلا نظام للدِّين إلا بنظام الدنيا، ولا استقامة لأمر الدِّين إلا باستقامة أمر الدنيا.. .فتأمل!؟.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: تعليم الأزهرية وكيل قطاع المعاهد

إقرأ أيضاً:

نائب:تعديل قانون الانتخابات لن يكون سهلاً

آخر تحديث: 16 نونبر 2024 - 11:07 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- علق النائب المستقل كاظم الفياض، السبت، حول مساعي بعض الأطراف السياسية لتعديل قانون انتخابات مجلس النواب خلال المرحلة المقبلة.وقال الفياض،في حديث صحفي، إن “تعديل قانون الانتخابات النيابية، لغاية الآن لم يطرح بشكل رسمي داخل أروقة البرلمان، لكن هناك اطراف سياسية تريد تعديل القانون، وهذا الأمر عليه خلاف سياسي كبير، فهناك أطراف تريد الإبقاء على الدوائر المفتوحة وأخرى تسعى للذهاب نحو الدائرة المغلقة لكل محافظة”.وأضاف، أن “تعديل هذا القانون لن يكون سهلاً، لوجود انقسام سياسي بين كبار الكتل على شكل القانون الجديد، ومن المؤكد أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولهذا القانون مؤجل حالياً لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها”.ومع اقتراب كل دورة انتخابية جديدة، تشهد العملية الديمقراطية التي يعيشها العراقيون منذ 2003 كثيراً من الجدل السياسي والشعبي، لتتفجر الأزمات والخلافات السياسية بين القوى المسيطرة على النظام السياسي.ومع طرح إجراء انتخابات جديدة من المرجح أن تكون نهاية عام 2025 أو بداية العام الذي يليه، تكثر التحركات خلف الكواليس ويتوالى الحديث عن آلية وشكل قانون الانتخابات المقبل.وتمكن مجلس النواب نهاية آذار الماضي من تمرير تعديلات مثيرة للجدل على قانون الانتخابات، بعد مناقشتها في أكثر من جلسة خلال الأسابيع الماضية.وصوت خلال جلسته التي عقدت في الـ27 من آذار بحضور 218 نائبا على قانون “التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018”.وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.ووفقا لمتتبعين، فقد استفادت الأحزاب الناشئة والمرشحون المستقلون من قانون الدوائر المتعددة، الذي يمنح المرشح فوزه المباشر من خلال أعداد المصوتين له، لكن نظام الدائرة الواحدة يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة.في المقابل يرى مراقبون للشأن السياسي، أن التعديلات الأخيرة تعزز هيمنة الأحزاب التقليدية على حساب القوى الناشئة.

مقالات مشابهة

  • «بينالي أبوظبي».. إبداع وثقافة
  • وزير التعليم خلال منتدى مسك العالمي 2024م: منظومة القيم هي أساس النجاح
  • وزير التعليم : منظومة القيم هي أساس النجاح
  • وزارة العمل تنظم ندوة "سلامتك تهمنا" في قطاع التعليم بشمال سيناء
  • “زين” تُسهم بتعزيز الوعي المُجتمعي في اليوم العالمي للسُكّري
  • "الكويت الدولي" يستعرض أهمية الكتاب في تعزيز ثقافة المجتمع
  • وكيل التعليم بالقاهرة تتفقد سير العملية التعليمية بمدرسة التونسي الإعدادية
  • تلفزيون سلطنة عمان.. وقصة طويلة لبناء الوعي
  • سعود بن صقر: المبادرات الخيرية تعكس القيم الأصيلة لأبناء الإمارات
  • نائب:تعديل قانون الانتخابات لن يكون سهلاً