قدماء المصريين ضد توريث الوظائف
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
اعتبر المصرى القديم العلم مقياسا لحضارته وتطوره بين الشعوب، لذلك عكف على تعليم الصغار واهتم بتنوير عقولهم بالمواد المتوفرة وقتها من تعاليم «خيتى» لابنه «بيبى سنة 6300 قبل الميلاد، «لا شىء يعلو على الكتب، الإنسان الذى يسير وراء غيره لا يصيب نجاحا، ليتنى أجعلك تحب الكتب، لا توجد مهنة من غير رئيس لها إلا مهنة الكاتب هو رئيس نفسه».
اقتصر التعليم فى البداية على تعليم الصغار فى القصور الملكية، وبيوت النبلاء، ثم توسع المصرى القديم فى إنشاء المدارس ثم الإدارات التعليمية المختصة، بتعليم التجارة والإدارة التى كان يطلق عليها «مهنة» إضافة إلى مدارس ملحقة بالجيش لتعليم العلوم العسكرية وفنون القتال، ومدارس تابعة للمعابد لتعليم العلوم الدينية.
أطلق المصريون القدماء على المدرسة باللغة الهيروغليفية لفظ «بر-عنخ» وتعنى «بيت الحياة» وأحيانا يطلق عليها لفظ «عت سبا» وتعنى مكان العلم، كما أطلقوا على المدرسة لفظ «سباو» وتعنى «النجم» أو «المرشد» أو «الهادى».
اختلفت المناهج التعليمية تبعا للمرحلة الدراسية، ففى المرحلة الأولى يتعلم التلميذ اللغة وقواعدها وطرق كتابتها، ثم يبدأ فى مرحلة لاحقة ممارستها عن طريق نسخ الكتب للتدريب على الكتاب وتعليم بعض المعلومات الجغرافية والتاريخية البسيطة.
كانت المدرسة تدعى عنهم «بيوت النظام»، ولها قوانين شديدة حتى ورد ورقة بردية «حذار حذار من الكسل أيها الطالب لئلا تضرب بالعصا ضربا أليما»، وكانت للمدارس لجان تؤلف كل سنة للامتحانات العمومية، والفراعنة أنفسهم هم الذين ينتخبون الأكفاء من الناجحين ليقلدوهم المناسب العالية.
وكانت الكفاءة وحدها هى التى تؤهل المرء للوظائف على اختلاف أنواعها فلم تكن الوظائف عندهم وراثية.
وقد ورد فى أمثال «آنى»: «لا يجوز أن يعين الابن بدلا من أبيه، وكيلا لخزانة بيت الملك، ولا أمينا ولأختام بيت فرعون ولا يورث الكاتب الماهر وظيفته لأولاده فيحب عليهم أن يكتسبوا المعالى بكدهم وينالوا المجد بجدهم واجتهادهم.
لم يضع المصريون القدماء إلها للمدرسة بل وضعوا إلها للكتابة والمعرفة هو الإله «تحوت» الذى رمز له بالطائر «أبومنجل» وبالحيوان «القرد» و«تحوت» هو إله العلم و السحر ومبتدع اللغة ومحكمة دورة الزمن والتقويم وصانع القوانين والأعداد والحساب وهو راعى الكتابة وطلبة المعرفة.
لم يعد غرض التعليم عند قدماء المصريين هو محو الأمية عن الناس، بل كانت غايته الأساسية دينية «لتهيئة كهنة جدد» ودنيوية «لتهيئة موظفين جدد» فكان الطفل يذهب إلى المدرسة وهو فى حوالى العاشرة من عمره ثم يتدرج فى مراحل التعليم.
كان التلاميذ يستخدمون ألوان «الارتواز» الخشبية للكتابة بالبوص أو الأحجار أو على أوراق البردى، حيث يقوم المعلم بتصحيح الأخطاء ليتعلمها التلميذ بالمداد الأحمر، ويقوم بإعادة كتابة الأخطاء يتعلمها التلميذ العادى الذى غالبا ما يكتب بالمداد الأسود.
ودونت إحدى البرديات ملاحظة كتبها معلم لتلميذه وجاء بها «لقد بلغنى أنك أهملت دراستك وأنك تتسكع فى الطريق، إن مثلك مثل المجداف المحطم، انظر إلىّ عندما كنت صبيا مثلكم لقد مكثت فى المعبد ثلاثة شهور لا أخرج منه، وعندما خرجت تفوقت على زملائى فى العلم فافعل ما قلت لك.
كان التعليم فى البيت أكثر أنواع التعليم شيوعا لدى قدماء المصريين، وكان تعليم الآباء لأبنائهم من الوصايا الدائمة، إذا كانت الرسائل التهذيبية التى تضمنها أدب الحكمة المصري قبل آلاف السنين تحث الاباء على تعليم أبنائهم، وكان الصناع والموظفون يرسلون أولادهم أيضا إلى مدارس ليتعلموا على يد أساتذة، وكان النبلاء يرسلون أبناءهم للتعليم فى فصول مع أبناء الملوك. وكان النظام التعليمى بشكل عام يتضمن دراسة نصوص تهذيبية تحثهم على الالتزام بالفضيلة والآداب العامة. كما اعتبر المعلمون فى مصر القديمة أن التعليم والمعرفة مرتبطان بالفضيلة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المناهج التعليمية
إقرأ أيضاً:
ما موقف الإسلام من دراسة الساينس (العلم التجريبي)؟.. علي جمعة يوضح
ما موقف الإسلام من دراسة الساينس (العلم التجريبي)؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر الأسبق، وقال إننا نؤمن بالساينس (العلم التجريبي) كأداة لفهم عالم الأشياء.
وأشار إلى أننا حين نريد الدخول في عالم الأشياء، نستخدم الساينس كأداة فاعلة، فالعلم التجريبي اختلف حاله من زمن إلى آخر، خاصة بعد اختراع الميكروسكوب والتلسكوب.
ونوه خلال تصريح له أن التلسكوب يمكننا من إدراك الأجرام السماوية البعيدة، بينما يمكننا الميكروسكوب من رؤية الدقائق التي لا تراها العين المجردة.
وأشار إلى أن العلماء مثل الدكتور أحمد زويل، رحمه الله، وفريقه، قدموا العديد من الاكتشافات التي سمحت لنا بدراسة العمليات التفاعلية الكيميائية أثناء حدوثها، من خلال الفيمتوثانية، وهي وحدة زمنية صغيرة جدًا يمكن من خلالها تصوير العمليات الكيميائية.
وبين أنه من خلال هذه الأدوات يمكننا فهم كيفية تطور الخلايا، مثلما يحدث في حالة السرطان، كما أن هذا العلم يقدم لنا أفضل السبل لفهم التفاعل الكيميائي الذي كان غير مدرك لنا في السابق.
وأوضح أننا رغم هذه التقدمات العلمية، لم نتمكن بعد من رؤية الذرة من داخلها بشكل مباشر، حيث إنها تظل في إطار البحث على الورق، ويعتقد العلماء أن الذرة تحتوي على نواة وإلكترونات، لكننا لم نتمكن من رؤية حقيقية لهذه الإلكترونات بعد، ورغم ذلك، نحن نؤمن بهذا العلم لأن الكون الذي نتعامل معه هو من خلق الله سبحانه وتعالى.
وشدد على أهمية وضع العلم في مكانه الصحيح، حيث ان "البارادايم" أو "النموذج المعرفي" الذي نستخدمه يمكن أن يساعدنا في إعادة الثقة في علومنا.
وذكر اننا عندما نتحدث عن العلوم الاجتماعية والإنسانية، يرى البعض أنها ليست علومًا وإنما مجرد نظريات، ثم قسموا العلوم إلى قسمين: قسم يتطلب التجريب والحس والاستنتاج ويسمى "الساينس"، وقسم آخر يُسمى "الفن"، مثل علم الاجتماع وعلم النفس، حيث يقال إن هناك جانبًا علميًا وجانبًا فنيًا في هذه العلوم، ويتعلق الفن بالمهارات بينما العلم يتعلق بالمعلومات.
وأكد أن العلم، في جميع مجالاته، يجب أن يكون في موضعه الصحيح، وأنه يجب أن نؤمن بأن العلم التجريبي جزء من الكون الذي خلقه الله، وبالتالي لا يجب أن نفصل بين العلم والإيمان بل نراهما معًا لتحقيق الفهم الصحيح والتقدم.