بوابة الوفد:
2024-09-19@02:42:54 GMT

وداعًا بونابرت

تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT

تبرر الحجج السقيمة جريمة السطو المسلح على مقدرات الشعوب المقهورة إلى جشع المستعمرين الأوغاد، ولكن حقيقة الأمر هى ثقافة متجذرة تسرى فى عروق الرجل الأبيض تنضح كراهية وعنصرية حتى لم يسلم منها صاحب «البؤساء» فيكتور هوجو، الذى كان يحرض مواطنيه على احتلال أفريقيا ويشجعهم على ذلك فى خطب حماسية. 

«هيا أيها الناس، استولوا على هذه الأرض، لمن تعود ملكيتها؟ إنها ليست ملكًا لأحد، اذهبوا واحصلوا عليها لأجل الرب، فهو الذى وهب أفريقيا إلى الأوروبيين»

بدأت قصة الاستعمار الفرنسى عقب إنشاء شركة الهند الشرقية 1664 التى توسع نشاطها المشبوه فى مناطق مترامية الأطراف من المعمورة قرابة 11.

5 مليون كيلو متر مربع استباحت الإمبراطورية الغابرة عذرية القارة البكر من جبال الأطلس شمالًا مرورًا بأدغال ساحل الذهب غربًا، حتى جزر مدغشقر جنوبًا. 

تلون الاستعمار مثل الحرباء فى أنماط وصور متعددة كالحكم المباشر الخشن لترويض قبائل بدائية متخلفة عن الركب الحضارى، ثم صناعة نخبة مستأنسه تدين لها بالولاء تسخرها فى تسيير دولاب العمل النظامى ثم جرى فى النهر ماء كثير حتى جاءت موجة عاتية تحمل آمال التحرر الوطنى فخرج المارد من القمقم وتمرد على العبودية الجائرة فخشى سحرة الإليزيه من مغبة الصدام العنيف، فقرروا بخبث منحهم الاستقلال الشكلى طوعًا حتى تبقى على روابطها الوثيقة ونفوذها التاريخى، ولا ينازعها فيها أحد، فظلت هذه الدول المغلوبة على أمرها تدور فى فلك طغيان التأثير الثقافى والاقتصادى والأمنى لتصبح فى نهاية المطاف فرنسية الهوى.  

سردية الاستعمار الجديد معقدة للغاية؛ لذا تفتق ذهن الجنرال شارل ديجول عن صياغة معادلة جديدة تجعل من الشركات العملاقة رأس الحربة فى إبقاء الوضع على ما هو عليه دونما خسائر عسكرية، واستمرار سرقة المواد الخام النفيسة بثمن بخس، فهى تسيطر على حقول النفط فى السنغال ومناجم الذهب فى مالى وعلى معدن الكولتان من الكونغو، الذى يعتبر أساسيا فى تطوير الرقاقات الإلكترونية، وتعتمد المفاعلات النووية على  25 % من اليورانيوم القادم من النيجر. ولازالت الأرقام صادمة، فيكفى أن 80% من الثروات المعدنية الأفريقية التى تصدر  إلى كل أرجاء العالم تتم  تحت إشراف فرنسي! ولكى يكتمل الخناق والتبعية الاقتصادية تضع باريس 12 دولة أفريقية تحت مقصلة عملة الفرنك الأفريقى والتى تتحكم فى طباعته وتحديد قيمة تداوله وقوته الشرائية. وتقسمه جغرافيا فهناك فرنك خاص بدول الوسط وآخر لدول الغرب ورغم أن قيمتهما واحدة فإنها تمنع الاستعمال المتبادل بين تلك الدول بل وتلزم بنوكها المركزية بإيداع  85% من الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى الفرنسى، ولا يمكنهم التصرف فى الأموال إلا 15% فقط، وفى حالة عجز الموازنة تجبرهم على اقتراض أموال إضافية من الخزانة الفرنسية بنسب فوائد تصل إلى 20%، مع احتفاظها بحق رفض الإقراض، وبذلك تحقق الخزانة الفرنسية أرباح ما يعادل 500 مليار. 

ولكن فى الآونة الأخيرة حدثت متغيرات كثيرة جعلت قبضة باريس على مناطق نفوذها التاريخية تتهاوى لاسيما مع تفشى حمى الانقلابات العسكرية ذات الميول اليسارية متزامنة مع إرهاب الجماعات المتشددة وتمدد النفوذ الاقتصادى الصينى الناعم، وانتشار فاجنر فى مناطق حيوية. لم يعد أمام فرنسا مزيد من الحيل لكى تنقذ ما يمكن إنقاذه سوى الكروت البالية عن قدسية الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان ربما تجد آذانًا صاغية من بعض المغفلين، وما أكثرهم.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أفريقيا الاستعمار الفرنسي

إقرأ أيضاً:

جدى إخناتون!!

فى الصعيد «عندينا» يوجد إهتمامٌ كبير لدى ملايين الناس بالبحث عن جذورهم، وإثبات انتمائهم وصِلَتهم بعائلاتهم القديمة، سواءٌ اختلطت هذه العائلات بغيرها من الأصول أم لا، وهو أمر طبيعى فى الصعيد الذى يفتخر أبناؤه دائمًا بأنهم ينتمون لجذور «عَفية» مُستمسكةٌ بأصولها تمسكِ ساقُ النخلةِ بالأرض!!
بسبب هذه الفكرة المسيطرة على الأذهان، تلقيت منذ فترة إتصالًا من إبن خالي، الذى طلب منى تحضير مستندات عضوية نقابة الأشراف مثل الكثيرين من أقاربى، لتأكيد هويتى العربية وانتمائى لسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورغم خفقان قلبى لهذه الفكرة المُشرفة، إلا أننى بادرته بسؤال: وهل نحن عربٌ يا ياسر؟ قال لى: نعم جذورنا عربية! فقلت له: ولكننا ننتمى لأكثر من ألف سنةٍ لجدودٍ استوطنوا وعاشوا فى أحضان جبال إسنا بمحافظة الأقصر، أى أننا أقربُ للأصول الفرعونية، فكيف لنا أن نعرف أن أصولنا عربية ونحن الأقرب للمصريين القدماء؟ فقال لي: الجدود قالوا لنا أنهم ينتمون لقبائل عربية هاجرت إلى مصر مع الفتح الإسلامى.. فسألته مرة أخرى ومن قال للجدود هذا الكلام؟!
هنا تاهت الإجابات التى لا يمكن حسمها.. ولكنها مناقشة جعلتنى أتذكر ما قاله لى الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، عندما قابلته فى أحد اللقاءات الرسمية منذ عدة أشهرٍ، وعند مصافحته لى قال: إنت تشبه إخناتون.. إنت منين؟ فقلت له: من الأقصر..فقال لى: تمام كده!!
إذن الحقيقة غائبة.. ونحن المصريون.. وفى الصعيد بالذات.. تائهون ما بين أصولٍ مصريةٍ قديمة.. وأصولٍ عربية.. وهو مجال مهم للبحث والتنقيب.
منذ سبع سنوات نشرت دورية «اتصالات الطبيعة» الصادرة عن مجلة «الطبيعة» وهى مجلة علمية بريطانية شهيرة، أن معظم سكان مصر الحاليين أفارقة الأصل بعكس سكان مصر القدماء الذين ينتمون بالجذور لبلاد الشام وتركيا وعدد من بلاد الشرق الأوسط!! وطبعًا معروف الغرض من هذا التوصيف الذى يحاول إنكار علاقة المصريين القدماء بالحضارة المصرية!!
خبير الآثار المصرى عبدالرحيم ريحان علق على التقرير فور صدوره مؤكدًا أن كافة المعلومات الواردة فى الدراسة غير صحيحة، وأن المصريين أصولهم مصرية قديمة وليست شامية أو إفريقية.. وقال إن الدراسة التى تزعم القيام بتحليل كامل لجينوم سكان مصر القدماء اعتمدت على تحليل الحمض النووى لتسعين مومياء عاش أصحابها من سنة 1400 قبل الميلاد وحتى عام 400 بعد الميلاد، وهى مومياوات ناتجة من أعمال حفائر فى منطقة واحدة تسمى أبو صير التابعة لمركز الواسطى فى بنى سويف، والنتائج هى مجرد محاولة التفاف، لإثبات أن قدماء المصريين جاءوا من مناطق سكنها العبرانيون وبنو إسرائيل قبل قدومهم إلى مصر!!
عمومًا، أنا لست مع الجذور«الحاسمة» للمصريين.. لأن مصر دولة غارقة فى عمق التاريخ، ومرت بها أصول متعددة، واختلطت بها أعراق هاجرت إليها عبر الزمن إما للغزو أو بحثًا عن الحياة، وإن كنت أظن أن هذا الإختلاط العرقى كان بنسب مختلفة فى شمال مصر عن جنوبها، فاقتراب الدلتا من البحر الذى نقل أبناء شعوب أخرى إلى المحروسة ليستقروا فيها و يتزوجوا وينجبوا أجيالًا متعاقبة، يختلف عن الصعيد الذى أكثر انغلاقًا على الغريب القادم إليه سواء كان مُهاجرًا أو غازيًا!!
ولذلك فإننى أميل لرأى المفكر الجغرافى الكبير جمال حمدان الذى يؤكد فى كتابه«شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان» على استمرارية الشخصية المصرية منذ الفراعنة وحتى الآن، بما فى ذلك عشرات الملامح الاجتماعية والثقافية والألفاظ والأدوات القديمة التى لا تزال مستخدمة فى مصر الحديثة، والاستمرارية المقصودة هى نوع من التراكم الذى يشبه ورق البردى الفرعونى الذى كتب عليه الإنجيل والقرآن، ولا تزال الكتابة المصرية القديمة منقوشة على المعابد الفرعونية أيضأً.. ولذلك فإن الاستمرارية المصرية تراكمية وتراكبية ومعتدلة، ولهذا يصف أصل المصرى بوصف عبقرى وهو أن «الجد فرعونى والأب عربى» ولذلك يوجد تداخل فى الشخصية المصرية بين الانتماءات العربية والإسلامية والقبطية والفرعونية.. وهذا هو سر عبقريتها.
قد تسألنى: ما رأيك فى النهاية؟ سأقول لك.. أنا شخصيًا.. مهتم جدًا بما قاله لى الدكتور مصطفى وزيرى حول تشابه ملامحى مع «إخناتون» وسوف أبدأ من الآن البحث عن تراث «جدى» الملك الفرعونى العظيم!!

مقالات مشابهة

  • ((قبلة وداع)) من أحمد حسن الزعبي
  • تبدأ من 400 جنيه.. أسعار التذاكر وموعد حفل تامر عاشور في الرحاب
  • 25 أكتوبر.. حفل تامر عاشور في فاميلي بارك الرحاب
  • ليلة شتوية لـ تامر عاشور والمكان مفاجأة
  • جدى إخناتون!!
  • وداعًا أحمد قاعود.. تحدى المستحيل بريشته وخاض معركة الوعى بشخصياته الشهيرة
  • الزادمة: في ذكرى استشهاد عمر المختار.. دعوة لحماية وحدة ليبيا وسيادتها
  • 30 مليون ريال أذون خزانة حكومية
  • انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي
  • من بينهم إيمان أبو طالب ولميس الحديدي.. إعلاميون وسياسيون وفنانون في حفل وداع متحدث الخارجية