تبرر الحجج السقيمة جريمة السطو المسلح على مقدرات الشعوب المقهورة إلى جشع المستعمرين الأوغاد، ولكن حقيقة الأمر هى ثقافة متجذرة تسرى فى عروق الرجل الأبيض تنضح كراهية وعنصرية حتى لم يسلم منها صاحب «البؤساء» فيكتور هوجو، الذى كان يحرض مواطنيه على احتلال أفريقيا ويشجعهم على ذلك فى خطب حماسية.
«هيا أيها الناس، استولوا على هذه الأرض، لمن تعود ملكيتها؟ إنها ليست ملكًا لأحد، اذهبوا واحصلوا عليها لأجل الرب، فهو الذى وهب أفريقيا إلى الأوروبيين»
بدأت قصة الاستعمار الفرنسى عقب إنشاء شركة الهند الشرقية 1664 التى توسع نشاطها المشبوه فى مناطق مترامية الأطراف من المعمورة قرابة 11.
تلون الاستعمار مثل الحرباء فى أنماط وصور متعددة كالحكم المباشر الخشن لترويض قبائل بدائية متخلفة عن الركب الحضارى، ثم صناعة نخبة مستأنسه تدين لها بالولاء تسخرها فى تسيير دولاب العمل النظامى ثم جرى فى النهر ماء كثير حتى جاءت موجة عاتية تحمل آمال التحرر الوطنى فخرج المارد من القمقم وتمرد على العبودية الجائرة فخشى سحرة الإليزيه من مغبة الصدام العنيف، فقرروا بخبث منحهم الاستقلال الشكلى طوعًا حتى تبقى على روابطها الوثيقة ونفوذها التاريخى، ولا ينازعها فيها أحد، فظلت هذه الدول المغلوبة على أمرها تدور فى فلك طغيان التأثير الثقافى والاقتصادى والأمنى لتصبح فى نهاية المطاف فرنسية الهوى.
سردية الاستعمار الجديد معقدة للغاية؛ لذا تفتق ذهن الجنرال شارل ديجول عن صياغة معادلة جديدة تجعل من الشركات العملاقة رأس الحربة فى إبقاء الوضع على ما هو عليه دونما خسائر عسكرية، واستمرار سرقة المواد الخام النفيسة بثمن بخس، فهى تسيطر على حقول النفط فى السنغال ومناجم الذهب فى مالى وعلى معدن الكولتان من الكونغو، الذى يعتبر أساسيا فى تطوير الرقاقات الإلكترونية، وتعتمد المفاعلات النووية على 25 % من اليورانيوم القادم من النيجر. ولازالت الأرقام صادمة، فيكفى أن 80% من الثروات المعدنية الأفريقية التى تصدر إلى كل أرجاء العالم تتم تحت إشراف فرنسي! ولكى يكتمل الخناق والتبعية الاقتصادية تضع باريس 12 دولة أفريقية تحت مقصلة عملة الفرنك الأفريقى والتى تتحكم فى طباعته وتحديد قيمة تداوله وقوته الشرائية. وتقسمه جغرافيا فهناك فرنك خاص بدول الوسط وآخر لدول الغرب ورغم أن قيمتهما واحدة فإنها تمنع الاستعمال المتبادل بين تلك الدول بل وتلزم بنوكها المركزية بإيداع 85% من الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى الفرنسى، ولا يمكنهم التصرف فى الأموال إلا 15% فقط، وفى حالة عجز الموازنة تجبرهم على اقتراض أموال إضافية من الخزانة الفرنسية بنسب فوائد تصل إلى 20%، مع احتفاظها بحق رفض الإقراض، وبذلك تحقق الخزانة الفرنسية أرباح ما يعادل 500 مليار.
ولكن فى الآونة الأخيرة حدثت متغيرات كثيرة جعلت قبضة باريس على مناطق نفوذها التاريخية تتهاوى لاسيما مع تفشى حمى الانقلابات العسكرية ذات الميول اليسارية متزامنة مع إرهاب الجماعات المتشددة وتمدد النفوذ الاقتصادى الصينى الناعم، وانتشار فاجنر فى مناطق حيوية. لم يعد أمام فرنسا مزيد من الحيل لكى تنقذ ما يمكن إنقاذه سوى الكروت البالية عن قدسية الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان ربما تجد آذانًا صاغية من بعض المغفلين، وما أكثرهم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أفريقيا الاستعمار الفرنسي
إقرأ أيضاً:
وداع السنين
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
تمضي السنوات متتابعة؛ سنة تُقبل وسنة تمضي، بكل خيرٍ كان فيها، وكل شرٍ مرَّ بها، ونحن نمضي مع تلك السنوات، حاملين أحلامنا وأماني العمر.. ماضون نحو طريق المستقبل مُيمِّمُون وجوهنا صوب الأمل القادم، الذي نهفو لتحقيقه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام؛ لنحتفي في نهاية المطاف ببلوغ الهدف المنشود الذي كان من أولويات الحياة.
نمضي قدمًا مُشمِّرين عن ساعد الجِد، تحفنا عناية المولى سبحانه وتعالى، تضيق بنا الدروب، ونتعثر أحيانًا، لكننا سرعان ما نتابع المسير؛ فالحياة تسير دون توقف، وفي عجلة متناهية السرعة رغم أنه هناك أحداث كبيرة وكثيرة تدور في المدى.
أقبل العام الجديد
وأنت نفس العام فيني
لا جديد
إلا أن الحلم أكبر
إلا أن البوح أكثر
إلا أن
إلا أن
إلا أن الآه صارت
في متاهات الدروب
ومانسيتك
عشت فيني حلم
وسطوع وغروب
وعشت مني آه
وأحزان وحروب
وعشت لجلك
رغم أن العام فات
في رفوف الذكريات
بات بات
طير مكسور الجناح
أكبر أحلامه يحقق
أن يظفر بالنجاح
ولا صباح
ولا رحيل
يسهر الليل الطويل
ويحتفل بالنصر
بالخذلان
بالكتمان
بأحزانه..
هكذا تُتمتِم بصوتٍ واحدٍ يُشبه الصرخة التي كانت قد سمعها الطاقم الطبي وقت ولادتك وخروجك للدنيا، وتشبه بكاء أهلك عند رحيلك من هذه الحياة، لكنها سويعات وكل شيء يعود لطبيعته؛ فتمضي السنوات ونمضي فيها، والحكاية لها علاقة بالحياة والموت، والجنة والنار، والصلاة وتاركها، والمحتشم والعاري، والخلوق والصادق والغشاش والكذاب، إنها علاقة مترابطة ببعضها البعض تتداخل خيوطها ببعض كثيرًا.
من جانب آخر، وبينما نحن نُودِّع عامًا فائتًا ونستقبل عامًا مُقبلًا بحلوه ومُره بكافة مجرياته وأحداثه، علينا أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، وألّا نُعيد أخطاءنا ونحاول قدر الإمكان تجاوُز كافة المُنغِّصات التي قد تواجهنا؛ لكي نعيش حياةً كريمة، وأن نواصل العمل في جميع الجوانب التي نريدها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، ونهفو بتطلع نحو مستقبل واعد ومُشرق، وأن نساهم في بناء مجتمع متكامل قادر على تحقيق الأهداف المرجوة من كل النواحي المادية والمعنوية والاقتصادية، وأن نعمل على مواصلة مسيرة التطور والازدهار وتحقيق السلام والاستقرار والعيش الكريم وتجاوز العقبات والمتغيرات والتعايش مع الواقع الراهن الذي نعيشه الآن كما هو مطلوب منا.
اليوم.. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على رسم خارطة الطريق التي نمضي قدما بها ونحن نعمل على تحقيقها بشكل كامل وبتحديات مختلفة. وعلينا أن ننتمي الى بلدنا الحبيب، وأن لا نُنكر أننا نعيش في بلد يتمنّى الكثيرون أن يعيشوا فيه، كما إن هناك الكثير من الناس لا يستطيعون العيش بسلام في بلادهم ولا النوم ولا الأكل ولا خلق حياة جديدة، هناك أُناس يموتون كل يوم جوعًا وتشردًا وحربًا ووجعًا، نسأل الله لهم العافية.
وفي نهاية المطاف، علينا أن نحمد الله تعالى على كل النعم، ونعلم أن الأرزاق بيد الله سبحانه، ولو تأخَّر عليك رزق أو ضاقت بك الدنيا؛ فاعلم أنه خير.. ورَبُ الخير لا يأتي إلّا بالخير والبركة.
نحن وُلِدنا طيبين أما أولئك الذين يحبون أنفسهم فقط ويسعون لتدمير الآخرين، فعلينا دومًا تجاوزهم بالنجاح وبتحقيق الذات والعمل الصالح، فيومًا ما ستُرفع أعمال سنواتنا كلها، ولن نستطيع العودة لمحو ما كان في القلوب!