عقوبات أميركية ضد الدعم السريع وقرار بحلها.. هل تنهي الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
الخرطوم- ينظر مراقبون إلى العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على قيادات في قوات الدعم السريع باعتبارها "عصا غليظة" في وجه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ورسالة مبطنة إلى قيادات الجيش لتحريك جمود المفاوضات بين طرفي القتال.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس الأربعاء فرض عقوبات على كل من عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع وقائد القوات في ولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في السودان، والتي توشك أن تنهي شهرها الخامس.
ويأتي القرار الأميركي الجديد امتدادا لفرض واشنطن في مطلع يونيو/حزيران الماضي عقوبات على 4 شركات تابعة للجيش السوداني والدعم السريع اتهمتها بإذكاء الصراع في السودان.
وشملت الشركات الأربع المشمولة بالعقوبات شركتي "الجنيد للأنشطة المتعددة" و"تراديف للتجارة العامة" المرتبطتين بقوات الدعم السريع، وشركتي "منظومة الصناعة الدفاعية" و"سودان ماستر تكنولوجي" المرتبطتين بالجيش.
تحرك البرهانوغير بعيد عن العقوبات الأميركية على دقلو وجمعة أصدر عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش أمس الأربعاء مرسومين دستوريين قضى الأول بحل قوات الدعم السريع، والآخر بإلغاء قانونها للعام 2017 والمعدل في 2019، والذي منحها استقلالية أكبر عن الجيش، بسبب إلغاء مادة في القانون تنص على خضوعها للقوات المسلحة.
وأوضح مجلس السيادة في بيان أن القرار يأتي استنادا إلى تداعيات تمرد هذه القوات على الدولة، والانتهاكات الجسيمة التي مارستها ضد المواطنين، والتخريب المتعمد للبنى التحتية بالبلاد، فضلا عن مخالفتها أهداف ومهام ومبادئ إنشائها الواردة في قانونها، بحسب البيان.
ويرى الخبير القانوني عبد الله السناري أن قرار البرهان حل قوات الدعم السريع يحمل صفة دستورية لأن إلغاء القانون يتم من سلطة الجهاز التشريعي، وحسب الوثيقة الدستورية فإن الجهة المخولة بذلك هي مجلس السيادة ومجلس الوزراء مجتمعين، ويمكن لرئيس المجلس إصدار مرسوم دستوري في غيابهما وعرضه خلال عام على الجهاز التشريعي المؤقت أو الأصيل في حال إنشائه لإقراره، وفي حال لم يحدث ذلك يعتبر المرسوم لاغيا.
عبد الرحمن جمعة قائد قوات الدعم السريع في ولاية غرب دارفور (مواقع التواصل)ويوضح السناري للجزيرة نت أن قرار حل قوات الدعم السريع ينزع عنها الصبغة الدستورية والقانونية والصفة الاعتبارية، مما يدفع لنقل كل ممتلكاتها وأصولها الثابتة والمتحركة ومشروعاتها إلى الدولة.
كما يؤدي القرار -بحسب الخبير القانوني- إلى إلغاء الحصانات الجنائية والإجرائية والموضوعية عن كل المنتسبين لقوات الدعم السريع، مما يتيح ملاحقتهم قضائيا، سواء داخل البلاد أو خارجها، كما يزيل صفة التمرد عن القوات ويتيح توصيف حمل السلاح ضد الدولة إرهابا، وبالتالي تصنيفها منظمة إرهابية.
وعن أثر حل قوات الدعم السريع على المفاوضات معها، يرى السناري أن قوات الدعم السريع لم تعد كيانا قانونيا، لكن التفاوض مع قيادتها بشأن الترتيبات الأمنية لا يعني اعترافا قانونيا كما حدث مع الحركات المسلحة في إقليم دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق التي جرت معها مفاوضات توصلت إلى اتفاق سلام، فالحكومة لم تكن تعترف بها باعتبارها كيانات قانونية، ولفت إلى أن قرار الحل صار ورقة في يد البرهان يمكن استخدامها.
ويعتقد الخبير القانوني أن تزامن قرار رئيس مجلس السيادة مع العقوبات الأميركية لم يكن صدفة، وإنما أراد البرهان عدم تعرض ممتلكات وأموال وأصول قوات الدعم السريع التي ستؤول إلى الدولة للتجميد والحجز أو أي آثار مترتبة على العقوبات.
مستقبل "الدعم السريع"
من جهته، يرى المحلل السياسي عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار أن العقوبات الأميركية على نائب حميدتي تمتد لتشمل البنية الاقتصادية للقوات، مما يحجّم قدرتها على التسليح ونفقات الضباط والجنود وجلب مقاتلين من غرب أفريقيا.
ويقول ميرغني للجزيرة نت إن الأثر الأكبر للقرار هو إشهار عدم الاعتراف بقوات الدعم السريع وتجريم التعامل معها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مما يقطع التفاوض بشأن مستقبلها في السياقات الثلاثة.
ويعتبر ميرغني أن العقوبات الأميركية رسالة واضحة لطرفي الصراع في السودان، لكن آلية العقوبات تكمن في أنها تصدر عن وزارة الخزانة ثم ترسل إلى وزارة الخارجية لتقدير الظرف السياسي قبل إعلانها.
ويضيف أن استخدام سلاح العقوبات الأميركية سيكون له تأثير مباشر وقوي على منبر جدة للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع، وتوقع إما استمرارها بوتيرة أسرع أو وقفها وطرح خريطة طريق دولية وإقليمية على طرفي القتال تشمل مواقيت زمنية لإجراءات تؤدي إلى إنهاء الحرب تدريجيا.
ولم تصدر قوات الدعم السريع موقفا رسميا بشأن حلها أو فرض عقوبات أميركية على نائب قائدها، وقال مسؤول في المكتب الإعلامي لقائد الدعم السريع للجزيرة نت إن موقفا سيصدر عبر بيان في هذا الشأن بعد دراسة الأمر من جوانبه كافة.
ويقول مصطفى محمد إبراهيم مستشار قائد قوات الدعم السريع إن البرهان لا يملك سلطة دستورية لحل القوات التي صدر قانونها عن البرلمان في عام 2017، ويؤكد أن القرار لا يعنيهم في شيء واعتبره "حبرا على ورق" لا يؤثر على الأوضاع القانونية والسياسية والعسكرية والعلاقات الخارجية لقواتهم.
ويرى إبراهيم أن القرار لن يؤثر على الروح المعنوية لقواتهم، بل سيزيدها تماسكا لمواصلة القتال حتى تحقق أهدافها.
وبشأن العقوبات الأميركية على نائب قائد الدعم السريع اعتبر إبراهيم القرار الأميركي غير منصف، مؤكدا أن قواتهم لم ترتكب أي انتهاكات، وأن من أجرم في حق الشعب هو قائد الجيش الذي يتحمل مسؤولية قصف المدنيين بالطيران والمدافع، مما أدى إلى مقتل المئات في الخرطوم ودارفور.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قائد قوات الدعم السریع العقوبات الأمیرکیة مجلس السیادة فی السودان
إقرأ أيضاً:
النازيون السمر.. الدعم السريع وهولوكوست التوحش في السودان
تُحيي منظمات الأمم المتحدة والضمير العالمي، في 27 يناير من كل عام، ذكرى ضحايا الهولوكوست، وتؤكد مجددا التزامها القاطع بمكافحة معاداة السامية والعنصرية وسائر أشكال التعصب التي من شأنها إثارة العنف ضد جماعات مستهدفة، ولكنها ـ في خضم التجاهل الدولي لما يجري في السودان حالياً ـ قد تتناسي نازيين من السمر الجدد في السودان يختلفون لوناً ولكنهم يمارسون كل أنواع العنف والتوحش ويُعمِلون كل وسائل الاستبداد والتوسع الإجرامي المحمي دون عقاب أو رادع في مواجهة فئات كبيرة من شعب أعزل.
مثلت حروب الدعم السريع منذ أبريل 2023، تحدياً وجودياً للسودان الدولة وهددت كيانها المضطرب الذي لا يكاد يطفي نيران حرب داخلية حتى تشتعل أعواد ثقاب حرب جديدة مختلفة الدوافع والأجندات.
جاءت حروب الدعم السريع مختلفة نمطاً وحيث صممت لتُخاض حرباً داخل المدن وبين السكان المدنيين الذين أتخذتهم دروعاً لحربها المقدسة متحدية كل أخلاقيات الحروب؛ حيث تتجاوز مواجهة أماكن الجيش والقوات الأمنية ـ كطرف ـ إلى الاستهداف المتعمد لكافة المواطنين في سلوكٍ لم يسبق له مثيل حتى الحرب التي دارت رحاها لعقود وتحديداً بين 1983 و2005 بين الحركة الشعبية المتمردة الرئيسية في الجنوب ـ آنذاك ـ التي كان غالبية جنودها مسيحيون ولادينيون، بمقارنتها بقوات (أي الدعم السريع) تدين بالإسلام وتدعو إلى العروبة والبحث عن الديمقراطية لكن تحت شلالات الدم والدموع والآلام والمآسي.
النازيون السمر الجد
ينظر النازيون إلى العالم أنه مقسم إلى أجناس متنافسة يناضل كل منهم من أجل البقاء والهيمنة ويعتقدون أن الخصائص الفطرية الموروثة بيولوجيا تحدد السلوك البشري، كما يذهب مذهبهم العنصري إلى أن الدم من يحدد الهوية القومية العرقية.
وتأسيساً على ذلك، تتطابق خطاب الدعم السريع معهم تجنيداً وتحشيداً وكشف عن سعي مبكر رغم دعاوي الخطاب المخادع عن الانتقال الديمقراطي لبناء دولته علي أساس إثني ضيق جداً (دولة العطاوة) وهي دعاوى تماهى معها قيادات المجتمع الأهلي التي تنتمي إلى "الجنيديين" القادمين من محطات مختلفة. وكذلك استدعي إليها، المناصرون من المهاجرين من دول الساحل والصحراء في تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطي حيث ازدهت تلك المجموعات بالانتصارات الأولى وجبال "الغنائم" المخواة غصباً من عرق جبين السودانيين وكدهم وتعبهم لعشرات السنين مما استفزّ المشاعر الإنسانية والوطنية الجريحة وطعن كريم المعتقدات والأخلاق في مقتل.
الغيتو والإفقار الممنهج
"الغيتو" هو إسم الحي اليهودي والتي أجبرت السلطات اليهود علي العيش فيه واعتبرته منطقة مغلقة خاصة بطائفة وأجبرتهم علي العيش في ظروف قاسية وفصلْهم عنصرياً ووضعهم تحت المراقبة في انتظار الحل النهائي؛ والذي هو برنامج للقتل والتدمير المنظم ورميهم في حفرة كبيرة بعد رميهم بالرصاص أو ترحيلهم عبر القطارات إلى مراكز القتل حيث يلقون حتفهم الأخير بلا وداع عبر وحدات القتل المتنقلة ويتم استدعاؤهم إلى الموقع وإجبارهم علي خلع ثيابهم وإرغامهم علي الدخول إلى الوادي وحفر مقابر جماعية فكانت مذبحة كليس التي أدت إلى هجرة كل اليهود من ألمانيا هروباً من المذابح وغيرها من الأحوال والفظائع.
كأنما كانت قوات الدعم السريع تقرأ من كتاب تاريخ ممارسات الهولوكوست وتوزعه إلى جنودها المتوحشين؛ إذ كانت تهاجم القرى وتقوم بإغلاق طرقها لعدم مغادرتها، وأن يرغم سكانها قسرياً على القيام بدفع تكاليف إدارة مناطقهم ودعم هذه القوات بالمال والشباب، إضافة إلى معاناة هائلة للسكان والعقاب الجماعي..وكأنما كانت قوات الدعم السريع تقرأ من كتاب تاريخ ممارسات الهولوكوست وتوزعه إلى جنودها المتوحشين؛ إذ كانت تهاجم القرى وتقوم بإغلاق طرقها لعدم مغادرتها، وأن يرغم سكانها قسرياً على القيام بدفع تكاليف إدارة مناطقهم ودعم هذه القوات بالمال والشباب، إضافة إلى معاناة هائلة للسكان والعقاب الجماعي: من الجوع ونقص الغذاء والرعاية الصحية وانقطاع الاتصالات وخدمات الكهرباء لفترة تجاوزت العام في جل مناطق البلاد التي تأثرت بالحرب.
إضافة إلى ذلك، وفي خضم تلك السياسات النازية، بدأت المليشيا المتمردة بإفقار القرى ونهب ممتلكات المواطنين واستهدفت الممتلكات الخاصة ودمجتها في أهدافها العسكرية وخططها الميدانية لجذب واستقطاب المقاتلين عبر الإغراء بـ "التغنيم"، أي وعدهم بالغنائم التي يحصلون عليها كحافز في حد ذاته! حيث نهبت كل شيء ووسمت أسواق المنهوبات بأسم قائدهم (أسواق دقلو) الذي يمثل وصمة عار لا مدعاة للفخر. ونتيجة لذلك، انتشرت في كل دول الساحل، كما تمددت عمليات النهب المنظم والواسع النطاق، لتطال الرأسمالية الوطنية والبنوك والمصانع والمستشفيات ومن ثم إضرام النيران فيها بعد نهبها مما جعلها أفرغ من فؤاد أم موسى!
علاوة على ذلك، لم تسلم البنى التحتية ـ التي شُيدت عبر تراكم الحقب المختلفة وبقروض لاتزال تثقل كاهل السودانيين ـ فدمرتها. هذا ما يجعل المواطنين ـ ممن كُتبت لهم النجاة من القتل والسحل الذي يمارسه جنود الدعم السريع علي امتداد رقعة سيطرتهم ـ أمام بدايات جديدة من الكد والجهد في سبيل تأمين مصادر الرزق وإعادة بناء سبل العيش، إذ حولت سياسات المليشيا الإجرامية كافة المؤسسات والأعيان المدنية إلى مدن للأشباح. فالمأساة أن الغالبية العظمى من سكانها قد أجبروا على الفرار والنزوح فنُهبت ودُمرت تلك المؤسسات والأعيان. ولم يعجز عناصر وقادة المليشيات بعد على ما يبدوـ وتندراً وسخرية ـ من العثور في هذه الأماكن المدنية علي الديمقراطية أو فوق جماجم البسطاء التي توحشت في البطش والتنكيل بهم.
الهولوكست المتوحش
فما أكثر المناصرين من القوى المدنية الذين خدعتهم لافتات الدعم السريع البراقة من قبل هذه القوات التي ولغت في أنهار من الدماء واستباحت القرى النائية الوادعة والمدن الآمنة والتنكيل بالمواطنين وطلب الفدية مقابل إطلاق سراح الرهان والمحتجزين مستهينة بالقانون الدولي غير آبهة بذلك موثقة جرائمها بنفسها كما لاتخشي العقاب أو العواقب كأنما تمتلك رخصة للقتل المجاني؛ فلجأت هذه المليشيا إلى سياسة الأرض المحروقة في محاولة لكسر عزيمة السودانيين فلطخت أياديها بمزيد من الدماء المسفوحة علي الطرقات وأطراف القرى الوادعة فارتفعت أعداد الضحايا بالآلاف ومثلهم من الجرحى والمفقودين والمختطفين والمخفيين قسرياً في مأساة إنسانية ذكرت السودانيين بحملات الدفتردار الانتقامية الذي ثار لمقتل الخديوي إسماعيل باشا وحملات خليفة المهدي عبدالله التعايشي لتأديب الرافضين لحكمه وعسفه في فترة الدولة المهدية، والتي مارستها ذات قبائل العطاوة كأنما التاريخ يعيد نفسه بعد قرن من الزمن..
ويزيد في إعادة جارحة للمآسي والتي تهدد وتنسف كل دعاوى التعايش بين المجموعات الإثنية في السودان وأسقطت هذه المليشيا كل مشروعات مناصريها السياسين من مجموعة (تقدم) والقوى المدنية التي تحالفت معها بهدف تجميل صورتها ولكنها عجزت عن ذلك رغم خطاب قائد القوت بالخطة (ب) والتي ترجمتها قواته إلى المزيد من التوحش في الإيغال في طرد كل السكان والتنكيل بهم في عقاب جماعي وعنف مفرط واستخدمت ذات وسائل النازيين في التهجير القسري للأفراد والمجتمعات والطرد والترحيل وإطلاق النار عشوائياً في مذابح جماعية باستخدام الأسلحة الثقيلة مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى إدانة هذه الجرائم والتبرؤ منها، وعبروا عن صدمتهم من الجرائم الوحشية الفظيعة في حق المدنيين.
لا تحتفظ القوات بسجلات رسمية للمعتقلين أو المخفيين قسرياً والتي يختلط في سجونها العسكريون والمدنيون والأطفال والنساء وتستخدم إدارة المحتشدات سلاح التجويع مما جعل السجون مسارح للأشباح التي مات الكثيرون منهم بمضاعفات الجوع وخرج البعض منهم هياكل عظيمة تجسد وخشية وبشاعة جرائم النازيين السمر والتي تجعل من "غولاقها" ثقباً أسود يبتلع الآلاف من الضحايا الأبرياء.وفي هذا الإطار، برز إسم عمر شارون الذي يلقب نفسه بـ "شارون" قائداً لعمليات السحل والقتل الميداني وقاهراً لرموز المجتمعات الريفية في مناطق شمال الجزيرة مؤخراً.
معسكرات وسجون الأشباح
أقام النازيون في ألمانيا معسكرات اعتقال أو (دولاج) باللغة الألمانية في جميع مناطق سيطرتهم وجرى توسيع المعسكرات لاستيعاب السجناء السياسيين ومعارضي النظام وأعدائه، حيث بلغت ٤٤٠٠ سجناً مستخدمين الاحتجاز القسري والاعتقال على أساس الهوية الإثنية أو الدينية وسميت بمحتشدات الإبادة حيث كان نزلاؤها يحشدون مع بعضهم البعض ليتوفى الآلاف منهم بالإجهاد والجوع والبرد والمرض.
بالمقارنة، فقد طابقت مواصفات معسكرات الإبادة والاعتقال معسكرات وأقبية سجون الدعم السريع، حيث تنتشر مئات مراكز الاحتجاز غير المعروفة وسياسياتها أكثر تطرفاً من النازيين، فجمع الآلاف من المدنيين والعسكريين في مراكز اعتقال وسجون بعضها مقار عسكرية وبعضها مباني حكومية وبعضها منازل في أحياء سكنية تعاني من انعدام التهوية ودرجات الرطوبة العالية وانعدام الخدمات الأساسية وافتقاد أصحاب الأمراض إلى الرعاية الطبية اللازمة، مما أدى لانتشار الأمراض بسبب ضيق المساحات وانتقلت الفيروسات بين السجناء الذين تم إخضاعهم لنظام استجواب قاسي من صعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجاير عليهم وتعليقهم من الأرجل ووجود مشانق في بعض المراكز مما أدى إلى وفيات لا حصر لها.
والأدهى من كل ذلك، لا تحتفظ القوات بسجلات رسمية للمعتقلين أو المخفيين قسرياً والتي يختلط في سجونها العسكريون والمدنيون والأطفال والنساء وتستخدم إدارة المحتشدات سلاح التجويع مما جعل السجون مسارح للأشباح التي مات الكثيرون منهم بمضاعفات الجوع وخرج البعض منهم هياكل عظيمة تجسد وخشية وبشاعة جرائم النازيين السمر والتي تجعل من "غولاقها" ثقباً أسود يبتلع الآلاف من الضحايا الأبرياء.
وفي ظل كل هذا التجاهل المتعمد والتواطؤ الفاضح، لا يزال العالم يتفرج على نازيين جدد أسميناهم هنا بالنازيين السمر، وهم يرتكبون كل يوم يمر منذ أبريل 2023، أهوالاً وفظائع ستظل محفورة في ذاكرة ضحاياهم كسلاح يرفعونه ضدهم ما داموا أحياءً أو أمواتا.