بقلم : هادي جلو مرعي ..
من صفات السارق السياسي، أو السارق الإداري إنه حين يسرق لايعود يلتفت الى من حوله، ولايعبأ بعذابات الناس وحاجاتهم.. السارق العادي بالمناسبة شخص جبان، يفر فور إتمامه مهمته القذرة حين يسطو على منزل، أو محل تجاري، أو شيء لايملكه، ويعود لغيره من الناس فيستلبه ماله، أو شيئا ثمينا لديه، ويخشى الملاحقة، لكنه بمرور الوقت يتعود السرقة، ويدمن عليها، فتتحول لديه الى مهنة حتى لو إغتنى منها، فدوام الحال الذي هو عليه يتطلب رفده بمزيد من المال، وهو لايتأتى بالضرورة بطرق صالحة بالنسبة لمن تعود أن يستجلبه بطريقة غير قانونية، ومع التعود على ذلك يصعب عليه التحول الى سلوك إيجابي وصالح، فيستمر على طريقته السيئة تلك.
السارق السياسي والإداري هما شخصان تافهان تمكنا من الوصول الى السلطة، أو المسؤولية بطريقة ما قد تكون مشروعة، لكن ليس هذا هو المهم، والمهم ماذا ستفعل بعد وصولك الى السلطة، أو حصولك على منصب؟ حيث تكون الخيارات صعبة، فمدخولك المادي معروف، ووصفك الوظيفي معروف، لكنك تمتلك الصلاحيات، وسلطة إتخاذ القرار، وستجد المتملقين والجياع والفاسدين من حولك، وقد سبقوك في الوجود في مكان المسؤولية. فإما أن ترتهن الى أخلاقك، والقانون، وشرف المسؤولية، أو ترتهن الى الشيطان الرجيم الذي سيقودك الى الى أمكنة مظلمة، ويجعلك تتصرف كما يريد، فتتشبع بالحرام، وتستغل منصبك لتحصيل المكاسب، وتتعمد مخالفة القانون، وتندمج مع المجموعة الفاسدة التي سبقت وجودك، أو الحاشية التي تأتي رفقتك، وهي تشعر بالجوع الى السلطة والمال والنفوذ ومتع الحياة، فتضغط عليك لتوفر لها ضمانات غير قانونية، أو تتصرف دون علمك، وتفعل ماتشاء وتتسلط، وتحصل على المال والمنافع، وتستغل وجودها معك لتنفذ مخططاتها الخاصة، ولحسابات خاصة منفصلة عن مصلحة البلاد وعنك، ولكن أنت من سيدفع الثمن لاحقا.
يتحدثون عن أشخاص كثر وصلوا الى السلطة والمسؤولية في مواقع عدة فإستغلوا ذلك للحصول على موارد غير مشروعة، وبطرق مختلفة غير قانونية، بينما إنفصلوا عن مجتمعهم بالكامل، وترفعوا عليه، ولم يعودوا مهتمين بشؤونه. وإذا كان ذلك طبيعيا أن يترفع من يصل الى السلطة، فهو في النهاية إنسان (تافه) مثل أي مخلوق (تافه) في هذا الكون الفسيح، ومثله كثر في بلدان الدنيا، لكن من غير المقبول أن ينفصل تماما عن مسؤولياته، ويبدأ بالتفكير بطريقة حقيرة تشبه الى حد بعيد مايفكر فيه المسؤولون العرب، وهي إن المسؤول عندنا إنما جاء وفقا لإستحقاق، وإنه أفضل من سواه، وإنه منزه عن النقائص كما هو الإله، وإن الناس عليهم أن يخضعوا له، وإن السيارات التي لديه ملك له، وإن الموظفين السفلة القلة الذين يحيطون به، ويؤمنون له وضعه (الونسوي والمالي والسكني والطعامي) هولاء مسخرون له، وإن موارد المؤسسة بين يديه يوزع الأرزاق كما يشاء، وإنه لايحق لجهة، أو مسؤول معاقبته، أو محاسبته على الأقل، فضلا عن إقالته لأن المنصب الحكومي موروث عن جده (الحافي المهتلف)، وإن الدولة بأكملها ملك يمينه، ويقرب من يشاء، ويبعد من يشاء.
موظف في مؤسسة حكومية صديق يعيش أزمة نفسية وهو يرى مسؤولا رفيعا (الله وكيلكم) فاشل ووزارته فاشلة يتنعم هو وحاشيته، ويتصرفون بطائفية، ويتنعمون بخيرات الوزارة، وحتى في سفره بالطائرة يتلقونه بسيارات الوزارة عند نزوله في مطار داخلي، ويسكنون معه بأرقى فندق وعلى حساب الجهة المنظمة للمؤتمر، وحين يعودون يذهبون الى الحسابات، ويقبضون مبلغ الإيفاد مع إن كامل التكاليف مؤمنة من الجهة الراعية، وبالمناسبة فإن مانسبته 99 % من سفريات رسمية ومؤتمرات خارجية تنفق عليها الدولة هي في الحقيقة ( خريط في خريط) ولافائدة من ورائها سوى تحقيق (منافع وونسة ومسواك وفلوس إيفاد) بينما العراق كأنه (خرابة) بفضل من نسميهم سراق العراق.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الى السلطة
إقرأ أيضاً:
المعارضة وأخواتها في التقاليد السياسية العربية
د. عبدالله الأشعل **
شاع بين العامة أن الذي لا يُنافق الحاكم مُعارض، وهذه المقالة هدفها شرح فكرة المعارضة وما التبس بها من مصطلحات.
أولًا: المعارضة
المعارضة عنصر أساسي في النظام الديمقراطي فلا توجد ديمقراطية بلا معارضة لسبب بسيط وهو أنَّ جميع المرشحين يراهنون على موافقة الناخبين عليهم في انتخابات حرة تديرها الحكومة وفقًا للقانون وفي بعض النظم الديمقراطية يتم تشكيل حكومة خاصة لإجراء الانتخابات تحوطًا في النزاهة. لن نقارن بين النظم الديمقراطية والنظم الأخرى حتى يستقيم المعنى، وحتى نقتصر في حديثنا على الجانب الأكاديمي، مفهوم على أنه يلتقي مع الملاحظة والدراسات التجريبية وليس كما يفهمه السطحيون من الناس فهم يفهمون الأكاديمي بمعنى النظري المنفصل عن الواقع وأن النظريات شيء والواقع شيء آخر. وهذا المفهوم السطحي ناجم عن الجهل بحقائق الموضوع الأكاديمي؛ فالذي فاز بالانتخابات يتولى تشكيل الحكومة والذي هُزم يتولى المعارضة، والمعارضة في هذه الحالة ليست انتقامًا من الذي فاز، وإنما فرصة لإظهار الذي فاز من خلال سلوكه العملي بأنه التزم أو لم يلتزم بمصالح الوطن، وليس هناك شخص في المعارضة أو في الحكم فوق القانون وإنما تشكل المجالس النيابية من مرشحين يعرف الناخبون عنهم كل شيء.
وفي مجتمع مفتوح تنساب فيه المعلومات ولا يحتكرها أحد وليس هناك سرية ودرجات السرية المبتكرة في أماكن أخرى ولا شك أن موقف المعارضة من الحكم فيه مسحة من الانتقام وتلك طبيعة بشرية، ولكن المعيار الذي يحكم به على الحكم والمعارضة في مجتمع مستنير هو مصالح الوطن والمصلحة العليا يقررها كل الشعب وكل الأجهزة ولا ينفرد بها أحد وليست حكرًا على أحد.
والمعارضة لها تقاليد، فإذا فازت في الانتخابات القادمة انتقلت السلطة بسهولة إليها وينظم القانون عملية التغيير وعملية انتقال السلطة ويفصل القضاء المستقل والذي يتمتع بالنزاهة والكفاءة في أي نزاع يتعلق بهذه المسألة ولا نريد حتى أن نضرب أمثلة تجنبًا للحساسيات وتركيزًا على النظرية العامة.
أما سيادة القانون؛ فهي مُطبَّقة بالفعل في النظم الديمقراطية ويراقب حسن تطبيقها القضاء ونلاحظ أن كل كلمة في القوانين أو في الدساتير الديمقراطية تعرف طريقها إلى التطبيق وليس هناك فرق بين النص والواقع.
وفي الأسبوع الأخير من نوفمبر 2024، رفعت منظمات حقوق الإنسان دعوى أمام المحكمة العليا في هولندا لإبطال القانون الذي أصدره البرلمان ويسمح للحكومة بتوريد السلاح لإسرائيل، ودفعت الحكومة بأنَّ هذا الأمر من أعمال السيادة، لكن المحكمة العليا الهولندية ردّت الحكومة وأفصحت عن تأكيد التطبيق السليم لنظرية أعمال السيادة في النظم الديمقراطية؛ فقالت المحكمة العليا الهولندية إنه عندما يُصدر البرلمان قانونًا بتوريد الأسلحة لإسرائيل وهي تقوم بأعمال الإبادة فإن البرلمان والحكومة يعتبران شريكًا في أعمال الإبادة، لكن المحكمة العليا الهولندية اقتصرت على إبطال القانون أصلًا؛ لأنه يؤدي في النهاية إلى مخالفة أحكام القانون الدولي الإنساني.
والحق أن هولندا التي تحتضن محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية في قصر السلام في لاهاي ومعهما أكاديمية القانون الدولي، حريصةٌ على التطبيق السليم للقانون الدولي، وقد تتاح الفرصة لنا في المستقبل لكي نقدم دراسة وافية عن موقف القضاء الهولندي المشرف انسجامًا مع القانون الدولي. وفي نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1899، شُيِّد قصر السلام خصيصًا لكي يجتمع فيه مؤتمر السلام الأول الذي أعقبه مؤتمر السلام الثاني 1907، وفي المؤتمر الأول تم إقرار أعراف وقوانين الحرب التي عرفت بلوائح لاهاي، وفي المؤتمر الثاني تم إنشاء المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي التي بدأت عملها عام 1909.
ولا يُمكن أن نتصور المعارضة إلّا في النظام الديمقراطي، وهي ليست منحة للمعارضين وإنما هي ركن أساسي من أركان الديمقراطية. والمعارضة لا توجد خارج النظام الديمقراطي؛ ولذلك ليس صحيحًا أن الذي لا يؤيد الحاكم خارج النظام الديمقراطي يُعد معارضًا؛ بل إن المعارضة التزام أساسي في الدستور الديمقراطي، وهكذا تطورت بنية النظام الديمقراطي الأوروبي عبر القرون.
وإذا كان الملك الفرنسي قد قال في القرن الرابع عشر أن "الدولة هي أنا"، فإن ذلك القول سابق على نشأة فكرة الدولة في القرن السادس عشر، وكان لويس الرابع عشر في العصور الوسطى.
أما نشأة الدولة بعد "صُلح وستفاليا" فإنه يؤشر إلى بداية العصور الحديثة.
ثانيًا: المخالفة
ومعناها أن لا يؤيِّد المواطن السُلطة تأييدًا مطلقًا، وإنما يكون له رأي في سياسات الحكومة. وفي هذه الحالة، فإن المواطن جزء من الدولة والحكومة تقتصر مهمتها على إدارة هذه الدولة وأدائها عرضة للتقييم من جانب المواطنين؛ ولذلك فالذي لا يُؤيِّد الحكومة مخالفٌ، وليس معارضاً، أما المُنافق والمُنتفِع؛ فهو يصمت أو يُؤيِّد سياسات الحكومة تأييدًا مُطلقًا.
المخالف يجب أن يخالف سياسات الحكومة بطريقة سلمية وبطريقة مهذبة وعادة يعرف المخالف بأنه ليس من الجوقة التي تؤيد الحكومة تأييدًا مُطلقًا، مع ملاحظة أن هذا المخالف في النظم غير الديمقراطية لا يستطيع أن يُعبِّر عن رأيه بأي طريقة ولا تُفتح أمامه وسائل الإعلام وتتم مقاطعته؛ بل واضطهاده. وبهذه المناسبة يختلط مفهوم المُخالِف مع مفهوم المُعارِض، فليس هناك معارضة داخلية إلّا في النظم الديمقراطية، ولا يضطر المعارض للهجرة للخارج لكي يُعارض، كما لا توجد معارضة مسلحة، وهذا خطر شائع في الإعلام العربي. والخلط بين المخالف والمعارض هو كالخلط بين الحكومة والدولة، عن جهل أو عن عمد، ولكن أوضحنا الفرق بين المعارض القانوني والمعارض الوهمي كما في الاستخدام الشائع في العالم العربي.
أما المُعارِض المُسلَّح ليس له وجود؛ لأن المُعارَضة دائمًا سلمية وسياسية وداخلية؛ فليس هناك معارضة مُسلحة أو خارجية؛ لأن طرق التغيير السلمي وتداول السلطة مكفولة في الدستور الديمقراطي.
ثالثًا: المناهضة أو التربص بالسلطة
وفي هذه الحالة يكون أحد أطراف الصراع فائزًا بالسُلطة ويعتقد الطرف الآخر أنه أحق منه بها، وفي العادة هذه الحالة نجدها في البيئات المتخلفة والصراع فيها مفتوح؛ فالأقوى ينتزع السلطة من الأضعف ويكون المناهض فهمه للسلطة ضيقًا؛ إذ يعتبر السلطة كسبًا خاصًا له وليست متداولة وفق الدستور والقانون.
ويترتب على ذلك أن المُناهِض ليس معارضًا ولا مخالفًا لأنه يريد السلطة لينتزعها ممن يتولى السلطة بأي طريق ويكون دافعه هو الانتقام، وكلا الطرفين يعتقدان أن الحصول على السلطة هو لصالح الوطن، ولذلك فإن الذي انتزع السلطة يظل دائمًا هدفًا للمناهض؛ فيتربص به ويصطاد أخطاءه ويخرج في هذه الحالة عن الموضوعية في ترصد الممسك بالسلطة.
رابعًا: المقاومة
وهذه في حالة المُحتَل للبلاد، ولا يُمكن تصوُّر المقاومة لحكومة قائمة في داخل البلاد، مهما كان انحرافها؛ فالمقاومة دائمًا متصورة للعدو؛ ولذلك في فلسطين المحتلة نُفرِّق بين المخالَفة للسلطة الفلسطينية والمقاوَمة للاحتلال الإسرائيلي. والمشكلة في فلسطين أن السلطة الفلسطينية تعتبر المقاومة للاحتلال إخلالًا بالأمن، ولذلك تشتبك معها في جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية تحت ستار التنسيق الأمني بين السُلطة وإسرائيل ضد المقاومة، وهذا أمر مُستهجَن كثيرًا ولن يغفره التاريخ للسُلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي الختام، نرجو أن نكون قد وضعنا النقاط على الحروف بالنسبة للمعارضة وأخواتها الثلاثة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر