أخبارنا المغربية- عبد المومن حاج علي

أظهرت دراسة حديثة أن أسلاف الإنسان في أفريقيا كانوا على حافة الانقراض قبل حوالي 900 ألف سنة، حسب تقرير نشر بمجلة "سيانس"، التي أوردت أن عدد أسلاف البشر شهد انخفاضا حادا قبل وقت طويل من ظهور الجنس البشري، (الإنسان العاقل)، حيث انخفض عدد الأشخاص إلى 1280 فقط ولم يرتفع مرة أخرى لمدة 117 ألف سنة.

وقال "هايبينج لي"، عالِم الوراثة السكانية بجامعة الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، والذي شارك في قيادة الدراسة: «لقد فُقد نحو 98.7% من أسلاف البشر». مؤكدا أن السجل الأحفوري في أفريقيا وأوراسيا في الفترة ما قبل 650 ألف و950 ألف سنة غير مكتمل، وأن « هذا الاكتشاف قد يفسر هذه الفجوة الزمنية».

ومن جهته قال "نيك أشتون"، عالم الآثار في المتحف البريطاني في لندن، والذي سبق أن تطرق للموضوع ، إنه كان مهتما بالحجم الصغير للناجين خلال هذه الفترة، مضيفا أن "هذا يعني أنهم عاشوا بمنطقة صغيرة للغاية تتمتع بتماسك اجتماعي جيد حتى تمكنوا من البقاء، والمفاجأة الأكبر هي المدة الزمنية المقدرة التي نجت فيها هذه المجموعة الصغيرة، فإذا كان هذا صحيحا، فإن المرء يتصور أن الأمر سيتطلب بيئة مستقرة ذات موارد كافية وضغوط قليلة على النظام."

وابتكر الباحثون أدوات جديدة لتحقيق اكتشافهم، حيث أدى التقدم في تسلسل "الجينوم" إلى تحسين فهم العلماء لعدد سكان الأرض في الفترة التي تلت ظهور الإنسان الحديث، لكنهم طوروا منهجية مكنتهم من ملء التفاصيل حول أسلاف الإنسان الأوائل.

وفي نفس السياق، صرحت "سيرينا توتشي"، عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت، إن هناك حاجة ماسة لمثل هذا العمل، مردفة بالقول : "ما زلنا نعرف القليل عن الديناميكيات السكانية لأسلاف الإنسان الأوائل لعدة أسباب، بما في ذلك القيود المنهجية والصعوبات في الحصول على بيانات الحمض النووي القديمة من عينات هومو القديمة".

وسمحت المنهجية الجديدة للباحثين بإعادة بناء الديناميكيات السكانية القديمة على أساس البيانات الجينية من البشر الحاليين، ومن خلال بناء شجرة عائلة معقدة من الجينات، تمكن الفريق من فحص الفروع الدقيقة للشجرة بدقة أكبر، وتحديد الأحداث التطورية المهمة. حيث أكد "ستانلي أمبروز"، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين : "إن هذه التقنية "سلطت الضوء على الفترة ما بين 800 ألف إلى مليون سنة مضت - والتي لا يزال هناك الكثير من المجهول حولها - بطريقة لم يتم القيام بها من قبل".

وكانت هذه الفترة جزءًا من التحول المبكر إلى "العصر البليستوسيني الأوسط"، وهو وقت شهد تغيرات مناخية جذرية، عندما أصبحت الدورات الجليدية أطول وأكثر كثافة، حيث أدى ذلك إلى فترات طويلة من الجفاف بإفريقيا، وهو ما اعتمد عليه "هايبينج لي" للترجيح أنه -المناخ المتغير- ربما يكون السبب الذي قضى على أسلاف البشر وأجبر أنواعًا بشرية جديدة على الظهور، حيث أنه وفي نهاية المطاف، ربما تطورت هذه الكائنات إلى آخر سلف مشترك للإنسان الحديث وأقاربنا المنقرضين، "الدينيسوفان والنياندرتال".

وبدأ عدد ما قبل البشر في التزايد مرة أخرى، منذ حوالي 813 ألف سنة، حيث أشار "زيكيان هاو"، عالم الوراثة السكانية في جامعة شاندونغ الطبية الأولى وأكاديمية شاندونغ للعلوم الطبية في جينان، والمؤلف المشارك في الدراسة، "إن طريقة تمكن أسلافنا من البقاء على قيد الحياة، وما سمح لهم بالازدهار مرة أخرى، لا تزال غير واضحة. ومع ذلك فمن المحتمل أن يكون للاكتشافات التي جاءت بها الدراسة، تأثير حاسم على التنوع الجيني البشري، مما يؤدي إلى تحديد العديد من السمات المهمة للإنسان الحديث، مثل حجم الدماغ." مقدرا أنه تم فقدان ما يصل إلى ثلثي التنوع الجيني. حيث أضاف : "إنها تمثل فترة زمنية رئيسية في سلسلة تطور البشر، لذلك، هناك العديد من الأسئلة المهمة التي يجب الإجابة عليها."

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: ألف سنة

إقرأ أيضاً:

شهوة القتل والبشر الضاحك أو هشُّ الزنَّانة

مشهد عودة سكّان شمال غزّة المهجّرين قسْرا، تحت لهيب النّار وروائح الموت المحيطة بهم من كلّ صوبٍ، مشهد عودة المقتلعين من أرضهم، بقوّة قصْفٍ لم تشهده بشريّة، حثّني على الوقوف متفكّرا، متأمّلا فـي حال البشريّة، وفـي هذا الإنسان الجانح إلى التدمير والتقتيل والترهيب. رأيت ركام أحياءٍ دكّت من أسسها، وأحياء أعْدم وجودها بعد حياةٍ وعلوّ بنيانٍ، مشاهد الدّمار الباقية وركام البنايات المهدّمة، المكدّسة، وكأنّ قاصدها ومتقصّدها أراد أن يدكّها دكّا، وألاّ يبقي فـيها ولا يذر.

لكنّ ما راعني فعلا، قوّة هذا الشعب من أبناء غزّة الذين تعجز الكتب عن احتواء عزائمهم، وتقصر الأشعار عن بيان صلابتهم وحبّهم لأرضهم وتعلّقهم بترابها، فقد عادوا إلى بقايا الخراب، إلى دورٍ لا وجود لها، إلى أحياءٍ بلا قطط ولا كلاب، ولا كهرباء ولا ماء، ولا مسالك، ولا جدران، عادوا وهم فـي حالٍ من الفرح الظّاهر على أعينهم ووجوههم، سعداء بملاقاة بقايا دورهم، والتحرّك فـي أزقّةٍ امّحت معالمها، سعداء بأنّهم صمدوا، وأنّهم عادوا، بأبدانهم وقوّة عزائمهم، لإعادة إعمار ما أفسده المفسدون. أعجبتني عجوز عائدة، تمشي راجلة، مهرولة، متّجهة إلى حطام بيتٍ كان لها وعاد، تقول، والبهجة تغطّي عباراتها: «عائدون إلى دورنا، وما تحطّم منها نعيد بناءه، ومن استشهد من الرّجال فعند اللّه حسن المآب، ولكنّنا لن نغادر أرضنا». تذكّرت وأنا أرى جحافل البشر على طريق العودة إلى شمال غزّة، وتذكّرت وأنا أرى أمواجا من الخلق، أطفالا ونساء ورجالا، وعجائز وشبّانا ورضّعا، ما تغنّى به الشعراء من أصوات «أجراس العودة»، وما قاله الشعراء عن أهل غزّة، الذين أثبت واقعهم أنّهم بشر مختلفون، أنّهم أصحاب تاريخٍ من الدّفاع عن قلاعهم، وألاّ غازي قدر على كسْر عزائمهم، تذكّرت، محمود درويش، فدوى طوقان، سميح القاسم، غسّان كنفاني، إميل حبيبي، أبا عمّار، تذكّرت كلّ هؤلاء، وأنا أرى النصر فـي أعين الشيب والشباب، الأطفال والرضّع، النّساء والرّجال، نصر وقفت مرارا أجادله مع دعاة العقل والتعقّل، الذين يقولون: ما الذي ربحه أبناء فلسطين من هذه الحرب غير التقتيل والتجوع والتدمير والتشريد، وكانوا فـي عزّة الاستكانة والاستمالة ينْعمون؟ أجادل وأجالد نفسي أحيانا إن اشتدّ التقتيل والتجويع بأطفالٍ أرى فـي عيونهم الحاجة والإصرار، الجوع والمقاومة، البأس ولا يأس؟ الفلسطينيّ اليوم وهو يعود إلى غزّة يقول على القنوات ويصرّح أنّهم هزموا الاستيطان وأفشلوا خططه، وكسروا شوْكته، لم تنكسر شوكة الفلسطيني من أبناء غزّة بكلّ هذه القنابل والرصاصات والأسلحة الثقيلة التي جرّبت فـيه، وهزّت الأرض والسّماء، ودمّرت العتاد ولم تدمّر البشر، لم تمسّ الرّوح ولا عزائم عتاة البشر.

لقد قال سميح القاسم، وما قوله بمعبّرٍ عن عمق ما نراه من أثر الواقع: «يموت منا الطفل والشيخ/ ولا يستسلم/ وتسقط الأمّ على أبنائها القتلى/ ولا تستسلم/ تقدّموا/ تقدّموا/ بناقلات جندكم/ وراجمات حقدكم/ وهدّدوا/ وشرّدوا/ ويتّموا/ وهدّموا/ لن تكسروا أعماقنا/ لن تهزموا أشواقنا/ نحن القضاء المبرم/ تقّدموا/ تقدّموا/ طريقكم وراءكم/ وغدكم وراءكم/ وبحركم وراءكم/ وبرّكم وراءكم/ ولم يزل أمامنا/ طريقنا/ وغدنا/ وبرّنا/ وبحرنا/ وخيرنا/ وشرّنا/ فما الذي يدفعكم/ من جثّة لجثّة/ وكيف يستدرجكم/ من لوثة للوثةٍ/ سفر الجنون المبهم». تعجز القصيدة التي طالما رافقت النّضال الفلسطينيّ عن التعبير عن مشهد الحجّ الغزّاوي الذي نراه هذه الأيّام، يعجز الفنّ عن التعبير عن انتصار شعْبٍ بعد شدّة تقتيله والرغبة فـي إفنائه، وهل يفنى الخالدون؟ إنّ أهل غزّة قد نجحوا أن يحمّلوا أجنّتهم قضيّة فلسطين والأرض المستلبة، النّاس تورّث المال والذّهب والأعمال والعمار، وأهل غزّة يورّثون أجنّتهم عشق فلسطين، والعمل على استرجاعها.

لم أر فـي تاريخ ما قرأت شعبا «جبّارا» كأهل غزّة المقبلين على الحياة على أطلالٍ دارسة، مات منهم عشرات الآلاف، وكسّحوا وعطّلوا وشوّهوا، وعطّبوا، وبتّروا، لم يفنهم الجوع ولا العطش، لم تفنهم الشمس ولا المطر، لم يقتلهم القرّ ولا الحرّ، لم تقدر عليهم قنابل صنعت خصّيصا لهم، ولم يكسرهم عدوّ مدجّج يقبع متخفّيا فـي آليّاتٍ حربيّة شديدة الأمان والرّخاء، لم تمتهم آلات رضعت نهما دمويّا، وغذيت بقتل الفلسطينيّ، «الزنّانة» (الطائرة المسيّرة) صارت فوق رؤوس النّاس تراقب يومهم وليلهم، نومهم وصحْوهم، يهشّها قائد جالس بارز، بعصاه هشّ سقْط الأنْعام.

لقد تفتّحت على القضيّة الفلسطينيّة، أراها فـي مسرحيّة «نخبك يا وطن»، أو فـي أطالعها فـي روايات عددٍ تاجها «المتشائل»، أو تثار فـي أعماقي بشعر يألمه محمود درويش أو يصرخه سميح القاسم، أو تنحته فدوى طوقان على جدران سجنها، تربّينا على أدبٍ فلسطينيّ واكبْنا منه كلّ مراحل النكبة والنكسة وأديرة الجماجم، وتاريخ الدّماء الفلسطينيّة المهدورة من عربٍ وعجم، ونشأنا على ما صدح به أحمد دحبور ومارسيل خليفة، وغيرهما، نحن جيل من الهزائم المتكرّرة، تراكم علينا اليأس، أمّا أهل الدّار، أهل غزّة، فرغم كلّ ما فقدوه من مالٍ وجاه وأبناء وآباء وأحبّة، فرحون أنّهم حافظوا على أرضهم وإن كانت ركاما، الأرض هي الباقية، لقد نجح المستوطن الإسرائيليّ من سلالة مصّاصي الدّماء فـي كسْر الحجر، وخاب خيبة كبرى فـي كسْر البشر، ولقد أحسن درويش وسْم هذا النوع المختلف من البشر بقوله: «إن سألوك عن غزة، قل لهم: بها شهيد، يسْعفه شهيد، ويصوّره شهيد، ويودّعه شهيد، ويصلّي عليه شهيد». لقد أيقظت فـينا غزّة، رغم صمْتنا، وتبدّل أحوالنا، شيْئا ما، وقلبت العالم رأسا على عقب، لقد غيّر أهل غزّة تصوّرنا للبشر، والعالم سيكون بعد حرب غزّة مشهد عودة أهلها إليها مختلفا عن العالم قبل ذلك. لم تفت الشاعر المتبصّر نزار قبّاني ملاحظة أنّ أهل غزّة مختلفون، فكتب فـيهم قصيدته الشهيرة «يا تلاميذ غزّة»، دعاهم بالمجانين الذين يعلّمون العقلاء، فـي مدّ «أطفال الحجارة»، لا ننسى أنّ هذا الشعب العائد اليوم منتصرا، مرفوع الرأس، هو نتاج باكورة أطفال الحجارة الذين قاوموا دبّابات العدوّ رميا بالحجارة، وسخر منهم العقلاء، وها هم اليوم يصنعون التاريخ، أختم بما قاله نزار قبّاني يوْما من أيّام رمي الحجارة: «يا تلاميذ غزّة/ علّمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا/ علّمونا بأن نكون رجالا/ فلدينا الرّجال صاروا عجينا/ علّمونا كيف الحجارة تغدو/ بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا/ كيف تغدو درّاجة الطفل لغما/ وشريط الحرير يغدو كمينا/ كيف مصّاصة الحليب/ إذا ما اعتقلوها تحوّلت سكّينا».

مقالات مشابهة

  • حلوى نهر خوز.. مذاق بصري أصيل يتجاوز حدود الوطن (صور)
  • عمدة واشنطن: 64 شخصا بينهم 3 جنود كانوا على متن الطائرة المنكوبة
  • عمدة واشنطن: 64 شخصا كانوا على متن الطائرة المنكوبة و3 جنود في المروحية
  • تحطم طائرة أمريكية.. عشرات الغواصين يشاركون في البحث عن الناجين بالنهر
  • أميركان إيرلاينز: 64 شخصاً كانوا على متن الطائرة المنكوبة
  • حفريات محيرة في الصين قد تعيد كتابة التاريخ البشري.. ما القصة؟
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • شهوة القتل والبشر الضاحك أو هشُّ الزنَّانة
  • المسيحيون في غزة.. هل يواجهون خطر الانقراض؟ قراءة في كتاب
  • المدرسة في «عام المجتمع».. دور تعليمي يتجاوز الفصول الدراسية